نقيضان لا يمكن أن يلتقيا، هما الإبداع والقطاع العام، ومحاولة التقريب بينهما ستبوء بالفشل لا محالة. وإذا ما أرادت الحكومة أن تطلق مشروع الإبداع من عقاله، فعليها أن تبدأ بالتخلي عن القطاع العام الضخم تدريجيا، فلم نر من ذلك القطاع سوى التردي على جميع الأصعدة، وفي طليعتها الشأن السياسي الذي ارتبط به إلى حد كبير.
تحويل البلاد إلى مركز مالي وتجاري وتحقيق طموحات سمو أمير البلاد في رؤية ذلك المشروع يتجسد على أرض الواقع ليس صعبا، لكنه كذلك إذا وسد أمره للقطاع العام، فالبيروقراطية السلبية تكاد تلف كل مفاصله، ولا يمكن بأي حال من الأحوال انتظار مشروع بذلك الحجم من مثل ذلك القطاع الجامد، إلا إذا كنا ننتظر حصاد العاصفة.
هناك تجارب اقتصادية رائدة حدثت في دول وظروف شبيهة إلى حد كبير بظروفنا، كتجارب كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة، بل ربما ظروفنا أفضل بكثير من ظروف تلك الدول، عندما بدأت نهوضها، وخصوصا مع وجود شباب لديهم الرغبة في الحصول على فرص كتلك التي حصل عليها شباب تلك الدول وقاموا بتطويرها.
البداية في تحويل مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية إلى شركة خاصة، وتوفير جميع التسهيلات اللازمة لها لنضمن نجاحها ونجاح التجربة الوطنية في إعادة النظر في القطاعات الخدمية في القطاع العام تجاه تحويلها إلى شركات خاصة توزع نصف أسهمها على المواطنين، وتتكفل الحكومة بتمويل شراء تلك الأسهم، ليستفيد أكبر عدد منهم.
الخطوة الثانية يمكن أن تكون تحويل قطاع الكهرباء والماء إلى شركة حكومية في بداية الأمر، وطرحها على شكل أسهم في وقت لاحق توزع في ما بين الشركات المتخصصة والمؤسسات الاجتماعية بشكل متساو مع المواطنين، ودعمهم في الحصول على تلك النسبة من الأسهم، لتوفير أمرين، أولهما المرونة في التعاطي مع حاجة المواطنين في هذا الجانب، والآخر تخفيف أعباء الحكومة وتفرغها للتخطيط، بدلا من الانشغال في الشأن اليومي.
الخطوة الثالثة، تتمثل في الاستفادة من قطاع الاتصالات، من خلال إنشاء هيئة للاتصالات، وترك القطاع الخاص ليؤسس الشركات المساهمة، من أجل توفير خدمات الاتصالات من دون الحاجة لتحويل هذا القطاع إلى شركة كما سيحدث في قطاع الكهرباء والماء، باعتبار أن قطاع الاتصالات مربح، ولا يحتاج إلى دعم حكومي لينهض، بل هو خدمة اختيارية.
الخطوة الرابعة، يمكن أن تكون هي الحل الدائم للمشكلة الإسكانية، من خلال تحويل المؤسسة العامة للرعاية السكنية إلى جهة استشارية محضة يتمحور عملها في الإشراف على الشركات الخاصة، لتوفير تلك الخدمة بعد تسليمها الأراضي اللازمة، بعيدا عن التعقيدات الحالية، وإلا، فستظل تلك المشكلة تراوح في مكانها إلى ما لانهاية، هذا إذا أردنا للإبداع أن يشق طريقه، أما الاستمرار في هذا القطاع العام الضخم فسيعرقل كل فكرة تطرح.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق