هناك دائما فائدة من الأفعال السيئة حتى ولو كان ذلك العبرة التي يمكن أن تكون محفزا على عدم تكرارها، ومن بين تلك الأفعال السيئة فرض بريطانيا وصايتها على أجزاء كبيرة من العالم العربي والإسلامي واستباحة خيراتها وتحويلها إلى أسواق لترويج بضائعها، بالإضافة إلى استقطاع جزء مهم من أجزاء العالم العربي ومنحه لليهود مكافأة لهم دون وجه حق.
تلك بضعة سطور لكنها لا تعبر عما فعلته بريطانيا العظمى في الشعوب التي استعمرت بلدانها، لكن كما يقول العرب رب ضارة نافعة، فها هي تلك الدول التي أهملها الأتراك العثمانيون- رغم أن أهلها شعوب تتبع لهم في ذلك الوقت- وتركوها نهبا للمرض والتخلف والجهل تنهض من جديد على أكتاف بريطانيا الاستعمارية حتى وإن كان ذلك دون رغبة منها.
نحن في الكويت ينبغي لنا أن نتذكر دائما معاهدة 1899 التاريخية التي وقعها الشيخ مبارك الكبير مع بريطانيا العظمى من أجل توفير الحماية لنا كشعب وكيان، ولولا تلك الاتفاقية التاريخية لما تمكنا منذ ذلك التاريخ من حماية أنفسنا من كيانات أكبر في المنطقة لم يردعها يوما ما القواسم المشتركة إن على صعيد التاريخ أو على صعيد الاعتبارات الأخرى ولكانت ابتلعتنا تلك الكيانات دون تأنيب من ضمير.
كل تلك «البحبوحة» التي نعيشها الآن يعود الفضل الأكبر فيها إلى دهاء الشيخ مبارك الصباح وحكمته ولبريطانيا العظمى أيضا، ولولا ذلك لكنا الآن جزءا من كيان أكبر وربما يكون ذلك الكيان يقاد بنظام شمولي لا يسمح فيه لأحد بنقد أو طرح رأي بكل حرية، والتجارب من حولنا كثيرة وما علينا سوى مد أيدينا واستحضار تاريخها حتى نعرف ماذا جرى.
فعلا رب ضارة نافعة، فعندما عملت بريطانيا جاهدة على توفير المواد الأولية لمصانعها في أراضي الكويت وغيرها لم تكن تعلم أنها بتلك الخطوة تخرج شعبا من الشعوب من براثن التخلف والجهل والمرض والجوع إلى أجواء العالم الحديث، ولو نظرنا إلى بلادنا كمثال لم يكن لدينا مستشفيات ولا مدارس ولا جامعات ولم تكترث الدولة العثمانية بنا يوما ما.
منذ ذلك التاريخ بنيت المستشفيات والمدارس والجامعات ووضع الدستور وتحولنا إلى دولة حديثة وجال أبناؤنا دول العالم المتقدم للحصول على أعلى الشهادات حتى وإن لم يكن ذلك برغبة من بريطانيا العظمى لكنها الحتمية التاريخية أو ما يسمى «معضلة» الملك في السياسة، وفي نهاية المطاف هم استفادوا ونحن كذلك، وهي المعادلة التي مازلت تجمع بيننا ويهمنا أن تستمر ونقولها دائما «شكرا بريطانيا» حتى ولو لم يكن ذلك مقصدك.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق