نشرت صحيفة القبس بحث للدكتور فيصل عبدالله الكندري أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الكويت تتعلق بالجالية اليهودية فى الكويت والذي بين من خلال الوثائق عدد العائلات اليهودية ومتى استوطنوا فى الكويت وممارستهم التجارة وخاصة تجارة الأقمشة الى ان غادروا الكويت الى العراق ومنها الى إسرائيل .وخلال تواجد اليهود اظهر أهل الكويت تسامحا كبيرا معهم حيث وفروا لهم أماكن للإقامة وسمحوا لهم بمزاولة التجارة وبناء المدارس وأماكن للعبادة وإقامة مقبرة لهم وفى لم مقابل إحسان أهل الكويت لهم ظهرت تصرفاتهم السيئة كصناعة الخمور، ولم يذكر التاريخ الأسباب التي دفعت إلى إجلاء اليهود عن الكويت بعد ان عاشوا فيها ردحا من الزمن.
اليهود في الكويت
نشرت هذه الدراسة باللغة الانكليزية في مجلة Islam and Christian- Relations الصادرة عن جامعة جورج تاون الأميركية في المجلد 17 رقم 4 في أكتوبر 2006، ولم تنشر باللغة العربية من قبل..
يعاني التاريخ الحديث لدولة الكويت من قلة الكتابات التي تناولت وضعها السياسي او الداخلي خلال قرون تأسيسها الاولى، وهذا راجع لعدة عوامل منها: انتشار الامية، واهمال التدوين، وحتى اولئك الذين عرفوا القراءة والكتابة ابتعدوا كثيرا عن تدوين الاحداث المحلية منها والخارجية، ربما لإدراكهم بأنها معروفة من قبل الجميع، او لانهم اعتبروا الكويت دولة صغيرة وهذه احداث محلية صرفة ولن ينشغل كثير من الناس بها.
وأدى ذلك الى قلة المصادر وندرة المصادر التاريخية دفعتنا للبحث في الاصول التاريخية، فوقعت ايدينا على الوثائق الوقفية او الوقفيات (اوما يطلق عليها محليا اسم العدسانيات) وهي تتناول بصورة مباشرة الحياة الوقفية، كأن يذهب احد الافراد الى القاضي ويوقف بيته او دكانه على وجه من وجوه الخير او يوقفه على ذريته. ولكننا وجدنا فيها مادة غنية تلقي ظلالا كبيرا على النشاط الداخلي للسكان.
وبما ان هذه الوثائق الوقفية تعتبر مادة اصلية لا تزال بكرا، ولم تصلها يد الباحثين بعد، وجدنا ان نجعلها مصدرنا لكتابة هذا البحث والذي يتعلق بدراسة الجالية اليهودية الموجودة في الكويت. ومن حسنات وثائق الوقفيات انها تسلط الأضواء على تركيبة المجتمع.
وعند تتبعنا وثائق الوقف الكويتي والتي زاد عدد المنشور منها على الثلاثمائة وقفية لم تظهر اي اسماء لسكان الكويت من غير المسلمين، سوى وثيقة واحدة ذكرت احد اليهود عندما باع دكانه، وكان هذا دافعنا للجري خلف المصادر والكتب التاريخية لسبر اغوارها لجمع المادة العلمية حول التواجد اليهودي في الكويت، واخذنا نقارن بين المصادر والمراجع المحلية بما حوته بعض المصادر العثمانية والموجودة في الارشيف العثماني. ونظرا لقلة المادة العلمية التي تتعلق باليهود في الكويت حاولنا ان نسد النقص بعمل بعض المقابلات مع بعض من له دراية بالموضوع او من لديه معلومة تفيدنا في هذا البحث.
معلومات الوثيقة
تشير الوقفية الى ذهاب كل من داود بن ابراهيم اليهودي، ومحمد بن يوسف القناعي (المطوع) الى القاضي محمد بن عبدالله العدساني، وحرر القاضي وقفية بيع دكان الاول للاخير بثمن وقدره مائة وخمسين ريالا، وشهد القاضي بأن المشتري وضع كامل المبلغ بيد البايع داود، فانتقلت ملكية الدكان الى المشتري محمد بن يوسف، وذلك في يوم 16 ربيع الاول 1320 هــ/ 23 يونيو 1902م.
وتضيف الوقفية بأن السيد محمد بن يوسف المطوع قد اوقف الدكان على كل من يصبح اماما لمسجد عبدالعزيز المطوع 5، وتم تحرير هذه الاضافة في الوقفية في 15 ربيع الآخر 1328 هــ/ 26 ابريل 1910م.
أصل اليهود في الكويت
تشير كتب التاريخ الى ان الجالية اليهودية لم تظهر في الكويت مع تأسيسها، واستمرت الكويت تخلو منهم حتى اواخر القرن التاسع عشر الميلادي، ولحسن الحظ، فإن الارشيف العثماني يحتفظ لنا بتقرير كتبه مدحت باشا والي بغداد (1869 – 1872م) عن الاحوال السياسية في منطقة الخليج العربي، والجدير بالذكر ان مدحت باشا زار الكويت عام 1288هــ/1871م في عهد الشيخ عبدالله الصباح، ورفع تقريره هذا الى السلطات العثمانية، ويقول عن اهالي الكويت .. يعيش سكانها في حالة استقرار حتى الآن، رغم انها محاطة من الناحية البرية بكثير من مواطنيها من العشائر والقبائل البدوية الذين يشتركون في ادارتها.
ويزداد عمرانها من يوم لآخر ويرتقي، واكثر اهالي القصبة نفسها على المذهب الشافعي، وقليل منهم على المذهب الحنفي، وكثير منهم على المذهب المالكي، وفضلا عن ان سكانها لا يوجد بينهم يهود او مسيحيون، كما لا يوجد بينهم وهابيون او شيعة ايضا.
ويتضح لنا من التقرير بأن مدحت باشا قد قابل الشيخ عبدالله الصباح عدة مرات، ولا شك انه قد سأله عن رعاياه، واستقى منه معلوماته عن الكويت واهلها، واستنادا على ما قاله مدحت باشا، فنستطيع القول بأن الكويت كانت تخلو من اليهود والنصارى حتى هذا التاريخ.
ويمكننا القول بأن اليهود عبارة عن اقوام وصلت الكويت من الخارج في الربع الاخير من القرن التاسع عشر الميلادي بسبب حالة الازدهار والرقي التي بدأت الكويت تشهدها خلال فترة حكم الشيخ عبدالله الصباح 1866 – 1892م ، ومعظمهم هاجر الى الكويت من العراق وايران عندما بدأت بشاير الخير تطل برأسها على الكويت مع تطور الحركة التجارية.
لعبت شركة الهند الشرقية الانكليزية بوكالاتها في الخليج العربي دورا رئيسا في تنشيط التجارة بين مختلف موانيه وموانئ الهند والمناطق الواقعة شمالي الخليج وبلاد سوريا وآسيا الصغرى، حيث ظل بريد الشركة ينقل عبر الخليج العربي. واعتبارا من عام 1862م أخذ خط بحري من البواخر يعمل بانتظام بين بومباي وموانئ الخليج مارا بكراتشي من أجل الخدمات البريدية، وكان عدد البواخر العاملة فيه سفن فقط في العام. وأخذت الخدمات البريدية تتحسن حتى صارت مرة كل اسبوعين عام 1868م، ثم صارت اسبوعية عام 1874م، وبهذا لعب الخليج دورا نشطا كوسيلة للمواصلات بين الهند وأوروبا.
ولم يكن نقل التجارة في الخليج حكرا على السفن الانكليزية، وانما ساهمت موانئ الخليج في ذلك أيضا، وكان نصيب الكويت في ذلك ملحوظا، فقد أوضحت التقارير البريطانية التي تعود لعامي 63 – 1865م بأن واردات الكويت من ملبار وبومباي تصل الى 200 ألف روبية، وترسل الكويت الى بومباي 30 مركبا في العام الواحد، وبلغ عدد البحارة حوالى 4000 بحار.
وهذا يبين لنا مدى الازدهار الذي بدأت الكويت تشهده في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي.
ولا يستبعد أن يكون أولئك اليهود قد عانوا من أوضاعهم السيئة في بلادهم الأصلية، وهذا دفعهم للهجرة الى الخارج بحثا عن مكان أكثر استقرارا وازدهارا، فوجدوا ضالتهم في الكويت.
ومع شديد الأسف لا توجد دلائل بين أيدينا توضح كيفية مجيء هؤلاء اليهود الى الكويت، ووقت قدومهم، وتفيدنا هنا وثائق الارسالية الاميركية التي ركزت نشاطها في منطقة الخليج العربي.
ومما يدل على قدوم اليهود من الخارج ما ذكره ستانلي ماليري – وهو من أوائل الأطباء الذين عملوا في الخليج العربي، ولا سيما البحرين والكويت – في مذكراته أنه «في يوم 14 ابريل 1914 وصل إلى ميناء الكويت مركب عليه ثمانية مسافرين من اليهود خمس منهم نساء، وحسب القواعد المتبعة كان على السفينة أن ترسو خارج الأرصفة حتى تتم أيام الحجر الصحي المفروض عليها، ونظرا لعدم وجود محطة ملائمة للحجر الصحي في الكويتآنذاك، فقد هبت عاصفة شديدة أثناء الليل رافقتها ريح شديدة، فانقلب المركب وسقط المسافرون الثمانية في البحر وغرقوا، بينما تمكن البحارة من إنقاذ أنفسهم والسباحة إلى رصيف الميناء».
واستوطن اليهود الكويت، وأخذوا يتجمعون في حي واحد، ومع الهجرات الخارجية أخذ عددهم يزداد حتى وصل ما بين مائة إلى مائتي يهودي مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وهي الفترة التي أعد فيها لوريمر كتابه عن الخليج.
وعرف اليهود في الكويت بأولاد عزرا أو عيال عزرا، وعندما زاد عددهم عرف الحي الذي يقطنونه بحي اليهود «أو بفريج اليهود» على حد تعبير أهلالكويت. وقال الشيخ عبدالله الجابر الصباح، رحمه الله، ان عدد العائلات اليهودية بلغ 83 عائلة. كما كان لليهود معبدهم الخاص بهم.
وتعتقد الباحثة ساندي شن – وهي باحثة في التراث الكويتي – بأن معظم من جاء إلى الكويت من اليهود لم يقيموا بها لمدة طويلة بصورة متواصلة، وإنما كانوا ما بين ذهاب وإياب بين الكويت ومناطق إقامتهم الأصلية.
اختلاط اليهود بالكويتيين
هذا العدد المتزايد من اليهود يدل على سماحة أهل الكويت معهم، كونهم غرباء، وبدأ هؤلاء يختلطون بالكويتيين مع مرور الوقت، وكانوا يجالسون الرجال في قهوة بوناشي التي تعتبر من أشهر المقاهي آنذاك، وأخذوا يلبسون الملابس الكويتية حتى غدا من الصعب التفريق بين الكويتي واليهودي.
وزاد بهم الأمر وصاروا يلبسون عقال شطفة، والزبون، والبالطو، وهي من الملامح الرئيسية للباس الكويتي.
وظل اليهود طول فترة بقائهم في الكويت يعملون بالتجارة، ولم يعملوا في الوظائف الحكومية، كما كانت لهم مقبرة خاصة باليهود، وهذه كانت تقع في فريج البلوشي بالقرب من السينما.
كما لم يدخل اليهود أولادهم مدارس الحكومة، بينما كان لهم تعليمهم الخاص في كنيسهم، كما حرصوا على إرسال أبنائهم إلى المدارس التي كانت تهتم بتعليم اللغة الانكليزية وهي مدرسة الإرسالية الأميركية، ودرسوا فيها بجانب الكويتيين، وهناك صورة التقطت في حدود عام 1930 للدارسين فيها، ويظهر فيها ستة من أبناء اليهود وهم: صالح محلب وهو التاجر المعروف من أهل بغداد، والتاجر ساسون بن يعقوب، وابن ساؤل، وبنحاس وأخيه، ويهودي آخر.
واستطاعت الباحثة ساندي شن تعقب بعض الأسماء اليهودية التي وجدت في الكويت، فتقول ان عبد شامون كان له بيت في فريج الشيوخ، وجاءت عائلة شامون إلى الكويت قادمة من خرمشهر، وغادرت إلى البصرة. وساسون بن ياقوت كان يمتلك دكانا في سوق اليهود. وصالح محلب كان له دكان في سوق التجار، وغادرت عائلة محلب إلى كندا وأميركا.
ومن الجالية اليهودية التي سكنت الكويت المغنيان صالح وداود الكويتي أولاد عزرا، وساسون بن يعقوب، وقد أجر الموسيقيان داود وصالح عزراالكويتي بيتا من أسرة الفرج، وغادرا الكويت متوجهين إلى العراق ومنها إلى اسرائيل. وتذيع إذاعة اليهود لهم بعض الأغاني ذات لحن عراقي. ولما رجعا إلى العراق عرفا هناك باسم الكويتي لتمييزهما عن غيرهم، وللدلالة على أنهما قدما من الكويت. فحملا الاسم نفسه معهما إلى اسرائيل.
سوق اليهود
أخذ بعض اليهود يعملون بالتجارة، وتزايد عددهم مع مرور الوقت، وقاموا باستئجار محلات لهم، حتى اشتهروا بتجارة الأقمشة، وظهر سوق اليهود إلى الوجود.
يقع سوق اليهود شرق سوق التجار بالقرب من مسجد الحداد بالقرب من سكة الكاركة، وامتلك هذا السوق المرحوم خليل القطان، وهو من كبار تجار الأقمشة والأراضي في بدايات القرن العشرين، وهو يعتبر من أقدم أسواق الكويت المخصصة لبيع الأقمشة.
ومؤسس هذا السوق هو خليل القطان حيث اشترى الكارگة من المرحوم محمد ابراهيم جمال، بالإضافة إلى عدد من البيوت المحيطة بها عام 1313هـ/1895. وقام خليل بهدم الكاركة والبيوت، وشيد مكانها قيصرية تضم عددا من المحلات، وقام بعض اليهود من باعة الأقمشة باستئجارها منه، وزاد نشاط السوق، فاكتسبت القيصرية شهرة كبيرة حتى أضحت من أكثر أسواق الكويت نشاطا، وأطلق عليه الناس سوق اليهود.
واستمر هذا السوق يتبوأ الصدارة بين أسواق الكويت لفترة من الزمن جاوزت الثلاثين عاماً، إلى أن بدأ يفقد مكانته عندما تم بناء سوق آخر للغرض نفسه وهو سوق ابن رشدان.
قام راشد بن رشدان العازمي، وهو من كبار تجار العقار وأصحاب السفن ببناء قيصرية في أواخر العشرينات من القرن الماضي لتضم البزازين أو بائعي القماش، وحتى يجذب أصحاب الدكاكين للانتقال إلى قيصريته قدم لهم عروضاً كبيرة حين عفاهم من الإيجار لمدة عام كامل، ثم طالبهم بدفع إيجار شهري بسيط مقداره روبية واحدة للدكان، ونتيجة لهذه العروض نزح عدد كبير من أصحاب المحلات وخاصة اليهود من سوق خليل القطان إلى هذا السوق، فغدى سوق القطان دون مستأجرين وأخذ يفقد مكانته.
تقبل الآخرين
أما عن تقبل الشعب الكويتي لليهود فلم تشر المصادر والمراجع التاريخية التي رجعنا إليها إلى طبيعة العلاقة بين الطرفين، ولكن من الواضح أن مجموعات كبيرة من سكان الكويت كانت ترحب بالأجانب وبمن هم على ديانة أخرى بدليل أنه لو عارض الكل أو الغالبية منهم وجود الغرباء بينهم لما مكث أولئك اليهود في الكويت ردحاً من الزمن، ولما مارسوا التجارة، لأن الكويتيين كانوا سيقاطعونهم، وعندها سيشعر أولئك بأنهم غير مرغوب بهم في الكويت وسيغادرونها فوراً، وكانوا سيوصون أقاربهم وبني ديانتهم بعدم القدوم إلى الكويت. ولكن تزايد أعدادهم في الربع الأول من القرن العشرين لهو خير دليل على قبول الكويتيين للديانات الأخرى، وحسن المعاملة هي التي شجعت الكثير منهم للقدوم إلى الكويت .
ولكن برجوعنا إلى أغاني الأطفال قديماً، نستطيع القول انه كان هناك من بين الكويتيين من لم يتقبل وجود اليهود بينهم بدليل وجود أهزوجة يرددها الأطفال في الماضي عندما يشاهدون يهوديا كانوا يتعقبونه ويقولون : «يهودي يهودي ما يصلي، الدجاجة أخير منّه.
المدرسون فضحوا أعمال اليهود في فلسطين
يعاني التاريخ الحديث لدولة الكويت من قلة الكتابات التي تناولت وضعها السياسي او الداخلي خلال قرون تأسيسها الاولى، وهذا راجع لعدة عوامل منها: انتشار الامية، واهمال التدوين، وحتى اولئك الذين عرفوا القراءة والكتابة ابتعدوا كثيرا عن تدوين الاحداث المحلية منها والخارجية، ربما لادراكهم بانها معروفة من قبل الجميع، او لانهم اعتبروا الكويت دولة صغيرة وهذه احداث محلية صرفة ولن ينشغل كثير من الناس بها. وادى ذلك الى قلة المصادر.
وندرة المصادر التاريخية دفعتنا للبحث في الاصول التاريخية، فوقعت ايدينا على الوثائق الوقفية او الوقفيات (او ما يطلق عليها محليا اسم العدسانيات) وهي تتناول بصورة مباشرة الحياة الوقفية، كأن يذهب احد الافراد الى القاضي ويوقف بيته او دكانه على وجه من وجوه الخير او يوقفه على ذريته. ولكننا وجدنا فيها مادة غنية تلقي ظلالا كبيرا على النشاط الداخلي للسكان.
وبما ان هذه الوثائق الوقفية تعتبر مادة اصلية لا تزال بكرا، ولم تصلها يد الباحثين بعد، وجدنا ان نجعلها مصدرنا لكتابة هذا البحث والذي يتعلق بدراسة الجالية اليهودية الموجودة في الكويت. ومن حسنات وثائق الوقفيات انها تسلط الاضواء على تركيبة المجتمع.
وعند تتبعنا وثائق الوقف الكويتي والتي زاد عدد المنشور منها على الثلاثمائة وقفية لم تظهر اي اسماء لسكان الكويت من غير المسلمين، سوى وثيقة واحدة ذكرت احد اليهود عندما باع دكانه، وكان هذا دافعنا للجري خلف المصادر والكتب التاريخية لسبر اغوارها لجمع المادة العلمية حول التواجد اليهودي في الكويت، واخذنا نقارن بين المصادر والمراجع المحلية بما حوته بعض المصادر العثمانية والموجودة في الارشيف العثماني. ونظرا لقلة المادة العلمية التي تتعلق باليهود فيالكويت حاولنا ان نسد النقص بعمل بعض المقابلات مع بعض من له دراية بالموضوع او من لديه معلومة تفيدنا في هذا البحث.
رغم ذلك نجد هناك تسامحا كبيرا أظهره الكويتيون مع اليهود حيث وفروا لهم أماكن للإقامة، وسمحوا لهم بمزاولة التجارة، ومنحوهم الحق لإقامة المدارس الخاصة بهم، وتكرموا عليهم بإعطائهم قطعة لتخصص كمقبرة لهم، وكان لهم مطلق الحرية في مزاولة عباداتهم – من خلال المعبد الذي خصص لهم – وأعمالهم، كما تشير الوقفية التي بين يدينا إلى أن اليهود كانوا يتمتعون بحرية التصرف في أملاكهم من بين بيع وشراء. وكانت لهم عطلة خاصة بهم وهي يوم السبت، كما سمحوا لهم بالإختلاط بالأهالي، ولبس الملابس الكويتية حتى صار يصعب التمييز بينهم وبين الكويتيين.
ولكن كل ذلك لم يقابله اليهود بالاستحسان أو برد الجميل، وإنما كانت للعديد منهم تصرفاتهم السيئة، وظلوا، كعادتهم، أناسا يعشقون المادة دون النظر إلى الأسلوب المتبع ومدى ملاءمته للمجتمع الذي يعيشون فيه، فقد كان همهم هو الحصول على المال بأي وسيلة وبأي شكل.
ومن عادات اليهود السيئة التي جبلوا عليها قيام البعض منهم بصناعة الخمور المحرمة شرعا على المسلمين، ومع أن تعاطي المسكرات لم يكن مباحا في الكويت، فقد كان بعض اليهود يقوم ببيعه على الكويتيين ممن كانوا يعاقرونه سرا، وبعيدا عن أعين الحاكم.
ولم تذكر لنا كتب التاريخ الأسباب التي دفعت بالسلطات الكويتية للقيام بإجلاء اليهود عن الكويت بعد أن عاشوا فيها ردحا من الزمن، ولكن لو سألنا أنفسنا هل كان ذلك سببا كافيا لإقناع الحكومة للقيام بذلك؟ وهل كل اليهود خرجوا قسرا من الكويت؟ أم أن بعضهم خرج من تلقاء نفسه؟
وللإجابة عن ذلك علينا أن نلقي نظرة شمولية على الوقائع والأحداث التي كانت تمر بها الكويت والمنطقة العربية، حيث وجدنا أن هناك أسبابا أخرى منها الاقتصادية، وهي تأتي بالدرجة الأولى، والسياسية والمناخية المحلية وسنتناولها هنا بالتفصيل.
أولا: الأسباب الاقتصادية
تقول الباحثة ساندي شن إن هناك عاملا مهم ساهما في خروج اليهود من الكويت وهو يتعلق بالظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تمر بها منطقة الخليج بسبب اكتشاف اليابان للؤلؤ الصناعي، فقد أحدث هذا الأمر هزة عنيفة لاقتصاد المنطقة.
وكما هو معروف بأن اليابان نجحت في استخراج أول لؤلؤة مستديرة للعالم في عام 1912م، وعرف هذا باللؤلؤ الصناعي pearl cultured، وهو أكبر حجما وأكثر استدارة، وأقل سعرا وخطورة من اللؤلؤ الطبيعي، وشكل ذلك خطرا كبيرا على الأخير.
كما أنه حلت أزمة اقتصادية كبيرة في العالم في عام 1928م، وحلت بعدها نكبة الغوص على اللؤلؤ في الكويت وبلدان منطقة الخليج العربي، ويرجع المؤرخ سيف مرزوق الشملان كساد تجارة اللؤلؤ إلى عدة أسباب: منها ظهور اللؤلؤ الصناعي الياباني، وحصول الأزمة المالية الشديدة التي اجتاحت العالم بعد الحرب العالمية الأولى بسنوات، مما صرف الناس عن شراء الكماليات ومنها اللؤلؤ. وكثرة كميات اللؤلؤ المستخرجة في كل عام مما يؤدي إلى رخص أسعارها، هذا بالإضافة إلى عدم اتفاق تجار اللؤلؤ على أسعار معينة لأنواع اللؤلؤ.
وعرف اللؤلؤ الصناعي في الكويت باسم اللؤلؤ الياباني أو اللؤلؤ التقليد، ووصف المؤرخ سيف الشملان هذا اللؤلؤ بأنه عبارة عن «شبح مرعب للغواصين والطواشين تجار اللؤلؤ، وكانوا يتابعون أخباره».
وعندما ضاقت الحال بالتجار الكويتيين دفعتهم الحاجة للبحث عن أسواق أخرى لتصريف ما لديهم من لؤلؤ، بعد أن كسد سوق اللؤلؤ في بومباي بالهند، ولكن النتائج جاءت كلها مخيبة للآمال، فهناك من ذهب إلى مرسيليا وباريس عام 1930م، وأفاد من هناك بأن سوق اللؤلؤ كاسدة، وآخر يرسل رسالة من باريس ويرجو فيها كرم المولى، وثالث أرسل رسالة من باريس في عام 1931م يشتكي فيها من قلة البيع لعدم وجود الأجانب، وأهالي باريس لا يشترون بكثرة. وتتوالى شكاوى تجار الكويت من سوق باريس ومن تردي البيع والشراء بها لدرجة أن يصف أحدهم الحالة بأنها « عقوبة من الله تعالى».
وهنا نلاحظ بأن الكويت لم تكن بمنأى عن الأزمة الاقتصادية العالمية، وهذا أدى إلى تأثر التجارة بدرجة كبيرة، فقد تلقت التجارة ضربة شديدة خلال السنة المالية 30-1931م فإن إجمالي قيمة الواردات بلغت 282.242 جنيه استرليني، في حين بلغت قيمة الصادرات 196.763 جنيه استرليني، وهذا بلا شك أدى إلى انخفاض واضح في قيمة إجمالي الضريبة الجمركية حيث بلغت 23.590 جنيه استرليني.
ولنا أن نضيف عاملا آخر ساهم في تدهور الحالة الاقتصادية في الكويت في الثلاثينات وهو ظهور المشكلة الاقتصادية بين الكويت ونجد، عندما منع الملك عبدالعزيز بن سعود القبائل النجدية ورعاياه من المتاجرة مع الكويت، وذلك اعتبارا من عام 1921م، وعرفت هذه المشكلة باسم المسابلة، حيث أراد ابن سعود أن يحول رعاياه بدلا من ذلك إلى موانئه مثل القطيف والاحساء والجبيل، بهدف تحصيل الجمارك منهم. وقدم لحاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر (1921-1951م) ثلاثة اقتراحات هي: أن يعين ابن سعود موظفا من قبله في الكويت يقوم بتحصيل الرسوم من القبائل النجدية، أو أن يدفع شيخ الكويت من خزانته ما يعادل تلك الرسوم، أو أن يعين شيخ الكويت موظفا من طرفه يقوم بتحصيل الرسوم وإرسالها إلى نجد. فتشاور حاكم الكويت مع التجار ووجهاء البلد ورفضوا هذه العروض.
وحاولت الكويت من طرفها أن تعالج المشكلة ولكن من دون جدوى واستمرت المشكلة قائمة حتى بداية الثلاثينات عندما شدد ابن سعود هذا الحصار الاقتصادي الذي فرضه على الكويت، وبدأت الكويت تعاني من الضائقة المالية فاضطر الحاكم إلى القيام ببعض الإجراءات التي من شأنها أن تخفف من وطأة البؤس التي عمت بلاده فخفـّض مرتبات أعضاء عائلته وأجور خدمه وحرسه. ولكن المشكلة ظلت قائمة حتى أواخر عقد الثلاثينات عندما أخذ ابن سعود يخفف من تشدده في الحصار الاقتصادي على الكويت، خصوصا أنه بدأ يتلقى عوائد النفط، وبذلك قلت حاجته إلى موارد الجمارك من تجارة بلاده الخارجية مع الكويت.
وهناك ثمة عامل آخر شجع ابن سعود على التخفيف من حدة حصاره على الكويت وهو أن علاقة الكويت مع العراق قد ساءت في ذلك الوقت، وأخذت نبرة مطالبة العراق بضم الكويت تزداد، فخشي ابن سعود من نجاح العراق في التهام الكويت، فرأى بأن يخلص الكويت من بعض مشاكلها معه، لتتفرغ لموضوع العراق.
ومن خلال ما سبق نرى بأن الأزمة الاقتصادية لعبت دورا حيويا في خروج بعض اليهود من الكويت لأن الكويت لم تعد تلك البلدة المزدهرة اقتصاديا، ورأينا كيف أن الأسرة الحاكمة والتجار كانوا يعانون من الأزمة فما بالك بعامة الناس، ولا يستبعد أن يكون بعض اليهود قد خرجوا طواعية للبحث عن مكان مزدهر تجاريا، ويمكن أن يوفر لهم حياة أفضل.
ثانيا: الأسباب السياسية
مما ساهم في تأجيج موقف الكويتيين من اليهود هو العامل السياسي الذي يعتبر المحرك الرئيسي في تبني الكويتيين ذلك الموقف، ولو نظرنا إلى الأحداث السياسية الدائرة في المنطقة العربية نلاحظ ظهور مشكلة فلسطين، ولا سيما حينما انعقد مؤتمر الصلح في يناير 1919م بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث قدمت الحركة الصهيونية مذكرة بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. ووضع المؤتمر فلسطين تحت الانتداب البريطاني، ليبدأ مخطط إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
وقام العرب باضطرابات مسلحة عديدة منذ عام 1920م، مما حدا بالحكومة البريطانية لإصدار كتاب تلو الآخر، وأن ترسل لجنة تلو الأخرى لتهدئة خواطر العرب، ولكنها كانت تصر على تمسك بريطانيا بوعد بلفور Balfour Declaration بإعطاء اليهود وطن قومي لهم في فلسطين. وأخذت الاضطرابات تجدد من عام لآخر طوال عقد العشرينات، وحتى عام 1936م عندما قام العرب بثورتهم الكبرى، وطالبوا بإيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومنع انتقال الأراضي العربية إلى اليهود، وأضرب الفلسطينيون بجميع قطاعاتهم، واستمر الاضراب ستة شهور من ابريل حتى اكتوبر، وتحول الاضراب إلى كفاح مسلح، فقاومته بريطانيا بكل ما اوتيت من قوة، وتدخل الزعماء العرب لوقف الثورة عندما ناشدوهم «الإخلاد إلى السكينة» وانهاء الاضراب.
وتحت ضغط الثورة العربية اضطرت بريطانيا، لأن تتخلى عن سياستها المؤيدة للحركة الصهيونية، ورفضت قرار تقسيم فلسطين، ووضعت قيودا على بيع الأراضي وحددت عدد اليهود المسموح لهم بالهجرة إلى فلسطين 57 ألفا خلال الخمس سنوات القادمة.
وعن تأثير تلك الأحداث على مجريات الأحداث داخل الكويت، ففي هذا الوقت أرسل مجلس المعارف الذي ضم نخبة من الشخصيات الكويتية التي أولت التعليم جل اهتمامها، فأرسل رئيس المجلس الشيخ عبدالله الجابر الصباح رحمه الله في 5 سبتمبر 1936م رسالة إلى الحاج أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا بترشيح أربعة من المدرسين الفلسطينيين للعمل في مدرسة المباركية، وذلك رغبة من مجلس المعارف في الاستفادة من تطور التعليم في البلدان المجاورة. ووصل أربعة مدرسين إلى الكويت في 25 شعبان 1355هـ/10 نوفمبر 1936م وكانت هذه أول بعثة مدرسين تصل إلى الكويت من فلسطين، وخرج عدد من الشباب والأهالي والوجهاء لاستقبال البعثة في منطقة الجهراء.
ومما لا شك فيه بأن قدوم هذه البعثة واحتكاكها بالكويتيين وأولياء أمور الطلاب وكافة فئات المجتمع الكويتي نقلوا لهم معاناة إخوانهم في فلسطين وشرحوا لهم الأوضاع السيئة التي كانوا يلاقونها على أيدي اليهود، فبدأت النفوس تغلي ضد اليهود.
إن مثل هذه الأوضاع لا شك بأنها ستلقي بظلالها على اليهود الموجودين في الكويت، فكرس الكويتيون كل منابرهم لخدمة فلسطين وعرب فلسطين، لذا نلاحظ الكويتيين يقومون بجمع التبرعات لنصرة إخوانهم في الدين والعروبة، ووجد اليهود أنفسهم في مجتمع لا يرغب بوجودهم، فساهم ذلك في إجلاء من تبقى من اليهود.
ثالثا: الأسباب المناخية
تلعب الأحوال المناخية دورا كبيرا في الإنسان، وقد تساهم أحيانا في تغيير مسرى حياته، وشهدت الكويت في ديسمبر عام 1934م أمطارا غزيرة، فتهدمت بيوت كثيرة من جراء ذلك، وشردت عددا كبيرا من سكانها، خاصة وأن المنازل آنذاك كانت تبنى من الطين، فظل أولئك الناس بلا مأوى، ومما يدل على عظم أثرها على أهالي الكويت أنهم كانوا يؤرخون لأهم الأحداث والوقائع التي كانت تمر بهم، فعرفت تلك السنة محليا باسم سنة الهدامة نتيجة لشدة الحادثة.
ولكننا ومع شديد الأسف لا توجد عندنا إحصائيات عن عدد الضحايا، ولكنه لا يستبعد أن يكون هناك بعض اليهود ممن فقدوا منازلهم في تلك السنة.
إن كل تلك العوامل بالإضافة إلى تصرفات اليهود اللاأخلاقية، جعلت الناس يتذمرون من تصرفاتهم، ورفعوا الأمر إلى المسؤولين، ولما كثرت الشكايات عليهم، وضاق الحال بأولي الأمر، لم يكن أمام الشيخ عبدالله الجابر الصباح رحمه الله الذي كان رئيسا للمجلس البلدي آنذاك إلا أن طالب المخالفين منهم بالرحيل من الكويت. وأنه كان ينذر الواحد منهم ويعطيه مهلة مدتها شهر أو أكثر قليلا ليقوم ببيع ما لديه من ممتلكات، ثم يغادر البلاد على نقفته بعد انتهاء المدة الممنوحة له.
وعند خروج اليهود من الكويت تفرقوا إلى عدة أمصار، فهناك من عاد إلى موطنه الأصلي في البصرة، وفي أبي شهر وبندر عباس في إيران. ومنهم من ذهب إلى البحرين، ومجموعة منهم توجهوا إلى مدينة بومباي في الهند. وكان إجلاؤهم من الكويت في أواخر الثلاثينات.
قم بكتابة اول تعليق