موسى معرفي: دولة القانون

تطرّق ابن خلدون، في «مقدمته» المشهورة، الى نشوء وسقوط الدول، فأشار الى ان روابط الدم والعلاقات الاجتماعية التي تربط ابناء القبيلة كانت بداية لنشوء الكيانات السياسية، ومن ثم تطورت من قبائل حاكمة الى حكومات تنظّم العلاقات بين مواطنيها من خلال قوانين تحكم المجتمع.

الديموقراطية نظام سياسي يمارس الشعب – من خلاله – حكم نفسه بنفسه، وهو نظام يكرّس حق المواطنة والمشاركة. والحق هنا ذو مفهوم حقوقي، والمشاركة هي عمل ذو مفهوم سياسي وثقافي، والجمع بينهما من خلال القنوات الدستورية هو الاساس لبناء الدولة المدنية الحديثة.

بدأت المطالبات الوطنية بالمشاركة الشعبية في الكويت مع مطلع القرن الماضي، وتحديداً عام 1921، حيث وُلد اول مجلس في ذلك العالم، ثم تلاه المجلس التشريعي في عام 1938، وبعد ذلك بستة أشهر أسقط هذا المجلس. في عام 1962 صدر الدستور الكويتي، حيث جاء في كلمة امير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم – رحمه الله – عند تقديم مشروع الدستور لسموه، «نحمد الله القدير الذي اتاح لنا هذه المرحلة التاريخية من حياة شعبنا العزيز تحقيق أمنيتنا في وضع دستور للبلاد، يقوم على اسس ديموقراطية سليمة، ويتفق وتقاليدنا، ويتجاوب لآمال أمتنا»، كما جاء في كلمة المرحوم عبداللطيف ثنيان الغانم رئيس المجلس التأسيسي بأن «مشروع الدستور الذي رأيتم وضعه للبلاد على اساس المبادئ الديموقراطية المستوحاة من واقع الكويت». وواضح مما اسلفنا ذكره أن الدستور الكويتي دستور توافقي بين الشعب والأسرة الحاكمة.

والآن، بعد مرور السنوات الخمسين على الدستور والممارسة الديموقراطية، كان من المفترض أنه قد انتقلنا من المرحلة السابقة لصدوره الى مراحل افضل، فما زالت القبلية والطائفية والفئوية هي التي تحدد طبيعة علاقة الحكومة مع افراد المجتمع، وما حصل منذ صدور الدستور، وعلى مر السنين التي مضت من تحالفات عدة بين بعض الحكومات التي تعاقبت مع المجموعات السياسية والمنطلقة من مفهومها القبلي والطائفي والفئوي، كانت السبب الرئيسي لتخلّف ممارستنا الديموقراطية.

نعيش اليوم مرحلة تاريخية خطيرة، حيث نواجه تحديات تعصف ببلدنا، ونحن امام مفترق طرق نتيجة لتلك الممارسات التي أدت الى هذا الوضع المزري، ونحن جميعا – ومن دون استثناء – شاركنا في ما وصلنا إليه، ومسؤولون عنه، إننا على ابواب مرحلة جديدة، لدينا حكومة ومجلس جديدان، وليكن شعار هذه المرحلة دولة القانون والمؤسسات الدستورية لتضع، حدّاً للفساد المستشري في كل اجهزة الدولة، وهذا يتطلب من جميع الوزراء العمل بروح الفريق الواحد في تطبيق القانون بحزم وصلابة، كما دعا إليه سمو الأمير – حفظه الله – وبدفع عجلة التنمية من خلال تعاون السلطتين للارتقاء بالخدمات العامة في مواجهة التحديات المستقبلية، متعظين من دروس الماضي، لنعبر ببلدنا الى بر الأمان، لنحقق مستقبلاً أفضل لأجيالنا القادمة.

موسى معرفي

mousamarafi@hotmail.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.