يوسف العنيزي: البحث عن الكرامة… في الشوارع

في عام 1998 وأثناء عملي سفيراً للكويت في جمهورية فنزويلا الصديقة كلفت بتمثيل سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه، في حفل تنصيب رئيس جمهورية كولومبيا المنتخب، حيث كنت أشغل منصب سفير محال لدى ذلك البلد الصديق، وعليه فقد شددت الرحال إلى مدينة “بوغوتا” العاصمة الكولومبية برحلة لم تخل من العناء، إذ انتقلت من ضفاف المحيط الأطلسي إلى ضفاف المحيط الباسفيكي.
جرى حفل التنصيب في الساحة المقابلة لمبنى البرلمان، وحضره العديد من رؤساء الدول أو ممثليهم، وكان حفلاً غاية في الروعة. في بداية الاحتفال قام الرئيس السابق بتسليم نسخة من دستور البلاد إلى الرئيس المنتخب الجديد الذي ألقى خطاباً تضمن برنامج عمله الساعي بكل جدية نحو السلام، فصناعة السلام أصعب بكثير من صناعة الحروب المدمرة!
في اليوم التالي لوجودي في بوغوتا دعاني الأخ الكريم المكلف بمرافقتي، وكان يشغل رتبة عالية في القوات البحرية، إلى حفل عشاء خارج المدينة، وعليه فقد أخذنا السيارة التي راحت تنهب الأرض بسرعة فائقة في طرق مظلمة، وبعد ما يزيد على الساعة وقفنا أمام مبنى رائع التصميم وبوابة إلكترونية فتحت بعد أن أدخل السائق رمزا معينا.
دخلنا إلى المبنى وفي الصالة الرئيسة التي كانت تشبه قاعات الاستقبال في فنادق الدرجة الأولى جلست مجموعات من الحضور في أركان الصالة. بالطبع لم أكن أعرف ماهية هذا المبنى أو رواده، وعليه فقد تطوع صاحبي بإبلاغي بأنه نادٍ خاص يضم كبار رجال الأعمال في العالم، ويسمى “لاشاتو chateau”، أي القصر الملكي وفيه تتم عقد الصفقات التجارية في كل المجالات كالذهب والنفط والسلاح وغيرها، وعضويته مقصورة على عدد معين من الشخصيات.
أما الدور الثاني فيضم غرفاً للمبيت في غاية الفخامة مخصصة لإقامة الضيوف من خارج البلاد، وكم سعدت بأني كنت ضيفاً، حيث قضيت تلك الليلة في إحدى تلك الغرف الفاخرة في ذلك القصر الملكي الخيالي.
في مساء اليوم التالي تشرفت بمقابلة الرئيس أندرياس باسترانا، ونقلت له تحيات وتهنئة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه، والقيادة والشعب الكويتي والتمنيات بالمزيد من التقدم والنمو للبلد الصديق، ثم بدأنا حديثاً مطولاً، حيث أبدى رغبته في معرفة المزيد عن دولة الكويت؛ نشأتها نظامها موقعها وغيرها. وقد أبدى إعجابه بهذه الدولة التي استطاعت في فترة قصيرة من الزمن الخروج من تحت رماد التدمير والخراب الذي خلفته جحافل جيوش الغدر والخيانة.
فاجأني الرئيس بالسؤال عمّا إذا كنت قد تذوقت القهوة الكولومبية الشهيرة، وقبل أن أجيبه قام إلى المكتب وفتح أحد الأدراج، وأخرج “جولة” صغيرة مع وعاء لعمل القهوة، وبدأ بتحضيرها قائلاً أنت ضيف على بلادنا، ونحن نعتز ونفخر بعلاقتنا مع بلدكم الذي كانت له وقفة شجاعة ضد العدوان للحفاظ على أرضه “وكرامة أهله”، فاستطاع أن يكسب صداقة دول العالم لدحر أشرس دكتاتورية.
لكم شعرت بالفخر والعزة، وحمدت الله أن أكرمني بالانتماء إلى هذا الوطن، فالكرامة إحساس ومشاعر تملأ وجدان الإنسان منذ أن ينفخ الله فيه من روحه فلا يمكن البحث عنها في الساحات والشوارع، وبالتأكيد من لا يخاف على وطنه لا يمكن أن ينتمي إليه.

***

انفض السامر وسطر الشعب الكويتي كلمته بأحرف من نور، ولكم شعرت بالاعتزاز في ذلك الصباح الجميل في الأول من ديسمبر 2012 والجميع يتسابق إلى صناديق الاقتراع في عرس ديمقراطي قل نظيره في الكثير من دول العالم، وكم نتألم عندما نسمع بعض من كانوا نواباً وممثلي الشعب الكويتي وهم يتسابقون لشتم وتحقير هذا الشعب… والله إنه عيب وخزي ما بعده خزي هداهم الله.
حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.
المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.