ناصر العبدلي: السياسي الفاشل

في السياسة يجب أن تكون ردة الفعل على قدر التحدي، فإذا كانت الاستجابة كذلك سجل السياسي نقطة، أما إذا كانت الاستجابة أقل أو أكثر بكثير خسر السياسي، وهي بالضبط حال قانون نيوتن «لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار معاكسة له في الاتجاه»، ويمكن تطبيق ذلك القانون على السياسة كما يطبق في المعادلات الفيزيائية، فهما قريبان من بعضهما إلى حد كبير لكن بحاجة إلى من يفهمهما جيدا.
في السياسة أيضا يفترض بالسياسي أن يتحرك وفق غطاء، إما أن يكون ذلك الغطاء تيارا سياسيا له امتداداته في الأوساط الشعبية، وإما أن يكون هناك رأي عام دولي يسانده، أما التحرك دون غطاء فإنه يجعل السياسي مكشوفا أمام خصومه، ويمكن بكل سهولة تصفيته سياسيا، وبالتالي طي كل تلك القضايا التي طرحها خلال تواجده في أي من المؤسسات الدستورية وتحويل كل ما يتعلق به إلى ضحايا.
السياسي الفاشل فقط من يعطي الآخرين نصرا سهلا لم يكونوا ليحصلوا عليه لولا أن أهداه لهم بسبب أخطائه وعجزه عن قراءة ما حوله جيدا، أي كما يقول المثل «سلم رقبته» دون ثمن، والسياسي الفاشل أيضا هو ذلك الذي تعبث به عاطفته وعاطفة من حوله ممن يشخصنون القضايا ويقعون في الفخ عند أول منعطف، دون أن يكون لديهم وعي بتطورات المراحل السياسية.
عندما أرسل سمو الأمير مستشارين لديه للأغلبية المبطلة بحكم المحكمة الدستورية لإقناعهم بتأجيل اعتصام كان مقررا في ساحة الإرادة، كان رد بعضهم «لن نؤجل اعتصامنا إلا ببيان حكومي يؤكد أن مرسوما بالصوت الواحد لن يصدر»، ولم تمض أيام حتى عاد ذلك البعض ليقول عند افتتاح جلسة مجلس الأمة الجديد «لن نتواجد أمام مجلس الأمة معتصمين إلا بعد أن يترك سمو الأمير مبنى مجلس الأمة احتراما وتقديرا له» فكيف حدث هذا؟! وأين الحصافة
السياسية من قبل؟!
كيف يكون ذلك السياسي حصيفا وهو أعجز ما يكون على فهم الساحة السياسية التي يعمل خلالها، فتارة يتجاوز الخطوط الحمراء في حديثه تجاه الرموز الدستورية، وتارة يشكرها على إخلاء سبيله قبل دخول أيام العيد الماضي! كيف يكون ذلك السياسي حصيفا وهو يحرق كل تلك المراكب التي يمكن أن تبحر به إلى بر الأمان، حتى لم يبق لديه مركب واحد.
قد تكون مطالب ذلك السياسي في محلها وحولها إجماع كبير في مرحلة من مراحل العمل السياسي، لكن تسرعه وتغييبه للعقل أدى إلى انفضاض من كانوا يجمعون عليها ليس تخليا عنها بل تخوفا من أن يكون وجود مثل ذلك السياسي خلفها مبررا لاستبعادها إلى أمد طويل، الدروس كثيرة عندما تكون شريكا في العمل السياسي، وأبرزها ألا تدخل معركة مع خصم دون أن يكون لك مخرج منها، حتى لا تنكشف وينكشف من معك أمام ذلك الخصم.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.