استطاع المخرج وليد العوضي استطاع أن ينجز في سنواته الأخيرة عددا من الأفلام التي تُعلي راية الحق وتـَدعم الحقوق الانسانية، وتشجـُب كل عنف وتطرف وتعصب وظلم تعامل مع الانسانية كغاية وكوسيلة للدفاع عنها بنفس الوقت، وغامر بحياته وأمنه مؤخراً بتقديمه الفيلم المهم “تورا بورا” الذي أتى به إلى مصر ليشارك في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
وفي تفاصيل حوار العوضي مع صحيفة عالم اليوم ما يلي:
دراسة فنية
هل دراستك بأكاديمية أمريكية أثرت على شكل عملك المفترض به الاهتمام بالمحليات ؟
دراستي بنيويورك بالنسبة لي كانت دراسة فنية، تعلمت فيها التمكن من أدواتي كمخرج. وهي بالنسبة لي دراسة فنية هيأتني للعمل، ولكن الحياة العملية مختلفة تماماً ومنفصلة، فمهما يدرسون لنا عن صناعة الفيلم ليس مثل ان نذهب بأنفسنا لموقع صناعة فيلم. فهناك بعد الدراسة مرحلة البحث، ومرحلة الإلهام الذي يأتي لكل مخرج مما يتلقاه من تجربة أو من كتاب أو من مقال أو حدث أمامه، فتتكون شخصية المخرج لتمكنه فيما بعد للتعامل مع فنه.
دروس الظلام
ما سبب ميلك للأفلام الوثائقية ؟
أخذتها كبداية لطريقي كمخرج، مثلما فعل أغلب المخرجين في بدايتهم، وبعدها ينطلقون للروائي. ولكن المميز ان أول عمل وثائقي لي نفذته مع المخرج الالماني المشهور “دارون هيلدون” وهو “دروس في الظلام” الذي عملته عام 91 وكانت تجربة مثيرة أثرت فيه وجعلتني أستهوى العمل الأفلام الوثائقية، ومع تمكني من أدواتي انطلقت للأفلام الروائية.
نبذ التطرف
هل تعرض فيلم “أحلام بلا نوم” لأي نوع هجوم ؟
كان عن أحداث 11 سبتمبر وعرضته في سوق الافلام بمهرجان كان، وعدت لعرضه في نيويورك. وواشنطن، وحينما عرض في مهرجان بيروت السينمائي ما تقبلوه، فتسائلوا كيف ان مخرج كويتي عربي مسلم يقوم بعمل فيلم يروي رواية الآخر ولم يكن ذلك ضمن تعاطفي مع الأمريكان، بل لأني أنبذ التطرف أيا كان، ولكن مشكلتنا بالعالم العربي أن الأجواء دوماً مشحونة، وهناك قانون ان لم تفعل ما ببالي فأنت لست صاحبي. ولا أعتقد انني انتمي لتلك المدرسة، بل اعمل على التعبير عن الرسائل التي أؤمن بها.
مخرج صاعد
في 2005 حصدت جائزة أفضل مخرج صاعد، فماذا حققت من وقتها حتى اليوم ؟
كان ذلك في مجلة “نيوز ويك” العربية حيث كرمت 43 شخصاً في العالم العربي، وكنت أنا واحد منهم كمخرج صاعد، وربما عرض فيلمي الأخير بمهرجان القاهرة أثبت ذلك الصعود. بعدما عرضته في مهرجان الخليج السينمائي، وعلى هامش مهرجان ابو ظبي، وفي مهرجان “شاتن هاوس” في لندن، وقريباً في وهران.
رحلة شاقة
ولماذا لم يشترك العمل في احدى مسابقات مهرجان الخليج ؟
لقد عرضوه في الافتتاح، ولكن المسابقات متخصصة في الافلام الخليجية. انما مهرجان القاهرة هو مهرجان دولي يطمح إليه أي فيلم ولذلك شاركت به مؤخراً في القاهرة. ورغم ان الظروف السياسية غيرت من شكل المهرجان ولكنه يظل حدثا مهما وصعودي منذ 2005 وحتى اليوم كان بالنسبة لي رحلة شاقة، قدمت فيها عدد من الأفلام. مثل “عاصفة من الجنوب” الذي ناقش قضية تصويت المرأة وحقوقها السياسية بالكويت.
عاصفة الجنوب
بمناسبة “عاصفة من الجنوب”، هل تشعر أن وضع المرأة تغير في الانتخابات الأخيرة ؟
نعم بالطبع، فالانتخابات الأخيرة كان لها وضع آخر، وكنت أود عمل فيلم عنها. ولكن تورا بورا أخذ مني وقتا وجهدا كبيرين أعمل على حصاده هذه الأيام.
هل لجوئك لصبغ قضية “تورا بورا” بصبغة انسانية، لخوفك من التصادم مع الرقابة لو كان الفيلم فقط عن السياسة والدين ؟
بالطبع، وحينما أطرح قضية ليس مطلوباً مني طرحها بشكل مباشر، فأنا لست نشرة أخبار، بل المهم هو توصيلها عبر صورة سينمائية تحكي قصة. الصعوبة تكمن في كيفية تحويل أي خبر أو معلومة إلى قصة فيها شكل روائي، وادخال الخط الانساني فيها، وهو ما فعلته في أفلامي السابقة “سبتمبر 11” و”السدرة”.
دويتو متكرر
“السدرة” فيلم قصير جمعك من قبل بسعد الفرج، فما السر وراء هذا الدويتو المتكرر ؟
هو فنان عملاق، كان أول فيلم له حينما كنت أنا طفلا، وتجمعني به ذكريات، وروح واحساس وعاطفة تجعلني حينما أعمل معه أدير الكاميرا براحة، وأعتقد ان الراحة شعور متبادل بيننا في العمل، وفيلم “السدرة” قربنا، ولكن “تورا بورا” جعلني اتعرف على عوالم سعد الفرج، واتعامل مع هذا العملاق بطريقة مختلفة أمام الكاميرا.
انجاز عظيم
كيف رشحت فيلمك “تورا بورا” للمشاركة بمهرجان القاهرة السينمائي ؟
ادارة المهرجان شاهدوا فيلمي في اكثر من مهرجان سابق، ودعوني للمشاركة وسعادتي كانت أكبر، كونه اول فيلم كويتي وربما اول فيلم خليجي يدخل مسابقتين بنفس الوقت بمهرجان القاهرة، وهذا بالنسبة لي انجاز، ومعنى ترشيحه للمسابقة الدولية والمسابقة العربية ان الفيلم فيه شئ مميز، فثلاث سنوات من المجهود من العمل أكيد نتاجهم عمل جيد.
لماذا عرضته بالكويت 11 اسبوعاً فقط ؟
نعم، وأول ثلاثة أسابيع منهم كانت التذاكر كلها مباعة، وكان يومياً هناك 53 عرضاً، وهذا الرقم في بلد صغير مثل الكويت اعتبره انجازا عظيما، وحالياً نستعد لمشاركته في مهرجان وهران في المسابقة الرسمية. فالفيلم أشغلني كثيراً لثلاث سنوات، وتعرضت لضغط كبير، ولكن النتيجة أسعدتني.
مرحلة صعبة
وهل الضغط كان مضاعفا كونك المنتج والمخرج بنفس الوقت ؟
الموضوع كان نفسه صعب، فربما لو كان اي موضوع غير “تورا بورا” وأحداث أفغانستان سيكون أسهل، كان عندنا مخاوف من الموضوعات التي تخص طالبان، وكنا مشغولين بكيفية انهاء العمل بدون التعرض لمقتلنا وأعتقد ان كل الصعوبات التي قابلتنا والتهديدات التي تلقيناها كانت حافزاً أقوى لإنهاء الفيلم. فـ “تورا بورا” مرحلة صعبة في حياتي ولكن نتيجتها جميلة.
ما شكل التهديدات التي تلقيتها ؟
بداية من الايميل، كنت أتلقى رسائل من بعض البلاد بدون ذكر اسمها. وأغلبهم من جماعات جهادية كانوا يقولون كيف لنا ان نصور فيلم عن تورا بورا، وينذرون بأنها سيوقفونا لأننا نسئ للجهاد، الذي يعتبرونه قضية لا حديث فيها. وأعتقد ان كل ما حدث معنا ساعد على كون العمل مثير من البداية.
انسان متناقض
ألم تخف من التهديدات ؟
لا، فالأعمار بيد الله وربما أموت بحادث سيارة.
ألم تتقدم ببلاغات رسمية ؟
كنت أبلغ أصدقائي والأمن بالكويت. ولكني كنت اعرف ان من لا يتقبل الرأي الآخر ومن يدعي الدين ويهدد بالقتل فهو انسان متناقض.
الأهم هو انك مؤمن بأنك لم تظلم الجهاد الأفغاني في شيء ؟
نعم، فالتطرف والتعصب الديني مرفوض بالنسبة لي وإيماني بعدم التطرف هو دافعي الأعظم لعمل هذا الفيلم. فكل ذلك يعيدنا إلى الظلام وعهد إلغاء العقل، ولا يجوز أن يأتي أحدهم ليطالبني السير في طريق، وأي طريق آخر ممنوع. فمنذ ولادتنا ونحن أحرار وأحرار في التعبير.
حشد القطيع
ولكن الجماعات الدينية مؤمنة بسياسة حشد القطيع ؟
ليست الجماعات الدينية فقط، بل هناك جماعات ليبرالية أيضاً متطرفة، وأي تذمت بالنسبة لي مرفوض، وأنا مؤمن أن فيلمي فيه رسالة عن حرية التعبير المكفولة للجميع. أيا كان لونك أو جنسك فلديك حرية التعبير، وقبول الآخر ان لم يتوفر، فلابد من المشاورة والنقاش، فليس ضرورياً ان يوافقني الكل، وبالتأكيد هناك اختلاف في الرأي حول الفيلم نفسه. ولكن أن أحداً يهددني فالأمر تجاوز هنا الرأي. فمن لا يعجبه فيلمي عليه ان يقوم هو بعمل فيلم ليرد علي. إنما من يهددني فمن أعطاه السلطة والصلاحية ليهددني ؟
رقابة الكويت
بمناسبة حرية الرأي، بماذا طالبتك رقابة الكويت لحذفه ؟
الرقابة بالكويت شاهدت الفيلم، وأشكرهم لأنهم سمحوا لي كمخرج ومنتج أن احضر معهم مشاهدة الفيلم، وحينما شاهدوه كان لديهم بعض الملاحظات على بعض الجمل مثل جملة يقولها الفنان سعد الفرج “انا مو قادر اتقبل كيف مسلم يقتل اخوه مسلم”، فخافوا من ردود الفعل على جمل شبه هذه، ولكن الأغلبية وافقوا على عرض الفيلم كما هو. وأنا حييتهم على روحهم ودعمهم للفيلم بدون تشويه، فإلغاء أي جزء من عمل فني بمثابة الاقتطاع من جسد المبدع نفسه. فالحذف من الفن مثل ان أؤلف كتاب ولكن يأتي الناشر لييقول لي ان الكتاب جميلا ولكن سأقطع منه سبع صفحات. هذه الصفحات ان قطعت، فهي قطعت من جسدي انا. والعالم اليوم صار بلا رقابة، أي شخص منا يستطيع ان يشاهد العالم من خلال جهاز الكمبيوتر الخاص به. ولكننا نعيش في عالم متناقض، يعطون الشخص وسائل يصل بها لكل شئ ثم يمنعونه عنها.
الضمير الشخصي
ولكن ماذا عن الضوابط المجتمعية ؟
أرى أن أهم رقابة بالعالم هي الضمير الشخصي والرقابة الذاتية. فأنا كمخرج أعرف حدودي. لابد من خلق روح الرقابة الذاتية.
هل تتمنى إلغاء الرقابة في الكويت ؟
طبعاً، وأتمنى ان تكون الرقابة ذاتية. أن يتعهد اي مخرج او منتج بعدم المساس بالمسلمات أو الإساءة إلى الآخر.
وكيف تضمن ضمير الآخر ؟
هو أمر لن يتحقق في يوم وليلة، بل مع تثقف وتحضر الشعوب، ومع الوقت نصنع جيل واعي.
أحداث مشوقة
لماذا قررت تحويل الفيلم لمسلسل ؟
وأنا بمنتصف التصوير رأيت اننا قادرون على عمل مسلسل مع الفيلم، ولكن خروج الفيلم أولاً يمهد للمسلسل، والحمد لله انهينا أغلب مشاهد المسلسل، ما بين الكويت والمغرب، ويتبقى لي 8 حلقات فقط لتصويرها.
ولكن من شاهد الفيلم ما الذي سيراه جديداً بالمسلسل وهو يعرف النهاية قبل المشاهدة ؟
لا، لقد غيرنا تفاصيل كثيرة وأضفنا أحداثا مشوقة، وسيكتشف الكل ان هناك خلطة مختلفة.
صناعة السينما
لماذا يعتبرونك امتداداً للمخرج خالد الصديق ؟
ربما لأنه هو أول من بدأ الفيلم الروائي الطويل بالكويت في “بس يا بحر” وتوقفت السينما لفترة طويلة في الكويت، وأنا أعدتها بفيلم جيد. وكل احترامي وتقديري لكل من عمل من قبلي، والسينما صناعة سيعمل على نهضتها كل حتى من سيأتي من بعدي.
هل تعتقد ان السينما الكويتية جذابة للمشاهد غير الكويتي؟
بالتأكيد، والدليل ما حدث مع فيلمي حينما عرض في مهرجانات خارج الكويت وكان هناك إقبالاً على مشاهدته. وأعتقد ان كون الدراما الكويتية جذابة روج لاستقبال السينما الكويتية عند المشاهد العربي.
ما تعليقك على التعامل الصعب للرقابة الكويتية مع الأفلام المصرية التي تعرض للكويت ؟
حرام عليهم
كيف ترى مصر بعد ثورتها ؟
شعرت بالحزن حينما قدمت في هذه الأحداث، وهي المرة الأولى لي للمشاركة في مهرجان القاهرة السينمائي وشعرت ان طابع الحزن يغلب على فعاليات المهرجان، وشعرت بالحزن لأن هذه ليست مصر التي تعودت على زيارتها، ولكن أفرحتني روح العزيمة على إقامة مهرجان السينما رغم تلك الظروف. وشعرت بنور وأمل عند شباب اليوم، وأعتقد ان ما تمر به مصر اليوم أزمة وهتعدي. ولكن علينا ان نؤمن ان هناك ضريبة لكل شئ. والحرية والديموقراطية لها سعر لابد من دفعه لفترة.
نقلة نوعية ..كلمة أخيرة ؟
تورا بورا نقلة نوعية في حياتي، واعتبره فيلم مثير للجدل استطاع اثارة الشغف في كل مكان عرض فيه، واتمنى ان يكون كل عمل قادم لي مثير وناجح. وسأعمل على ألا أخرج عن إطار قضيتي وهو كيفية تحويل أي قضية سياسية إلى انسانية.
قم بكتابة اول تعليق