قال وزير الخارجية الأسبق الدكتور محمد الصباح أنه ووفقا لدراسات العلمية أثبتت أن النفط يمكن أن يخلق ظروفا للمجتمع تجعله ينحرف ويستشري فيه الفساد وقد كشفت هذه الدراسات أنه في ظل ضعف المؤسسات الرسمية في الدولة، ستتكون علاقة قوية بين زيادة أسعار برميل النفط وبين زيادة الانحراف في الأداء الحكومي وارتفاع معدل الفساد.
واستدرك د.الصباح خلال حديثه مع طلابه في كلية العلوم الإدارية بأن حرية الإعلام عندنا تسمح بتسليط الضوء، وأحيانا بتضخيم مواطن الخلل والفساد في الكويت، مقارنة مع غيرها من الدول النفطية، وهذا قد يعطي مؤشرا خاطئا بأننا الأكثر فسادا في المنطقة، إلا أن ذلك لا ينفي وجود نسبة غير مقبولة من الفساد في جسد الدولة، ما انعكس على تدهور مستوى الخدمات، وعلى ضعف مخرجات التعليم، والذين هم أساس الثروة البشرية ومستقبل البلد.
وأضاف “إحقاقا للحق فإنه لا ينبغي إلقاء اللوم على حكومة واحدة، فما حدث هو نتاج حكومات متعاقبة بل وساهم فيه المواطنون بموافقتهم الدولة في إنفاقها الاستهلاكي على حساب المستقبل، وكأن المستقبل سيظل دائما مشرقا وأسعار النفط في ارتفاع.
ووتابع د.الصباح: نستطيع أن نضيّع وقتنا في البكاء على اللبن المسكوب، لكن السؤال الأهم ماذا نحن فاعلون حتى لا ينتهي بنا المطاف إلى حيث انتهى بسكان جزيرة ناورو؟!.
وكان د الصباح قد افتتح كلامه مع الطلاب بالحديث عن تلك الجزيرة التي قال عنها”ناورو دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة، وهي عبارة عن جزيرة صغيرة بين هاواي وأستراليا، وكانت هذه الدولة قبل 30 عاما إحدى أغنى دول العالم، ومصدر ثروتها مناجم الفوسفات التي تم اكتشافها في الجزيرة.
ومن طرائف هذه الدولة أنه بسبب الثروة الطارئة عليهم، فقد اشترى بعض المواطنين فيها ست سيارات «لامبورغيني»، إلا أنه لعدم وجود بنية تحتية ولا شوارع في الجزيرة، فقد اضطر هؤلاء المواطنون إلى إبقاء السيارات في المطار ويقودونها بين فترة وأخرى و»يخمسون» على مدرج المطار لا غير.
كان مواطنو الجزيرة من أعلى سكان العالم دخلا، ولم تبخل عليهم حكومتهم بالخدمات أو الإنفاق الاستهلاكي، فلا يوجد أي ضرائب على المواطنين، وتم استيعاب 95 بالمئة من الموظفين للعمل في القطاع الحكومي، وكان التعليم والخدمات الصحية بالمجان، وإذا لم يتوفر علاج حالة معينة في الجزيرة، يتم إرسالها للخارج على حساب الدولة. وحرصت الحكومة على تقديم الرعاية السكنية والكهرباء وخدمات الهاتف بأسعار مدعومة ورمزية للمواطنين.
كانت الرواتب الحكومية عالية، والدوام في القطاع الحكومي مريح، وساعات العمل محدودة وفيها الكثير من المرونة، لدرجة أن الجزيرة أصبحت تتصدر قائمة منظمة الصحة العالمية في أمراض السمنة والسكري الناتجين عن الرفاهية وقلة النشاط (50 بالمئة من السكان تقريبا يعانون من البدانة والسكري).
وكانت الحكومة قد وضعت جزءا من الميزانية للتنمية وتطوير الخدمات، وجزءا آخر كاحتياطي للأجيال القادمة، وكان هناك جو من التفاؤل بأن المستقبل سيظل دائما مشرقا.
ما لم ينتبه إليه أهل الجزيرة هو أن بعض أهم استثمارات البلد كانت تخضع لاعتبارات سياسية وليست اقتصادية، فعلى سبيل المثال، لم تكن ناورو مناسبة اقتصاديا لتأسيس خط جوي خاص بها، لكونها جزيرة نائية، ومع ذلك فقد دفعت الحكومة أموالا طائلة لإنشاء شركة خطوط جوية وطنية.
وفي عام 1993 استقال الخبير الذي أتت به الجزيرة لإدارة امتيازات استخراج الفوسفات، بعد شهرين من تسلم منصبه، وكشف عن سر استقالته بأن الفساد قد استشرى في الإدارة العليا المسؤولة عن المورد الرئيسي للدخل في الجزيرة.
إلا أن الضربة القاصمة لاقتصاد الدولة جاءت بسبب انخفاض سعر الفوسفات في الأسواق العالمية، مما تسبب في تدهور الدخل القومي، مع استمرار البلد في الإنفاق الحكومي العالي على الرواتب وعلى دعم الخدمات، ولتغطية العجز في الميزانية اضطرت الحكومة للاستدانة المستمرة، مما رفع نسبة العجز وخفّض تصنيف الدولة الائتماني.
وبين ليلة وضحاها، أصبحت هذه الجزيرة إحدى أفقر دول العالم، فسرّحت عددا كبيرا من موظفيها من القطاع الحكومي، ورفعت الدعم عن الخدمات، وأصبح هناك ترشيد إجباري في استهلاك الكهرباء والماء، والوقود.
ولم يتقبل المواطنون في ناورو هذا التدهور المفاجئ بهدوء، فقد تم إجبار كبار مسؤولي الحكومة على الاستقالة، وزادت المسيرات والتظاهرات، وأخذ المواطنون يتداولون فكرة شراء جزيرة جديدة وبدء حياة جديدة، لكن من هي الدولة التي ستقبل -وهي في كامل قواها العقلية- لهؤلاء «الناورويين» أن يستوطنوا أراضيها؟!».
المصدر “الكويتية”
قم بكتابة اول تعليق