سياسة الاحتواء التي ينادي بها البعض لا تتماشى مع مبادئ دولة القانون بل هي مبنية بالأساس على المصالح وتبادل المنفعة، فهي وجدت لحل الأزمات الوقتية، وقد أثبتت تلك المنهجية فشلها، كونها تعتمد على سياسة الإرضاء الصعبة التحقق.
المطلوب تغير نوعي في إرساء مبادئ الديمقراطية من خلال تمكين القانون ونشر ثقافة تقبل الرأي والرأي الآخر وتغليب المصلحة العامة على ما سواها من المصالح.
هذا التوجه هو الغائب عن الساحة الكويتية، فكل طرف يسعى إلى إقصاء الطرف الآخر والانفراد بالقرار، بل وصل الأمر بالبعض إلى استخدام ورقة التخوين بالوطنية لكل من يخالفه الرأي. الخوف من هذه التهم شل الحياة السياسية في الكويت، فمازالت هذه العقدة تلاحق فئات كثيرة من المجتمع، وإن لم يسارع المجلس بخلع تلك العباءة القبيحة والعمل بروح وطنية فلن يتمكن من إنجاز ما وعد به.
استمرار ظاهرة الاصطفاف غير المبررة، سواء ضد أو مع الحكومة “على الحلوة والمرة” لم يعد مقبولاً. وقد كنّا نعيب على المجالس السابقة التي تركت مراقبة الأداء الحكومي وتفرغت للخصومات الجانبية، حتى أصبح المشهد السياسي مثيراً للغثيان بسبب استمرار النزالات بين نواب المولاة ونواب المعارضة بدلاً من تقويم الأداء الحكومي.
تردي الأوضاع السياسية بشكل عام يحتاج إلى وقفة تأمل ومعالجة شمولية، فالكويت اليوم بأمس الحاجة إلى إعادة الثقة في المؤسستين التشريعية والتنفيذية، فخسائرهما في السنوات الأخيرة تمثلت في عشر حكومات وست مجالس استنزفت الرصيد الشعبي لكلا الطرفين، والشعب لم يعد بمقدوره تحمل المزيد من تلك الخسائر.
بعد الانتخابات الأخيرة توقعنا أن تبادر الحكومة باعتماد نهج جديد من العمل بتقديم برنامج عمل يبدأ بمعالجة الأخطاء السابقة بفتح الملفات العالقة، وهي كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
– الملف الأمني وغياب دولة القانون، فانتشار الجريمة دون وازع ديني وأخلاقي أصبح ظاهرة تتطلب وقفة جادة لوقف هذا الاستهتار، ومعالجة جذرية للأسباب المؤدية لها، ومنها حل مشكلة “البدون” والتركيبة السكانية.
– الملف الصحي، وهو من الملفات الساخنة، فالميزانية المخصصة للقطاع الصحي تساوي ميزانية دولة، ومع هذا تجد القصور يلف الوزارة من مراكزها الصحية وصيدلياتها ويرتع ويمرح في مستشفياتها.
– الملف التعليمي، هو الآخر متخم بالهموم، بدءاً بضعف المناهج وانتشار الدروس الخصوصية، مروراً بمخرجات التعليم العالي والجامعي، والتي ساهمت بشكل مباشر في إرهاق ميزانية الدولة عبر استمرارها في تخريج العمالة الإدارية وتغاضيها عن الحاجة الفعلية لسوق العمل من العمالة الفنية.
– الملف الإسكاني، هذا الملف الذي عجزت عن حلّه كل الحكومات السابقة، وهنا لا أقصد فقط مسؤولية الدولة في توفير السكن والقروض الإسكانية، لكن إيجاد السبل الكفيلة للحد من الزيادة غير المبررة في أسعار العقار والوحدات الإيجارية، فمن غير المعقول أن يصل إيجار أقل شقة إلى ما يوازي نصف راتب الموظف. ودمتم سالمين.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق