
أصدرت منظمة الشفافية الدولية الشهر الماضي مؤشرها السنوي الذي يقيس مستويات الفساد في أكثر من 176 دولة تحت ما يعرف بإسم مؤشر مدركات الفساد والذي يقوم على أساس قياس مستوى الفساد وحدة انتشاره بين الأجهزه الحكومية ومدى جدية تلك الحكومات في اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من هذه الظاهرة بين إداراتها المختلفة. ونظرا لما مرت به الكويت من ظروف سياسية صعبة وما واجه المرحلة السابقة من شبهات التنفيع والتحويلات الخارجية والإيداعات المليونية وصفقة الداو كيميكالز وما صاحب ذلك من تردي جميع أجهزة الدولة دون إستثناء، فقد تراجع موقع الكويت لتحتل المركز 66 بين دول العالم بعد أن كان ترتيبها في المركز 54 في عام 2011 و 44 في عام 2004.
من الملاحظات المهمة في مؤشر مدركات الفساد الأخير أن جميع دول الخليج بلا استثناء قد تفوقت على الكويت ولم تتساو مع الكويت في التصنيف سوى المملكة العربية السعودية. الغريب في الأمر، أن الكويت بها نظام تشريعي ورقابي ليس له نظير بين دول الخليج العربي، كما أن أجهزة الدولة وهيكلها الإداري يتفوق كثيرا – على الأقل ورقيا – عن مثيلاتها، كما أن صلاحيات مجلس الأمة قد منح سلطات واسعة في مواجهة أي فساد سواء كان ذلك إداريا أو ماليا في أي من أجهزة الدولة ما يجعله أكثر قدرة في مواجهة أي شبهة فساد إلا أن واقع الحال هو عكس ما يمكن أن يكون.
سياسيا، خمسون عاما من الحياة الديموقراطية وما زال قانون إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد وقانون تعارض المصالح بين شد وجذب دون أن يرى النور لأن مثل هذه القوانين ستشكل عائقا أمام جشعهم وتجاوزاتهم. اقتصاديا ومن ناحية أخرى، هل أدركت الحكومة أن مثل هذه المعطيات لا تسهم بأي شكل من الأشكال في إقامة بيئة اقتصادية صحية وستشكل عائقا واقعيا في جذب رؤوس الأموال والشركات العالمية وبالتالي تحويل الكويت إلى مركز اقتصادي ومالي حسب تطلعات ورؤى سمو الأمير؟
الكل في الكويت يدعو إلى تطبيق القانون، والكل يدعو إلى موجهة الفساد والصفقات السياسية وترسية المناقصات المشبوهة والتلاعب بالقانون والمحافظة على المال العام والتصدي للواسطة والمحسوبية، والكل يعلم بأن الفساد نخر أجهزة الدولة حتى بات الجميع يشتكي من تفشي الرشاوى والبيروقراطية التي تقوم على أساس التنفيع، ورغم كل ذلك وعلى الرغم ما نعانيه ونسمعه ونراه، لم نرَ مسؤولا واحدا يحاسب أو يعاقب. أليس سبب الفساد وجود فاسد؟ فاسد واحد فقط؟ أم أن الفاسد ضمير مستتر لن يظهر في هذا الوطن؟
تعريفنا للأمور بات مقلوبا، فالفاسد هو ليس من سرق المال العام أو لم تتضخم حساباته تحت ظروف مريبة ومشبوهة أو لم يستغل وظيفته العامة ونفوذه للتكسب غير المشروع أو لم يقم بترسية مشاريع مليونية دون وجه حق أو لم يضيع على الدولة فرصا إستثمارية من أجل مصالح شخصية أو استفادة من مناقصة محددة من أجل التكسب الشخصي أو لم يتلاعب بمصير العمالة أو لم يبع اللحوم الفاسدة، فالمفهوم لدينا عن تعريف الفساد والفاسد تحديدا في حكم المستحيل.
ختاما، استذكرت وأنا اكتب في المقال تصريح الوزيرة ذكرى الرشيدي عندما أعلنت بأنها ستحول قريبا جميع تجار الإقامات للنيابة العامة، ولكن يبدو ان الوزيرة تعيش في كوكب آخر فما نيل المطالب بالتمني يا سعادة الوزيرة، وسنذكرك إن شاء الله بذلك.
boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق