بين الحين والآخر تكون هناك «شطحة» من نائب أو وزير ويجري تداركها وتجاوز آثارها، وبين الحين والآخر يكون هناك «فلتة» لسان هنا أو هناك ونعمل جميعا على محاصرة نتائجها حتى لا تتسع وتلحق أذى بأي من مكونات المجتمع الكويتي، لكننا لم نلحظ منذ تأسيس ذلك الكيان، الذي يجمعنا في حضنه، أي تطاول على السلطة القضائية والنيل منها والتشكيك بأحكامها وصولا إلى رفضها بحجة عدم حياديتها، فذلك أمر جديد علينا.
كان هناك دائما سجال ومماحكة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لكنها أصول وآليات اللعبة الديمقراطية وعلى الجميع القبول بها، لكن الطرفين لم يتفوها يوما ما بسوء على السلطة القضائية باعتبارها الحصن المنيع- بعد الله عز وجل- الذي يمكن اللجوء إليه في أي وقت يكون هناك تعسف من إحدى السلطتين التشريعية أو التنفيذية.
اليوم، وفي سابقة تاريخية، هناك من يتطاول على المحكمة الدستورية بالتحديد لا لشيء إلا لأنها خالفت هواه وحسمت أحكامها بتجرد، فعندما قالت إن مجلس 2012 غير دستوري وأبطلت نتائج الانتخابات خرج بعضهم ليشكك بذلك الصرح الشامخ تحت ذرائع ومبررات غير مقنعة، فالقانون يختلف عن السياسة لأنه لا يحتمل اللون الرمادي، فإما أن يكون أبيض أو أن يكون أسود، فيما السياسة تحتمل دمج اللونين مع بعضهما.
أحدهم يقول إنه لن يقبل بحكم المحكمة الدستورية في مدى دستورية تقدير الضرورة في مرسوم الصوت الواحد، إذا كان مخالفا لرغباته، فإما أن تحكم المحكمة الدستورية بعدم دستوريته وإلا فإنها محكمة باطلة- حسبما يرى- وغير مقبول حكمها، وكأنما يريد أن يسلب تلك السلطة حياديتها ليستخدمها ضد خصومه السياسيين عكس الهدف من إنشائها.
في مثل تلك الأجواء الغريبة علينا خسرنا الكثير، فلا المؤسسات تحظى بالاحترام الذي ينبغي أن تحظى به، ولا الرموز يحظون بالتقدير المفترض أن يحصلوا عليه، فالمؤسسات أصبحت مرمى لأصحاب النوايا المشبوهة، وكذلك الرموز لم يسلموا من سلاطة لسان البعض ممن فقدوا بعضا من رزانة وأدب الخصومة، وربما أدخلنا ذلك في فوضى عارمة لم يعد من الممكن التخلص منها دون تضحيات ما كان ينبغي لنا أن نلجأ لها لولا أن الموج أعلى بكثير من قدرتنا على تجاوزه.
احترام المؤسسات الدستورية والحفاظ عليها بعيدة عن أجواء التشكيك والتصيد ألف باء السياسة، الأمر الذي يدعونا للتفكير ألف مرة قبل الدخول إليه، وخاصة أن البديل عن تلك المؤسسات هو الزج بنا في أجواء المجهول وعواقبه التي جربتها شعوب غيرنا مازالت عاجزة عن الخروج منها، وتتمنى لو لم تفعل مثل تلك الخطوة البائسة.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق