أتفهم ضرورة أن يحمل أحد من ينتمون إلى ما تطلق على نفسها المعارضة آراءً سياسية تعكس أجندات فكرية معينة, وأتوقع كذلك أن يحرص من يحمل آراءً معارضة على إظهار قدرته في تبرير مشروعية وموضوعية إتخاذه للرأي المعارض. لكن ما يحيرني حول بعض الآراء المعارضة هو عدم إلتزامها “الموضوعية” وربما عدم قدرة بعض من يحملها على تفنيد وجهات النظر الآخرى! أي أنه من المفروض أن يتمكن المعتنق لموقف سياسي أن يكون قادراً على شرحه بإسهاب ويتمكن كذلك من توفير دلائل وبراهين منطقية تدل على مشروعيته وصدقه وتدل على بعد موقفه عن المبالغة.
الموضوعية وفق أحد المصادر هي: “قدرة الفرد على أن يعزل نفسه عن الموقف المندمج فيه وأن ينظر إلى الحقائق على أساس الادلة والعقل لا على أساس التحيز والعاطفة ومن دون محاباة أو الاستناد إلى رأي مسبق في ما يتعلق بوضعها الحقيقي.”
أعتقد أن بعض الآراء المعارضة في بيئتنا المحلية وبخاصة تلك التي يتم التركيز عليها إعلامياً لأنها من المفروض أن تمثل الرأي الآخر يميل بعضها إلى المبالغة والتهويل بهدف الاستهلاك الإعلامي, إضافة إلى ذلك, بعض هذه الآراء تبدو انها ترتكز إلى آراء وأحكام مسبقة. فعندما يعبر أحدهم عن رأيه السياسي في هكذا سياقات متضخمة تجده يدخل في الحوار السياسي بنية مسبقة لإغلاق الحوار الديمقراطي البناء قبل بدايته ! فكيف يتشكل حوار سياسي أو ديمقراطي فعال ما دام من يحمل الرأي الآخر أصدر مسبقاً حكمه الشخصي ضد الطرف الآخر? فهو يطرح رأيه الشخصاني ليس بنية إبداء رأي يحمل الصواب والخطأ وفقاً لتوفر دعائم منطقية وموضوعية له. ولكن يريد صاحبنا إرغام الآخر المعارض لآرائه أن يقبل ولو قسراً الفكرة التالية: “أنا على صواب وأنتم على خطأ, ولكم أن تفعلوا ما تشاؤون بعد ذلك”! أين هي الموضوعية والمنطق والمشروعية الديمقراطية في ممارسة حرية الرأي والتعبير التي يتحدث عنها هؤلاء?
لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يتكرس في بيئتنا المحلية مزيد من الحوارات الديمقراطية الفعالة ما دام ثمة افراد لا يقبلون إختلاف الآراء ويرون أنفسهم كملاك وحيدين للحقيقة المطلقة. بل وربما لن يتحقق تواصل ديمقراطي بناء مع أفراد يصرون على الاستهانة بالأدلة والبراهين المنطقية في تبرير آرائهم المبالغ فيها حول ما يجري في بيئتنا المحلية. فلعل وعسى.
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق