
قال احمد عبدالعزيز المطوع ان والده قام بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين في الكويت قبل ستين عاما, بعدما التقى الشيخ حسن البنا في القاهرة وجمعتهما معا رحلة عمرة إلى مكة اعتكف فيها عشرة ايام وفيها طلب منه الشيخ البنا أن يفتي الناس فأفتاهم وأعجب الشيخ البنا بفتواه, وعندما عاد إلى الكويت نقل معه فكر صديقه البنا وبدأ في نشر مبادئ جماعة الإخوان المسلمين في الكويت, فأسس جمعية الإرشاد وجعل بيت والده مقرا لها في سوق اللحم.
واضاف ان والده قام بتأسيس مجلة الإرشاد ومدرسة الإرشاد مع مجموعة من النخبة ورجالات الكويت, وعندما انقلب جمال عبد الناصر على الإخوان في مصر وقع خلاف فكري بين أعضاء جمعية الإرشاد وانه لابد من التدخل السياسي ومساندة إخوانهم في مصر, ولكونه رجلا يتحلى بالحكمة ولا يحب الصدام قرر الانسحاب في هدوء تاركا الجمعية التي كان ينفق عليها من ماله الخاص ومقرها هو بيت والده, مفضلا بذلك أن تظل أفكاره كما حملها من الشيخ حسن دعوية دينية لا تتدخل في العمل السياسي بأي حال.
ويكشف المطوع في حوار لصحيفةالسياسة تفاصيل مسيرة والده مع الإخوان واستقالته من الجماعة عندما أرادوا الخلط بين الدين والسياسة, وكيف انطلق الرجل في دعوته الخيرية منفردا فذهب طارقا أبواب أدغال افريقيا داعيا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة, حيث صار صديقا لحكام وملوك دول المنطقة وعلى رأسهم ملوك المملكة العربية السعودية ورؤساء مصر ابتداء من محمد نجيب حيث كان يستضيف أعضاء مجلس قيادة الثورة في منزله بمصر, كما انه كان تاجرا فذا ذا عقل لامع, استطاع أن يوسع تجارته على مستوى محلي وإقليمي شاسع, فجمع بين شخصيتي المتدين والتاجر الماهر, وورث أبناؤه هذه العقلية التجارية الفذة.
وفي ما يلي نص الحوار:
أجواء مشحونة
ماذا عن علاقتك بوالدك عبد العزيز المطوع مؤسس جماعة الإخوان في الكويت? وماذا تعلمت منه?
تعلمت من والدي المغفور له عبد العزيز المطوع الصبر وسعة الصدر وعدم المجادلة لاسيما في المواجهة, وعلى سبيل المثال كنت ادرس في العراق خلال المرحلة الثانوية وكانت العراق تمر بمرحلة صعبة على المستوى السياسي فكانت هناك مظاهرات أيام عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف والفرق متعددة ما بين شيوعي وقومي وغيره, وكنت أؤيد تيار القوميين العرب مع عبدالسلام عارف ورغم خوف ابي علي من التيارات السياسية إلا أنه لم يأمرني بالابتعاد عنها, ولكنه قال لي أريدك أن تتعلم اللغة الإنكليزية, وهناك مدرسة ممتازة في مصر اسمها “كلية فيكتوريا” وأريدك أن تلتحق بها, فهل لك رغبة في ذلك? كنت في قمة السعادة, ولكن في ما بعد علمت أنه كان يهدف إلى إبعادي عن الجو السياسي المشحون في العراق, وبالتالي أيضا عن التيارات السياسية وبالفعل هناك نسيت كل ذلك. ومن ثم بعدها أكملت الثانوية العامة وأحببت أن أكمل دراستي الجامعية, وكنت أرغب في الالتحاق بالطيران الحربي ولكن والدتي رحمة الله عليها كانت رافضة للفكرة تماما, وكنت أنا مصرا على دراسة الطيران أو عدم إكمال الدراسة. وكان والدي حكيما لا يحب الصدام وكنت حينها في بريطانيا فقال لي ارحم والدتك ولا تلتحق بكلية الطيران الآن بل التحق بنادي الطيران لتتعلم الطيران ليكون لديك خلفية عن الطيران ثم التحق بإحدى الكليات. فالتحقت بكلية الهندسة وتخصصت في هندسة ميكانيكا السيارات ومارست الطيران كهواية وحصلت على رخصة القيادة الخاصة بالطيران.
وتكرر الموقف بيني وبين ابني حيث كان يريد ابني أن يلتحق بالكلية الحربية حتى يصبح ضابطا في الجيش الكويتي وحاولت أن أثنيه عن الفكرة ولكنني تذكرت كيف تعامل والدي معي, فقلت له إذا التحقت بالجيش ووصلت إلى رتبة معينة وتناقضت المبادئ في الجيش مع مبادئك ماذا ستفعل? قال سوف أستقيل فقلت له أنت عسكري وتخدم تحت علم الكويت أين ستذهب وتعمل بعد ذلك? ونصحته بأن يلتحق كضابط اختصاص في أي مجال يريده ثم إذا استقال في ما بعد يستطيع أن يعمل في أي مجال يريده, وبالفعل هو الآن من رواد البورصة في الكويت.
“طراق السوق”
في أي مجال عملت مع الوالد? وما انطباعاتك عن فترة العمل بينكما?
عملت معه في المجال التجاري وليس في مجال تخصصي وبفضل الله كانت النتائج إيجابية سنة تلو الأخرى وبعد مضي نحو خمس سنوات وخلال حوار مع المرحوم والدي قلت له بعد هذه السنوات أستطيع أن أقول عن نفسي أنني تاجر شاطر, فكان رده درسا لي ورسخ في ذهني حتى اليوم, فقال النجاح والتوفيق من الله وعدة أسباب منها العمل الجماعي ونوعية السلعة التي يطلبها السوق, فقال: النجاح له عدة عوامل منها الصدق والأمانة وان يكون السوق بحاجة للسلعة التي يملكها التاجر حتى يكتمل النجاح. فقلت له: أنا عندي كل ذلك, وقد أصبحنا من أكبر موردي السكر في مصر فقال لي “حتى تصبح “تاجر شاطر” لابد من أن “يحوشك طراق السوق وتطيح” وتستطيع الوقوف مرة ثانية وتعود للسوق كما كنت, لأن هذا هو الاختبار الحقيقي لسمعتك فعندما تقع ولا يكون معك مال وسمعتك طيبة فإن التجار يعرضون عليك المال لتعمل لهم, لذلك يجب على التاجر أن يحافظ على سمعته الطيبة دائما.
المطوع والبنا
ما قصة علاقة والدك بالشيخ حسن البنا?
كان والدي قد سمع بالشيخ حسن البنا وهو في بغداد وأعجب بمبادئه وقصد السفر إلى القدس ثم ذهب إلى مصر واجتمع بالشيخ حسن البنا وذهبا معا إلى مكة المكرمة للعمرة, وأعجب الشيخ البنا بطريقة فكر الوالد وأسلوب كلامه, وخلال وجودهما في مكة سأل أحدهم الشيخ حسن البنا في أمر يحتاج إلى فتوى فطلب الشيخ من والدي أن يفتي في الأمر, وعندما أفتى والدي في الأمر أعجب الشيخ حسن البنا بفتواه وطريقة فهمه للدين. وبعد عودته إلى الكويت قام عبدالعزيز المطوع بنقل أفكار الشيخ حسن البنا إلى الكويت وأنشأ جمعية الإرشاد برئاسة الشيخ يوسف بن عيسى القناعي مع بعض الإخوة الأفاضل من الناشطين الاسلاميين وهم عبدالعزيز العلي المطوع مراقبا عاما للجمعية, وبعضوية كل من رئيس مجلس الأمة الأسبق محمد العدساني ورئيس المجلس البلدي الاسبق أيضا عبد العزيز العدساني وأحمد الجسار وزير الأوقاف حينذاك, وخالد المسعود وزير التربية, ويوسف الرفاعي وزير الدولة, وعبدالرحمن العتيقي وزير المالية, وخالد العيسى وزير الكهرباء.
وبدأ الوالد يتحدث عن فكر الإرشاد وتم بالفعل تأسيس جمعية الإرشاد مع هذه المجموعة وآخرين في شهر رمضان عام 1371 ه¯ الموافق 1952 م وسميت جمعية الإرشاد في الكويت.
وكان عبد العزيز المطوع قد أنشأ مجلة الإرشاد ومدرسة الإرشاد التي اصبح يدرس بها نحو 400 طالب بعد السنة الثانية من إنشائها فكان همه الأول تنمية الموارد البشرية من خلال الفرد تنمية دينية صحيحة وجاءت كلمة الإرشاد, من قوله تعالى: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن”,… فهذا هو الإرشاد, وعندما أرشدك أنا أوجهك, وكان شعار الإرشاد هو المصحف المفتوح مكتوب عليه “واعتصموا بحبل الله جميعا” ومن أسفله غصنا زيتون رمزا للسلام. واستمرت لسنوات بهدف تعريف الفرد المسلم بسماحة الدين الحنيف وكان الهدف دينيا بحتا وليس هناك أي أهداف سياسية.
الدين والسياسة
وبعد فترة معينة عندما انقلب جمال عبد الناصر على الإخوان في مصر حدث خلاف فكري بين المغفور له الوالد عبدالعزيز المطوع وبعض جماعة الإرشاد انفسهم في الكويت, بسبب اخوان مصر وعبدالناصر وبالطبع ذلك لم يرق لعبدالعزيز المطوع الذي كان يدعو إلى البعد عن الأمور السياسية وعدم خلط الدين بالسياسة, ولكن الإخوة في جمعية الإرشاد طالبوا بضرورة مساندة إخوانهم في مصر ضد عبدالناصر, ورغم أن والدي كان هو صاحب فكرة تأسيس الإرشاد وكان مقرها بيت والده وينفق عليها من ماله الخاص, قام بتقديم استقالته من جمعية الإرشاد حتى لا يصطدم مع بعض الشباب الذين كان لهم فكر سياسي بجانب الدعوة, وقال وقتها نحن أتينا لترسيخ الدعوة الدينية فقط بعيدا عن العمل السياسي, فهي جمعية دينية وليست سياسية, هذا هو فكر عبدالعزيز المطوع.
وبعد تقديم الاستقالة من الإرشاد كتب أعضاء الجمعية رسالة موجهة إلى عبد العزيز المطوع يرجونه فيها أن يعدل عن استقالته ولكنه أصر عليها وترك الإرشاد وبعد بضع سنوات جاء المغفور له الأمير الشيخ عبد الله السالم وأغلق جميع جمعيات النفع العام ومنها جمعية الإرشاد, ومن ثم جاءت بعد ذلك جمعية الإصلاح والتي أسسها العم عبدالله العلي المطوع شقيق الوالد عليهما رحمة الله وهي امتداد للإرشاد.
بعد ذلك انطلق عبد العزيز المطوع إلى عمل الخير والدعوة منفردا وعندما سألوه: هل تنتمي للإخوان المسلمين أم أنك قومي عربي? قال إن قوميتي عربية وديني ورسالتي الإسلام وبلدي الكويت والرسول صلى الله عليه وسلم كان عربيا وقوميته عربية.
العمل الخيري
هذا بالنسبة لمسيرته مع جماعة الإخوان المسلمين ولكن ماذا بعد ذلك?
بعد ذلك ذهب بمفرده إلى حملة الخير التي كان يعمل بها في كل مكان مصر والسودان وباكستان والهند, وفي ذات يوم وهو في اسبانيا جاءته مكالمة تليفونية من الدكتور فرحان أحمد نظامي, مدير مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية الحالي, وكان ذلك في أوائل الثمانينات يدعوه للالتحاق بمجلس الأمناء الاول وهو مركز إسلامي في أوكسفورد, فكان من الطبيعي أن يقدم الوالد كل ما يملك تجاه ذلك المشروع. والشيء بالشيء يُذكر فنقلا عن الدكتور فرحان نظامي, ففي بداية مرحلة تأسيس المركز لم يكن هناك دعم مادي كاف ولكنه اليوم مدعوم من قبل دول عديدة منها الكويت, فالكويت من الدول المشهود لها بدعم هذا المركز لدرجة ان المكتبة هناك سميت باسم الكويت, لاسيما ان المغفور له الشيخ جابر الاحمد كان له دور بارز, كما ان صاحب السمو الشيخ صباح الاحمد ايضا له دور متميز في مد يد العون لهذا الصرح الاسلامي العالمي الكبير, بالاضافة الى المملكة العربية السعودية وماليزيا وتركيا ودول إسلامية كثيرة. وقال د. فرحان للسيد الوالد “يا مستر مطوع, لا أخفيك سرا أنه قد يغلق المركز ابوابه بسبب الظروف المالية الصعبة فرد عليه عبد العزيز المطوع وقال له بعد أن ربت على كتفه: سيظل المركز مفتوح الأبواب ما دمت حيا, ولم يسأل كم المبلغ المطلوب أو ما الميزانية المطلوبة سنويا, فهذه هي البذرة الصالحة التي نشأ من خلالها أكبر مركز للدراسات الإسلامية في أوروبا, بل في وسط جامعة أوكسفورد العالمية التي يفوق عمرها ال¯ 800 عام.
مركز اكسفورد
هل من الممكن أن تسلط لنا الضوء على نشاط مركز أوكسفورد الإسلامي ومن أبرز أعضائه?
مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية أنشئ في منتصف الثمانينات بهدف تشجيع فهم أوسع وأكثر دقة للإسلام في معناه الحضاري وكذلك حضارة العالم الإسلامي وثقافته بشكل خاص. ويهتم المركز بالامتياز العلمي والدراسات الرصينة وكذلك البحوث والمنشورات الأكاديمية في جميع حقول الدراسات الاجتماعية والإنسانية المتعلقة بالعالم الإسلامي.
كما يعنى المركز بشكل أساسي بإبراز المبادئ الحضارية والخالدة للانسجام والتوافق في الإسلام.
ويتقدم مركز اوكسفورد اليوم بثبات نحو الأهداف التي وضعها أمناؤه المؤسسون وبتشجيع من الراعي الفخري للمركز صاحب السمو الملكي الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا.
كما منح المركز في شهر يونيو 2012 جائزة الامتياز الملكي (ROYAL CHARTER) من الملكة إليزابيث الثانية, ملكة بريطانيا, التي تفضلت بمنح المركز هذا الامتياز الملكي في سنة اليوبيل الذهبي لذكرى جلوسها على العرش. وهو امتياز لا يمنح إلا للمؤسسات العلمية البارزة.
أما عن أسماء بعض أعضاء مجلس الأمناء فهم د. عبد الله عمر نصيف رئيس مجلس الأمناء ورئيس جمهورية تركيا عبد الله غول وولي عهد ماليزيا د. نزرين شاه والأمير تركي الفيصل, والشيخ د.محمد الصباح والسفير عيسى صالح القرق, وخالد علي رضا, ود. علي الشملان ود.فرحان أحمد نظامي مدير المركز.
كيف تعامل عبد العزيز المطوع رحمه الله مع جمعية الإصلاح الاجتماعي?
شقيقه عبدالله العلي المطوع هو الذي كان رئيس جمعية الإصلاح, أما عبد العزيز المطوع فلم ار له دورا فيها كما أنه كان يعيش ويعمل في مصر في تلك الفترة وهي فترة الستينات. وبدأ يعمل منفردا بعيدا عن مؤسسي الإصلاح رغم أنه كان يؤمن بالشق الإسلامي الدعوي ولكن لا يؤمن بالشق السياسي فهو صاحب مبدأ, ومؤيد لجمعية الإصلاح في شقها الديني.
العمل التجاري
متى بدأ عمله? وأين وفي أي مهنة?
عندما أراد أن يعمل لشخصه ذهب إلى العراق واستقر هناك لفترة طويلة وكان يعمل هناك في مجال الصيرفة وفتح الاعتمادات في البنوك وعمل “Banker” بالإضافة إلى الأنشطة التجارية الأخرى بالعراق في فترة الحرب العالمية الثانية 1942 ومن ثم ذهب إلى مصر وأقام هناك, وأصبح عمله الأساسي هناك, ولكونه رجلا صاحب نظرة تجارية ثاقبة اختار العم أحمد البزيع الياسين بو مجبل رحمة الله عليه, مؤسس بيت التمويل الكويتي أن يكون وكيله في الكويت لإدارة اعماله التجارية “فولفو” عندما كان الوالد في مصر ثم فتح أعمالا تجارية في السعودية. وفي عام 1982 أراد اخي الأكبر محمد أن يستقل بنفسه فأمرني الوالد بالذهاب إلى الكويت على أن أقوم بالإشراف على أعمالنا في كل من مصر والسعودية والكويت.
كيف تعاملت مع إدارة أعمالكم في الكويت?
وجدت أن مؤسستنا هي مؤسسة فردية قائمة على الوالد وبوفاة صاحبها تنتهي ذمتها المالية وكان عملنا قائما منذ 50 عاما, ولم ار الاستمرارية والنمو بعد الوفاة, فكان يجب عمل شيء لضمان استمرار هذا العمل فطرحت على اخواني تحويل المؤسسة إلى شركة مساهمة وبالفعل أسسنا شركة القرين للسيارات عام 1983 وكان هذا أحد أهدافي الستراتيجية.
قم بكتابة اول تعليق