
اوحظ في الآونة الأخيرة اختفاء الايقاع الكويتي مثل «الأصوات» و«السامري» و«الخمّاري» و«اللعبوني» وغيرها من الايقاعات، وكذلك الكلمة الكويتية البحتة، من خلال ما يقدّمه المغنون الشباب والبعض من المطربين المخضرمين، فقد فضّلوا اللحاق بكل ما هو حديث مجاراة لـ«الموضة» التي كان آخرها الايقاع العراقي «النقّازي» متناسين هدفهم الأساسي وهو الحفاظ على تراث بلدهم.
الأغنية العراقية… طاغية
الملحن ابراهيم الصولة رأى أن اللحن العراقي كان موجوداً منذ القدم في الكويت، «اللحن العراقي موجود في مجتمعنا قبل الغزو، وكانت له مكانة ومستمعون كثر، وهذا ما لا يعرفه الكثير من الجيل الحالي. لكن بعد الغزو الغاشم توقفت الأغنية العراقية الاّ ما ندر منها، ثم عادت لتنتشر بقوّة في السنوات الأخيرة، وباتت محبوبة لدى الجميع يتغنون بها في الجلسات، وأنا أرى أن الساحة الفنية الكويتية في العشرين سنة الأخيرة فارغة الا ما ندر من الأعمال، ولم تكن بمستوى تلك الأغنيات والألحان الكويتية التي صدحت في الستينات والسبعينات والثمانينات، والتي بقيت راسخة في عقولنا حتى اللحظة، والسبب عدم وجود انتاج محلي، وخلو الاذاعة الكويتية من فرقة موسيقية، وانشغال المبدعين المخضرمين بالأغنيات الوطنية.
وأضاف: «المغنون الشباب في أيامنا الحالية مفعمون بالنشاط والحيوية، لكن لا يوجد ما يحفّزهم لأن الساحة الفنية لا تساعدهم باعتبارها خالية، وكل هذا ساهم في القضاء على الأغنية الكويتية، ومنح الفرصة الى اللون العراقي وغيره مثل التركي أن يطغى على أعمالنا، كما أن هناك دوافع كثيرة تمنع المسؤولين من تطوير المجال الموسيقي في الكويت».
لا أحد يُغيّب أحداً
الملحن عبد الله القعود يرى أن الأغنية العراقية شبيهة بالموضة، «فمعظم الأغنيات في أيامنا الحالية تداخلت وأصبحت ذات طابع واحد، وأصبحت الأغنيات العراقية شبيهة بالموضة ولا أحد ينكر أنها ناجحة جداً، ومن وجهة نظري أرى أنه من غير الصحيح من يظن أن اللحن العراقي قد غيّب اللحن الكويتي أو الاماراتي وغيره من الألحان، فلا يوجد أي لحن أو لون غنائي يغيّب الآخر، والمسألة هنا تتمحور في أن اللحن العراقي كان مفقوداً في الفترة الماضية كثيراً، لكنه في الفترة الحالية أصبح أكثر رواجاً لدى جيل الشباب بكثرة من حيث الايقاعات، وهذا ما جعل الأغنية العراقية تنشط أو تنجح على حساب الأغنيات الأخرى».
وأضاف القعود: «أرى أنه لزاماً على الفنان الكويتي أن يحافظ على فولكلور بلده عن طريق تقديم أغنيات ذات لحن كويتي أو كلمات كويتية خالصة بين فترة وأخرى كي لا تندثر، ولتبقى عالقة في أذهان الكثيرين».
اللحن العراقي… «هبّة»
واعتبر الملحن فهد الناصر أن «الايقاع العراقي مجرد «هبّة»، وقد انتشر بين الكثيرين فقط لأنه ايقاع راقص، ومع ذلك فهو لن يصل الى مستوى اللحن الاماراتي القريب من الكويتي، وسيشعر الجمهور المتذوق للفن مجدداً بالحنين الى الأغنيات الكلاسيكية. وللعلم فان كل الأغنيات التي يقدمها الشباب الكويتي تعتبر كويتية لكنها ذات ايقاع عراقي يعرف باسم «هيوه»».
وتحدث الناصر عن الأمور التي يجب على الفنان الكويتي اتباعها حفاظاً على تراثه؛ «يجب على الفنان الكويتي المحافظة على الكلمة الكويتية البحتة، كما يجب عليه الالتزام بالجمل التي تركها لنا الروّاد، والبحث عن تطوير الايقاعات التي نملكها بدلاً من الاستعانة بالايقاع العراقي، وأعترف بأني قمت بذلك الأمر مرتين، واضافة الى هذا كله عدم التقليد الأعمى للفنان العراقي في طريقة غنائه».
وأضاف: «من وجهة نظري من يصنع لنفسه شخصية في بداية ظهوره ويحظى بقلّة من المعجبين، عليه أن يحافظ على خطّه وألاّ يقلّد».
ملحنون مزيّفون
الموسيقار والدكتور سليمان الديكان رأى أن معظم الشباب باتوا يتبعون الموضة، «فخلال العشرين سنة الماضية لم يقدّم أحد لحناً كويتياً بحتاً سوى النخبة من الملحنين، وكل ما هو موجود من ألحان خليجية بشكل عام تخلو من اللحن الكويتي، والسبب الرئيسي هو أن معظم الملحنين الشباب باتوا يتبعون الموضة، ويسعون وراء كل ما هو «ضارب» في السوق، ففي السابق كان الايقاع السعودي هو المتصدر، لذلك توجّه الجميع نحوه والآن حان دور الايقاع العراقي».
وأضاف الديكان: «من الملاحظ أنهم يميلون دوماً الى الايقاع العراقي «النقازي»، ولو عدنا الى الثمانينات لوجدنا أن الايقاع اليمني «النقازي» كان هو المسيطر في تلك الفترة، وعلى هذا المنوال تسير الأمور بحسب رغبة الجمهور. باختصار، هي مجرد «موضة» ولا علاقة لها ان طغت على اللحن الكويتي».
وتابع الديكان: «من أجل أن يقول الملحن انه كويتي، ينبغي أن يقدّم لحناً كويتياً، ولا أعتقد أن معظم الملحنين الشباب يتقنون ذلك، فلا أحد منهم يحاول أن يبتكر ما يحبه الجمهور، بل اتبعوا الطريق الأسهل وهو الجري وراء الموضة، لذلك أعتقد أن اغلبيتهم ملحنون مزيّفون».
وعن الطريقة التي يجب اتباعها للمحافظة على الفولكلور الكويتي، قال: «لابد أن نبدأ مع المطرب الذي يتحتم عليه اختيار لحن كويتي أو لحنين على الأقل ضمن اغنيات ألبومه، وهذه أبسط الأمور، لذلك فالخلل لدينا من «الناطق الرسمي» وهو المطرب وليس الملحن».
قلّة في الألحان الكويتية
المطرب مساعد البلوشي رأى أن من الصعوبة القول ان الأغنية الكويتية قد غُيّبت بسبب انتشار الايقاع العراقي. فقبله كان هناك الايقاع «الخبيتي» السعودي الذي حاز على اهتمام الكثير من المطربين وقبله كان الاماراتي، لذلك أرى أن الايقاع بشكل عام لا هوية له، وان أخذنا ايقاع «الرومبا» على سبيل المثال فقد تقدم في الكويت والسعودية والامارات».
وأضاف البلوشي: «بما أن الجمهور بات منجذباً الى الايقاع العراقي «النقّازي» توّجه معظم المغنين نحوه، وان تحدثنا عن الايقاعات الكويتية البحتة والمتعارف عليها فهي «السامري» و«الأصوات» و«الخمّاري» و«اللعبوني»، وقد استخدمها أجدادنا فيما قدّموه من أعمال فنّية، لكنها اختفت تماماً منذ فترة طويلة، فجاء الجيل الذي سبقنا واستخدم ايقاع «الرومبا» وكذلك جيلنا الحالي، فلا تجد ألبوماً غنائياً يخلو من أغنية تحمل هذا الايقاع، سواء أحد ألبوماتي أو غيري من الفنانين مثل نبيل شعيل ونوال، لذلك لا من الصعب القول ان اللحن الكويتي قد غيّب، بل ان صحّ التعبير هناك قلّة في الأعمال بسبب تراجع نجاحها مقارنة بالايقاع (العراقي)».
وعن كيفية الحفاظ على الفولكلور الكويتي قال: «الفولكلور الكويتي لن ينتهي في ظل وجود هذا الزخم الكبير من الأعمال التي تقدّمها الفرق الشعبية والتي يعيد احياءها العديد من المطربين».
الأغنيات التراثية موجودة
المطربة فطومة جزمت أن الكلمة واللحن الكويتيين موجودان الى اليوم ولن يغيّبهما أي شيء، «لكن الفترة الماضية عشنا مع الايقاع الاماراتي الذي كان مسيطراً، والآن حان دور الايقاع العراقي، ومع ذلك فان كل الألحان موجودة في الساحة، والمطرب يختار ما يريد منها. ومن الملاحظ أن الجيل الحالي الشبابي وجّه اهتمامه نحو الأغنيات والألحان السريعة «النقازية»، فهو متخبّط لعدم وجود شركات انتاج تتبناه تسرب أغنياتهم عبر الانترنت، ولا أنكر أن البعض ما زالوا يميلون الى اللحن المميز والكلمة الكويتية الجميلة».
وقالت فطومة: «بحكم أنني أحيي الحفلات الغنائية الخاصة والأعراس، فان أكثر الطلب يكون على الأغنيات الكويتية القديمة، وما نمر به حالياً هو مجرد «فقاعة» ستزول مع الوقت، لأن الأغنيات التراثية موجودة ولها مستمعوها ويتغنى فيها الكثيرون. لكن ما ساهم في انتشار ومواكبة كل ما هو مستحدث هي القنوات الفضائية الغنائية التي تطلب أغنيات ذات ايقاع سريع و«نقازي»، وتبتعد عن الأغنيات الرومانسية، وهذا أمر خاطئ».
وعن دور الفنان في الحفاظ على الفولكلور الكويتي، أوضحت: «يجب على كل فنان كويتي أن يعيد احياء الأغنيات الكويتية القديمة بألحان جديدة، وشخصياً انتهيت من تسجيل عشر أغنيات تراثية بايقاعات كويتية أصيلة وبالتعاون مع ملحنين وشعراء مخضرمين، وسيتم تصويرها لصالح تلفزيون الكويت».
ظاهرة طبيعية
المطرب محمد البلوشي يعتقد أن استعانة الفنان بايقاعات مختلفة عن بلده ظاهرة طبيعية، فقال: «لا أعتقد أن اتجاه الكثير من المغنين الى الايقاع العراقي ظاهرة غير طبيعية، ففي الستينات والسبعينات كانت منتشرة كثيرة موضة «الطنبورة» الآتية من افريقيا، وكذلك «الليوة» لكن الفنانين الكويتيين استغلوها في تقديم فنّهم، وفي كل فترة يأتي ايقاع يسيطرعلى الساحة الفنّية. وعلى سبيل المثال أيضاً فان الايقاع الاماراتي قبل فترة من الزمن فرض نفسه وبقوة واستعان فيه كل المطربون، وكذلك الأمر مع الايقاع السعودي، لذلك فان الفنان دوماً يتذوق من المتوافر أمامه والمرغوب فيه».
وأضاف البلوشي: «المطرب محمد عبدالوهاب استخدم ايقاعي «التانغو» و«الرومبا» وهي غربية، ومع ذلك حقق نجاحاً كبيراً، فعندما يستعين أي مطرب بايقاع من خارج بلده فليس أمراً غريباً، أو أن ذلك سيغيّب ايقاع بلده بشرط ألاّ يكون مبالغاً فيه، وأذكر أنني قدمت ألبوماً كاملاً اماراتياً وجّهته للجمهور الاماراتي».
وتابع: «لا بد للفنان أن يتقيّد بايقاعات بلده من أجل الحفاظ عى الفولكلور الخاص فيه، ولهذا أطلب من الجهات المسؤولة في الاذاعة والتلفزيون أن يدعموا الأغنيات التراثية مادياً واعلامياً، ويحرصوا على أن تسجّل، مع تخصيص مكافآت للفنان الكويتي في سبيل خدمة الأغنية الكويتية».
المصدر “الراي”
قم بكتابة اول تعليق