
خلال الأشهر الأربعة الماضية سجلت الكويت مجموعة من التراجعات في عدد من المؤشرات الاقتصادية والتجارية التي تقيس حرية وتطور وتنوع الأعمال بشكل لا يتناسب مع الرؤية الموجودة لديها للتحول إلى مركز تجاري ومالي.
فقد تراجع ترتيب الكويت عالميا في مؤشر التنافسية العالمي لعام 2012، الذي يعبر عن وجهات نظر رجال الأعمال في مقومات الاستثمار في الدول، من الترتيب 34 إلى 37، كما تراجع ترتيبها عربياً من الخامس إلى السادس، بينما حلت دول الخليج كلها في مراتب أفضل من ترتيب الكويت التي تذيّلت القائمة الخليجية.
كذلك تذيلت الكويت القائمة الخليجية في مؤشر بيئة اداء الأعمال لتوقعات عام 2013، بعد ان تراجعت من الترتيب الــ77 الى 82 عالميا، حيث لم تسجل اي خطوة اصلاح اقتصادي تنعكس ايجابا على بيئة اداء الاعمال في الكويت.
وأيضاً جاءت الكويت في الترتيب الـ61 عالميا (العام الماضي 59) في مؤشر رأس المال البشري المختص بقياس مستوى التعليم وارتباطه بسوق العمل، رغم انها من اكثر الدول في العالم التي تنفق على التعليم مقارنة بالناتج المحلي.
كما حلت الكويت في الترتيب الــ62 على مستوى التجارة وانفتاح الأسواق (العام الماضي 60) وفي الترتيب الــ70 على مستوى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (العام الماضي 68).
خطاب بلا عمل
هذه المؤشرات -ومثلها كثير – لا يمكن ان تكون لدولة وضعت مشروعا سياديا قبل نحو 9 سنوات كي تتحول الى مركز تجاري ومالي، فهذا النوع من الأعمال يتطلب تحقيق تقدم في بيئة الأعمال واستقطاب الرساميل والمشروعات، الى جانب تعديل مجموعة ضخمة من القوانين التي تدعم هذا الاتجاه، فالتحول الى مركز تجاري ومالي ليس مجرد خطاب سياسي او عنوان عريض، بل مشروع فيه من التفاصيل والجزئيات ما يشغل دولا على مدار العام ويجعلها تراقب كل المؤشرات التنافسية لتتفوق بها عاما تلو الآخر.
المشكلة ان المال هو آخر مشكلة نعانيها في الكويت، فما تم انفاقه خلال 9 سنوات منذ اعلان رغبة التحول الى مركز تجاري ومالي تجاوز 100 مليار دينار، 89 في المئة من هذا المبلغ مصروفات تتضمن الرواتب ودعم السلع والخدمات (إنفاق استهلاكي)، في المقابل لم تتجاوز قيمة الإنفاق الرأسمالي على المشاريع خلال نفس الفترة 11 مليار دينار، أي ما يعادل نحو 11 في المئة من إجمالي المصروفات العامة خلال الفترة محل المقارنة.
وبين الإنفاقين الاستهلاكي والرأسمالي تكمن العلة في الاقتصاد بشكل عام، فكلما انخفض الانفاق الرأسمالي وتراجعت المشاريع ضاقت الفرص المتاحة للنمو وفرص فتح المجال لمزيد من التنافسية وتحفيز بيئة الاعمال.
استقطاب الأموال
وحسب تقرير صادر من مؤسسة التمويل الدولية، فإن الكويت استقطبت خلال 10 سنوات ماضية استثمارات أجنبية بلغت حوالي ملياري دولار من أصل 300 مليار دولار استقطبتها دول مجلس التعاون الخليجي، في حين نجحت السعودية في استقطاب رؤوس اموال اجنبية بقيمة 154 ملياراً، والإمارات 75 ملياراً، وقطر 31 ملياراً، والبحرين 20 ملياراً، وعمان 18 ملياراً.
هذه الأرقام تفتح أبواب الأسئلة على مصراعيها: لماذا فشلت الكويت في ان تكون بيئة جاذبة للأموال الأجنبية؟ ولماذا نجحت دول الخليج الأخرى؟ ما الموجود في دول الخليج ليغري المستثمر الأجنبي وغير موجود في الكويت؟
ومهما تنوعت الأجوبة عن هذه الاسئلة فإنها تظل تدور حول ضعف بيئة الاستثمار وتراجع التنافسية وتدهور بيئة الاعمال، في ظل التأجيل المتكرر لمعظم الأفكار والمشاريع والقوانين، الأمر الذي أدى إلى أن تشيح المؤسسات والشركات الدولية بوجهها عن الكويت لتتجه الى دول أخرى في الخليج.
تجارب خليجية
وفي حين أن السعودية تعتبر اليوم عاصمة لمشاريع الطاقة والبتروكيماويات، كما أن دبي، رغم تعثرها، جذبت أموالاً كثيرة في مجالي العقار والتطوير العقاري، وكذلك قطر في مشاريع الغاز والإعمار، وظلت البحرين حتى عهد قريب عاصمة المؤسسات المالية في المنطقة، ولدى عُمان فرص استثمارية في مجالي الصناعة والزراعة، فإن الكويت مازالت، منذ سنوات، تتحدث عن التحول الى مركز تجاري ومالي دون نتيجة عملية، وما تراجع مؤشراتها إلا نتيجة لسوء تنفيذ المشروع.
كل ما فعلته الدولة لمصلحة المستثمر الأجنبي كان تخفيض نسبة الضريبة من 55 في المئة على الأرباح الى 15 في المئة، ولكن ما فائدة خفض نسبة الضريبة ما لم يتواكب ذلك مع فرص ومشاريع تغري المستثمر الأجنبي بالاستثمار في الكويت؟ وحتى هذه اللحظة، فإن الأرقام هي التي تتحدث عن شهية الاستثمار الأجنبي لمنطقة الخليج الذي لم تحظَ الكويت منها بأكثر من 0.66 في المئة، بما يعادل ملياري دولار، في حين حظيت السعودية بـ51 في المئة، بواقع 154 ملياراً… والفرق بالأرقام واضح.
غياب الفرص
أرقامنا لا يمكن أن تبني اقتصاداً حقيقياً تتوافر فيه الفرص المغرية للمستثمر الأجنبي أو حتى المحلي، فبيئة الاستثمار السليمة تتطلب طرحاً للفرص الاستثمارية الجيدة والقوانين التي تحمي المستثمر والدولة.
ليس سراً القول إن لدينا إمكانات عالية لنكون دولة جاذبة للاستثمارات الأجنبية بل لنتفوق على الدول المحيطة على الاقل، والتي جاءت الكويت خلال الإحصاءات الأخيرة في ذيل قائمتها فقط، إذا أراد صاحب القرار أن يكون جدياً في تحويل ما هو موجود في الدراسات والأوراق الى واقع عملي… هذا إذا أراد!
المصدر “الجريدة”
قم بكتابة اول تعليق