أسقطت الأغلبية البرلمانية (الديني – قبلية) الأسبوع الماضي الخطة السنوية التنموية الثالثة، وفقاً لقانون خطة التنمية الذي أقره مجلس الأمة في المجلس السابق، وأصبح قانوناً واجب التنفيذ، حتى هنا يمكننا أن نقول إن الأغلبية ومعها بعض الأقلية مارسوا حقهم الدستوري بالرفض، لكن أين مسؤوليتهم السياسية والوطنية تجاه ناخبيهم والبلد، بعد أن سقط الموجه الرئيسي لعمل الحكومة؟… تلك المسؤولية تستوجب على الأغلبية أن تجد بديلاً عما أسقطته من عمل واجب على الحكومة وفقاً لخطة التنمية، وعند هذا الحد لا يوجد إلا خياران أمام الأغلبية لاستكمال عملها وواجبها الدستوري والوطني، فإما أن تصوغ خطة تنموية سنوية بديلة وتقرها، أو تبين أوجه تقصير الحكومة في صياغة خطتها السنوية التي رفضتها، وما خالف منها قانون خطة التنمية الأم يستوجب عليها في هذه الحالة –أي الأغلبية- مساءلة رئيس الحكومة وتنحيته لعدم قيامه بمهمة الالتزام بخطة التنمية ومستلزمات تنفيذها، التي يعلق عليها الشعب الكويتي آماله.
لكن الواقع أن الأغلبية، التي تسلمت برنامج عمل الحكومة منذ أسابيع ولم تعترض عليه، وأسقطت خطة التنمية السنوية دون أن تسائل رئيس الحكومة -لو ثبت أن هناك مخالفات فيها لقانون التنمية الرئيسي- هي الأغلبية نفسها التي جاءت على وقع ما أثير حول نزاهة نواب ومسؤولين سياسيين، ولم تضع حتى الآن قانون الذمة المالية حتى ضمن أولوياتها التشريعية، تلك الأغلبية تقفز من موضوع إلى آخر، وتوجه رسائل في كل الاتجاهات وإلى كل السلطات والقوى السياسية والاجتماعية في البلد، وهي في حالة زهو واستعراض لقواها الفائضة، بما يؤكد أن المشروع الرئيسي الحقيقي لها هو إعادة تشكيل النظام السياسي في البلد ضمن تحالف ترسم خطواته القوى الدينية، وتنفذه مجموعة متحالفة من نواب القبائل والقوى السياسية الدينية.
تزامن إسقاط خطة تنمية الحكومة وإعلان النائب د. وليد الطبطبائي وزميله د. فيصل المسلم مطالب بإبعاد الأسرة الحاكمة عن منصب رئاسة الحكومة وإصلاحات دستورية تحد من صلاحيات الأسرة، والتهديد ضمنياً بالعودة إلى الشارع، تزامنت جميعاً مع رفع الحصانة عن نواب اقتحام مجلس الأمة، وهذه كلها تمثل رسائل في عدة اتجاهات، إحداها إلى الحكم للتفاوض عن مخرج لقضية الاقتحام، وكذلك إلى السلطة القضائية وتحديداً وضع ضغوط معنوية شديدة على القضاة الذين سينظرون قضية الاقتحام، مفادها أن أي أحكام بخلاف البراءة أو تتخطى الرمزية على نواب الاقتحام ستكون لها آثار خطيرة على استقرار البلد، وسيكون من المحال تطبيقها لأنهم يمثلون قادة ما يسمونه بالإصلاح السياسي الدستوري الذي سيطلقون حملته في مؤتمرهم الصحافي (اليوم) الذي سيقوده فعلياً تجمع الإخوان المسلمين (حدس) أو ما يعرف برلمانياً بكتلة التنمية والإصلاح، خاصة أن كوادر حدس يروجون بشكل مكثف في الدواوين والمنتديات والتجمعات منذ أشهر للإمارة الدستورية، وتحديداً بعد ثورتي مصر وتونس.
في الواقع البلد يعيش حالة مناورات سياسية كبيرة، ومواجهات مكشوفة وأخرى مخفية مصيرية، وما يحدث على السطح ليس ما يدور في عقول المنخرطين في تلك المواجهات، وقادة الأغلبية البرلمانية مشروعهم ليس خطة تنموية ولا ذمة مالية ولا إقرار جامعة أو مدينة طبية، لأن المجلس السابق لو أعطي الفرصة لأقرها جميعاً، ولا أيضاً قضايا المال العام القديمة لرئيس المجلس العم أحمد السعدون الذي أصبح موقفه وموقعه من التطورات الأخيرة غامضاً، بل إن الصراع الحالي في حقيقته يرتكز على إعادة تركيب السلطة والحكم، والدور الجديد للقوى الاجتماعية التي استجدت في إدارة شؤون البلد، وتكريس سياسيين بعينهم ليكونوا قادة ورؤوساً للتفاوض للمرحلة المقبلة، ولذلك تسعى الأغلبية إلى تحصينهم حتى لا يمسوا سياسياً وقضائياً مهما فعلوا، حتى يصلوا إلى مرادهم في تشكيل نظام سياسي مختلف يكون عنواناً لكويتهم الجديدة.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق