من أجمل ما قرأت للشيخ طنطاوي ننقله باختصار وتصرف:
“حكى أحدهم دخلت في نقاش مع والدتي فأحسست بأن صوتي قد ارتفع قليلاً على صوتها، فانسحبت نادماً ولم أنم في تلك الليلة ألماً وحزناً على ما قمت به، في اليوم التالي وبعد خروجي من الجامعة أمسكت هاتفي الجوال وكتبت لوالدتي الرسالة الآتية… “لقد اكتشفت للتو معلومة تفيد بأن باطن قدم الإنسان أنعم من ظاهرها، فهل يسمح لي كبرياؤك أن أتحقق من هذه المعلومة بشفتي من قدميك”. قفلت الهاتف وذهبت إلى المنزل حيث وجدت والدتي في انتظاري فبادرتني بالقول أما أنا فقد اكتشفت هذه الحقيقة منذ سنين وذلك عندما كنت طفلاً أضمك في حضني وأقبل قدميك الصغيرتين. عندها لم أجد إلا دموعي تسبقني نحو قدميها”.
أثارت هذه الخاطرة شجوني وأعادت لي غصة في القلب عجزت عن نسيانها، وذلك عندما رحلت والدتي رحمها الله من الدنيا الفانية إلى جنان الرحمن الخالدة، بإذنه تعالى، وكنت وقتها موجوداً في مقر عملي بسفارة دولة الكويت في اليونان، فلم أصلِ عليها ولم أحضر جنازتها ولم أتلق العزاء فيها.
وعند حضوري إلى البلاد ذهبت إلى قبرها فجثوت أقبله وأذرف دمعة حارة وأقدم اعتذاري لها لعدم وجودي بجانبها عندما أسلمت الروح إلى بارئها لأودعها بالعبارة التي كانت دائماً تودعني بها “في أمانة اللي ما يخون الأمانة”.
عادت بي الذكرى إلى تلك اللحظة التي نظرت فيها إلى تلك القبور من حولي وصحت من القلب… آه… ما أغلى هذا الأديم! وما أعز هذا الثرى الذي امتزج مع أجساد أحبائنا! أه ما أغلى الكويت الوطن والأرض!
أين من يبحث عن الكرامة ليسأل ساكني تلك القبور الذين عاشوا على هذه الأرض قروناً من السنين مرفوعي الرأس وافري الكرامة؟ فالكرامة إحساس ومشاعر داخل الإنسان، وليست أرقاماً مبعثرة في الشوارع لا أحد يعلم متى سيتم تجميعها!
وليكن معلوماً أننا لن نسمح لكم بتدمير هذا الوطن وإيذاء أهله، لن نسمح لكم بفرض أجندات مشبوهة تدين بالولاء لغير الكويت ونظامها.
وأيضاً هذا القسم ينسحب على أعضاء مجلس الأمة الجديد القديم، فإن الشعب قد وضع الكثير من الآمال عليكم، فنرجو ألا تخيبوا الرجاء بكم، ولن نسمح لكم بأن تخنق مصالحكم مصالح الوطن، وتتضخم حساباتكم الشخصية على حساب الوطن، إن للوقت قيمة نرجو ألا يُهدر في تصريحات ووعود مكتوبة بالماء سريعاً ما تتبخر.
وأيضاً ينسحب هذا القسم على الحكومة، فإن كان لكم العذر سابقاً بوجود أعضاء مؤزمين من مجلس الأمة السابق، فإن هذا العذر قد انتفى الآن وتلاشى إلى غير رجعة إن شاء الله؛ لذا نتمنى أن تشهد المرحلة القادمة إنجازات يشعر بها المواطن وتخرج البلاد من الأوضاع المؤلمة التي وصلنا إليها في كل المجالات بلا استثناء مع إدراك مهم لقيمة الوقت، فما تقدمت الدول إلا عندما أدركت قيمة الوقت فأدخلته عنصراً أساسياً في مشاريعها.
لا نريد أن تكون مشاريعنا عبارة عن دراسات تنام هانئة في الأدراج، فعلى سبيل المثال، عندما كنت أتولى مسؤولية رئاسة البعثة الدبلوماسية في الأردن الشقيق استقبلت وفدين من الكويت؛ الأول، مكلف بإعداد دراسة لإنشاء مدينة طبية في الكويت وجاء إلى عمان للاطلاع على مدينة الحسين الطبية وعليه فقد قمنا بترتيب اللقاءات مع المسؤولين عن تلك المدينة ووزارة الصحة وقضى الوفد حوالي الأسبوع في عمان.
أما الوفد الثاني فكان مكلفاً لعمل دراسة عن “الجامعة الذكية”، وهو النظام الذي أخذه الأردن من ماليزيا مع إدخال بعض الإضافات. وقمنا أيضا بإجراء العديد من اللقاءات وبعد قضاء بضعة أيام غادر الوفد إلى الكويت.
كان ذلك عام 2006 ونحن الآن في عام 2013 وبعد هذه السنين نتساءل: أين تلك الدراسات وفي أي الأدراج استقرت ونامت هانئة؟! نتمنى ألا تكون المرحلة القادمة تحمل نفس سمات المرحلة السابقة.
ولعل البعض يتساءل كيف سنفي بهذا القسم أمام أطراف تتصارع من أجل مصالحها من أغلبية مبطلة تصارع من أجل البقاء ومجلس أمة جديد يريد أن يثبت وجوده، وحكومة نرجو أن تكون فد تخلصت من قيود فرضتها عليها كتل وأحزاب وجماعات مختلفة المشارب. إن التفاؤل بالنجاح يملأ النفوس، فلا مجال للفشل سواء للمجلس أو للحكومة، فالفشل سيؤدي بالضرورة إلى نشأة معارضة لن يكون الشارع مجالها والبحث عن الكرامة هدفها، بل ستكون الكويت الوطن والأرض والأهل غايتها.
ملاحظة: أعلن في الأيام القليلة الماضية أن الكويت قد حققت فائضاً مقداره 14.7 مليار دينار… ثم ماذا؟
حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق