جاسم الخرافي: مشكلة الكويتيين في عدم وجود مشاكل لديهم

رأى رئيس مجلس الأمة الكويتي السابق جاسم الخرافي أن الشروع في تنظيم العمل السياسي في بلاده بات ملحاً للخروج من الأزمات المتتالية، «التي لا نعرف كيف تبدأ وكيف تُفرّخ»، معلقا على ما تشهده الساحة من احداث بالقول «ان مشكلة الكويتيين في عدم وجود مشاكل لديهم».

ورفض الخرافي، الذي تبوّأ رئاسة مجلس الأمة لأربع دورات متعاقبة من 1999 الى 2009، ما يقال من إن ما يجري في الكويت ربيع عربي، مشيرا الى أن «بلدان الربيع العربي يطالب شعبها الحكومات بالرحيل ونحن نطالب الحكومة بأن تحكم، وتحسم».

ووصف الخرافي الربيع العربي في لقاء أجرته معه صحيفة البيان الاماراتية بأنّه «كارثة»، مشدّدا على أنّ «استبدال الديكتاتور بديكتاتور ليس حلاً، فالحل في القبول بالديموقراطية الحقّة، وفي تغيير عقلية ادارة الدولة».

وفي ما يلي تفاصيل الحوار المطوّل الذي غاص في عمق المشهد الكويتي المأزوم:

• لنشرح الوضع، أين كان الخلل في العلاقات بين السلطتين خلال السنوات الماضية؟

– كان هناك بالفعل خلل، وسيستمر هذا الخلل بين السلطتين ما دامت العلاقات الشخصية هي التي تحكم سير الأمور.

ورغم أن هناك دستوراً واضحاً ومحكماً ورغم قناعاتنا به وبنصوصه ورغم العلاقة المتميزة بين الحاكم والمحكوم، لابد من معالجة هذا الخلل الذي قامت عليه المجالس النيابية كلها.

• كيف يمكن تدارك هذا؟

– انتخاباتنا لا تزال مبنية على الطائفية والقبلية والشخصية والفرد، فالنائب دخل المجلس من منطلق فردي، وهذه ليست مقومات تنظيم سياسي، ونحن بحاجة لتأطير عمل السلطة التشريعية، وهذا التنظيم يبدأ من التحضير منذ الآن للعمل على تحويل المجلس الى تواجد سياسي وأعني تشريع العمل الحزبي.

تشريع الحزبية

• أنتم مع تشريع الأحزاب؟

– أنا أنادي راهناً بالتحضير للعمل الحزبي، فلسنا في الوقت الحالي مستعدين له، ولكن لابد من العمل في هذا الاتجاه.
• اذن، ترون أنّ هذا المنحنى لابد منه؟

– نعم، لأنه لا يوجد في العالم مجلس تشريعي لا تعرف السلطة فيه اتجاه التصويت على القوانين التي ستقدمها اليه.

وما نعاني منه في الكويت أن الحكومة لا تعرف مَنْ مِنَ النواب سيقف معها في التصويت، وكثيرا ما قلت اننا في الكويت ليس لدينا معارضة وموالاة من منطلق سياسي بحت، فالمعارضة اليوم تصوت مع الحكومة وغدا تعارض وكذلك حال النواب المحسوبين من الموالاة، هل هذا موجود في أي مكان آخر؟!

لهذا بات هذا الوضع المختل غير مقبول بتطور المجتمع وتطور الممارسة النيابية، وسنستمر نعاني ما لم نؤمن بضرورة أن نبدأ برسم خطوات التحضير لهذا التوجه.

• هل ناقشتم هذه الرؤية مع القيادة العليا خلال رئاستكم لمجالس الأمة السابقة؟

]- أثرت هذا الموضوع في أحد خطابات افتتاح الأدوار البرلمانية وهي موثقة.

الناحية الشخصية
• لماذا لم تبحث بعدها في الجلسات أو اللجان؟

– لدينا تجمعات سياسية لا تزال تطغى على عملها الناحية الشخصية حتى لو كان لها برامج وأجندة عمل، فأعضاء هذه التكتلات لا يفكرون بأسلوب جمعي، بل ينصب التفكير على كيفية العودة منفرداً رغم أنه جزء من تنظيم أو تكتل.

وللعلم، تواجد كثير من أعضاء التكتلات السياسية داخل مجلس الأمة ليس بالضرورة عائدا للانتماء التنظيمي، فمثلاً، قد تجد مجموعة من نواب الحركة الدستورية أحدهم فاز من منطلق قبلي وآخر بأصوات ناخبين حَضَرْ، فاذا تبادلا موقع الترشح فلن يفوز أي منهما، وهذه الحال غير موجودة في الدول المتحضرة، ففي العرف الديموقراطي، اذا خرج نائبان أو أكثر من قاعدة واحدة وحزب واحد يمكنهما أن يترشحا في أي مكان ويحظيا بالتأييد لأنهما يترشحان باسم الحزب والتصويت يتم لبرنامج الحزب لا لاسم الشخص وشكله وقبيلته.

ولكن عندنا في الكويت لا يملك أي تنظيم قائم الآن أصواتاً خارج الدائرة التي ينطلق منها المرشح لأن الاعتماد هو على كثافة القبيلة أو الطائفية، كما هي الحال عندنا في الدائرة الأولى، وفي الدائرة الرابعة الأغلبية منقسمة بين قبيلتين، وفي الخامسة أيضا بين قبيلتين، لذلك نعرف مسبقاً أسماء ثمانية من النواب (قبل العمل بقانون الصوت الواحد) الذين سينجحون في الدائرة على اعتبار أن كل قبيلة ستوصل أربعة من مرشحيها وسيقتصر التنافس على مقعدين فقط من أصل عشرة.
مسؤولية الوضع!

• من خلق هذا التقسيم العرقي والطائفي؟

– المجتمع
• ألا تعتقد أن الحكومة المسؤولة عن توزيع الدوائر جغرافياً هي المسؤولة عن توفير البيئة لهذه الأجواء؟

– لا، فمن الأشياء التي تأخذها على الحكومة عدم قدرتها على التخطيط، على كل المستويات الاستراتيجية السياسية وحتى الاعلامية، هذه المقدرة غير متوفرة.

• ولكنها لم تتدخل في تغيير الوضع خلال عشرات الحكومات المتعاقبة؟

– بدايةُ الحركة الدستورية لدينا لم تكن مبنية على أسس قبلية أو جغرافية بقدر ما كان مشروع تمثيل مجتمع في مجلس الأمة، ففي البدايات فاز الدكتور أحمد الخطيب وخالد الغنيم من منطقة الجهراء، ولكن مع التطور وتقدم السنين بدأت الناحية القبلية في الظهور وطغت أيضا الناحية الشخصية، وهذا لم يكن له أثر سلبي في البداية ولكنه بدأ الاضرار بالمجتمع لأن التركيبة كلها تغيرت، لذلك لا بد من التحضير لمعالجة هذه السلبيات.

رئيس الوزراء الشعبي

• هل معنى ذلك أننا نتوجه مع تصحيح الوضع الى رئيس الوزراء الشعبي؟

– نعم وارد، فالأمر بيد الأمير وبذلك تصبح السلطة التنفيذية هي التي تمتلك الأغلبية في المجلس وتعرف مسبقا اتجاه التصويت.

ولا أعتقد ان التغيير باتجاه رئيس الوزراء الشعبي في الكويت سيكون في حياتي لأنه لا توجد رغبة في هذه الفترة بتغيير نظام الحكم وقاعدة اختيار رئيس الحكومة من داخل الأسرة الحاكمة.

وأشدد هنا على أن أي شروع في التنظيم السياسي لا يعني بأي حال فقدان الأمير أي صلاحية من صلاحياته فهي مصونة بالدستور.
الصوت الواحد شرخ المجتمع؟
• قانون الصوت الواحد أحدث شرخا في المجتمع، فهل تعتقد أن تغيير طريقة الانتخابات كانت خطوة غير مدروسة؟ وهل تؤيد فكرة الكويت دائرة واحدة؟

– الدائرة الواحدة أمر غير دستوري وثبت هذا بقرار من المحكمة الدستورية وانتهى هذا الموضوع. وتغيير الدستور في هذه الفترة غير وارد. فضلاً عن ذلك، صلاحيات الأمير تتضمن اصدار مراسيم ضرورة، ومن ضمن هذه المراسيم تغيير النظام الانتخابي.

• ولكن البعض يرى أنه لم يكن هناك ضرورة لمرسوم تعديل قانون الانتخابات وفق مرسوم الضرورة؟

– حتى لو كنّا لا نتفق على المرسوم، يجب أن نقبل بما ينص عليه الدستور وما يمنحه من صلاحيات للأمير.

الطريقة الوحيدة للطعن في الاجراء الأميري هو من خلال المحكمة الدستورية، ولدينا سوابق، مثل قرارها بخصوص المرسوم الأميري الخاص بحل مجلس أمة 2009، وهذا فيه أكبر دليل على الديموقراطية التي نعيشها، الأمير قَبِل ابطال المحكمة الدستورية قراره، ولم ينقلب على حكم المحكمة كما يحدث في بعض الدول، وأيضا هو أعلن قبوله قرار المحكمة بخصوص مرسوم التعديل أي يكن.

ومن جميل ديموقراطيتنا أن من حق مجلس الأمة الحالي التصويت بالرفض على المرسوم، ما يعني انتفاء صلاحيته وحل المجلس المنتخب وفق قانون الصوت الواحد والعودة مجدداً الى الأربعة أصوات.

• هل أنتم مع التصويت بصوت أم أربعة؟

– أنا كنت ضد الأربعة، وأفضّل الصوتين، وفي مجمل الأحوال الصوت الواحد أفضل من التصويت بأربعة وما أفرزه من سلبيات كبيرة مجتمعياً.

• لماذا تحبذ الصوتين؟ ألا نكرر بذلك تجربة الأربعة وتبادل الأصوات والانتخابات الفرعية؟

– كنت أفضل التدرج، فمن أربعة أصوات الى صوت واحد كان للأمر رد فعل صادم، فيا حبذا لو انتقلنا من أربعة الى اثنين ثم واحد عندما نبدأ في الشروع في التنظيم السياسي الذي أتمنى.
• هل ابتعدت عن خوض الانتخابات بسبب معارضتك للصوت الواحد؟

– لا، لا، أنا ابتعدت عن الترشح منذ 2009 لاتاحة الفرصة لجيل جديد بأن يتولى المسؤولية ولم أتوقع أن من سيأتي بعدي سيكون أكبر مني عمراً، ولكن الآن بوجود علي الراشد دخلت دماء جديدة، فضلاً عن ذلك، أمضيت في رئاسة البرلمان 12 سنة وأنا عضو في مجالس الأمة منذ 1975، والمسألة ليست احتكارا للكرسي.

سياسيون منذ الولادة

• ابتعدت عن المجلس.. فهل ابتعدت عن السياسة؟

– الكويتيون، وهذه احدى مشاكلهم، سياسيون منذ الولادة.

• كالفلسطينيين؟

– أكثر، والخبرة التي اكتسبتها من العمل السياسي في البرلمان وفي الحكومة وفي قطاع الأعمال السنوات الماضية تفرض علي أن أجتهد في النصيحة، سواء قُبلت أم لم تُقبل.

• الى أين تمضي الكويت؟

– عندما يأتي ضيف الى الكويت ويرى هذا التناحر ويسأل: ما هي المشكلة؟ مشكلتنا أنه لا يوجد لدينا مشكلة، لذلك ترانا نفرِّخ المشاكل أسبوعا بعد أسبوع، فضلاً عن التعامل مع القضايا بمزاجية، وعدم انهاء الملفات بشكل قطعي.
العلاقة مع ناصر المحمّد
• كثير من المراقبين كانوا يرون في الجفاء بين السلطتين التشريعية والتنفيذية طوال سنوات، وبخاصة خلال حكومات سمو الشيخ ناصر المحمد، الى عدم الانسجام بينكما، فهل هذا صحيح؟

– هذه من القصص التي ضخّمها الشارع فالخلاف مع الشيخ ناصر المحمد لم يكن شخصيا أبداً وانما يتعلق باستقرار الحكومة وآلية تشكيلها، وتبين مع مرور الأيام أن تقديم النصح أبقى من التهليل، فأنا ما كنت أسعى الا للاصلاح دون أي هدف شخصي، أما من كانوا يمدحون لمبررات شخصية فانفضّوا ودب الخلاف بين صفوف المعارضة.

وفي عام 2007 جمعنا الأمير وأكدت أنني لا أكن للشيخ ناصر الا كل احترام ومودة، وفي المقابل عندما أرى شيئا غير صحيح فالواجب يحتم علي أن أنصح.

وأكشف لكم أن من كتب البيان للشيخ ناصر الذي وجه فيه انتقادات لي واتهمني بعرقلة عمل الحكومة هو الآن أكثر من يوجهون الانتقادات للشيخ ناصر بعدما انقلب عليه.

الخروج من النفق
• متى تخرج الكويت من النفق الذي دخلت فيه؟

– أنا بطبعي متفائل، وتفاؤلي ينسحب على المجلس الحالي، واذا كنّا حريصين على التوصل الى الاستقرار الذي نتمناه للكويت فيجب أن نعيد النظر في الخلافات التي لا يعرف أحد كيف تبدأ.
الخلافات الحاصلة ليست ربيعاً عربياً كما يدعون، فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم مشهود لها، ونحن نطالب الحكومة، ومن خلفها النظام، أن تحكم، والله نحن نحبكم، ونريدكم، ولا نريد التغيير، ولكن احكموا… احسموا… قرّروا.

لا مجال لنا الاّ التفاؤل. فليس لدينا بلد غير الكويت، ولا نريدها أن تضيع، وليكن للكويتيين درس وعبرة مما ذاقوه خلال غزو صدام حسين، ولنتعلّم من مأساة اخواننا الفلسطينيين كم عانوا، وكيف تشتّتوا عندما ضاعت بلادهم، لذلك علينا أن نضع أيدينا بيد بعض وأن نعالج مشاكلنا بحكمة وبعيداً عن التأزيم، وعن الاساءة للبلد من خلال المعالجة الخاطئة.

لا أجندات غير كويتية
• كثر الحديث عن تمدّد الربيع العربي الى الكويت وعن وجود أجندات غير كويتية لدى بعض أعضاء البرلمانات السابقة والحالية، وعن أجندة خفية ينفّذها تيار الاخوان المسلمين في الكويت، كيف ترى الأمر؟

– أشك في وجود أي كويتي يعمل لصالح أجندة غير كويتية، ولكن بعض التصرفات السياسية تستوجب أن تضع عليها علامات استفهام.

هناك اجتهادات، ولكن ليس كل مجتهد مصيباً، بعض النواب يقومون بأفعال يعتقدون انّها لصالح الكويت ولكنّهم لو تمعّنوا قليلاً فيها لوجدوا أنّهم أضرّوها كثيراً.

لسنا ملائكة. ولدينا أخطاء تحتاج الى علاج، ونحتاج الى مصارحة في وصفة وطريقة العلاج، ومرفوض ان نعالج الخطأ بخطأ.
تهنئة
• بدأ جاسم الخرافي حواره بتهنئة قيادة دولة الامارات وشعبها على النتائج التي تحققت في دورة الخليج العربي لكرة القدم.

وقال الخرافي موجهاً كلامه للاماراتيين «مبروك، وعسى الله أن يوفقكم دائما، وأخذتم الكأس عن جدارة ووفقتم في الجهد الذي بذلتموه».

الخرافي: ما قام به سمو الأمير دليل حرصه على استقرار الكويت

أكد رئيس مجلس الأمة السابق جاسم الخرافي، أن صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد حريص على استقرار الكويت ومواجهة ما يواجهه من متطلبات الحكم.

وأضاف الخرافي في لقاء مع قناة «العربية» الفضائية، أن المواضيع والمسؤولية التي تحملها سموه خلال فترة معاصرته لأكثر من أمير، ومنذ عقود طويلة، أتاحت له تجربة أن يكون على استعداد لتحمل كل ما يتعلق بمسؤولية الحكم، ومواجهته بالحكمة والخبرة التي اكتسبها خلال هذه السنوات.

وردا على سؤال حول دلالة تنصيب سمو الشيخ صباح الأحمد بتأييد شعبي، وتأييد مجلس الأمة، قال الخرافي «لاشك في أننا نحن اليوم بالكويت نحتفل بمناسبتين اليوم رفعنا العلم احتفالا بالعيد الوطني للكويت في الشهر المقبل»، وتابع «من محاسن الصدف أن يتصادف ذلك مع عيد جلوس صاحب السمو الأمير، نعم أمراء الكويت ومن بعد الدستور كلهم مروا على مجلس الأمة بالاجراءات الدستورية التي نص عليها الدستور وهي المصادقة على تعيينهم من خلال مجلس الأمة، ولله الحمد كلها مرت بسلاسة ومن منطلق محبة وتقدير الكويتيين لأمرائهم ولحكم آل الصباح بالكويت».

وفي سؤال حول تقييمه لمعالجة سمو أمير البلاد للأوضاع الأخيرة في الكويت، كونه كان مقربا من سموه ورئيسا لمجلس الأمة أكثر من دورة، قال الخرافي «لاشك في أن صاحب السمو الأمير ليس جديدا على المسؤولية، وليس جديدا على معالجة المواضيع التي تتطلبها المسؤولية، صاحب السمو عاصر أكثر من أمير بداية من الشيخ أحمد الجابر والده، الى عبدالله السالم الى صباح السالم والى جابر الأحمد أخيه وزميله ورفيق دربه وسمو الشيخ سعد العبدالله رحمهم الله جميعا، وتغمد أرواحهم الجنة، والمواضيع والمسؤولية التي تحملها خلال هذه الفترة أتاحت له تجربة أن يكون على استعداد لتحمل كل ما يتعلق بمسؤولية الحكم ومواجهته بالحكمة والخبرة التي اكتسبها خلال هذه السنوات».

وأضاف «أنا أعتقد أن ما قام به سمو الأمير من دور، ان دل على شيء فانما يدل على استمراريته وحرصه على استقرار الكويت، وحرصه على مواجهة ما يواجهه من متطلبات الحكم».
المصدر “الراي”

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.