لا أعتقد أن الشخص الفاسد وظيفياً لا يعرف مثلاً أنه يمارس الفساد, فمن يستغل وظيفته الحكومية للانتفاع الشخصي أو لتنفيع أقاربه أو أصدقائه أو أحبائه يعرف تماماً أنه فاسد. أي أن الفساد بين والصلاح بين, ومن يمارس الأول يعتبر سلوكياته وتصرفاته الفاسدة كسباً وحقا مشروعاً له, أو هكذا يفكر عقل الفاسد. فالعقلية الفاسدة التي ترى سرقة المال العام حقاً مكتسباً لها ومغنماً شخصياً لا تتردد في ما تفعله بل تفعل ما تفعل أحياناً كثيرة في وضح النهار. فلا يعني الحس الوطني أو الوازع الأخلاقي شيئاً ذا قيمة بالنسبة الى الفاسدين, فهم يعتنقون وجهات نظر أنانية للغاية يحركها بشكل أساسي الكسب السهل والسريع.
وبالطبع لن يضطر الفاسد لتبرير فساده لنفسه, لأنه عودها على اللامبالاة وعدم الاكتراث بما يظنه الآخرون. فما دام تتوافر للفاسد “ثغرات” معينة يستطيع من خلالها ممارسة فساده الوظيفي أو التجاري فهو سيستغلها مباشرة وبأريحية تامة من دون أن يعاني وخزاً أخلاقياً في ضميره الفاسد أصلاً! ومن هذا المنطلق, لا يصح تقديم النصح للفاسد ليكف عن فساده, فلقد أتى هذا الأمر باختياره وبإرادته الشخصية. فما سينفع لمكافحة الفساد ليس بالضرورة أن يكون النصح والارشادات الأخلاقية فقط أو تذكير من هو فاسد أصلاً بأن عليه أن يراقب أو يُعدل أو يُصلح ضميره ونهجه الفاسد. ولذلك, فمعالجة الفساد الوظيفي, خصوصاً تتحقق عن طريق الإستمرار في تضييق الخناق على الفاسدين كي لا يتمكنوا من ممارسة فسادهم.
على سبيل المثال, عندما توجد ثغرات قانونية أو إدارية في العمل الوظيفي, فمن المفروض الحرص على سدها عن طريق إعادة دراستها وإقرارها بشكل دقيق للغاية يمنع فرص الفساد. بمعنى آخر, من المفروض التعامل مع الفاسد كلص مزمن ومدمن للسرقة والنشل أي أنه لن يتوقف إطلاقاً عما يمارسه. ومن هذا المنطلق, فالطريقة المناسبة لمكافحة الفساد تتمثل أساساً في تضيق الخناق على الفاسد حتى لا يمارس فساده الاختياري.
الوازع الأخلاقي أو الضمير الشخصي أو الحس المهني أو الحس الوطني بالنسبة الى الفاسد لا تؤكل خبزاً, أو هكذا يعتقد الفاسد. فلقد تجاوز هذا النوع الفاسد من بني البشر حدود القيود الإجتماعية والمحاذير الأخلاقية التي تنظم العلاقات الاجتماعية بين أعضاء المجتمع. فالإطباق على مجرى هواء الفساد يتحقق فقط عبر الاستمرار في المراقبة وتضييق الخناق على فرص الفساد. فلعل وعسى.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق