موقف وزيرة العمل ذكرى الرشيدي من تجار الإقامات «ملتبس»، فهي أعلنت عن حرب مقبلة تدق طبولها على مثل تلك التجارة القذرة، لكنها منذ ذلك اليوم لزمت الصمت وكأنما كان هناك من «وبّخها» على مثل تلك المبادرة، وأعادها إلى الواقع بعدما حلّقت قليلا في سماء المثالية، ويبدو لي أن صدمة «التوبيخ» كانت أشد وطأة، وربما تكون سببا في ارتكاب أخطاء أخرى.
تجارة الإقامات مؤسسة ضخمة فيها شيوخ وشيخات من الأسرة الحاكمة، وفيها متنفذون كبار، وتضم أيضا مسؤولين كبارا في الدولة ولها امتداداتها القومية والإسلامية، وقد حظيت برعاية حكومية على أعلى المستويات، ولا أعتقد أن وزيرة الشؤون قادرة على مواجهتها، لكنها هفوة وربما استعجال، وربما تكون اعتذرت عنها وقبل الاعتذار مع «تعهّد بعدم التكرار».
يقدّر المراقبون حجم التعاملات في سوق الإتجار بالبشر في البلاد بما يقترب من ثلاثة مليارات دولار خلال العام الواحد، وهو مبلغ ضخم إذا ما قورن بمدخول الدولة من التعاملات الأخرى، وهذا السوق له رموزه وآلياته، وهي معروفة، ويمكن من خلال «كبسة زر» في وزارة العمل معرفة كل تفاصيلهم، لكن تلك الخطوة تكلف من يقوم بها مقعده، سواء أكان ذلك الشخص وزيرا أم وكيلا أم وكيلا مساعدا في وزارة العمل، الأمر الذي جعل الجميع يبتعد.
النائب السابق مشاري العصيمي هو أول من «نبش» عش الدبابير، من خلال تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، وفوجئ بحرب شرسة لا هوادة فيها من وزراء ومسؤولين حكوميين وصحف، ورغم ذلك خاض تلك الحرب إلى آخر الطريق، وتمكّن من تحجيم أطرافها، وكاد يطوي ملفها لولا إجراءات سبقت تلك الخطوة.
منذ ذلك اليوم لم نجد نائبا مخلصا مثل «بوطارق» فتح ذلك الملف ونبش محتوياته، فقد كان جميع النواب يتهربون منه إن لم يشارك بعضهم في الكارثة، وكأنما هي جمرة يتقاذفها الجميع على حساب سمعة الكويت في الخارج، وعندما قرأت تصريح ذكرى الرشيدي عن مواجهة تجار الإقامات انتظرت قليلا لكي أرى خطوات عملية، لكن لا شيء حدث، وتوقعت أن تكون تراجعت عن موقفها.
الخوف أن يشل ذلك التوبيخ الوزيرة الرشيدي ويربكها، ويفتح الوزارة على مصراعيها لتجار الإقامات وتجار البشر ونخاسي القرن الحادي والعشرين، خاصة إذا صدقت الروايات من أن وزيرا سياديا سخر منها في إحدى جلسات مجلس الوزراء وتهكّم عليها بالقول «أنت مصدقة أنك وزيرة؟»، ما يجعلها ترتكب الخطأ تلو الآخر، ويقضي كل ذلك على الانطباع في أذهان المواطنين.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق