أكدت محكمة الاستئناف في حيثيات حكمها القاضي بحبس النواب الثلاثة السابقين خالد طاحوس وفلاح الصواغ وبدر الداهوم 3 سنوات مع الشغل والنفاذ، بتهم التطاول على مسند الامارة «أمن دولة داخلي» خلال ندوة ديوانية النائب السابق سالم النملان. ان المتهمين بتوجيه خطاباتهم لسمو أمير البلاد على الملأ
بأسلوب اعتراه التحدي وجعلوه خصما مباشرا لهم، ونزلوا بها معه الى مرتبة الفرد العادي وبإشارة واضحة الدلالة الى ان من يعنوه هو سمو الامير، وان العبارات تنطوي على اخلال جسيم بقواعد ونظم البلاد، فضلا عن القواعد الاخلاقية والبروتوكولية في أدنى مراتبها في مخاطبة رئيس الدولة، وفي إهدار رونقه بأذهان وأعين الناس، وهي اقوال يتجسد فيها الطعن في حقوق الامير وسلطته والعيب في ذاته والتطاول على مسند الامارة، وهو ما لا يحتمل التأويل غير غاية العيب وإهدار هيبة امير البلاد والتي من شأنها إضعاف الاحترام الواجب لشخص الامير وسلطته، بل وفيه حض على عدم اطاعة ولي الامر وإثارة الفتن وتكدير السلم العام.
وأكدت المحكمة في حيثيات حكمها التي تنشرها «الوطن» انها اقتنعت كما ظهر لها بصورة جلية بسوء نية المتهمين وان غايتهم في ذلك ليس الاصلاح كما يدعون في دفاعهم، وان غشوها بزائف الطلاء تذرعا للفرار من العقوبة، وإنما قصدوا العيب في ذاته والتطاول على سلطات الامير مع علمهم بمضمون تلك العبارات والتي من شأنها ان تؤدي الى تلك الغاية، ومن ثم فقد حقت على المتهمين كلمة القانون مما يستوجب عقابهم وفقا لنص المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض احكام قانون الجزاء.
التفاصيل والأسباب
عقدت المحكمة الكلية جنايات الدائرة 13 جلستها برئاسة وكيل المحكمة فيصل العسكري وعضوية القاضيين شريف ابو الضراير ومحمد الصانع وبحضور ممثل النيابة يوسف آل بن علي وامين السر سيد مهدي، في القضية رقم 2012/13 حصر أمن دولة 2012/15 جنايات أمن دولة والمرفوعة من النيابة العامة ضد خالد مشعان منخير طاحوس وفلاح مطلق هذال الصواغ وبدر زايد حمد الداهوم العازمي.
وبعد مطالعة الاوراق وسماع المرافعات والمداولة قانونا من حيث ان النيابة العامة اسندت للمتهمين أنهم في يوم 2012/10/10 بدائرة مباحث أمن الدولة- دولة الكويت: طعنوا علنا وفي مكان عام عن طريق القول في حقوق الامير وسلطته، وعابوا في ذاته وتطالوا على مسند الامارة بأن وجهوا له خلال ندوة عامة العبارات والالفاظ المبينة بالاوراق، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
وطلبت النيابة معاقبتهم بالمادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء.
وحيث إن الواقعة حسبما استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليها ضميرها وارتاح لها وجدانها مستخلصة من أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات وما دار شأنها بجلسة المرافعة- تتحصل في قيام المتهمين من خلال ندوة جماهيرية أقيمت في منزل أحد النواب السابقين (سالم النملان) بإلقاء خطابات علنية تضمنت الطعن في حقوق الأمير والعيب في ذاته والتطاول على مسند الإمارة على خلفية حل مجلس الأمة 2012 وما أشيع من التوجه لإصدار مراسيم ضرورة بتقليص عدد الأصوات وذلك بتوجيه خطابهم إلى شخص الأمير مباشرة واعتباره فرداً عادياً.
حيث شهد بتحقيقات النيابة العامة- ضابط برتبة نقيب بمباحث أمن الدولة- أنه بنحو الساعة 7.30 مساء من يوم 2012/10/10 عقدت ندوة جماهيرية بديوان النائب السابق سالم النملان في ساحة الإرادة المقابلة لمنزله بمنطقة جابر العلي وفي منصة معدة للخطابة، تحدث خلالها العديد من النواب والمحامين، ومنهم المتهمون الثلاثة، بمناسبة ما أشيع عن إصدار أمير البلاد المراسيم ضرورة تتعلق بتغيير آلية التصويت في انتخابات مجلس الأمة ومسائل أخرى، بحيث وجهوا حديثهم إلى حضرة صاحب السمو أمير البلاد بشكل صريح وبأسلوب خطابي تضمن ألفاظاً وعبارات تشكل طعناً في حقوقه وسلطاته الدستورية وتطاولاً منهم على مسند الإمارة والعيب في ذاته- وكان ذلك أمام جمهور الندوة بأن وصفوا إصداره لتلك المراسيم تفرداً بالحكم وانقلاباً على الدستور والقانون ومواجهة للشعب قاصدين من ذلك العيب في ذاته والتطاول على مسند إمارته والطعن في حقوقه وسلطاته الدستورية والتعدي عليها من خلال إعلانهم التصدي لها ومواجهتها وتحريض الناس على ذلك بغية منع الأمير من ممارسة حقوقه، وقدم ثلاثة أقراص مدمجة تحتوي على تسجيلاً كاملاً مرئياً ومسموعاً لحديث المتهمين في الندوة.
خطابات المتهمين
وحيث ثبت من مطالعة تفريغ تلك الأقراص المقدمة في الدعوى والذي تم بمعرفة وكيل النيابة محقق القضية، وكما طالعتها المحكمة، أنها تناولت خطابات المتهمين، والتي يبين منها أقوال المتهمين إذ ورد بعبارات المتهم الأول خالد طاحوس قوله (يا صاحب السمو تدري من وضعك في هذا الأمر وسبق وأن حذرنا مراراً وتكراراً لا تكون يا صاحب السمو في مواجهة مباشرة مع الشعب وهذا ما وضعك فيه المتنفذون وأصحاب المصالح.. جعلوك الآن يوجه ذلك الخطاب مباشرة وكأنك في مواجهة مع الشعب.. هذه أموال الشعب الكويتي لا تساومونا في أموالنا ترى حنا يا صاحب السمو في 8/2 ما ساومنا على الأسرة الحاكمة.. مارس صلاحياتك وفق الدستور وسنمارس صلاحياتنا وفق الدستور- هناك شعرة بينك وبين الشعب لا تقطعها)، وورد بأقوال المتهم الثاني فلاح الصواغ قوله (الكويت دخلت اليوم مرحلة جديدة هي مرحلة الحكم والانفراد والتفرد في المؤسسات- ترفض التفرد بالسلطة نعتبرها انقلاب واضح على الدستورح- خطير حكم الرجل الواحد والفرد الواحد بعيداً عن الدستور- نقول لربان السفينة طريقك خطأ ودربك غلط- يا سمو الأمير كفى هذه الفوضى وكفى هذا الضرب بالشعب)، كما جاء في أقوال المتهم الثالث بدر الداهوم قوله (لن نسمح لأن يكون القرار بيد شخص واحد مهما كان هذا الشخص.. كلنا تحت القانون من أكبر رأس في البلد إلى أصغر رأس- عندنا قانون بيننا وبينك ينظم العلاقة.. التفرد في القرار انتهى- لن نسمح بهذه المراسيم أن تصدر لن نجلس في بيوتنا سنحاربكم وسنتصدى لكم في كل مكان وموقعة- جئنا نسجل موقفنا تجاه السلطة الفاسدة).
إنكار الاتهامات
وحيث سئل المتهمون في تحقيقات النيابة العامة فأنكروا ما نسب إليهم في حين أقروا بأن العبارات والألفاظ التي شهد بها الشاهد والواردة بالتسجيل المرئي والمسموع والتي تم تشغيلها أمامهم بالتحقيقات قد صدرت عنهم بأصواتهم في الندوة سالفة الإشارة، وأن قصدهم المناصحة والمصلحة العامة استناداً لحقهم في التعبير.
وحيث أحيلت القضية للمحكمة وبها نظرت على النحو المبين بمحاضر جلساتها، فحضر المتهمون ورافقهم محامون عدة أصليون ومنضمون تبرعاً، وطلب الدفاع استدعاء ضابط الواقعة لمناقشته في شهادته كذلك طلب استدعاء مستشاري الديوان الأميري كل من السيد محمد ضيف الله شرار وعبدالله المعتوق اللذان حضرا بعد الندوة والتقيا بالمتهمين وقررا لهم بأن سمو الأمير غير مستاء بما بدر منهم من أقوال واعتبر الدفاع أن ذلك بمثابة العفو عنهم، كما طلبوا اجراء تحقيق الواقعة بمعرفة المحكمة، ترافع الحاضرون مع المتهمين ودفعوا بانتفاء الركنين المادي والأدبي وبعدم دستورية نص المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء لكون أن النص قد جاءت ألفاظه عامة وواسعة وقاصرة عن تحديده من خلال معيار منضبط للفظي العيب والتطاول وتعارضه مع نصوص مواد الدستور ارقام 7، 8، 30، 32، 36، 55، والدفع بعدم جواز تحريك الدعوى الجزائية لعدم وجود شكوى من المجني عليه عن طريق الديوان الاميري، وقصور تقرير الاتهام لعدم تعيين الجريمة بتحديد العبارات محل التأثيم بما يحقق التضليل في شأنها، وكذلك بطلانه لخلوه من توقيع من اصدره من اسم عضو النيابة، وببطلان التسجيل المرئي والسمعي للاقراص التي حملت خطابات المتهمين وتزويرهما باجراء عمليات مونتاج ولكون القائم بالتسجيل قد اجراه دون اذن من النيابة العامة، واستمعت المحكمة شهادة كل من سالم نملان النملان ومبارك محمد الوعلان ومحمد المطر الذين شهدوا بتواجدهم بمقر الاول ونفوا حدوث اي تطاول من المتهمين على سمو أمير البلاد وقدموا حوافظ مستندات ومذكرات بطلب البراءة وتحقيق طلباتهم سالفة البيان.
حجز الدعوى
وحيث قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم فيها بجلسة اليوم.
وحيث انه عن الدفع بعدم دستورية نص المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض احكام قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960، لمخالفة لمواد الدستور ارقام 7، 8، 30، 32، 36، 55 والذي مبناه ان الصيغة الواردة بالنص الطعين قد جاءت عامة متسعة وقاصرة عن تحديده من خلال معيار منضبط للفظ العيب والتطاول ومفتقد للتحديد الجازم لضوابطه بما يخل بالحرية الشخصية وحرية التعبير اللتين كفلهما الدستور.
فإنه ما كان من المقرر ان تقدير مدى جدية الدفع بعدم الدستورية من اختصاص محكمة الموضوع، وكان نص المادة من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض احكام قانون الجزاء اذ جرت على ان: «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات كل من طعن علناً» او في مكان عام، او في مكان يستطيع فيه سماعه او رؤيته من كان في مكان عام عن طريق القول او الصياح او الكتابة و الرسوم او الصور او اية وسيل اخرى من وسائل التعبير عن الفكر، في حقوق الأمير وسطلته، او عاب في ذات الأمير، اول تطاول على مسند الامارة».
كانت المحكمة من استقرائها لظاهر النص الطعين ترى ان هذا الدفع يتسم بعدم الجدية لكون لفظي العيب والتطاول واضحين الدلالة في معناهما ومؤداهما لبس فيهما ولا غموض، وقد جاء ذلك النص منضوياً تحت قانون جرائم امن الدولة وتحديداً في المادة المعاقبة على المساس بالذات الاميرية في اطاره الضيق ومجاله المحدود، اذ البين من استقراء ذلك النص انه حدد بجزم الافعال المعاقب عليها كالطعن في حقوق الامير وسلطته او العيب في ذات الأمير أو التطاول على مسند الامارة، وقد ربط تلك الافعال بأداة الوصل (أو) معطوفة على الفعل الأول باعطاء المشرع تعدد لتلك الافعال بما يجعلها مفهومة في سياق النص بمجمله، من ثم لا يجدي التحدي باتساع وغموض النص وعدم انضباطه، فضلاً عن انه لا يتأتى للشخص ان يسند في قوله او اي من وسائل التعبير مخاطباً سمو أمير البلاد بما لا يليق بمقامه السامي من ثم يتذرع بالتباس مفهومي التطاول والعيب بالذات الاميرية عنده ومخالفتهما للحقوق والحريات الاساسية للفرد التي كفلها الدستور والتي غالباً ماتقترن بعبارة (وفقا للشروط الاوضاع التي يبينها القانون)، ولا ترى المحكمة في ذلك ما يحد او يعرقل من حرية التعبير بأي شكل من اشكاله طالما تم وفقاً للقانون المنظم في حدوده، من ثم ليس في النص التشريعي الطعين قيام شبهة قوية على خروجه على احكام الدستور التي استعان بها دفاع المتهمين، متى كانت مادة العقاب قد شرعت خاصة لحماية رمز الدولة من اهدار هيبته وهو امر تقدره المحكمة حسب ظروف كل قضية، لتنتهي من بعد الى القضاء بعدم جدية هذا الدفع.
بطلان انعقاد الدعوى
وحيث انه عن الدفع ببطلان انعقاد الدعوى العمومية لعدم ورود شكوى من المجني، عليه. فهو غير سديد، اذ ان الاصل ان سلطة التحقيق هي صاحبة الحق في رفع الدعوى الجزائية عملا بحكم المادتين 129 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية، 73 من القانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن تنظيم القضاء. وكان توقف رفع الدعوى على شكوى من المجني عليه – وفق ما ما تنص عليه المادة 109 من القانون الاول انما هو استثناء من هذا الاصل بحسبانه قيدا على سلطة التحقيق صاحبة الاختصاص الاصيل به فلا يجوز من ثم التوسع فيه قياسا عليه ليشمل جرائم مشابهة لتلك الواردة به حصرا لو شاء المشرع ان يشملها حكمه لما اعوزه ان ينص على ذلك صراحة، وكانت الجريمتان الاول والثانية ليست من ضمن الجرائم التي حددتها المادة سالفة الذكر التي يتوقف رفع الدعوى فيها على شكوى من المجني عليه وتختلف عن جريمتي السب والقذف الواردتين بها من حيث الافعال المؤثمة فيهما وتحديد المجني عليها فيهما فان ما اثاره الطاعن في هذا الخصوص يكون ولا اساس له. (الطعن رقم 2004/657) جزائي جلسة 2005/6/7). الامر الذي تنتهي معه المحكمة برفض هذا الدفع، ودون حاجة للنص عليه في المنطوق.
وحيث انه عما ساقه الدفاع من الدفع ببطلان تقرير الاتهام لعدم ذكر النيابة العامة للوقائع محل الجرتيمة، فهو مردود، اذ ان البين من مطالعة بيان الجريمة موضوع الدعوى المثبتة بتقرير الاتهام ان النيابة العامة اسندت للمتهمين قيامهم بارتكاب الافعال المنصوص عليها في مادة العقاب الموضحة بالوصف القانوني الملحق بها، بأنهم في تاريخ 2012/10/10 بدائرة مباحث أمن الدولة بدولة الكويت طعنوا علناً وفي مكان عام عن طريق القول في حقوق الامير وسلطنة، وعابوا في ذاته، وتطاولوا على مسند الإمارة بان وجهوا له خلال ندوة عامة العبارات والالفاظ المبينة بالاوراق، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
وكانت تلك البيانات قد تعين فيها الافعال المنسوب صدورها الى المتهمين من حيث طبيعتها وزمانها ومكانها وظروف ارتكابها، والحقها بعبارة (على النحو المبين بالتحقيقات)، من ثم فهي بيانات كافية لتعيين الجريمة على النحو الذي تطلبته المادة 130 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية، سيما وتقرير الاتهام بطبيعته هو وصف مختصر للاتهام ويكفيه الاشارة الى التهمة والوصف القانوني وادلة ثبوتها بما يمكن ان تهدي لتفصيلاتها باوراق التحقيقات، وقد دارت المحكمة ودفاع المتهمين على اساسها فضلاً عن ان نص المادة المشار اليها لم ترتب اي بطلان على اغفال اي من تلك البيانات ان كان طالما ليس من شأنه تضليل المتهم، وتصدف المحكمة عن هذا الدفع، ودون حاجة للنص عليه في المنطوق.
بطلان تقرير الاتهام
وحيث انه عن الدفع بعدم انعقاد الدعوى الجزائية لبطلان تقرير الاتهام لكون توقيع من اصدره غير مقروء وغير منسوب لاسم صاحبه. فهو في غير محله، ذلك ان الثابت من مطالعة تقرير الاتهام المرفق انه وان كان ممهوراً بتوقيع غير مقروء على شكل «فرمة» اسفل عبارة المحامي العام الاول بنهاية التقرير وجاء غافلاً عن اسم المحامي العام، الا ان ذلك لا يعيب التقرير ما دام موقعا عليه ممن اصدره وهو ما لم يجحده محامي المتهم وكان الاصل في الاجراءات حملها على الصحة ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك، (يراجع الطعن رقم 2004/589 جزائي جلسة 2006/1/31، الامر الذي يتعين معه الالتفات عن هذا الدفع ودون حاجة للاشارة إليه في المنطوق.
وحيث انه عن الدفع ببطلان التسجيل السمعي والمرئي الوارد بالاقراص المقدمة في الدعوى وبعدم مطابقتها للحقيقة بإجراء مونتاج فهو في غير محله اذ ان القانون لم يشترط اذناً من النيابة العامة لاجراء تسجيل في الاماكن العامة ولا سيما ان البين من تلك الاقراص حضور وسائل اعلام، والمحكمة اطمأنت لسلامة التسجيل لا سيما انه عرض على المتهمين بتحقيقات النيابة فأقر كل منهم بأن الصورة والصوت منسوبان اليه، وتلتفت عن هذا الدفع، ودون حاجة كذلك لذكره في المنطوق.
وحيث انه عن الموضوع، فمن المقرر لمحكمة الموضوع ان تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن اليه طالما ان هذا الدليل له مأخذه من الاوراق.
وان العبرة في الاثبات في المواد الجزائية هي باقتناع القاضي بناء على الادلة المطروحة عليه وله ان يكون عقيدته من أي دليل ما لم يقيده القانون بدليل معين ينص عليه.
وحيث تنص المادة 54 من الدستور على ان «الامير رئيس الدولة، وذاته مصونة لا تمس». وان المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض احكام قانون الجزاء اذ نصت على ان: «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات كل من طعن علنا أو في مكان عام، أو في مكان يستطيع فيه سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام عن طريق القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسوم أو الصور أو اية وسيلة اخرى من وسائل التعبير عن الفكر، في حقوق الامير وسلطته، أو عاب في ذات الامير، أو تطاول على مسند الامارة»، فقد دلت على ان أيا من الجرائم المؤثمة بها بركنيها المادي والمعنوي تتوافر بقيام الجاني بأي نشاط ايجابي يكون من شأنه بلوغ الغاية المستهدفة بالجريمة مع علمه بما لنشاطه من اثر في تحقيق هذه الغاية، وكان توافر القصد الجنائي فيها أو عدم توافره من مسائل الواقع التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بغير معقب ما دامت تقيم قضاءها على ما ينتجه، ولا يلزم ان يتحدث الحكم صراحة وعلى استقلال عن توافر كل ركن من اركانها ما دام في مؤدى ما اورده من وقائع وظروف الدعوى ما يكفي للدلالة على قيامه.
وحيث انه من المقرر ان مفاد النص السالف ان المشرع تطلب لقيام الجريمة الواردة فيه – الطعن في حقوق الامير أو العيب في ذاته أو التطاول على مسند الامارة – ان يأتي الجاني الفعل اما في مكان عام أو في مكان يستطيع فيه سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام وإما يأتيه علنا بإحدى وسائل التعبير عن الفكر كائنة ما كانت وذلك بقيام الجاني بتوزيع أو اذاعة أو ايصال أو عرض فكره أو رأيه أو ترويجه على عدد من الناس بغير تمييز، ولا يتطلب القانون في هذه الجريمة قصدا خاصا بل يكفي توافر القصد العام الذي يتوافر طالما كانت الاقوال أو الكتابة أو الرسوم أو غيرها من وسائل التعبير عن الفكر التي استعملها الجاني في ارتكاب جريمته تتضمن بذاتها الطعن في حقوق الامير وسلطته أو العيب في ذاته أو التطاول على سند الامارة فيكون القصد الجنائي متوافرا في حقه.
العقاب بالقول أو الفعل
وقد قضي في قضاء النقض المصري ان العيب في الذات الملكية قد قصد ان يتناول بالعقاب كل قول أو فعل أو كتابة أو رسم أو غيره من طرق التمثيل يكون فيه مساس، تصريحا أو تلميحا، من قريب أو من بعيد، مباشرة أو غير مباشرة، بتلك الذات المصونة التي هي بحكم كونها رمز الوطن المقدس محوطة بسياج من المشاعر يتأذى بكل ما يحس ان فيه مساسا بها ولو لم يبلغ مبلغ ما يعد بالنسبة لسائر الناس قذفا أو سبا أو اهانة، فمتى وقع الفعل المكون للعيب على اية صورة من تلك الصور وكان الجاني قد قصد توجيهه، وهو عالم به، الى شخص الملك فقد حق عليه العقاب.
لما كان ذلك، فإن المحكمة في استقرائها لاقوال المتهمين الواردة في خطابااتهم المفرغة بمعرفة النيابة العامة التي اطمأنت لها المحكمة بصدورها من المتهمين بإقرارهم بالتحقيقات وبتمحيصها اخذا وردا ترى ثبوت التهمة في جانبهم، اذ قاموا بتوجيه خطاباتهم لسمو امير البلاد على الملأ بأسلوب اعتراه التحدي وجعلوه خصما مباشرا لهم، ونزلوا بها معه الى مرتبة الفرد العادي وبإشارة واضحة الدلالة الى ان من يعنوه هو سمو الامير بقول المتهم الاول (يا صاحب السمو تدري من وضعك في هذا الامر وسبق ان حذرنا مرارا وتكرارا ألا تكون يا صاحب السمو في مواجهة مباشرة مع الشعب وهذا ما وضعك فيه المتنفذون واصحاب المصالح.. جعلوك الآن يوجه لك الخطاب مباشرة وكأنك في مواجهة مع الشعب.. هذه اموال الشعب الكويتي لا تساومونا في اموالنا ترى حنا يا صاحب السمو في 8/2 ما ساومنا على الاسرة الحاكمة.. مارس صلاحياتك وفق الدستور وسنمارس صلاحياتنا وفق الدستور – هناك شعرة بينك وبين الشعب لا تقطعها) في اشارة الى اغفال امير البلاد عما يحيكه المتنفذون من وراء ظهره وتباعده في اصداره لمرسوم الضرورة عن المصلحة العامة ومطل الشعب، وبما جاء في قول المتهم الثاني ان (الكويت دخلت اليوم مرحلة جديدة هي مرحلة الحكم والانفراد والتفرد في المؤسسات – نرفض التفرد بالسلطة ونعتبرها انقلاباً واضحاً على الدستور – خطير حكم الرجل الواحد والفرد الواحد بعيدا عن الدستور – نقول لربان السفينة طريقك خطأ ودربك غلط – يا سمو الامير كفى هذه الفوضى وكفى هذا الضرب بالشعب)، ليزيد عليها اتهام سمو الامير بالتفرد بالحكم حال ممارسته حقه الدستوري في اصدار مراسيم الضرورة وخطأ مساره في ادارة الدولة، ولتجئ اقوال المتهم الثالث بتصريحه (لن نسمح لأن يكون القرار بيد شخص واحد مهما كان هذا الشخص كلنا تحت القانون من اكبر رأس في البلد الى اصغر رأس – عندنا قانون بيننا وبينك ينظم العلاقة – التفرد في القرار انتهى – لن نسمح بهذه المراسيم ان تصدر – لن نجلس في بيوتنا سنحاربكم وسنتصدى لكم في كل مكان وموقعة – جئنا نسجل موقفنا تجاه السلطة الفاسدة) لتتضمن تصريحاً بالمواجهة المباشرة مع سمو الامير في خطابه وتحدياً صارخاً تأباه ابسط قواعد القانون والاخلاق، وهي عبارات تنطوي على اخلال جسيم بقواعد ونظم البلاد فضلا عن القواعد الاخلاقية والبروتوكولية في ادنى مراتبها في مخاطبة رئيس الدولة، حديثا كمن طعن طعنا صريحا يخل بالاحترام الواجب لرمز الدولة وفي اهدار رونقه باذهان واعين الناس، وهي اقوال يتجسد فيها الطعن في حقوق الامير وسلطته والعيب في ذاته والتطاول على مسند الامارة، وهو ما لا يحتمل التأويل غير غاية العيب واهدار هيبة امير البلاد والتي من شأنها اضعاف الاحترام الواجب لشخص الامير وسلطته، بل وفيه حض على عدم اطاعة ولي الامر واثارة الفتن وتكدير السلم العام. وقد اقتنعت المحكمة كما ظهر لها بصورة جلية سوء نية المتهمين وان غايتهم في ذلك ليس الاصلاح كما يدعون في دفاعهم وان غشوها بزائف الطلاء تذرعا للفرار من العقوبة، وانما قصدوا العيب في ذاته والتطاول على سلطات الامير مع علمهم بمضمون تلك العبارات والتي من شأنها ان تؤدي الى تلك الغاية، ومن ثم فقد حقت على المتهمين كلمة القانون مما يستوجب عقابهم وفقا لنص المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض احكام قانون الجزاء على نحو ما سيرد بالمنطوق.
ثبوت الاتهام
وحيث ان المحكمة اذ انتهت الى ثبوت الاتهام في جانب المتهمين من ثم فهي تعرض عما اثاره الدفاع من اوجه دفاع اخرى من قالة ان سمو امير البلاد قد اصفح عن المتهمين بايفاده مستشاري الديوان الاميري سالفي الذكر ليطمئنوهم برضائه عما بدر منهم من اقوال، اذ ان العفو لا يتم قبل توجيه الاتهام للمتهمين وفق مفهوم نص المادة 238 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية، فضلا عن انه لا يتم العفو شفاهة وانما يتبع في شأنه اجراءاته ولا يتم العفو باستنتاج المتهم كما لا تعول المحكمة على اقوال شهود النفي وتطرحهم ولكونها لا تعدو ان تكون من قبيل التشكيك في الدليل الذي اطمأنت له المحكمة، ولا ترى في دفاعهم بطلب استدعاء ضابط الواقعة ومناقشته في شهادته جدوى طالما انها تطمئن لكافة تحقيقات النيابة العامة بشأن موضوع الجريمة وما حملته من اقوال المتهمين واقراراتهم كما سطرت فيها، وطالما كانت اقوال ضابط الواقعة واضحة ومطروحة على بساط البحث وفي مكنتهم مناقشتها في دفاعهم من ثم ليس ثمة ما ينال من قناعتها ولا تعدو جل طلباتهم في حقيقتها ودفاعهم ان يكون جدلا موضوعيا في تقدير الادلة واستخلاص ما تؤدي اليه مما تستقل به المحكمة وقد وثقت فيها مما يتعين معه رفض باقي دفاعهم.
وحيث ان المحكمة قد استقر في يقينها ووجدانها مقارفة المتهمين لما اسند اليهم، وقد قر في يقينها واستقر بوجدانها مقارفتهم للتهمة المنسوبة اليهم من اقوالهم بحق انفسهم بتحقيقات النيابة العامة ومما ظهر من تفريغ التسجيل المرئي والسمعي، وقد توافر قصدهم في ارتكاب تلك الجريمة بما رموا اليه من مرامي تبطنتها عباراتهم والتصريح بها في حشد الناس، بما يتوجب معاقبتهم على ما بدر منهم عملا بمادة العقاب وهديا بالمادة 1/172 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية على نحو ما سيرد بالمنطوق.
ولا يفوت المحكمة ان تنوه الى ان ما شهدته وتشهده البلاد هذه الايام في الساحة السياسية من تناحر وتجاذب خرج عن طور المألوف والموروث الى احتدام العبارة وتشنج العلاقة واحداث شقاق مؤسف في جدار هذا المجتمع الصغير الذي دأب على التحاور البناء والمحبة والاخاء بين اطيافه وتشكلاته. وقد من الله تعالى على الكويت وافاء عليها بحمد منه منذ زمن بعيد بنعم شتى اخصها نعم الرخاء والحرية والديموقراطية لتتفرد وتتميز بها عن سائر دول المنطقة، وقد مارس المواطنون حقوقهم الدستورية – ايا كان وجه الرأي فيها – بحرية عالية وبأجواء اتسمت – وبحق – بقدر وفير من النزاهة وافرزت تلك الممارسة تربية سياسية القت بآثارها الايجابية على مدار سنوات العمل بالدستور على مؤسسات الدولة وقوانينها وثقافة المواطنين واتساع آفاقهم، وهي تتطلب جهدا اكبر وتضافرا امتن لبناء مستقبل الوطن على نحو يسمو به الى مزيد من التمدن والتحضر. وان مناصحة ولي الامر لها ضوابطها واساليبها القانونية والشرعية التي تحقق المصلحة وتدرأ المفسدة، ولا تكون الا في اطار النظام ومن خلال المؤسسات والقنوات المشروعة بما يوفر الاحترام ويحفظ مكانة القائد، وان المجاهرة بالانكار على الامراء على الملأ تتأذى به المشاعر ويفرز بلا شك مفاسد عظيمة ويهبط بالمكانة السامية لمقام امير البلاد ويكدر الصفو والسلم العام ويزعج الهيئة الاجتماعية، بل هو في حقيقته جناية على الدولة برمتها ويربك سير حقوقها ومصالح الناس ويعصف بنظامها القانوني. واي خلاف في وجهات النظر في شأن العمل السياسي له مرجعه من خلال المحكمة الدستورية المختصة التي لها وحدها قول الفصل فيما يشجر بين السلطتين من خلاف. وكان الاولى بالمتهمين وهم ممن كانوا نوابا لهذه الامة ان يظهروا بمظهر القدوة الحسنة بحكمة المشرّع الراجح المتبصر بنظرته النافذة للمصلحة العامة والمستقبل الزاهر ليكونوا مثالا يحتذى به لاجيال الشباب ولا يتبعوا المزاج العام فيسقطوا في شراك المحظور.
فلهذه الأسباب حكمت المحكمة حضورياً:
أولاً: برفض الدفع بعدم دستورية نص المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض احكام قانون الجزاء لعدم الجدية.
ثانياً: بمعاقبة كل من المتهمين خالد مشعان منيخر طاحوس، فلاح مطلق هذال الصواغ، بدر زايد حمد الداهوم العازمي بالحبس ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ عما اسند اليهم.
قم بكتابة اول تعليق