الشؤون: تجارة الإقامات خارج السيطرة

اعترفت مصادر مطلعة في الشؤون بصعوبة محاربة ظاهرةتجارة الإقامات وروت مجموعة من ضحايا تجار الاقامات في تقرير لصحيفة القبس رحلة الالم والعذاب، التي تنتهي بدفع مبالغ معينة تتغير حسب الجنسية، كما تنقل القبس حكاية «كذبة» الميكنة التي تعمل احيانا وتتعطل احيانا اخرى، رغم ان وزراء سابقين وعدوا بانها الحل السحري لمكافحة تجارة الاقامات، وتبين ان الفساد طال التكنولوجيا.

لم يعد الحديث عن تفشي ظاهرة تجارة الإقامات في البلاد، بالأمر الجديد أو اللافت، فالظاهرة باتت معروفة محلياً، وحتى دوليا أصبحت تهمة تلاحق الكويت في كل المحافل الدولية.

بيد أن اللافت هو اعتراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بأن هذه الظاهرة باتت خارج سيطرتها.

ولم يعد بمقدورها مواجهتها أو محاصرتها ومنع حصولها والقضاء عليها، وهو عكس ما درج على إعلانه العديد من الوزراء الذين تولّوا حقيبة الوزارة سابقاً.

فالكل يصرّح بأنه سيواجه الظاهرة، وبأنه سيحيل المتورطين فيها إلى النيابة، وبأنه سينظف الوزارة منها، وسيبرئ الكويت من وصمتها أمام المنظمات الدولية.

لكن الحقيقة هي أن الكل يمضي وتظل الظاهرة كما هي، تخرج لسانها للجميع، واضعة الكويت في تصنيفات دولية مشينة بين دول الاتجار بالبشر.

القبس فتحت ملف ظاهرة تجارة الإقامات وكشفت المستور من إن هذه الظاهرة تجري تحت غطاء قانوني يجعلها تستمر وتتفوق على كل محاولات محاصرتها والقضاء عليها بسبب فساد الأنظمة الإدارية في وزارة الشؤون من جهة، وتبلّد ضمائر بعض موظفيها من جهة ثانية.

أصبحت الكويت اليوم بحق الدولة التي لا تغيب عنها «تجارة الاقامات». وكيف لا وهي المشكلة التي نشأت وترعرعت وتجذرت في البلاد منذ سنوات طويلة، وتسببت في وضع الكويت في تصنيفات متدنية في مجالات حقوق الانسان والاتجار بالبشر، من دون ان تستطيع وزارة الشؤون انهاءها والقضاء عليها.

والادهى ان «الشؤون» لم تعجز عن حل المشكلة فحسب، بل هي التي اوجدتها ونمتها وطورتها وحمتها حتى باتت تجارة الاقامات اليوم في عهدة وحماية عدد كبير من الموظفين والقياديين في الوزارة.

سرطان
لقد أصبحت تجارة الاقامات مثل الورم السرطاني الذي انتشر في جسم وزارة الشؤون بتواطؤ بعض قياداتها، ولا يمكن استئصاله. ولذلك فقد فضلت تلك القيادات التعايش معه، بل والدفاع عنه في احيان كثيرة، لان انتقاد الوضع والحديث عن مشكلة تجارة الاقامات يعتبران طعناً مباشراً فيهم، خصوصاً أنهم يعلمون عنها ولكنهم لا يرغبون في حلها.

والحرب التي تخوضها «الشؤون» ضد تجارة الاقامات منذ عام 2008 وحتى يومنا هذا اشتملت على تشغيل نظام الميكنة في عام 2010، الذي اعلنت الوزارة انه السلاح الذي ستقضي به على تجارة الاقامات، لكن الواقع يقول «تمخض الجبل فولد فأرا».

فالوضع اليوم، وان كان افضل مما كان عليه في السابق، لا يزال سيئاً، وما زالت الوزارة عاجزة عن وقف هذه التجارة او حتى محاسبة تجارها، لا سيما أن بعضا ممن يتاجرون بالاقامات هم من قيادات الوزارة ومن المتنفذين بالبلد.

تسعيرة
وتختلف تسعيرة هذه التجارة وفقا لعوامل عدة، منها ان العامل اذا كان جديدا ويريد الدخول الى البلد فإن المبلغ يتراوح ما بين الف و1500 دينار، اما اذا كان العامل موجودا في البلد فإن السعر يتراوح ما بين 400 و800 دينار، وذلك وفق جنسية العامل.

فإقامة المصري تعتبر الاقل، لان معاملة وضعها سهلة، لذلك فإن سعرها لا يتعدى ألف دينار، اما بالنسبة إلى السوري والايراني والافغاني فالمبلغ يرتفع اكثر حتى يبلغ الفي دينار احيانا، اما بالنسبة إلى العراقي فقد وصلت اقامته الى 4 آلاف دينار، هذا بالنسبة إلى وضع الاقامة للمرة الاولى، اما اذا كان العامل موجوداً في البلد ويرغب في تجديد الاقامة فإن السعر ينخفض الى النصف تقريبا.

وفي الوقت الحالي، بعد وقف تصاريح العمل، يعتمد تجار الاقامات بشكل كلي على التحويل الداخلي، بحيث يحصلون مقابل التحويل إلى ملفاتهم على مبالغ مالية، غير ان تجارة الاقامات من الخارج لم تنته في ظل وجود القطاعات المستثناة والعقود الحكومية.

الإقامة بــ 1500 دينار
ووفق مصدر مسؤول في قطاع العمل بوزارة الشؤون «ان تجارة الاقامات تتنوع بشكل كبير جدا ولها عدة صور واشكال وطرق للوصول اليها، بحيث يتم استغلال حاجة العامل وظروفه في بلده. وغالبا ما يقوم شخص ما من جنسية العامل نفسها الذي يتم جلبه من الخارج بدور الوسيط بينه وبين الكفل».

وأوضح ان العامل يقدم مبلغا ماليا كبيرا يتراوح ما بين 1000 و1500 دينار للكفيل لاتمام المعاملة لبعض الجنسيات ووضع الاقامة، بحيث يتم دفع جزء منه في البداية ويتم تسديد باقي المبلغ على دفعات، مشيراً الى ان هذه هي الطريقة المنتشرة لدى غالبية المتعاملين بتجارة الاقامات، غير انه في الفترة الاخيرة وبعد وقف تصاريح العمل، أصبحت غالبية تجارة الاقامات عبر تحويل الاقامة من الداخل.

وكشف ان غالبية تجارة الاقامات تكون عبر المؤسسات الوهمية في قطاع المقاولات، مبينا انه حتى بعد قدوم العامل الى البلد فإن استغلاله لن ينتهي عند هذا الحد، بل ان تاجر الاقامات ووسيطه يستمران في استغلاله طوال الفترة التي تكون فيها اقامته على ذلك الكفيل.
وتابع:‍ تكون هناك ممارسات لاستغلال ذلك العامل الضعيف ومساومته على كل معاملة او مستند رسمي يطلبه، فاستخراج البطاقة المدنية برسوم للكفيل، ورخصة القيادة برسوم.. ويستمر استنزاف العامل.
والاعجب، على حد تعبير المصدر المسؤول، ان تتم تجارة الاقامات كذلك عبر العقود الحكومية لبعض الشركات. فعلى سبيل المثال لو ان موظفا يعمل لدى شركة من خلال عقد ومشروع حكومي معين اراد الانتقال الى عقد آخر حتى لو كان في الشركة نفسها فإنها تفرض عليه رسوما على ذلك بعد مساومته من قبل القائمين على تلك الشركة.

مجرد تصريحات
في كل مرة يعود القياديون في الشؤون ويصرحون بأن نظام الميكنة لم يستكمل حتى الآن، ولكنه سيستكمل قريباً وسيتم سد جميع الثغرات وتجاوز الاخطاء فيه، لكننا لا نرى شيئاً على ارض الواقع فالاخطاء ما زالت موجودة، والتصريحات نفسها تكرر من حين الى آخر، دون اتخاذ اجراء فعلي على ارض الواقع.

من علامات الفشل
اشارت مصادر مسؤولة في ادارات العمل الى ان هناك اختلافاً كبيراً في المعلومات المقيدة في ملفات أصحاب العمل في ادارات العمل في «الشؤون» وبين ملفاتهم في ادارة الهجرة في وزارة الداخلية، وهو ما يعني ان الربط الا لكتروني الذي يتحدثون عنه غير حقيقي، وما يؤكد ذلك هو مطالبة ادارة الهجرة للشؤون بعدم تسليم اذونات العمل الى أصحابها يدوياً خوفاً من التزوير وهذا ما يدل على فشل نظام الميكنة لأن الهدف الاساسي من وضعه لم يتحقق.

روايات من قلب المأساة
استمعت القبس إلى روايات عدد من أصحاب العمل والضحايا الذين وقعوا في فخ تجارة الإقامات من حيث يعلمون أول لا يعلمون، وقدموا شهادات حية حول الظاهرة وحجمها وخارطة الطريق للوصول اليها.
وأشاروا إلى ان الطريقة التي تقود بها وزارة الشؤون ملف العمالة الوافدة في البلد هي التي كرّست لوجود تجارة الإقامات، وان العمال وجدوا أنفسهم مرغمين على التعامل معها، وإن كانت سلبياتها أكثر من ايجابياتها بالنسبة اليهم.

صاحب عمل يؤكد:
نحن نلبي رغبة العمال
يؤكد ابو يوسف وهو صاحب عمل انه في كثير من الاحيان يكون العامل هو السبب في تجارة الاقامات، حيث يعرض على صاحب العمل ان يضع له الاقامة ويتركه يعمل حراً بمقابل، وغالبا ما يقبل اصحاب العمل ذلك العرض.
ويضيف: هناك حالات يقبل فيها صاحب العمل ان يترك للعامل الحرية بان يعمل لدى صاحب عمل آخر وهو على كفالته او ان يعمل عملاً حراً، دون ان يكون هناك مقابل بل يترك الكفيل للعامل حرية الاختيار من باب العطف او رد الجميل بعد سنوات طويلة من العمل لديه.

ويشير الى ان كثيرا من الوافدين هم من يديرون تجارة الاقامات لاصحاب العمل بحيث يقومون بدور السمسار او الوسيط بين الكفيل والعمالة، ودائما ما تكون هذه العمالة من نفس جنسية الوسيط، لافتا الى ان الوسيط يحصل على نصيبه من المبلغ اما بعلم وقبول الكفيل، او من دون علمه بحيث يزيد المبلغ على العامل لتكون الإضافة لمصلحته.

ويرى ابو يوسف ان الوافدين الذين يضعون اقاماتهم بكفالة تاجر الاقامة يبقون طوال الوقت في حالة من الخوف والتوتر، لانهم يعيشون في جو من الضغط والاستغلال من قبل الكفيل الذي يطالبهم بالدفع باستمرار وفي كل «شاردة وواردة»، والوافد في هذه الحالة يدفع له بلا حول ولا قوة لان الكفيل يمكن له ان يدخله في دوامة من التعقيد هو في غنى عنها ومن ثم في نهاية المطاف «يكنسل اقامته ويسفره».

العامل
الطرف الأضعف
قال صاحب عمل: نقلت عاملا من الجنسية الآسيوية على كفالتي بعدما لجأ لي شاكيا من ظلم كفيله السابق، واوضح لي ان كفيله كان يتصل به كل يومين أو ثلاثة في وقت متأخر من الليل ويطلب منه 50 دينارا ليشتري «بطل خمر»، ويهدده بالمخفر اذا لم يدفع، وبالفعل قام باستدعائه للمخفر وحجزه بالنظارة اكثر من مرة، ولذلك دفع له 200 دينار قبل أن يسمح له بالتحويل.

4 جنسيات معظم الضحايا

يؤكد محمود وهو مصري ان تجارة الاقامات لازالت موجودة، وهناك كثيرون يفرضون مبالغ كبيرة على العمال مقابل وضع الاقامة، مشيرا الى ان غالبية العمالة التي يعتمد عليها تجار الاقامات هي المصرية والايرانية والافغانية والباكستانية.

وأوضح: انا حاليا أعمل حرا وكفالتي على أحد اصحاب العمل بمقابل 400 دينار للاقامة، ومن ثم 200 دينار عند كل تجديد للاقامة، مردداً: انا مرتاح نسبيا الى هذا الوضع بحيث لا يتم اجباري على العمل في شركة معينة أو لدى صاحب عمل محدد بل لي الحرية في اختيار العمل الذي اريده.

عرض بــ 400 دينار

قال ابو يوسف، وهو صاحب عمل: في إحدى المرات جاءني وافد باكستاني وعرض علي مبلغ 400 دينار مقابل ان اضع اقامته على شركتي، وان اتركه يعمل حرا، ولكنني رفضت لأنني لا أقبل على نفسي ان اكون تاجر إقامات مهما كانت المغريات.

عمل بلا مقابل
قال أحد الوافدين، ويعمل سباكا: أجبرني كفيلي على إنجاز جميع الأعمال الصحية في قسيمته الجديدة المكونة من 3 أدوار دون أن يدفع لي دينارا واحدا مقابل عملي، بالاضافة الى انه يطلب مني ان اقوم بالتصليح والصيانة باستمرار في منزله هو وأقاربه بلا مقابل.

للتجار حيلهم القانونية الجديدة

يقول فاضل وهو أفغاني: في الآونة الأخيرة قلّت تجارة الإقامات بشكل كبير بعد اغلاق عدد من الشركات التي كانت معروفة بتجارة الإقامات كان يعتمد عليها معظم العمالة الحرة في البلد.

ويضيف: الا ان ذلك لا يعني ان تجارة الإقامات انتهت نهائيا، بل ان هناك طرقا وحيلا جديدة يتعامل من خلالها تجار الإقامات، كأن يضع العامل اقامته على ملف الكفيل وان يتفقا على دفع مبلغ شهري لمصلحة الكفيل او كل سنة تقريبا، ويحاولا جعل تلك العملية قانونية بحيث يبدو وكأن الكفيل هو من أعطى العامل تصريحاً بالعمل لدى كفيل اخر.

60 أو 70 ديناراً شهرياً للكفيل
كشف عدد من العمال ممن التقتهم القبس عن ظهور نوع جديد من العمالة، وهي أن يأتي الكفيل بالعامل ويضعه على كفالته، ثم يتركه يعمل حرا في اي مجال يريده، وفي المقابل يقاسمه الكفيل في محصوله اليومي، أو أن يدفع هذا العالم مبالغ مادية محددة بشكل مستمر مثلا أن يدفع 60 أو 70 ديناراً شهرياً.
وغالبا ما يعمل هؤلاء العمال في مهن بسيطة مثل نقل العفش او الحرف البسيطة من نجارة وسباكة، وحاليا في فصل الشتاء فهذه العمالة تعمل في المخيمات ونقل الأمتعة او العمل كحراس لها خلال فترة التخييم.

كرت الزيارة هو الحل

بعد وقف تصاريح العمل وانسداد أحد الأبواب الكبيرة أمام تجارة الإقامات أوجدت لهم الوزارة بابا جديدا لتجارة الإقامات وهو تحويل كروت الزيارة التجارية الى عقد عمل، واليوم أصبح من السهل جدا جدا على أي شركة أن تأتي بعمالة من الخارج على أساس كرت الزيارة، ثم يتم تحويلها إلى إقامة عمل.

تاجر إقامات.. وهو لا يعلم!

كشف أحد أصحاب الاعمال عن موقف اوقعه في تجارة الاقامات من حيث لا يعلم، قائلا: كان لدي عامل يعمل عندي منذ فترة طويلة حتى اصبحت بيننا «عشرة عمر»، وفي يوم من الأيام طلب ان اجلب احد اقربائه من بلده واضعا له اقامة، ووافقت على طلبه وجلبت ذلك العامل ليشتغل في مزرعتي براتب 100 دينار، وبعد مرور حوالي سنة، جاءني العامل الجديد وقال لي «يا عم اما ان تسقط عني باقي المبلغ الذي لك علي او تسمح لي بالعودة الى بلدي، فلن استطيع الاستمرار، فالعمل هنا بهذا الوضع لا يوفي».

وقال «وعندما استفسرت منه عن اي مبلغ يتحدث، قال: انت فرضت علي مبلغ 1200 دينار، دفعت جزءا منها قبل حضوري الى هنا والجزء الباقي اسدده لك كقسط شهري عن طريق فلان (وهو العامل القديم)»، وهنا اكتشفت انه تم استغلالي في تجارة الاقامات من دون علمي، ولكنني عاقبت ذلك العامل وألزمته بارجاع المبلغ الى العامل الجديد.

تجارة لا تكتشف

كشف مصدر مسؤول في قطاع العمل عن صعوبة اكتشاف عملية تجارة الإقامات، مشيراً إلى أن ادعاء العامل أنه وقع ضحية تجارة الإقامات غير كافٍ، لإدانة الكفيل، لذلك فإن تجار الإقامات لا يرتدعون أو يخافون من شكوى العمال الذين يفرضون عليهم مبالغ مقابل وضع الإقامة.

إحالة إلى المباحث

أوضح مصدر مسؤول في الشؤون أن الوزارة تقوم بتحويل إقامة العامل حتى لو اكتشفت أنه وقع ضحية تجارة الإقامات اذا كان هو يرغب في التحويل، دون أن نحيل الموضوع إلى المباحث حتى لا ندخل العامل في دوامة، ونغلق باب رزقه في البلد عن طريق كفيل آخر.

إقامتان بـ 8 آلاف دينار

كشف أحد الوافدين، وهو عراقي، أنه دفع 8 آلاف دينار لصاحب العمل ليضع إقامة له ولأخيه، بعد أن قدم إلى البلاد بكرت زيارة، وعندما سعى إلى وضع الإقامة فرض عليه صاحب العمل 4 آلاف دينار عنه، ومثلها عن اخيه، ووافق على دفع المبلغ بعدما جمع «ما فوقه وما دونه»، لافتا الى انه يعمل حاليا ببيع وشراء السيارات المستعملة، وحتى الآن لم يجد عملا يعتاش منه.

استغلال حتى للإجازات

قال أحد الوافدين: وضعت إقامتي لدى صاحب عمل، وهو تاجر اقامات، حيث لا يملك اي مؤسسة تجارية فعلية، الا انه يضع على كفالته حوالي 10 عمال، وأخذ مني في بداية الامر 800 دينار، ليضع الاقامة، ولكن الامر لم يقف عند ذلك، بل استمر هذا الكفيل في استغلال العمالة التي وضع لها اقامة، حيث انه يطلب منهم مبالغ مالية باستمرار، ففي كل صيف يفرض عليهم حوالي 400 دينار حتى يسمح لهم بالسفر لبلدهم وقضاء إجازتهم هناك.

لجنة نقل
شكل وزير الشؤون السابق سالم الأذينة لجنة فنية تضم عدة أشخاص معنيين من داخل الوزارة وخارجها منذ شهر يوليو الماضي للإشراف على نقل نظام الميكنة من الشركة المشغلة الى الوزارة، ولكن هذه اللجنة لم تنفذ مهمتها ولم يتم النقل حتى الآن.

نظام الميكنة.. الفساد يهزم التكنولوجيا!

جاءت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بنظام الكتروني جديد لتطبيقه في قطاع العمل بجميع اداراته، حتى يساعدها على معالجة الفساد والتجاوزات، والاخطاء التي تتم قصداً او بلا قصد بين بعض الموظفين المتجاوزين والمخالفين من تجار اقامات وغيرهم.
ووضعت الوزارة هذا النظام الالكتروني، الذي أطلق عليه «المكينة»، ليكون القالب الذي تنصب فيه جميع معاملات قطاع العمل بكل انواعها، ابتداء من زيادة عدد العمالة في تقدير الاحتياج للشركة وانتهاء بتغيير المهن لتلك العمالة وجميع المعاملات الاخرى.

أخطاء
نظام الميكنة «مولود» وزارة الشؤون، الذي راهنت عليه منذ «ولادته» في 2010، اليوم هو بلا حول ولا قوة، ولم يستطع ان يحقق الهدف الاساسي الذي اوجدته «الشؤون» من اجله، ومع كثرة السلبيات والاخطاء فيه هناك طامة كبرى في هذا المشروع، وهي انه حتى هذه اللحظة لا يزال ملكاً للشركة المشغلة لأن الوزارة لم تدفع باقي المستحقات المالية له والتي زادت الى اكثر من 7 ملايين دينار بعدما بدأ المشروع بقيمة مليون و700 الف دينار فقط.

وبما ان مدة العقد انتهت منذ شهر سبتمبر العام الماضي، فذلك يعني انه منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم فإن النظام يعمل بشكل غير قانوني، لأن الشركة المشغلة له تعمل بلا عقد مع الوزارة «والامور الآن ماشية على البركة» ومن يدير المشروع الآن في الشركة هم مجموعة من الوافدين مما يعني ان معلومات الدولة عن العمالة الوافدة بين الوافدين انفسهم.

والسبب في ان الشركة لا زالت تشغل النظام حتى الان هو انها ترغب في ان يتم تجديد عقد تشغيل النظام معها، خاصة انها تعلم ان وزارة الشؤون لن تكون قادرة على تشغيل النظام بمفردها وهي على هذه الحال، بالاضافة الى املها في الحصول على مستحقاتها المالية.

لم يحقق أهدافه

واذا كان الهدف من نظام الميكنة هو وضع نظام يحتوي على مزيد من الحماية والقوة ضد الاختراق والتلاعب فان النظام الحالي لم يحقق الهدف، اذا كان النظام السابق قبل الميكنة سهل الاختراق وتسبب في عمليات واسعة من التلاعب مما سهل تجارة الاقامات، فإن الميكنة لا يختلف عنه كثيرا حيث تعرض لعدة عمليات اختراق من قبل موظفين بمختلف مسمياتهم ومستوياتهم، كما ان الشركة المشغلة للنظام حتى الان لم تعط الضمان الكافي بان النظام لن يخترق.

بالاضافة الى انه من المفترض ان يتم وضع نظام الحماية في الميكنة عبر مرحلتين، الاولى تتم عن طريق وضع الرقم السري للموظفين يتيح لهم الدخول للنظام، والثانية عبر وضع البصمة او البطاقة الذكية ولكن الشركة اكتفت بالمرحلة الاولى فقط ولم تنفذ المرحلة الثانية.
واذا كان الهدف تسهيل وتبسيط الاجراءات في معاملات ادارات العمل وتسريع عجلة العمل والانجاز، فإن ذلك الهدف ايضا لم يتحقق بل ان النظام الحالي عطل الانجاز اكثر مما مضى بسبب بطئه الشديد وتعقيده، بالاضافة الى انه ليس هناك ربط كامل مع الجهات المعنية كما يدعي القياديون في الشؤون بل ان الربط جزئي ومحدود جدا مع وزارة الداخلية.

قصور
يؤكد مصدر مسؤول في الشؤون ان الهدف الاساسي من نظام الميكنة هو تسهيل الاجراءات وتبسيطها ولكن ذلك لم يتحقق لانه حتى هذه اللحظة ومنذ 2010 لم يتم الربط الفعلي مع الجهات الحكومية المعنية، ولم يتم الربط الا جزئيا مع وزارة الداخلية.

واشار الى ان نظام الميكنة يعاني كثيرا من القصور، ولا يغطي جميع المعاملات، مما يعني انه حتى الان لم يتم التحول الى النظام الالكتروني في ادارات العمل، فعلى سبيل المثال لا تزال معاملات تفتيش العمل ومتابعة تسليم الاجور تتم بشكل ورقي.

واوضح ان نظام الميكنة بطيء جدا ودائما ما يتوقف في منتصف ساعات العمل ليزيد من تعطيل المعاملات والطوابير الطويلة التي تنتظر انجاز معاملاتها، لافتا الى ان الشركة عرضت مشاكل النظام على الوزارة ولكن الوزارة اعطتها «اذنا من طين واخرى من عجين».

وبين انه في كثير من الايام ينتهي يوم العمل في بعض ادارات العمل دون انجاز اي معاملة والسبب ان نظام الميكنة متوقف، مضيفا: يعزو الكثيرون سبب تعطل النظام الى ان الشركة تتعمد توقيفه للضغط على وزارة الشؤون حتى تدفع مستحقاتها المالية، فيما يشير البعض الى ان السبب بطء النظام وضغط العمل.

بالتنفيع.. أصبح 7 ملايين دينار

تحوم شبهة سرقة وتنفيع في مشروع نظام الميكنة، خاصة ان قيمته ارتفعت من مليون و700 الف دينار الى اكثر من 7 ملايين دينار، وتشير المصادر الى ان غالبية هذا المبلغ ذهبت مكافآت لا سيما القياديين في الوزارة، مبينة ان احد القياديين كان يشرف على المشروع بشكل مباشر حصل بمفرده على 70 الف دينار، في حين ان مسؤولين آخرين كانوا يحصلون على مكافآت شهرية تعادل مرتبهم في الوزارة.

واكدت مصادر في هذا الاتجاه ان التكلفة الفعلية للمشروع تتراوح بين 2 الى 3 ملايين دينار مبينة انها وصلت الى 7 ملايين بسبب المكافآت وتكاليف فرق العمل.

موظفو «الشؤون» وراء الثغرات

كشفت مصادر مطلعة في وزارة الشؤون ان ديوان الخدمة المدنية وخلال اجتماعه مع وزيرة الشؤون ذكرى الرشيدي اكد لها ان نظام الميكنة مليء بالاخطاء والثغرات التي يمكن اختراقها، مشيرا الى ان بعض موظفي «الشؤون» هم السبب في عدم اتمام ونجاح مشروع نظام الميكنة، وكأنهم يريدون استمرار الاخطاء والثغرات لحاجة في انفسهم.

واشارت الى ان مسؤولي الديوان نقلوا الى الوزيرة تذمر الشركة المشغلة لنظام الميكنة من تأخر صرف المستحقات المالية، حيث ان الموظفين في الشركة لم يتسلموا رواتبهم منذ اشهر طويلة، مما دعا الشركة الى سحب مهندسيها من ادارات العمل.

سيرفرات ممتلئة
آخر «مصايب» وزارة الشؤون ومشاكلها في مشروع الميكنة، هو الاكتشاف الأخير والخطير، الذي تم الكشف عنه، وهو أن سيرفرات الوزارة ممتلئة، ولا تتحمّل إضافة مزيد من المعلومات، وهذا يعني أن مشروعا ونظاما بحجم الميكنة تم تشغيله على سيرفرات الوزارة القديمة، مما يسبب بطئا في تشغيل النظام.

كشف مصدر مطلع في قطاع العمل ان نظام الميكنة سهل الاختراق وليس كما صوره القياديون في الوزارة، مستشهدا بحادثة اختراق للنظام حدثت في احدى ادارات العمل، حيث استطاع احد الموظفين وضع شيفرة خاصة لاختراق البرنامج في «فلاش ميموري» يضعه في جهاز أي موظف ليفتحه من دون الحاجة إلى الرقم السري.

واشار الى انه تم اكتشاف امر هذا الموظف من قبل مدير الإدارة السابق، بعدما وجد ان بيانات الشركات تتغير باستمرار من دون وجود سبب لتغييرها، كما ان تلك الشركات تتقدم بشكوى وتنفي علمها بتلك التغييرات.

وزاد: وبعد المراقبة وجد المدير ان احد الموظفين يحرص على الحضور مبكراً عن باقي زملائه او انه يخرج متأخرا عنهم، لافتا الى ان اوقات الاختراق كانت 6 صباحاً أو 2.30 ظهرا، لذلك ابلغ المدير مباحث الهجرة التي قامت بدورها بمراقبة الموظف واستدعته للتحقيق معه.

واضاف: بعد التحقيق اعترف الموظف بانه قام باختراق النظام عدة مرات والتلاعب ببيانات الشركات لمصلحة مندوبين مقابل مبالغ كبيرة، بحيث ينقل العمالة من شركة الى اخرى في النظام ليعطي المجال لتلك الشركات لاضافة عمالة جديدة، ويحرص ذلك الموظف على ان يجري عمليات التلاعب في ملفات الشركات الكبيرة التي لديها عدد كبير من العمالة حتى لا تحس بفرق العدد بعد التلاعب والاضافة، خصوصاً أنه ليست هناك اصول طلبات لهذه المعاملات.

ولفت الى انه تم اكتشاف مبلغ نصف مليون دينار في حساب الموظف الذي اكد ان هذا المبلغ هو حصيلة رشى تلقاها من عدد من الشركات والمندوبين طوال فترة عمله في الادارة، وقد تم التحفظ على المبلغ.

سلبيات الميكنة

01- قصور في برامج تشغيل النظام، مما ادى الى بطء تنفيذ انجاز المعاملات، وقد صرحت الوزارة في اكثر من مناسبة بأنها ستصلح الوضع مع مرور الوقت، ولكن هذا الاصلاح لم يأتِ حتى الآن.

02- عدم الربط مع الجهات المعنية باستثناء جهتين بشكل جزئي ومحدود جداً، بالرغم من ان الشؤون ادعت في بداية تشغيل المشروع أن النظام سوف يربط الوزارة بــ 52 جهة حكومية معنية، ولكن حتى الآن ليس هناك ربط فعلي إلا مع وزارة الداخلية والبطاقة المدنية بشكل محدود.

03- تعقيد النظام وإلزامه بإدخال عدد كبير من البيانات، خاصة في اقسام تقدير الاحتياج.

04- رفض الادارة العامة للمرور الربط مع الشؤون بهذا النظام لوجود أخطاء.

05- ليس هناك ربط مع البنوك كما اعلنت الوزارة في اكثر من مناسبة، وما زالت كشوف الرواتب تسلم ورقيا، مما يؤدي الى تأخير إنجازات المعاملات.

06- عدم إنجاز البرامج المساندة لنظام الميكنة ورغم وعود الشركة الكثيرة بهذا الصدد، ولكنها رفضت إنجازها رغم وجودها في العقد بسبب المشاكل بينها وبين الوزارة.

07- اختلاف البيانات وتباينها في نظام الميكنة في الشؤون عن البيانات في ملفات الشركات في إدارة الهجرة في وزارة الداخلية.

08- استهلاك نظام الميكنة لعدد كبير جداً من الأحبار والورق، لانه ليس هناك نموذج موحد، بل إن كل إجراء له ورقة خاصة تطبع عن طريق الميكنة، مما سبب استهلاك الأحبار والورق.

09- لم يقض نظام الميكنة الإلكتروني على تزوير التوقيع لصاحب العمل أو المفوض حتى الآن.

10- عدم وجود أرشيف لملفات الشركات والعمالة، فإن المعلومات الحديثة تمحو القديمة.

11- نظام الميكنة هش، لانه بني على أسس فنية وتقنية قديمة، ولم يواكب اللغات البرمجية الحديثة، واللغة القديمة التي بني عليها نظام الميكنة، حسب كلام المبرمجين المختصين، قديمة وتوقف الدعم الفني الخاص بها من قبل شركة أوراكل، والآن فإن إعادة تطوير البرمجة تحتاج الى مبالغ طائلة لا تقل عما صرف على النظام حتى الآن، ويتم التعتيم وبشدة بهذا الخصوص من قبل الوزارة.

12- المشروع حتى الآن مفتوح المدة وليس هناك موعد محدد للتسليم، وعدم تطبيق الضوابط على الشركة بسبب تأخير تسليم المشروع في الموعد المحدد (سبتمبر الماضي) حتى الآن.

13- المشروع والنظام كله والسيرفرات جميعها تحت تصرف الشركة المشغلة، دون ان تكون هناك أي رقابة فعلية لوزارة الشؤون، يذكر ان العقد المبرم بينهما انتهى منذ شهر سبتمبر الماضي، وبالتالي فإن الشركة تملك قاعدة البيانات.

14- الهدفان الأساسيان للمشروع هما إضفاء الحماية والقوة لنظام العمل في إدارة العمل، وتسهيل إجراءات إنجاز المعاملات عن طريق الربط مع الجهات المعنية، وهذان الهدفان لم يتحققا.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.