
ظلت الدولة منذ عقد الخمسينيات في القرن الماضي توزع الاراضي والحيازات على المواطنين بذريعة الاستثمار واقامة مشاريع صناعية أو تجارية أو تخزين..
وكان يفترض ان تظل تلك الاراضي المستغلة تحت الرقابة الحكومية الشديدة، حتى لا تستغل في المتاجرة أو في اقامة انشطة ومشاريع غير التي خصصت أو مُنحت الارض من اجلها، لكن الحكومة تراخت، وتساهلت مع المستثمرين فاستغلت الاراضي الاميرية في غير المواضع التي منحت من أجلها لأصحابها، هذا علاوة على تراخي وتساهل الاجهزة الحكومية المسؤولة عن تحصيل رسوم الايجارات على الرغم من ضآلتها، وكل ذلك ادى الى التسيب والمتاجرة سواء من جهة بيع القسيمة الممنوحة أو تقسيمها الى دكاكين وتأجيرها بالباطن بإيجارات فاحشة تضر بالمستهلك ولا تعود بفوائد على موارد الدولة، وفوق هذا فإن تلك الاراضي ان كانت قسائم صناعية أو تجارية أو تخزين أو غير ذلك من الانشطة لم توزع على الجادين اصحاب المشاريع الحقيقية، وانما راحت لأهل الحظوة والنفوذ واهل الواسطات والقريبين والمقربين..!!
ان صغر مساحة الكويت وندرة الاراضي الصالحة للاستثمار الصناعي أو الزراعي أو حتى السكني كان ينبغي على الحكومة ان تكون ضنينة وألا تفرط أو توسع في التوزيعات دونما تلمس مشاريع جادة تعود على الدولة وعلى مواردها بالفائدة والمنفعة، فالذي يحدث هو ان الدولة تخسر مواردها المالية وتخسر اراضيها بينما يستفيد المستثمرون الذين يتاجرون بأراضي الدولة دون مسوغٍ قانوني، ودون ان نرى على ارض الواقع مشاريع جادة.
لذلك وجدنا مناطق مثل الشويخ الصناعية أو الري أو الضجيج أو غيرها من المناطق في انحاء متعددة من البلاد والتي خصصت كمناطق للصناعة أو للتخزين قد تحولت الى مجمعات ضخمة ومولات ومعارض تجارية ومطاعم وكراجات لتصليح السيارات في بلد يربح فيه العيار والجمبازي..!!
ولعل الاعجب من ذلك هو ان الشركات الكبرى التي تطلب مزيدا من الاراضي من الدولة بغرض توسعة انشطتها لكنها في المقابل ترفض التخلي عن الحيازات التي هي تحت ملكيتها حتى يستفيد منها مستثمرون آخرون، فتقوم بتأجيرها بخلاف القانون بالباطن وبإيجارات خيالية وفاحشة، فلماذا تتغاضى الدولة ولا تتخذ اجراءاتها القانونية ازاء هؤلاء المستغلين الفاحشين، هل هذا تواطؤ وتساهل وتراخٍ منها (الدولة) أو مخافة من نفوذهم الذي هو اعتى من الدولة واقوى من سلطتها القانونية..؟!!
لذلك نعتقد بأن على مجلس الامة ألا يتخلى عن دوره الرقابي وخاصة ان غالبية اعضائه من الطبقة المتوسطة، فعليهم تفعيل ادواتهم الدستورية والرقابية ومحاسبة الحكومة على التفريط بأراضي الدولة دون ان يكون ثمة عائد مالي واستثماري مستفاد منه، لذلك ينبغي على مجلس الامة ان يلزم الحكومة بسحب كافة الاراضي المخالفة وتغريم اصحابها..
ان الحديث عن دولة القانون يظل شعارا فارغا لا قيمة حقيقية له في الواقع ما لم يفعل القانون، وما لم يلمس المواطن ذلك على ارض الواقع..
ان هناك فرقا بين الحقيقة والخيال والفوضى والنظام والعدل والباطل والقانون والتسيب، فإذا اردنا دولة ترسي دعائمها على الحقيقة لا الخيال وعلى النظام لا الفوضى وعلى العدل لا الباطل وعلى القانون لا التسيب فليطبق القانون بحذافيره على الجميع، فلا يجوز غض النظر أو تجاهل تطبيق القانون على المتنفذين والمحظيين ويؤخذ الضعيف بجريرة زلة بسيطة غير محسوبة..!!
نعود ونقول ان اراضي الدولة نهبت وما زال النهب والسلب من النافذين والمحظوظين مستمرا، وهؤلاء معروفون بأسمائهم اللامعة للدولة ولأجهزتها التنفيذية الذين بفضل تساهل وتراخي وتجاهل الدولة قد كونوا الثروات المليونية بل المليارية نهبا وزحفا وسلبا للاراضي ونهشا بأموال وموارد الدولة المنكوبة..!!
فإلى متى التجاوز على القانون والى متى التهاون والتراخي والى متى يستمر النهب والسلب والزحف على الاراضي وعلى ثروات البلد..؟!!.
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق