حسين الراوي: مقص الرقيب

مرحبا أحبابي، شكراً لكل من سأل عن سبب غياب مقالي في الاسبوع الفائت عبر الهاتف أو الإيميل أو تويتر، أشكركم على محبتكم التي تعدل عندي الكثير. أما مقال هذا الاسبوع فسأتطرق من خلاله لـ ( مقص الرقيب ).
بدأت أول جريدة بشكلها المتعارف عليه بالصدور في فرنسا، بواسطة يوهان كارولاس، عام 1605م، وبعدها أخذت تتبعها عدة جرائد مختلفة في أرجاء أوروبا. وكانت أول جريدة عربية عام 1799 م، وكان اسمها الحوادث اليومية. ويأتي مقص الرقيب في الوطن العربي مواكباً لظهور وانتشار الصحف العربية في أرجاء الوطن العربي كافة، ومقص الرقيب مهمته أن يكون مخبراً يتفقد كل سطر وخبر ضد النظام والحكومة ولكل شخص تربطه مع الصحيفة علاقات شخصية بحتة، حيث يقوم باجتثاث كل ما هو ضدهم كيّ تكون الأمور مطمئنة ولكي لا تقع أي مشاكل قانونية أو مالية بين الصحيفة وبين تلك الأطراف.
إن أكثر شيء يقلق الكاتب ويتعبه هو مقص الرقيب الذي يقتل الكاتب بجهله وعدم درايته بما يكتبه الكاتب، فمقص الرقيب – من هذا النوع – لا يهتم بأهمية الفكرة والسطر والكلمة والوعي الذي يسكنها، بل إن كل همه هو أن يبعد ذاته عن اللوم من قِبل مسؤوليه ولو اضطر لتخريب مقال الكاتب!
وهناك مقص رقيب ذكي، بحيث انه على دراية ووعي بما يكتبه الكاتب، ولو اضطر لحذف أي شيء من مقال الكاتب تجده يستخدم المشرط لا المقص في حذف الكلمات، وعادة ما يحاول مقص الرقيب الذكي أن يستبدل الكلمات المحظورة قانونياً في المقال بأخرى لا خوف منها، ويهتم اهتماما شديداً بألا تموت المقالة في يده، لذا يحرص كل الحرص ألا يكون التغيير ملحوظاً في المقال.
وهناك مقص رقيب أهوّج أرعن لا يهتم بما يكتبه الكاتب من الناحية القانونية أو الأخلاقية، فتراه يترك الحبل على الغارب مما يعرض الصحيفة لعقوبات وخسائر فادحة غير محمودة عواقبها.
الكاتب الذكي هو الذي يجيد أن يمرر عبر سطوره كل ما يريد أن يقوله من كلام محظور قانونياً من دون أن يشعر مقص الرقيب بشيء. الكاتب القوي هو الكاتب الذي يستخدم ثقافة الرمز بحيث لا يلحظ مقص الرقيب أنه قفز على المحظور. قد ينال مقص الرقيب من كلمات الكاتب لكنه لا يستطيع أن ينال من وعيه ولو حرفا.
مخبر المباحث ومقص الرقيب متشابهان في المهمة، فكلاهما يٌقيّد الحرية. شفرتا مقص الرقيب هما أضعف وأهون من الورق المبلل أمام ذكاء الكاتب ووعي القراء.

alrawie @
roo7.net@gmail.com

المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.