تقرير: شرخ في صفوف المعارضة

لماذا هذا الشرخ في صفوف المعارضة، طالما أن الغالبية منها تتفق حول المشروع السياسي؟ ولماذا في هذا التوقيت؟ وكيف انطلقت الشرارة؟ ومن المستفيد؟
هل بدأت بوادر الأزمة بعد الاطمئنان إلى بطلان مرسوم الصوت الواحد؟ ومن يكسب قرار توجيه الحراك الشعبي؟
هل هي أزمة سياسية في ظاهرها أم انتخابية في باطنها؟ تساؤلات يعيش معها مجتمع المعارضة الكويتية الذي اتجه نحو مقاطعة الانتخابات البرلمانية الاخيرة على خلفية اصدار مرسوم الضرورة بشأن تعديل النظام الانتخابي نحو تقليص عدد الاصوات من اربعة إلى صوت واحد، فهي التي خرجت بعد كل أزمة برأس واحد يحمل في عقله مشروعا أوحد متفقا عليه حسب بيانات شتى المكونات التي تضمها، ولكنها بدأت في الآونة الأخيرة الانزلاق نحو منحدر ينذر بـ «التقسيم» بما يطرح التساؤل: هل أصاب بصيرتها أمر ما وهي تتطلع إلى كيفية رسم خريطة جديدة للحراك فنتج عن ذلك طريقان؟
بداية الأزمة
كما جرت عليه العادة في اصل كل قضية، فإن كل كبيرة يكون أولها صغيرا.

وكما قال يزيد بن الحكم لابنه «إن الأمور دقيقها، مما يهيج لها العظيم» فقد بدأت الأزمة صغيرة وبسيطة، حيث انطلقت من ارضية القوى الشبابية نفسها التي تضم عددا من القوى الفاعلة في الحراك الشعبي، فتعددت الرؤى والفعاليات التي ينشط بها فريق على الاخر، ما أدى إلى حالة من الاعتقاد والشعور بالاقصاء والتفرد في قيادة الفعاليات، فزاد في النفس احتقانا، وفي العقل تشويشا.

ففي 8 ديسمبر 2012 دعا حساب «كرامة وطن» للمسيرة الرابعة له، والثانية التي تم ترخيصها (من قبل مجاميع تنسيقية الحراك حاليا) والتي كانت شرارة الخلاف بعد أن اتسع سوء الفهم بين الاطراف الشبابية على كيفية ادارة الفعالية ونوعية الخدمة اللوجستية ومن تكون له قيادة المنصة المتحركة (الدنه) ما فتح باب التصدع الداخلي، والذي سعت مجاميع إلى احتوائه.

ففي مساء الاحد الموافق 6 يناير 2013 عقد اجتماع في ديوان النائب السابق الدكتور جمعان الحربش لتذويب تلك الاختلافات وتمت مناقشة قضايا خلافية، منها قضية حساب مسيرة «كرامة وطن» والمبيت الذي دعي له والحوار مع السلطة، الا ان النقاشات اخرجت مافي باطن الحراك إلى السطح وغابت عنها المبادرة،وأُخرج الاحتقان من النفس إلى ساحة العمل. اسلوب مماثل للضد ودارت عجلة الانفراد ليقابله انفراد.

وثيقة باقر
«الدنه» ومن يحدد من يركبها؟ بذرة الصراع الذي ارتوت من ماء وثيقة «باقر» كما يسميها المراقبون، والتي نمت على استحياء بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة ما أثمر فريقين في الملعب. فقد تزامن مع ذلك الاحتقان والشروع في الاتجاه نحو طريقين، حيث راجت بقوة وثيقة سياسية قانونية لاسقاط القضايا التي يواجهها عدد من القوى الشبابية برفعها لاصحاب القرار لطلب العفو، ما أدى إلى توسيع الفجوة وتعبئة الاحتقان وعدم الاطمئنان للاخر في نفس فريق المعارضة.

المناقشة الأولى بدأت ولاول مرة على العلن في اجتماع الحربش، وتم الاعتراف بها من قبل أحد المشاركين، ثم تم الاعلان عنها بشكل رسمي في تصريح أحمد باقر قائلا «مبادرة وطنية انسانية بادر بها اشخاص من المعارضة لاسقاط القضايا عن الشباب ووقف المظاهرات غير الآمنة التي يحرمها الشرع والدستور». حيث كان ذلك التصريح في صباح يوم الاعلان عن دعوة لاجتماع نظمه النائب السابق محمد هايف.

اجتماع هايف
في يوم الاثنين الموافق 4 فبراير 2013 وجه النائب السابق محمد هايف دعوة لنشطاء الحراك من نواب سابقين وقوى شبابية للتباحث حول آلية تنسيقية جديدة في قيادة الحراك. الدعوة بدأت خاصة ثم تطورت في صباح اليوم نفسه إلى دعوة عامة، فحضر العديد من القوى الشبابية والنواب السابقين، غير أنه تم في نهاية الاجتماع الاعلان والاتفاق على اقرار تنسيقية للحراك تضم كلا من تجمع «نهج»، الاتحاد الوطني لموظفي وعمال الكويت، حركة كرامة، الحركة الديموقراطية المدنية، حراك الخامسة، حركة الإرادة الشعبية، الرابطة الكويتية للمنتديات الاجتماعية، كتلة شباب الرشايدة، ومجموعة من المستقلين في الحراك الشبابي، ما أثار حفيظة كتلة العمل الشعبي «حشد» والحركة الدستورية الاسلامية «حدس» لانفراد تجمع «نهج» بالقرار دون الرجوع اليهما.

حكم النواب الثلاثة
على خلفية الحكم الصادر بحق النواب السابقين فلاح الصواغ وخالد الطاحوس وبدر الداهوم في 5 فبراير 2013 خرجت مسيرات احتجاجية تخللها بعض الخطابات السياسية التي تولد عنها فكرة انشاء «ائتلاف المعارضة» وخلق صحوة في فريق المعارضة لضرورة ترتيب الصفوف مرة اخرى، الامر الذى دعا اليه النائب السابق مسلم البراك باعلانه عن اقامة مهرجان خطابي في ديوان البراك تعقبه مسيرة تضامنية مع النواب الثلاثة في اليوم التالي لصدور الحكم.

ندوة البراك
قبيل انطلاق فعالية ديوان البراك عقدت «تنسيقية الحراك» اجتماعا لبعض القوى الشبابية في ديوان النائب السابق الدكتور وليد الطبطبائي عصرا نتج عنه بيان تلاه الطبطبائي مساء في ندوة البراك. تزامن مع ذلك الاجتماع، اجتماع اخر لبعض القوى الشبابية في ديوان البراك الذي تمخض عنه الاعلان عن اعتصام يومي في ساحة البلدية من الساعة السابعة مساء إلى الساعة 12 ليلا وتشكيل لجنة تنسيقية للحراك الشبابي.

وفيما اقيمت الندوة مساء وكللت بالاعلان عن التبني الرسمي لفكرة الائتلاف على لسان النائب السابق مسلم البراك، بالاضافة إلى اعلان النائب السابق الدكتور عبيد الوسمي في تصريح خاص لـ «الراي» قائلا ان فكرة تشكيل الائتلاف سبق ان تم طرحها في وقت سابق وهي ترمي لترتيب صف الحراك السياسي المعارض وخلق آليات جديدة له، مضيفا أنه سبق وان طرح فكرة ائتلاف معارض يضم كافة التيارات وجمعيات النفع العام والنقابات والاتحادات الطلابية في كيان واحد، لتوحيد الجهود الرامية لتحقيق الاصلاحات السياسية المستحقة.

اجتماع البراك
عقد في يوم الخميس 7 فبراير 2013 الاجتماع الاول لنواة ائتلاف المعارضة وضم ما لايقل عن 40 ممثلا للنقابات واتحاد طلبة جامعة الكويت والتيار التقدمي وكتلة العمل الشعبي والحركة الدستورية الاسلامية والتحالف الوطني الديموقراطي والمنبر الديموقراطي و«حدم» وعدد من ممثلي مؤسسات المجتمع المدني والناشطين المستقلين في القوى الشعبية والشبابية، نتج عنه الاعلان عن لجنة تحضيرية موقتة لتعد ورقة عمل تأسيس ائتلاف المعارضة، على أن يتم الاجتماع التالي في ديوان النائب السابق محمد الخليفة. لكن في مساء اليوم نفسه من اجتماع البراك قرر كل من «الشعبي» و«حدس» الخروج من تجمع «نهج» والانضمام إلى «الائتلاف».

نفوس ونصوص
واضح بان الأزمة تكمن في النفوس لا النصوص. فالبيانات التي تولدت عن اجتماعات ائتلاف المعارضة و «تنسيقية الحراك» كانت متطابقة إلى حد كبير في السعي للوصول إلى نظام برلماني كامل. لكن في النفوس شيء لاندركه. ففي اعراف المعارضة ان يكون الاختلاف بعد النصر لا قبله فهذا يجرنا إلى مدى ارتفاع منسوب الاطمئنان لدى المعارضة إلى حتمية بطلان مرسوم الصوت الواحد، الأمر الذي يجعلها تبدأ من الان في التفكير بخلق كيانات تسويقية لعضلاتها ومدى قدرتها على قيادة الشارع.

وكما قالت العرب «ليس كل من ترك المعارضة قد صفح وليس كل من عارض قد انتصر». فالأمزجة في تناول المشروع الواحد قد تتنوع من مدرسة إلى أخرى فيكون تدافعها في حركة مشتركة للوصول إلى هدفها، لكن هذه الحركة واجهت عدة صدمات قد تنذر بانفصالها. وتتلخص تلك الصدمات التي تواجهها المعارضة اليوم في ما يلي:

1- نوعية الخطاب السياسي الموجهة للقيادة السياسية، فهناك فريق لا يحبذ الافراط به بينما ترى الأخرى ضرورة عدم التنازل عن السقف.
2- فلسفة المسيرات العامة والمناطقية ومدى العودة للساحات الخطابية، فالبعض لا يعتقد بمشروعية المسيرات بينما الآخر يجدها من الضرورات في العمل السياسي.

3- قيادة الحراك ولغة الانفراد والاقصاء في المبادرة والتنظيم، لكونها المؤثرة في مزاج الناخب الكويتي في حال العودة لصناديق الاقتراع.

4- امتزاج المشروع السياسي والمشروع الانتخابي، ما أثقل كاهل المعارضة وسبب لها الكثير من الصداع، خصوصا عند تعارض المصلحة العامة في المصلحة الخاصة، واستمرار ذلك الامتزاج قد يخلق في المستقبل غالبية نيابية غير منسجمة.

وفي نهاية المطاف، فإن مكمن القوة هو في المنطقة المشتركة من الجمهور الذي يقف على الحياد بين الفريقين، وهو الذي بيده ورقة الشرعية في تدعيم صفوف المعارضة، وتذويب اسلوب التخندق لكلا الطرفين في فعالياته المستقبلية.
المصدر “الراي”

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.