حدد النواب السابقون عبدالله الرومي وعادل الصرعاوي ومرزوق الغانم والدكتورة أسيل العوضي، خمسة أسباب بنوا عليها طعنهم في بطلان مرسوم الضرورة 2012/20 «الصوت الواحد» وبطلان الانتخابات البرلمانية التي جرت وفقه في مطلع ديسمبر الماضي.
وأكد النواب الأربعة الذين يمثلون كتلة العمل الوطني في مذكرة دفاعهم أمام المحكمة الدستورية التي تنشرها «الراي» دافعين بعدم دستورية القانون، وطعناً بنجاح كل من كامل العوضي وزملائه من النواب، أن المرسوم مثل نكوصاً للنظام الديموقراطي الكويتي على عقبيه، حيث أهدر مبدأ السيادة الشعبية ما يترتب عليه بطلان العملية الانتخابية من أساسها، ولاسيما أن النظام الانتخابي ليس حقلاً للتجارب، مشيرين إلى أن التجربة قد تترسخ فيها مبادئ وتقاليد لا تتفق والأصول البرلمانية السليمة.
وأضافوا أن المرسوم يعتبر خروجاً على مبدأ المشروعية في دولة القانون التي يكون قيامها وأساس بنيانها مبدأ سيادة القانون، ولاسيما أن أول القوانين التي ينبغي على السلطة التنفيذية الاحتكام لها في غياب البرلمان هي القوانين التي تحدد شكل البرلمان وتكوينه من غير أساس تقوم عليه السلطة الاستثنائية للحكومة في إصدار مراسيم بقوانين لا تحتمل التأخير، وأن نظام الحكم يقوم على الفصل بين السلطات، ولا يجوز دستورياً أن تتنازل أي سلطة عن كل أو بعض اختصاصاتها.
وتضمنت مذكرة دفاع النواب عدداً من المخالفات الدستورية لمرسوم الصوت الواحد، أولها صدوره من حكومة غير مكتملة الأهلية لعدم أدائها اليمين أمام مجلس الأمة وفق المادة 91 من الدستور، كما أن تعديل قانون الانتخاب بعد حل مجلس الأمة يتعارض مع المبادئ الدستورية التي تحكم عملية الحل خصوصا إذا جاء الحل نتيجة خلاف بين السلطتين، مشيرين إلى انه لا يجوز للسلطة التنفيذية إصدار مراسيم مجالها محجوز للتشريع الذي تصدره السلطة التشريعية مثل قانون الانتخابات.
ونوهت المذكرة إلى تعريف الفقه الدستوري المعاصر لمفهوم الضرورة بالحاجة الملحة التي لا يمكن تأجيلها لحين اجتماع مجلس الأمة، الأمر الذي يمنع اللجوء إلى مراسيمها في الأحوال العادية، ولاسيما أن مرسوم الضرورة موضوع الطعن أنزل عقاباً بالأمة كلها على اختلاف أطيافها وتوجهاتها بما يخالف قوله تعالى «ولاتزر وازرة وزر أخرى»، مشددة على أن مرسوم الصوت الواحد يعتبر عدواناً على حق الاقتراع العام، لم يتوقف عند حرمان الناخبين من التصويت كاملاً، كما كان في النظام السابق، بل تجاوز إلى الانتقاص من حق المواطن نفسه، بل ويعتبر عدواناً على المرشح نفسه الذي حرم من أصوات ناخبين كان يمكن له إذا حصل عليها الفوز بالانتخابات، بل أكثر من ذلك عندما خالف المرسوم المبدأ الدستوري الذي يقضي بأن النائب يمثل الأمة كلها كما ورد في المادة 108 من الدستور، ليأتي المرسوم ويقصر التصويت على مرشح واحد، ما يشير إلى أن النائب لم يعد يمثل الأمة كلها، هذا عدا مصادرة المرسوم لحق الناخب في التعبير عن رأيه في بقية المرشحين الذين فازوا في دائرة، وقصر ذلك على مرشح واحد وهو ما يؤكد عدم دستورية المرسوم، ولاسيما أن السلطة التنفيذية جاوزت في اقرار المرسوم حدود التفويض الدستوري بعدم التزامها المادتين 80 و82 من الدستور وانتقصت من حق الناخبين.
وخلص دفاع النواب في مذكرتهم إلى الطلب ببطلان الانتخابات التي جرت في الأول من ديسمبر الماضي في الدوائر الأولى والثانية والثالثة، أصلياً، واحتياطياً بإحالة الدفع بعدم دستورية المرسوم 2012/20 إلى دائرة فحص الطعون بالمحكمة تمهيداً لإحالته إلى المحكمة الدستورية لتفضي بعدم دستوريته.
وفي ما يلي نص مذكرة دفاع النواب السابقين:
أسباب الدفع
صدر المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012، مفتقداً للأساس الدستوري الذي استند إليه، وهو نص المادة 71 من الدستور، الأمر الذي انطوى فيه على غصب سلطة المشرع باستخدام الرخصة الاستثنائية المنصوص عليها في هذه المادة في غير ما شرعت له، بما يهدد الحكم الديموقراطي في البلاد، وجوهره مبدأ الفصل بين السلطات، وبما انطوى عليه من عدوان على حق الاقتراع العام وعلى حق الترشح، وعلى حرية الرأي وحق التعبير عن الرأي، فضلاً عن المخالفات الدستورية الأخرى، وهو ما نورده تباعاً في ما يلي:
أولاً: نكوص النظام الديموقراطي على عقبيه.
ثانياً: اختراق المجال المحجوز للسلطة التشريعية الأصيلة.
ثالثاً: انتفاء حالة الضرورة.
رابعاً: مخالفة أحكام الدستور من الوجوه الآتية:
1 – صدور المرسوم بقانون من حكومة لم تكتمل أهليتها القانونية لعدم حلف اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة.
2 – العدوان على حق الاقتراع العام.
3 – العدوان على حق الترشح لعضوية مجلس الأمة.
4 – مخالفة أحكام المادة 108 من الدستور.
5 – العدوان على حرية الرأي وحق التعبير.
6 – تجاوز التفويض الدستوري.
7 – مخالفة عرف دستوري مفسر ومستقر.
خامساً: الانحراف التشريعي
أولاً: نكوص النظام الديموقراطي على عقبيه
– الاقتراع العام- محور السيادة الشعبية: تنص المادة 6 من الدستور على أن نظام الحكم في الكويت ديموقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور.
ولهذا أخذ الدستور الكويتي بمبدأ الاقتراع العام الذي يخول كل مواطن حق الانتخاب، ولا يستبعد أي مواطن، ذلك ان استخدام حق الانتخاب هو استخدام للسيادة الشعبية أو سيادة الأمة مصدر السلطات جميعاً.
وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بان حقي الاقتراع والترشيح هما محور السيادة الشعبية وقاعدة بنيانها، فلا يجوز إنكار أصل وجودهما أو تقييد آثارهما بما يحول دون مباشرتهما على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا بممارستهما أو الانتفاع بهما (جلسة 3/ 2/ 1996 القضية رقم 2 لسنة 16 قضائية دستورية).
كما نص الدستور في المادة 82 على الشروط التي يتطلبها في عضوية مجلس الأمة فتطلب في العضو ما تطلبه من شروط في الناخب وفقاً لقانون الانتخاب، مؤكداً في المادة (80) على حق الاقتراع العام.
الأمر الذي يجعل من أي قيود على أي من الحقين الاقتراع أو الترشح لمجلس الأمة نكوصاً للنظام الديموقراطي على عقبيه.
فضلاً عن أن الطبيعة الحساسة للعملية الانتخابية ووجوب توفير الضمانات الضرورية لطهارة ونزاهة الانتخابات والنأي بالسلطة التنفيذية عن التدخل فيها أو التأثير عليها قد فرضت على المشرع أن يحدد شروط الناخب بطريقة آمرة وعلى سبيل الالزام والتي تتحدد تبعاً لها شروط العضوية في السلطة التشريعية التي تبسط رقابتها على السلطة التنفيذية فلا يجوز أن يكون تشكيلها وتكوينها رهناً بإرادة هذه السلطة الأخيرة.
– النظام الانتخابي ليس حقلاً للتجارب: وأن أي نظام جديد للانتخاب إن لم يكن مقطوعاً بدستورية ومدى اتفاقه مع المعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبجدواه من حيث توسيع دائرة المشاركة الشعبية وتعزيز المؤسسات الدستورية، ليس مقبولاً أن يؤخذ على سبيل التجربة، لأن تجربة تنظيم جديد يتعلق بتشكيل المؤسسة التشريعية قد تجني الممارسة الديموقراطية نتائجه لسنوات طويلة، قد تترسخ فيها مبادئ وتقاليد لا تتفق والأصول البرلمانية السليمة، وتترك ظلالها وبصماتها لفصول تشريعية مقبلة.
ومؤدى ما تقدم من نصوص ومبادئ دستورية، فإن الاقتراع العام هو محور السيادة الشعبية، التي تمارسها الأمة مصدر السلطات، ولهذا حرص الدستور على النص عليه، وعدم فرض قيود على أي من الحقين، كما أن قيام نظام الحكم في الكويت على أساس مبدأ الفصل بين السلطات، يجعل من أي قيود تفرضها السلطة التنفيذية على هذين الحقين في غياب البرلمان، بما يؤثر على تكوين هيئة الناخبين وتشكيل البرلمان.
وترتيباً على ما تقدم فإن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 فيما تضمنه من قصر حق الناخب على صوت واحد، يكون منطوياً على نكوص النظام الديموقراطي على عقبيه بإهدار مبدأ السيادة الشعبية الذي هو جوهر حق الاقتراع العام، وما يرتبه على ذلك الدستور والقانون من بطلان العملية الانتخابية برمتها، التي جرت في الأول من ديسمبر سنة 2012 من انتخاب أعضاء مجلس الأمة على أساس المرسوم بال قانون المشار إليه، والذي شابه عوار دستوري يدمغه بعدم دستوريته.
ثانيا: اختراق المجال المحجوز للسلطة التشريعية
– مبدأ الفصل بين السلطات: اخذت الكويت بالنظام الديموقراطي فيما تنص عليه المادة 6، وبمبدأ الفصل بين السلطات من دستور الكويت فيما تنص عليه المادة 50 من ان نظام الحكم يقوم على اساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لاحكام الدستور، وعلى انه لا يجوز لاي سلطة منها النزول عن كل او بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور.
ذلك ان جوهر الحكم الديموقراطي الذي يقوم عليه نظام الحكم في الكويت هو مبدأ الفصل بين السلطات، اذ لا تقوم قائمة لهذا النظام إلا اذا كان هذا المبدأ لحمته وسداه، لانه في ظل هذا المبدأ تراقب كل سلطة السلطة الاخرى، او كما يقال في الفقه الفرنسي ان السلطة تحد السلطة Lepouvoir Arret le Pouvoir وبهذا يتحقق اكبر ضمان للافراد ضد تركيز السلطات جميعا في يد واحدة.
وقد حدد دستور الكويت من يتولى كل سلطة من السلطات الثلاث، فتنص المادة 51 على ان السلطة التشريعية يتولاها الامير ومجلس الامة على النحو المبين بالدستور.
وكنتيجة طبيعية لهذا المبدأ اختص الدستور السلطة التشريعية باقرار القوانين فتنص المادة 79 من الدستور على انه «لا يصدر قانون إلا اذا اقره مجلس الامة وصدق عليه الامير».
وقد استخدم الدستور «لا» الناهية، ليؤكد بطريق الجزم، ان السبيل الوحيد لاصدار القوانين هو اقرار مجس الامة لها وتصديق الامير عليها، وكان يمكن للنص الدستوري ان يستخدم صياغة اخرى مثل «يصدر القانون باقرار مجلس الامة له وتصديق الامير عليه» ولكنه حرص على استخدام «لا» الناهية ليؤكد بجزم انه اختصاص يمتنع على اي سلطة اخرى ان تتولاه.
– لوائح الضرورة سلطة استثنائية: إلا انه استثناء من ذلك فقد اجاز الدستور للسلطة التنفيذية ان تصدر مايعرف باللوائح المستقلة واللوائح التفويضية، وكذلك المراسيم بقوانين او ما يسمى بلوائح الضرورة، والتي رخص الدستور للسلطة التنفيذية اصدارها في غياب البرلمان عندما تواجهها ضرورة تبرر الاسراع في اتخاذ تدابير لا تتحمل التأخير، اي ان صلاحية اصدار المراسيم بقوانين، والتي تستمدها السلطة التنفيذية من المادة 71 من الدستور، هي استثناء من الاصل العام وهو الفصل بين السلطات.
ولهذا لم يقابل الفقه في جملته، اسلوب المراسيم بقوانين بالارتياح لاعتباره ثغره بارزة في مبدأ استقلال البرلمان بالسلطة التشريعية، وكذلك في مبدأ تبعية وخضوع اللائحة للقانون (انظر د/ عثمان عبدالملك – النظام الدستوري والسياسي في الكويت من 500 وما بعدها).
– خروج على مبدأ المشروعية: ذلك ان هذا الاسلوب يعتبر خروجا على مبدأ المشروعية، الذي تقوم عليه الدولة القانونية، والتي يكون قيامها واساس بنيانها مبدأ سيادة القانون، بما يوجبه من خضوع الحاكم قبل المحكوم للقانون، واول القوانين التي ينبغي على السلطة التنفيذية الامتثال لاحكامها في غياب البرلمان، القوانين التي تحدد شكل البرلمان وتكوينه وهيئة الناخبين التي تحدد هذا الشكل والتكوين من خلال حق الاقتراع العام الذي يمارسه الناخب، لاختيار من يمثلونه في البرلمان.
حيث يرتبط موضوع المراسيم بقوانين بنظام الدولة القانونية ومبدأ المشروعية، ذلك ان من الاركان الاساسية التي يقوم عليها نظام الدولة القانونية ومبدأ المشروعية هو تدرج الاعمال القانونية، بمعنى ان القواعد القانونية التي يتكون منها النظام القانوني للدولة، ترتبط ببعضها ارتباطا تسلسليا، وانها ليست جميعا في مرتبة واحدة من حيث القيمة والقوة القانونية، بل تندرج في ما بينها بما يجعل بعضها اسمى مرتبة من البعض الآخر (تدرج القرارات الادارية ومبدأ الشرعية – د. ثروت بدوي – 1970 – ص 10).
قتحدد مرتبة كل قاعدة بالقياس الى مرتبة غيرها في التدرج، ويتم هذا التحديد تبعا لتدرج السلطة او الهيئة التي تصدر القاعدة، فكلما كانت الهيئة اعلى مرتبة كان لقراراتها قوة اكبر (مبادئ القانون الاداري – د. توفيق شحاتة ط 54 – 55 ص 40).
وتأثرا بالمعيار الشكلي في تحديد مرتبة القرارات والمراسيم بقوانين بالنسبة الى مرتبة التشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية، اجرى الفقه على الاولى ما يجري علي القرارات الادارية بوجه عام في المرحلة السابقة على اقرار المجلس لها (د. عادل الطبطبائي – النظام الدستوري في الكويت – دراسة مقارنة – ص 594).
– المراسيم بقوانين أقل مرتبة من القانون: ومؤدى هذا، أن إسباغ قوة القانون على القرارات والمراسيم بقوانين بنص دستوري لم يؤد في نظر بعض الفقه إلى إفلاتها من المعيار الشكلي الذي يقوم عليه تحديد مرتبة القواعد القانونية، بل تظل هذه القرارات والمراسيم بقوانين في نظرهم أدنى مرتبة من التشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية، وفقاً لمبدأ تدرج القواعد القانونية، ومبدأ المشروعية.
– اختصاص استثنائي لا توسع فيه: وكذلك القضاء الدستوري الذي رسم لهذا الاختصاص الاستثنائي حدودا ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية – فأوجب لإعمال رخصة التشريع الاستثنائية أن يكون البرلمان غائبا وأن تتهيأ خلال هذه الفترة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لرئيس الدولة سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير (المحكمة الدستورية العليا بمصر – جلسة 1986/6/21 ط 139 و140 س 5 ق).
ولهذا يمتنع على السلطة التنفيذية إصدار مراسيم بقوانين في مجالات تعتبر وفقاً لطبيعة الأشياء مجالا محجوزا للتشريع الذي تصدره السلطة التشريعية الأصيلة وهي مجلس الأمة.
فلا يجوز – مثلاً – تعديل القانون رقم 112 لسنة 1963 بإصدار اللائحة الداخلية، بمراسيم بقوانين، لأنها تنظيم لعمل المجلس، ولهذا أسند الدستور للمجلس وحده وضعها في ما تنص عليه المادة 117 في أن «يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية…».
وأن صدور اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بقانون قد فرضه ما تضمنته هذه اللائحة من أحكام، مثل الحصانة القضائية التي تعتبر استثناءً على أحكام القانون العام في الدولة، بما يستلزم صدورها بقانون.
– قانون الانتخاب مجاله التشريع الأصلي: ومن باب أولى، فإن قانون انتخابات أعضاء مجلس الأمة، وقانون تقسيم الدوائر الانتخابية، وهما من آليات الحكم الديموقراطي في تكوين هيئة الناخبين التي تختار نواب الأمة، مصدر السلطات جميعاً، ومن ثم تكوين مجلس الأمة، وتمثل أطياف المجتمع وفئاته ومختلف توجهاته في هذا المجلس، لابد أن يكونا مجالا محجوزا للسلطة التشريعية الأصيلة.
ومن هنا يجمع الفقه على أن لوائح الضرورة، ولو أن لها قوة القانون، إلا أنها لا تستطيع أن تتناول تعديل قوانين الانتخاب، ذلك لأن وجوب دعوة البرلمان إلى اجتماع غير عادي على وجه الاستعجال لعرض لوائح الضرورة عليه، يفترض أن يكون ذلك بناءً على قانون الانتخاب المعمول به وقت اجتماع البرلمان (د. عبدالحميد متولي – القانون الإداري، 1938 ص 59).
لما يثيره صدور هذه اللوائح من شبهة الانحراف التشريعي لتحقق السلطة التشريعية أغلبية لها داخل البرلمان وهو ما سنتناوله في ما شاب المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 من انحراف تشريعي.
وهو ما يراه كذلك الفقه الكويتي حيث يرى د. عادل الطبطبائي أستاذ القانون الدستوري ومستشار صاحب السمو الأمير، أن المرسوم بقانون لا يستطيع أن يعدل قانون الانتخاب، سواء كان المجلس منحلاً أم غير منحل.
فإذا كان مجلس الأمة غير منحل، فإن الدعوة لاجراء انتخابات جديدة أمر لا يمكن قبوله دستورياً والمجلس لايزال قائماً، كما انه تجب دعوة المجلس إلى الانعقاد خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدور المرسوم بقانون. ولا يمكن تعطيل حكم الدعوة خلال هذه الفترة.
أما إذا كان مجلس الأمة قد صدر مرسوم بحله، فإن تعديل قانون الانتخابات يتعارض مع المبادئ الدستورية التي تحكم عملية الحل. ذلك لأن حل المجلس التشريعي قد يكون نتيجة خلاف بين السلطتين التشريعية أو التنفيذية، وعلى السلطة التنفيذية أن تعود إلى الشعب لتحتكم إليه في هذا الأمر، فلو عاد الشعب واختار أعضاء المجلس المنحل، أو أعضاء يمثلون الاتجاه ذاته، فهذا دليل على أن الشعب يؤيد سلطته التشريعية في الخلاف الدائر بينها وبين الحكومة، أما لو اختار الشعب أعضاءً جدداً في مفاهيمهم وأفكارهم، فإنه بذلك يقف موقف المؤيد للسلطة التنفيذية، فيما اتخذته من قرار بحل المجلس التشريعي، ولا شك أن تحكيم الشعب في الخلاف الدائر بين السلطتين، يتعارض مع الاعتراف بحق السلطة التنفيذية قد حلت المجلس، ثم شرعت بتعديل قانون الانتخاب، فكأنها بذلك ترسم الطريق الذي يمكنها من ضمان وصول أعضاء جدد يؤيدونها في موقفها من المجلس المنحل – وبذلك تهدر فكرة تحكيم الشعب في الخلاف الدائر بين السلطتين (النظام الدستوري في الكويت – د. عادل الطبطبائي ط 1985 ص 590 و591).
ويضيف الدكتور عادل الطبطبائي – المرجع السابق ص 595 إلى أن المرسوم بقانون يجب ألا يتعدى إلى النطاق المحجوز للمشرع، فهناك موضوعات ذات أهمية خاصة جرى النص الدستوري الصريح أو العرف الدستوري على أنها من المواد المحجوزة للمشرع، الأمر الذي يقتضي ان يكون التشريع فيها بقانون، لذلك لا يجوز تنظيمها بمراسيم بقوانين، حتى لو اقتضت الضرورة ذلك، والا عدت باطلة بطلاناً مطلقاً.
ويستند هذا الرأي الى بعض احكام القضاء المصري، الصادر من المحكمة الادارية العليا ومن محكمة النقض، حيث قضت الاولى في احد احكامها «ان الامور التي احتجزها الدستور بنص صريح ليكون التشريع فيها بقانون صادر من السلطة التشريعية، لا يجوز تنظيمها او تعديل احكامها او الغاؤها باداة تشريعية ادنى من القانون والا كانت مخالفة للدستور وطبقت محكمة النقض المصرية هذا المبدأ على ترتيب جهات القضاء وتحديد اختصاصاتها فقضت بانه يتعين ان يكون ذلك بتشريع صادر من السلطة التشريعية وليس باداة ادنى من ذلك (مشار الى هذا الحكم في مؤلف الدكتور عادل الطبطبائي – المرجع السابق – ص 596 – هامش 2).
وسارت في هذا الاتجاه محكمة النقض المصرية في حكمها الصادر فيما عرف بقضية مذبحة القضاة، فألغت مرسوماً بقانون، باعتباره قراراً ادارياً معدوماً لعدوانه على المجال المحجوز للسلطة التشريعية الاصيلة، تأسيساً على ما قررته من ان «القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 – الذي نص على اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارات اعادة التعيين في وظائفهم او النقل الى وظائف اخرى محالين الى المعاش – يمس حقوق القضاة وضماناتهم مما يتصل باستقلال القضاء، وهو ما لا يجوز تنظيمه الا بقانون صادر من السلطة التشريعية، ذلك ان عزل القضاة من وظائفهم هو من الأمور التي لايجوز تنظيمها بأداة تشريعية ادنى من مرتبة القانون (جلسة 21/ 12/ 1972 – طـ 21 لسنة 39 ق/ رجال القضاء).
وترتيباً على ذلك فإن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بقصر حق الناخب في التصويت على صوت واحد في دائرة بمثله فيها عشرة نواب، يكون مشوباً بعدم الدستورية.
ثالثا: انتفاء حالة الضرورة التي تبرر إصدار المرسوم بقانون
يجسد نص المادة (71) من الدستور حرصه على الا يترك البلاد في فراغ تشريعي عندما تغيب السلطة التشريعية، وتواجه البلاد ضرورة اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير مثل سن قانون ينظم بعض المسائل، ولا يحتمل التأخير فأجازت المادة (71) للأمير ان يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، شريطة ان تعرض على مجلس الامة لاقرارها، فاذا لم تعرض او لم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون.
وتعتبر نظرية الضرورة، نظرية عامة شاملة لكل فروع القانون ولا تقتصر على القانون الدستوري وحده.
والواقع ان فكرة الضرورة لم تبتدع في الدساتير المعاصرة، اذ ترجع جذورها الى الفقه الاسلامي، حيث عبر عنها علماء اصول الفقه بقاعدة تقضي بأن الضرورات تبيح المحظورات، وفي النظام الدستوري تعتبر تطبيقاً للمبدأ الروماني القديم «سلامة الأمة فوق القانون».
الفقه المضيق لأحوال الضرورة: ولقد كان العميد ديجي من اوائل الفقهاء الذين نادوا بلوائح الضرورة، الا انه ضيق من احوال الضرورة حين اشترط لقيامها ان تحدث حرب او ثورة او اضراب عام.
(Ttaite de Drait Contituionnel, 3 edition tone 3- 1930 p. 752)
وإلى جانب هذا الاتجاه المضيق للوائح الضرورة، فإن الفقه المعاصر في تعريفه للضرورة يتطلب وجود حاجة ملحة تستوجب اصدار المرسوم بقانون لمواجهتها، وان مواجهة هذه الحالة لا يمكن تأجيلها الى حين اجتماع مجلس الأمة ومناقشته للأمر، ويترتب على ذلك عدم جواز اللجوء الى اصدار مراسيم الضرورة اذا كانت الاحوال عادية، او كانت الامور التي يراد تنظيمها لا ترتبط بحالة عاجلة، بحيث يمكن تأجيلها الى حين اجتماع مجلس الأمة.
– القضاء المضيق لأحواله الضرورة: ويبسط القضاء رقابته على أحوال الضرورة حيث عرفت المحكمة الإدارية العليا في مصر الضرورة التي تواجه الإدارة بأن تجد نفسها أمام خطر داهم، يقتضي أن تتدخل فوراً للمحافظة على الأمن والسكينة أو الصحة العامة بحيث لو تريثت الى حين صدور حكم القضاء لترتب على ذلك أخطار جسيمة ومن ثم فقد جرى القضاء الاداري في مصر على أنه لا تقوم حالة الضرورة إلا بتوفر أركان أربعة:
1 – أن يكون هناك خطر جسيم مفاجئ يهدد النظام والأمن.
2 – أن يكون عمل الضرورة الصادر من الإدارة، هو الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر.
3 – أن يكون العمل لازماً حتماً فلا يزيد على ما تقضي به الضرورة.
4 – أن يقوم بهذا العمل الموظف المختص فيما يقوم به من أعمال وظيفته.
وهذه الأركان جميعها ترجع الى أصلين معروفين هما أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن الضرورة تقدر بقدرها (جلسة 26/ 3 / 1966 – طعن رقم 444 لسنة 7ق و730 لسنة 8ق).
– إنزال العقاب بالأمة كلها: ومن حيث أن الثابت من تقصي الظروف والملابسات التي سبقت صدور المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012، بقصر حق الناخب في التصويت على صوت واحد، والحراك السياسي والاحتجاجات التي قادتها بعض التكتلات السياسية على حل مجلس الأمة 2012، وإن شابها بعض التجاوزات، إلا أنها لم تكن تشكل خطراً جسيماً يهدد النظام والأمن، خاصة وأن كافة أطياف المجتمع وتوجهاته، بما في ذلك التكتلات سالفة الذكر قد أعلنت ولاءها لصاحب السمو أمير البلاد.
كما لم يكن المرسوم بقانون المشار إليه، هو الوسيلة الوحيدة لدرء الخطر، وقد انطوى على انزال عقاب الصوت الواحد بالأمة كلها على اختلاف أطيافها وتوجهاتها، بما يخالف قول المولى عز وجل «ولا تزر وازرة وزر أخرى» ولم يدر بخلد المشرع طيلة التجربة الديموقراطية التي امتدت ما يقرب من نصف قرن الانتقاص من حق الناخب في التصويت، بتعديل قانون انتخابات مجلس الأمة، أي أن هذا القانون قد طال الأمد بالعمل به منذ صدوره في عام 1962 دون أن تفكر المجالس التشريعية المتعاقبة أو الحكومات المتتالية في هذا الأمر الجلل.
– تطبيق قضائي لحالة الضرورة: وقد قضت المحكمة الدستورية في مصر بأن مجرد الرغبة في تعديل قوانين الأحوال الشخصية بعد أن طال الأمد على العمل بها رغم ما استجد من تغيرات في نواحي المجتمع وان جاز ان تندرج في مجال البواعث والأهداف التي تدعو سلطة التشريع الأصيلة الى سن قواعد قانونية جديدة أو استكمال ما يشوب التشريعات القائمة من قصور تحقيقاً لإصلاح مرتجى إلا أنه لا تتحقق بها الضوابط المقررة في الفقرة الأولى من المادة (147) من الدستور (التي تقابلها المادة 71 من دستور الكويت، لاستخدام رخصة التشريع الاستثنائية التي خولها الدستور لرئيس الجمهورية بمقتضى المادة المشار إليها ومن ثم فإن القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 – إذ صدر استناداً الى هذه المادة، وعلى خلاف الأوضاع المقررة فيها، يكون مشوباً بمخالفة الدستور (جلسة 4/ 5/ 1985 – ق28س2ق دستورية).
وترتيباً على ذلك فإن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 إذ صدر مفتقداً الأساس الذي تقوم عليه السلطة الاستثنائية للسلطة التنفيذية في إصدار مراسيم بقوانين عندما تقوم ضرورة لا تحتمل التأخير، يكون هذا المرسوم فاقداً لحالة الضرورة التي تتطلبها المادة (71) من الدستور.
رابعاً: مخالفة أحكام الدستور
تستمد المراسيم بقوانين الصادرة في غيبة البرلمان الأساس الدستوري لها من المادة 71 من دستور الكويت التي تنص على أنه «إذ حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة وفي فترة حله، ما يوجب الاسراع في اتخاذ تدابير لا تتحمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على ألا تكون مخالفة للدستور أو للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية.
ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها، إذا كان المجلس قائماً وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة الى اصدار قرار بذلك، أما إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر.
ويجسد هذا النص حرص الدستور على ألا يترك البلاد، في فراغ تشريعي، عندما تغيب السلطة التشريعية، وتواجه البلاد، ضرورة سن قانون ينظم بعض المسائل، ولا يحتمل التأخير فأجازت المادة (71) للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، شريطة أن تعرض على مجلس الأمة لإقرارها، فإذا لم تعرض أو لم يقرها المجلس، زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون.
واستحدثت المادة (114) من اللائحة الداخلية أغلبية خاصة في ما يتعلق بالأغلبية المتطلبة لرفض مجلس الأمة إقرار هذه المراسيم بقوانين فيما تنص عليه من أنه:
«يصوت المجلس على المراسيم بقوانين بالموافقة أو الرفض، ولا يكون رفضها إلا بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، وينشر الرفض في الجريدة الرسمية».
ويبين من استعراض أحكام المادة (71) من الدستور وأحكام اللائحة الداخلية لمجلس الأمة وعلى الأخص المادة (114) من الدستور، أن المراسيم بقوانين التي تصدر في غيبة المجلس تنظمها أحكام أساسية هي:
1 – ان هذه القرارات والمراسيم، تكون لها قوة القوانين بمجرد صدورها بل وقبل عرضها على مجلس الأمة، وهي نافذة كذلك بعد نشرها في الجريدة الرسمية.
2 – ان هذه المراسيم بقوانين يجب عرضها على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها، إذا كان المجلس قائماً، وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي.
3 – ان عدم عرض هذه المراسيم بقوانين على المجلس، وفقاً لما تقدم، يترتب عليه أن يزول بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك.
4 – انه لا يلزم لاستمرار العمل بهذه المراسيم بقوانين – بعد عرضها على المجلس – صدور قرار من المجلس بإقرارها، بل يستمر العمل بها طالما لم يصدر قرار من المجلس بعدم اقرارها، ولو استمر المجلس على موقفه السلبي من هذه المراسيم بقوانين حتى انتهاء الفصل التشريعي بل وفي أي فصل تشريعي تالٍ.
5 -ان رفض المجلس الموافقة على مرسوم بقانون يترتب عليه زواله بأثر رجعي، واعتباره كأن لم يكن من تاريخ صدوره.
6 -عدم مخالفة الدستور، لأن مخالفة الدستور أمر يستعصي حتى على التشريع الذي تصدره السلطة التشريعية، إعمالا لمبدأ تدرج القواعد القانونية، باعتبار أن الدستور هو أعلى مرتبة من التشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية، وأنه يجب على هذه السلطة في ما تصدره من قواعد قانونية أن تتقيد بأحكام الدستور وروحه.
7 – عدم مخالفة التقديرات المالية بالميزانية.
ومن المقرر أن القواعد الدستورية التي أصدرتها الهيئة التأسيسية أو وافقت عليها الأمة مصدر السلطات جميعا هي في القمة من تدرج القواعد القانونية التي هي أساس مبدأ المشروعية، وبذلك يتميز الدستور على غيره من القواعد القانونية في النظام القانوني للدولة بالسيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحياة الدستورية وأساس نظامها، وبالتالي حق لقواعده أن تستوي على القمة من البنيان القانوني للدولة وأن تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي تلتزم الدولة الخضوع لها في تشريعها وقضائها وفي مجال مباشرتها لسلطتها التقديرية (المحكمة الدستورية العليا بمصر – جلسة 1993/1/4 – القضية رقم 27 لسنة 8 قضائية دستورية) كما ان القواعد التي تصدرها السلطة التشريعية تكون أعلى مرتبة من اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية.
وقد وقع المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بتعديل القانون رقم 43 لسنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية في حومة مخالفة الدستور في إجراءات صدوره وفي ما تضمنه من عدوان على الحقوق والحريات التي كفلها الدستور، وتجاوز لحدود التقويض الدستوري لتنظيم العملية الانتخابية.
– وقد تمثلت هذه المخالفات الدستورية في ما يلي: صدور المرسوم بقانون من حكومة لم تكتمل أهليتها القانونية لعدم حلف اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة، والعدوان على حق الاقتراع العام، والعدوان على حق الترشح لعضوية مجلس الأمة، ومخالفة أحكام المادة 108 من الدستور، والعدوان على حرية الرأي وحق التعبير، وتجاوز التفويض الدستوري، ومخالفة عرف دستوري مفسر ومستقر.
ونستعرض هذه المخالفات الدستورية تباعاً في ما يلي:
حكومة لم تؤد القسم:
تستمد المراسيم بقوانين الصادرة في غيبة البرلمان الأساس الدستوري لها من المادة 71 من دستور الكويت التي تنص على أنه «إذ حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله، ما يوجب الاسراع في اتخاذ تدابير لا تتحمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون أي ان استخدام السلطة التنفيذية لهذه الرخصة الاستثنائية يكون بمراسيم يصدرها صاحب السمو أمير البلاد اي ان يكون صدورها بناء على موافقة مجلس الوزراء اعمالاً للمادة (55) من الدستور التي تنص على أن «يتولى الأمير سلطاته بواسطة وزرائه». ويبرر الفقه في الكويت ذلك بأنه أمر منطقي تفرضه طبيعة النظام النيابي الذي يتبناه الدستور، ومباشرة الأمير سلطاته بواسطة الوزراء يحتم أن يتم ذلك بواسطة مراسيم أميرية، إذ هي الأداة الطبيعية التي تستخدم في هذا النطاق وأن لهذا التحديد أهميته الدستورية وفقاً لمفهوم النظام الدستوري الذي يتبناه الدستور الكويتي من حيث المسؤولية السياسية الناجمة عن مباشرة الاختصاص (النظام الدستوري في الكويت – دراسة مقارنة – د. عادل الطبطبائي ص551).
ويرى الدكتور عثمان عبدالملك أن مبدأ ممارسة الأمير سلطاته بواسطة وزرائه يعني أن سلطات الحكم يجب أن تمارس من قبل رئيس الدولة والوزراء، بحيث لا يستطيع أحدهما الانفراد بممارستها، ومن ثم فإن رئيس الدولة ليس بملزم- أن يصدق على المراسيم التي ترفع إليه من الحكومة بل يستطيع أن يرفض ذلك التصديق، كما أن التوقيع المجاور للوزراء يعطي للوزراء حق الاعتراض (ص361 – 363).
وإذا كان الثابت أن الحكومة المسؤولة سياسياً عن صدور المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 باعتبارها التي رفعته الى صاحب السمو لم تقم بأداء القسم أمام مجلس الأمة، ولم يتحقق بسبب ذلك الشرط الذي نصت عليه المادة 91 من الدستور لعدم اكتساب الحكومة أهليتها وصلاحياتها لمباشرة اختصاصاتها المتصلة بدورها التشريعي وعلاقتها بمجلس الأمة، فضلاً عن قيامها برفع قرار بطلب حل مجلس الأمة تأسيساً على عدم قدرة المجلس على عقد جلساته، وهي التي تسببت في إحجام أعضائه عن حضور هذه الجلسات عندما أعلن متحدث باسم الحكومة بأن دعوة مجلس الأمة للانعقاد هو امتثال للحكم القضائي الصادر ببطلان انتخاب هذا المجلس في ظله، فضلاً عن ان الجلستين اللتين عقدهما مجلس 2009 بعد عودته لم يحضر قاعة الجلسة فيها إلا وزيران، وكان بقية أعضاء الحكومة كما قيل في استراحة الوزراء، وهو ما ينطوي على التقليل من شأن هذا المجلس الذي انتوت الحكومة حله، وهو ما ضعف من شعور المرارة والاحباط لدى بقية أعضاء هذا المجلس الذين غابوا عن هاتين الجلستين كما أعلنت الحكومة انها عازمة على حل مجلس 2009 مرة أخرى، لقيام الاسباب ذاتها التي حل المجلس من أجلها، وان ذلك سوف يتم بعد حلف الحكومة اليمين الدستورية أمامه، ولو فعلت ذلك لوقعت في حومة مخالفة دستورية أخرى، هي أنه لا يجوز طبقاً للمادة 107 من الدستور حل المجلس لذات الأسباب لمرة أخرى، ومن ثم فإن تبعة غياب أغلب أعضاء المجلس تقع عليها وحدها هذا الأمر تقع عليها وحدها، حيث انه من المقرر قانوناً أنه لا يجوز أن يستفيد أحد من خطئه.
وهو ما قضت به المحكمة الدستورية في حكمها الصادر بجلستها المعقودة بتاريخ 20/ 6/ 2012 في الطعنين رقمي 6 و30 لسنة 2012 عندما حكمت المحكمة: بإبطال عملية الانتخاب برمتها، التي أجريت بتاريخ 2/ 2/ 2012 في الدوائر الخمس، وبعدم صحة عضوية من أعلن فوزهم فيها، لبطلان حل مجلس الأمة وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة والتي تمت على أساسها هذه الانتخابات، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها أن يستعيد المجلس المنحل – بقوة الدستور – وسلطته الدستورية كأن الحل لم يكن، تأسيساً على ما جاء في أسباب الحكم ، من أن المرسوم الصادر بحل مجلس الأمة، قد خالف أحكام الدستور إذ إن هذا الحل قد جاء استناداً الى المادة (107) من الدستور، وبناء على طلب وزارة قد زايلتها هذه الصفة بقبول الأمير استقالتها بكاملها، وذلك بعد أن تم تعيين رئيس جديد لمجلس الوزراء بأمر أميري، وتكليفه بترشيح أعضاء الوزارة الجديدة، حيث استبق رئيس مجلس الوزراء – بصفته هذه – قبل تأليف هذه الوزارة الجديدة وصدور مرسوم بتشكيلها باستعارة أعضاء من الوزارة المستقيلة التي زالت صفتها ونظمهم في اجتماع لمجلس الوزراء لأخذ موافقتهم على هذا الحل، الأمر الذي اعتبرت معه المحكمة الدستورية مرسوم حل مجلس الأمة غير صحيح من الوجهة الشكلية، ورتبت على ذلك بطلان الانتخابات التي جرت استناداً إليه.
وهو ما يصدق على العوار الشكلي في مرسوم حل مجلس 2009 مرة أخرى، فضلاً عن مرسوم دعوة الناخبين لهذه الانتخابات المطعون عليها في الطعن الماثل.
وترتيباً على ذلك يكون المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 42 لسنة 2006 قد شابه بطلان يترتب عليه بطلان، الانتخابات التي جرت في 1/ 12/ 2012 وبطلان القرار الصادر بإعلان الفائزين فيها، لأن ما يترتب على باطل فهو باطل.
العدوان على حق الاقتراع العام:
كانت حقوق الإنسان هي الشغل الشاغل للأجداد والآباء الذين وضعوا دستور الكويت، قبل أن تصبح هذه الحقوق، قضية كونية، يثير العدوان عليها حفيظة الرأي العام العالمي، فضلاً عن حفيظة الرأي العام الإقليمي والوطني. ولذلك جاء الدستور حافلا بهذه الحقوق، حرية العقيدة وحرية الرأي وحق التعبير عن الرأي، والحرية الشخصية والمساواة وافتراض البراءة في الإنسان، وكرامة الإنسان، وحق الاقتراع العام – الذي يعنينا في هذا المقام – وغيرها من حقوق، يمارسها الفرد مستظلا بأحكام الدستور. ومن هذه الحقوق والحريات ما اعتبره الدستور حقا مطلقا، لم يفوض الدستور القانون في تنظيمه، ويعتبر حق الاقتراع العام من هذه الحقوق.
ذلك ان واضعي الدستور قد استبعدوا تماما حق الاقتراع المقيد تماشيا مع التحول الديموقراطي في العالم فقد كان حق الاقتراع المقيد، هو أول ما عرفه النظام الديموقراطي في العالم، حيث كان مقيدا بنصاب مالي أو بحصوله على قسط من التعليم ولو في حده الأدنى، الإلمام بالقراءة والكتابة، كما كان مقصوراً على الذكور دون الإناث.
إلا أنه عقب الحرب العالمية الأولى بدأ التحول الديموقراطي نحو الأخذ بالاقتراع العام، تحت ضغط وتأثير النقابات، وازدياد الاهتمام بتمثيل كل فئات وطبقات المجتمع، بما يضمن كذلك كفالة مبدأ المساواة بين المواطنين كافة وترسيخ حرية الرأي وحرية التعبير عن هذا الرأي في الشؤون العامة.
حيث تنص المادة (80) من الدستور على أن يتألف مجلس الأمة من خمسين عضوا ينتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر، وفقاً للأحكام التي يبينها قانون الانتخاب.
ويعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة أعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم.
وتنص المادة (56) في فقرتها الأخيرة على أنه «ولا يزيد عدد الوزراء جميعا على ثلث عدد أعضاء مجلس الأمة».
وتنص المادة (82) على أنه يشترط في عضو مجلس الأمة:
أ – أن يكون كويتي الجنسية بصفة أصلية وفقاً للقانون.
ب – أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب.
ج – ألا يقل سنه يوم الانتخاب عن ثلاثين سنة ميلادية.
د – أن يجيد قراءة اللغة العربية وكتابتها.
والبين من استعراض النصوص الدستورية المتقدمة أن الدستور قد حدد تكوين كل من مجلس الأمة من ناحية عدد أعضائه وشروط العضوية، كما حدد تكوين هيئة الناخبين، التي يهيمن على تكوينها مبدأ الاقتراع العام فيما تنص عليه المادة (80) من انتخاب أعضاء مجلس الأمة بطريق الاقتراع العام السري المباشر.
وهو ما أكده الدستور عندما اشترطت المادة (82) في عضو مجلس الأمة «أن يكون ملما بالقراءة والكتابة».
فهو شرط يحمل دلالتين، الدلالة الأولى المستفادة من ظاهر النص، وهي وجوب توفر هذا الشرط في من يرشح نفسه لعضوية مجلس الأمة، أما الدلالة الثانية، فهي المستفاد حكمها تبعا، وهي أن هذا الشرط قصرا على عضو مجلس الأمة، ولا يشترط في الناخب، الذي فوضت المادة ذاتها القانون في تحديد شروطه.
وهو ما يعني ويؤكد ان مبدأ الاقتراع العام، هو مبدأ رسخ في ضمير واضعي دستور الكويت، فحرصوا على النص عليه في المادة (80) وعلى تأكيده بهذا الشرط في المادة (82)، لاستبعاد الاقتراع المقيد في كل صوره، فلا يتقيد حق الاقتراع حتى بشرط الإلمام بالقراءة والكتابة طالما أن الدستور بنص صريح يشترطه في عضو مجلس الأمة، بما يجعله قيدا على القانون الذي يحدد شروط الناخب.
وجدير بالذكر أن حرمان المرأة من حق الانتخاب، والذي استتبعه حرمانها من حق الترشح للانتخاب، حتى صدور القانون 17 لسنة 2006، بمنحها كل حقوقها السياسية، كان انتهاكاً لحق الاقتراع العام، وليس إخلالاً بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في هذه الحقوق فحسب.
الصوت الواحد قيد على حق الاقتراع العام:
ومن المسلم به في كل الدول الديموقراطية أن حق الاقتراع لكل مواطن بلغ سن الرشد السياسي يعتبر أمرا طبيعيا وغير قابل للجدل.
وهو الحق الذي ناضلت الشعوب لتحصل عليه، بعد أن كان الاقتراع مقيدا بطبقة الأحرار دون العبيد، وبطبقة الأشراف دون العامة، وبطبقة الأثرياء دون طبقة الفقراء، وفي ما كان يشترط بعد ذلك في الناخب من نصاب مالي، وبالذكور دون الإناث، أو بالحصول على مؤهل علمي، وبتمييز بعض المواطنين على البعض.
ذلك أن الأصل وفقاً لأحكان القضاء الدستوري أن كل تنظيم تشريعي ينال من فرص الناخبين في الادلاء بأصواتهم لا يقل سوءاً عن حرمان بعضهم أصلاً – ودون مسوغ – من حق الاقتراع العام (المحكمة الدستورية العليا في مصر القضية رقم 77 لسنة 19 قضائية دستورية – جلسة 7/ 2/ 1998).
لذلك يكون الصوت الواحد عدواناً على حق الاقتراع العام، في ما تضمنه المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 من قصر حق الناخب على صوت واحد، وأية ذلك أن العدوان على الاقتراع العام لا يتمثل فقط في: حرمان بعض المواطنين من التصويت كاملاً بل يتمثل كذلك في منح المواطن حق التصويت منقوصاً.
ويعتبر حق التصويت منقوصاً، إذا كان قانون الانتخاب لا يمنح الناخب من الأصوات عدداً يعادل عدد الأعضاء الذين يمثلونه في الدائرة المقيد على جدولها.
وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بأن الحماية التي كفلها الدستور للمواطنين، وأحاط بها هذا اللحق، لا تقتصر على مجرد تمكينهم من الادلاء سراً بأصواتهم في صناديق الاقتراع إذا كانوا مؤهلين قانوناً لمباشرة هذا الحق.
ولا تقتصر هذه الحماية على عدم إنكار حقهم في الاقتراع ابتداء أو عدم ابدال أصواتهم وتزييفها أو عدم تكديس صناديق الاقتراع بأصوات غير تلك التي أبديت.
بل يفترض في أي نظام ديموقراطي للحكم أن يكون حق الاقتراع منضبطاً وفق قواعد محددة يكون إعمالاً منصفاً وعادلاً فلا يباشره المواطنون مثقلاً بقيود تؤثر في وزن أصواتهم لتضعفها أو تفرقها (الحكم الصادر في الطعن رقم 77 لسنة 19 المشار إليه).
ذلك أن الأصل وفقاً لأحكام القضاء الدستوري أنه لا يجوز التذرع بتنظيم العملية الانتخابية للإخلال بالحقوق التي ربطها بهذا التنظيم بما يعطل جوهرها، أو لتأمين مصالح جانبية محدودة أهميتها، أو التدخل بالقيود التي يفرضها المشرع عليها للحد من حرية التعبير، لأن حرية التعبير هي قاعدة التنظيم الانتخابي ومحددة، لأن تنظيم العملية الانتخابية لا يكون ممكناً إلا إذا كان معقولاً وإلا اذا كان محايداً في محتواه.
وهو لا يكون كذلك إلا بما يوفره لهيئة الناخبين الحقائق التي تعينها على تحديد موقفها من المرشحين الذين يريدون الظفر بثقلها.
ومن خلال تعريفها بأحقيتهم في الدفاع عن مطالبها بمراعاة ملكاتهم وقدراتهم ولتكون المفاضلة بين المرشحين على أسس موضوعية لها ما يظاهرها، وفق قناعتهم بموقفهم من قضاياها (ق2 لسنة 16ق دستورية الحكم الصادر بجلسة 3/ 2/ 1996 من المحكمة الدستورية العليا في مصر).
وان الانتقاص من حق الاقتراع العام ينعكس سلباً على فرض تعبير الناخبين عن رغباتهم من خلال أصواتهم، فلا يكون لها فعالياتها في شأن اختيار من يطمئنون إليهم. (المحكمة الدستورية العليا بمصر الطعن رقم 77 لسنة 19ق).
العدوان على حق الترشح
تجسد المادة (82) التكامل بين حق الناخب وحق المرشح في ما نصت عليه من أنه يشترط في عضو مجلس الأمة أن تتوافر فيه شروط الناخب بالاضافة الى الشروط التي اشترطتها، فقد أكد الدستور بذلك الربط لزاماً وبطريقة حتمية بين حق الانتخاب وحق الترشيح، فمن تتوافر فيه شروط الناخب وفقاً لقانون الانتخاب يحق له إذا استوفى الشروط الأخرى، المنصوص عليها في المادة (82) من الدستور ترشيح نفسه لعضوية مجلس الأمة.
وهو ما قضت به المحكمة الدستورية العليا في مصر في قضائها الذي قالت فيه: ان حق المرشحين في الفوز بعضوية البرلمان لا ينفصل عن حق الناخبين في الادلاء بأصواتهم لاختيار من يثقون فيه من بينهم، ذلك أن هذين الحقين مرتبطان، ويتبادلان التأثير فيما بينهما.
كما قضي بأن حق الترشيح وحق الانتخاب يجب مباشرتهما على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً لممارستهما.
وأن حق الترشيح وحق الانتخاب حقان مترابطان يتبادلان التأثير فيما بينهما، فلا يجوز أن تفرض على مباشرة أيهما قيود يكون من شأنها المساس بمضمونهما مما يعوق ممارستهما بصورة جدية وفعالة، وذلك ضماناً لحق المواطنين في اختيار ممثليهم في المجالس النيابية باعتبار أن السلطة الشرعية لا يفرضها إلا الناخبون، وكان هذان الحقان لازمين حتمياً لإعمال الديموقراطية في محتواها المقرر دستورياً ولضمان أن تكون المجالس النيابية كاشفة في حقيقتها عن الإرادة الشعبية، ومعبرة تعبيراً صادقاً عنها. (القضية رقم 11 لسنة 13ق دستورية بجلسة 8/ 7/ 2000).
كما قضت المحكمة الدستورية في الكويت بتاريخ 16 من يوليو 2008 حيث انه من المسلم به أن حق الترشيح هو حق أصيل شأنه شأن باقي الحقوق السياسية لا يتمتع به إلا من هو مستوفى الشروط، أهل لممارسته، قادر على أدائه، وهو من الحقوق التي لا تقبل بطبيعتها من القيود، إلا ما كان هادفا للمصلحة العامة ومحققا لأغراضها، هذا وقد تكفل الدستور في المادة (82) منه ببيان ما يشترط في عضو مجلس الأمة، متطلبا من بين تلك الشروط أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب، كما رددت المادة (2) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الصادرة بالقانون رقم (12) لسنة 1963 ذات ما ورد بالمادة (82) من الدستور.
وقد قضى بأن حقي الاقتراع والترشيح – يجب مباشرتهما على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا لممارستهما أو الانتفاع بهما. (القضية رقم 2 لسنة 16 ق دستورية بجلسة 1996/2/3 ج دستورية ص 470).
ولئن كان للمشرع سلطة تقديرية في تنظيم العملية الانتخابية، إلا أن سلطته في هذا الشأن تجد حدها الطبيعي في عدم الخروج على القيود والضوابط والمبادئ التي نص عليها الدستور وعدم المساس بالحريات والحقوق العامة التي كفلتها نصوصه.
إلا أن سلطته هذه كما قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر لا يجوز أن تنال من تلك الحقوق بما يقلص من محتواها، أو يجردها من خصائصها أو يقيد من آثارها، وإلا كان هذا التنظيم مخالفا للدستور (القضية رقم 2 لسنة 16 ق دستورية بجلسة 1996/2/3).
ولا يجوز بالتالي أن تفرض على مباشرة أيهما القيود التي لا تتصل بتكامل العملية الانتخابية وضمان مصداقيتها، أو بما يكون كافلا إنصافها، وتدفق الحقائق الموضوعية، بل يجب أن تتوافر للقيود التي يفرضها هذا التنظيم، أسس ضبطها بما يصون حيدتها، ويحقق الفرص المتكافئة بين المتزاحمين فيها (الحكم الصادر بجلسة 1996/2/3 في القضية رقم 2 لسنة 16 ق دستورية).
وترتيبا على ذلك فإن العيب الذي شاب المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 فيما تضمنه من قصر حق الناخب على صوت واحد لا يقتصر ما شابه من عوار دستوري هو العدوان على مبدأ الاقتراع العام، بل ينطوي كذلك عدوانا على حق الترشح لأن قصر حق الناخب على صوت واحد يعطيه لمرشح دون سواه معناه حرمان مرشحين آخرين من أصوات الناخب والتي كان يمكن أن يحصلوا عليها وتحقق فوزهم في الانتخابات، يدمغ هذا المرسوم بقانون بعدم دستوريته، ويكون قد انعكس على العملية الانتخابية برمتها بما يبطلها ويبطل فوز المرشحين في هذه الانتخابات بالصوت الواحد.
مخالفة أحكام المادة 108 من الدستور:
ذلك أن الدستور في ما ينص عليه في المادة المذكورة من أن «عضو مجلس الأمة يمثل الأمة بأسرها، ويرعى المصلحة العامة».
ليس نصا هائما في فراغ، يفسر بمعزل عن نصوص الدستور الأخرى، وبمعزل عن الحقوق الدستورية التي كفلها الدستور للمواطنين وصانها، وأخصها حق الاقتراع العام، بل تعتبر نصوص الدستور وحدة واحدة، يكمل كل نص النص الآخر، وان الانتقاص من حق الناخب في التصويت إلى عشر ما يستحقه المواطن من أصوات، يباعد بين هذا النص الدستوري، وبين تطبيقه على أرض الواقع، أي انه يباعد بين النائب وبين تمثيله للأمة بأسرها، حيث يقتصر ما يفوز به النائب من أصوات على عدد محدود لا يمثل من الأصوات الصحيحة المعطاة إلا عشرها، بعد أن أصبح الناخب لا ينتخب إلا نائبا واحدا، وكان يفترض أن ينتخب عشرة أعضاء، هم مجموع من يمثلونه في الدائرة.
ولعل أبلغ مثال على ذلك، أن أحد الفائزين بعضوية مجلس الأمة في الانتخابات الأخيرة التي مرت على أساس الصوت الواحد والمطعون عليها لم يحصل إلا على أقل من 2 في المئة من أصوات الناخبين، أي أقل من 4 في المئة من مجموع الأصوات الصحيحة المعطاة على مستوى الدولة، فكيف يكون النائب ممثلا للأمة بأسرها، وهو لا يدين بأصواته إلا إلى هذه النسبة المحدودة؟
ومن هنا فإن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بقصره حق الناخب في التصويت على صوت واحد، يكون مخالفا للمبدأ الدستوري الذي يقضي بأن النائب يمثل الأمة بأسرها، وهو المبدأ الذي جسدته المادة 108 من الدستور.
العدوان على حرية الرأي وحق التعبير:
ان الأصل في النصوص الدستورية، انها تفسر بافتراض تكاملها، فلا ينعزل نص عن غيره، تجمعها الوحدة العضوية التي تستخلص منها مراميها، وحق الاقتراع العام هو تعبير عن حرية الرأي وصورة من صور حرية التعبير، فأي مساس به أو انتقاص منه، يعتبر عدواناً على حرية الرأي وحق التعبير عنه اللذين كفلهما الدستور.
وهو ما قضت به المحكمة الدستورية العليا في مصر مقررة بأن حق الاقتراع صورة من صور التعبير عن الرأي من خلال إدلاء الناخبين بأصواتهم التي يبلورون بها ارادة اختيار ممثليهم (جلسة 7/ 2/ 1998 القضية رقم 77 لسنة 19 قضائية دستورية).
ذلك ان ضمان الدستور لحق التعبير عن الرأي ونشره بالقول والكتابة وغيرهما من وسائل التعبير، الذي تقرره المادة (36) من الدستور، بوصف ان الحرية هي الاصل التي لا يتم الحوار المفتوح بين الرأي والرأي الآخر الا في نطاقها، ويتفرع عنها حق الاقتراع وحق الاجتماع، اذ من دون هذه الحرية لا يكون هناك مغزى من حق الاقتراع او جدوى من حق الاجتماع.
ويعتبر حق الاقتراع العام صورة من صور حرية التعبير في الشؤون العامة، عندما يختار المواطنون ممثليهم في مجلس الامة، هو الأكثر اثرا وخطراً في النظام الديموقراطي، فأي انتقاص منه هو عدوان على حرية الرأي وحق المواطن في التعبير عن ارائهم في شؤون الحكم.
وان صون حق الاقتراع العام والايمان به يتعين ان يكون دوماً بتحمل تبعاته، والا اعتبر هذا الحق والايمان شكلاً بغير مضمون.
كما قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بأنه لا يجوز التذرع بتنظيم العملية الانتخابية للاخلال بالحقوق التي ربطها بما يعطل جوهرها او لتأمين مصالح جانبية محدودة اهميتها، او التدخل بالقيود التي يفرضها المشرع عليها للحد من حرية التعبير وذلك ان حرية التعبير هي قاعدة التنظيم الانتخابي ومحوره وان تنظيم العملية الانتخابية لا يكون ممكنا الا اذا كان معقولاً، والا اذا كان محايداً في محتواه، وهو لا يكون كذلك الا بما يوفره لهيئة الناخبين من حقائق تعينها على تحديد موقفها من المرشحين الذين يريدون الظفر بثقتها، ومن خلال التعريف باحقيتها في الدفاع عن مطالبها ولتكون المفاضلة بين المرشحين على اسس موضوعية لها ما يظاهرها وفق قناعتها بموقفهم عن قضاياها (ق2 لسنة 16 ق دستورية بجلسة 3/ 2/ 1996).
ومن هنا فإن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 الذي قصر حق الناخب في التصويت على صوت واحد يكون مشوباً بعوار دستوري هو مصادرة حق الناخب في التعبير عن رأيه بالنسبة الى سائر المرشحين الذين تضمهم قائمة الفائزين في هذه الانتخابات والذين يمثلونه في الدائرة المقيد على جداولها، بما يدمغ هذا المرسوم بقانون بعدم دستوريته.
تجاوز للتفويض الدستوري
وانطلاقاً من هذا المفهوم السليم والتفسير الصحيح لحكم المادتين 80 و82، فإنه ليس معنى تفويض الدستور للمشرع بتحديد شروط الناخب او تنظيم الانتخاب، اطلاق يده، بما ينتقص من الحق الدستوري في الاقتراع العام او ينال منه، وهو المبدأ الذي استقر عليه القضاء الدستوري، في كل الدول التي تأخذ بهذا النظام.
وهو ما قضت به المحكمة الدستورية في الكويت في حكمها الصادر في اول مايو سنة 2006، من ان المشرع فيما يسنه من قوانين تنظيماً للحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، باعتبارها من الدعامات الاساسية التي لا يقوم اي نظام ديموقراطي من دونها، يجب عليه الا يجاوز الحدود والضوابط التي فرضتها هذه النصوص، او ينال من اصل الحق، او يحد من ممارسته او يحيد عن الغاية من تنظيمه على الوجه الذي لا ينقص من الحق او ينتقص منه.
كما قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر، بأن الدستور اذ يعهد الى السلطة التشريعية تنظيم موضوع معين، فإن تشريعاتها في هذا الاطار لا يجوز أن تنال من الحق محل الحماية الدستورية، باقتحامها بالنقض او الانتفاص من المنطقة التي اعتبرها الدستور مجالاً حيوياً لهذا الحق لضمان فاعليته (جلسة 4 يناير سنة 1992 – ق 27 لسنة 8 قضائية دستورية).
وان تنظيم المشرع للحق الدستوري ينبغي الا يعصف به او ينال منه، وان القواعد التي يتولى المشرع وضعها تنظيماً لهذه الحقوق، يتعين الا تؤدي الى مصادرتها او الانتفاص منها، كما يتعين الا تخل بالقيود التي يفرضها المشرع في مجال هذا التنظيم (جلسة 15/ 4/ 1991 ق23 لسنة 8 ق دستورية عليا).
وقد جاوز المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 المشار اليه حدود التفويض الصادر له في المادتين 80 و82 من الدستور، لان الدستور قد فوض القانون بموجب هاتين المادتين في امرين:
1 – تحديد شروط الناخب التي نص على وجوب توفرها في عضو مجلس الأمة ايضاً، اعمالاً لاحكام المادة (82) من الدستور.
2 – بيان الاجراءات والمواعيد التي تنتظم عملية القيد في جداول الانتخاب واجراءات الطعن في هذه الجداول، والاجراءات والمواعيد التي تنتظم عملية الترشيح لعضوية مجلس الأمة.
وهو ما عناه الدستور في المادة (80) عندما نصت على ان يكون اختيار اعضاء مجلس الأمة بطريق الانتخاب العام السري المباشر وفقاً للاحكام التي يبينها قانون الانتخاب.
وقد التزم قانون انتخابات مجلس الامة بهذه الحدود التي قررتها المادتان (80 و82) من الدستور، على مدار ما يقرب من نصف قرن.
ولم يفوض الدستور المشرع في أن يحدد عدد الاصوات التي يستخدمها الناخب في اختيار أعضاء مجلس الامة الذين يمثلونه في الدائرة المقيد على جدولها، فعدد الاصوات يجب أن يتساوى مع عدد هؤلاء الاعضاء والا اعتبر انتقاصا من حق الاقتراع العام.
ولأن كان للمشرع سلطة تقديرية في تنظيم العملية الانتخابية الا أن سلطته فيهذا الشأن تجد حدها الطبيعي في عدم الخروج على القيود والضوابط والمبادئ التي نص عليها الدستور وعدم المساس بالحريات والحقوق العامة التي كفلتها نصوصه (المحكمة الدستورية العليا بمصر جلسة 3/2/1996 القضية رقم 2 لسنة 16 قضائية دستورية).
لذلك فان المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 يكون قد جاوز حدود التفويض الدستوري المنصوص عليه في المادتين 80 و82 من الدستور، عندما لم يلتزم بحدود التفويض الممنوح له بموجب المادتين 80 و82، عندما انتقص من حق الناخب في التصويت، بقصره على صوت واحد يعطيه لمرشح واحد من بين عشرة سوف يمثلونه في الدائرة المقيد على جدول الانتخابات فيها.
مخالفة عرف دستوري مفسر ومستقر:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن». لهذا توسد العرف مكانه في الشريعة الاسلامية حتى قيل ان الثابت بالعرف كالثابت بالنص، والمعروف عرفا كالمشروط شرطاً.
كما نصت المادة (36) من مجلة الاحكام العدلية على أن العادة محكمة بمعنى أن العادة عامة كانت أو خاصة تجعل حكما لاثبات حكم شرعي، والعادة هي ما يستقر في النفوس من الامور المتكررة المعقولة عند الطبائع السليمة.
كما نصت المادة 37 من المجلة على أن استعمال الناس حجة يجب العمل بها. فالعرف هو المصدر الشعبي الاصيل الذي يتصل اتصالا مباشرا بالجماعة ويعتبر وسيلتها لتنظيم تفاصيل المعاملات التي يعجز التشريع عن تناولها بسبب تشعبها أو استعصائها على النص، ولذلك ظل هذا المصدر وسيظل إلى جانب التشريع مصدرا تكميليا خصبا.
لذلك اعترف القانون المدني الصادر بالمرسوم بقانون رقم 67 لسنة 1980 بالعرف، باعتباره مصدرا من مصادر القانون، الا أنه رود هذا الاعتراف في القانون المدني، لا يعني أنه يطبق على المعاملات المدنية وحدها، بل يمتد العرف ليشمل كل فروع القانون العام والخاص، فيوجد إلى جانب الدستور المكتوب عرف دستوري، والى جانب اللائحة الداخلية لمجلس الامة عرف برلماني.
وتوجد اعراف دستورية وسياسية مهمة في الحياة الدستورية والسياسية للعديد من الدول، ففي الولايات المتحدة الاميركية، لا يعلم الكثيرون أن عدم جواز انتخاب رئيس الجمهورية لفترة ثالثة، لا يستند إلى نص دستوري، انما إلى العرف الدستوري وان عدم جواز اختيار رئيس مجلس الوزراء في بريطانيا من اللوردات يرجع إلى عرف دستوري في سابقة في عام 1923، عندما اعترض على اختيار اللورد Curzon رئيسا لمجلس الوزراء، فاستبدل به المستر بلدوين.
والعرف ليس بالضرورة عرفا منشئا في حالة غياب النص التشريعي، أو مكملا في حالة استكمال ما لم تنظمه النصوص التشريعية، بل يمكن أن يكون عرفا مفسرا.
وغني عن البيان أن العرف المفسر وهو الذي يلتزم بقواعد التفسير وأولى هذه القواعد بأنه متى كان النص واضحا جلي المعنى قاطعا في الدلالة على المراد منه، فانه لا اجتهاد مع صراحة النص.
والعرف الدستوري هو ما اضطرت سلطة من السلطات الدستورية على اتباعه من قواعد في تنظيم عملها أو في علاقاتها بغيرها من السلطات، مع شيوع الاعتقاد لديها ولدى سائر السلطات بأن هذه القواعد هي جزء لا يتجزأ من النظام الدستوري والقانوني، اي أنه يشترط للقول بوجود عرف دستوري، الا تكون هذه القواعد محل اعتراض من السلطات العامة الاخرى، والا يكون مخالفا للدستور المكتوب.
وهو ما التزمت به السلطتان التشريعية والتنفيذية طيلة ما يقرب من نصف قرن، سواء في تحديده شروط الناخب، (عدا ما كان من قصر حق الانتخابات على الذكور وحدهم حتى صدور القانون رقم 17 لسنة 2006 بتعديل هذا القانون)، أو في تنظيمه للجداول الانتخابية قيدا وحذفا، وفي تعريفة الموطن الانتخابي واجراءات القيد في الجداول ومواعيده واجراءات الترشيح ومواعيدها، والطعن في الجداول الانتخابية امام القاضي المختص واجراءات الطعون الانتخابية.
وهو الثابت من استعراض نصوص قانون الانتخاب والتعديلات التشريعية عليه، فقد كان النظام القانوني للانتخاب مضطردا على تعدد تصويت الناخب، بل أنه قدمت اقتراحات بقوانين في مجلس الامة تبطل ورقة التصويت التي يصوت فيها الناخب لمرشح واحد مبطلاً صوته الآخر عندما كانت الدوائر الانتخابية خمس وعشرين دائرة، وكان لكل ناخب صوتان.
وترتيباً على ذلك فإن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بقصر حق الناخب على صوت واحد، يكون موصوماً بمخالفة العرف الدستوري المفسر لأحكام المادتين 80 و82 من الدستور.
خامساً: الانحراف التشريعي
عرض المرحوم الفقيه الكبير الأستاذ الدكتور عبدالرزاق السنهوري لانحراف السلطة التشريعية في مقال له بعنوان «مخالفة التشريع للدستور والانحراف في استعمال السلطة التشريعية (منشورة بمجلة مجلس الدولة عام 1952 ص1 وما بعدها) فاعتبر سبباً لبطلان التشريع غير مخالفته للدستور هو الانحراف في استعمال السلطة التشريعية، فالتشريع الذي يصدر مستوفياً أركان الاختصاص والشكل والمحل يجب – شأنه في ذلك شأن القرار الإداري يجب أن يتوافر فيه ركن الغاية أيضاً، وإلا كان مخالفاً للدستور لاتسامه بعيب الانحراف في استعمال السلطة، وهي هنا السلطة التشريعية.
ويرى أنه يتعين في الدائرة التشريعية أن يكون هذا المعيار موضوعياً محضاً لا يدخله أي عنصر ذاتي ويبرر ذلك أمران: أولهما أن الواجب هو ان نفترض في الهيئة التشريعية أنها لا تصدر في تشريعاتها الا عن المصلحة العامة، لا سيما أنها هيئة مشكلة من عدد كبير من الأعضاء يصعب تواطؤهم على الباطل، وهي هيئة تنوب عن الأمة فيفترض فيها التنكب عن الأغراض الذاتية.
وإذا كان الدكتور السنهوري قد نادى بنظريته في طريقها الوعر حتى يكون التشريع المشوب بالانحراف قد صدر من هيئة تشريعية هي البرلمان، وهي هيئة مشكلة من عدد كبير من النواب فيفترض فيها التنكب عن الأغراض الذاتية.
إلا أن هذه النظرية تنطبق من باب أولى على المراسيم بقوانين التي تصدرها السلطة التنفيذية في غياب البرلمان، ولو تطرق إليها في هذا المجال، لقرر أن منطقة الانحراف هنا تكون أوسع نطاقاً لعدم قيام الاعتبار سالف الذكر في السلطة التنفيذية.
وبتطبيق هذه النظرية على المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012، في الظروف التي صدر فيها، بعد صدور المرسوم حل مجلس الأمة والدعوة لإجراء انتخابات جديدة، فإن الغاية من إصدار هذا المرسوم وقد اخترق المجال المحجوز للسلطة التشريعية الأصيلة تنظيمه بقوانين يقرها مجلس الأمة، ولم تكن هناك ضرورة تتطلب اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فضلاً عن عدوانه على الاقتراع العام وما يتصل به من حقوق وحريات أخرى وهو ما بيناه عند تناول مخالفة الصوت الواحد لمبدأ الاقتراع العام المنصوص عليه في الدستور، فإنه لا يمكن حمل إصداره، إلا على ما يقوله الاستاذ الدكتور عادل الطبطبائي مستشار صاحب السمو الأمير:
بأن عدم شمول هذه السلطة الاستثنائية قانون الانتخاب لأن حل مجلس الأمة يعتبر بمثابة احتكام للشعب ليقول كلمته في الخلاف الدائر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فإذا عدلت هذا الأخيرة قانون الانتخاب أثناء فترة الحل فإنها تفعل ذلك لضمان وصول أعضاء جدد الى المجلس يؤيدون موقفها، كما أنها تضع النواب المنتخبين بموجب هذا التعديل في موقف صعب عند اقرار هذا التعديل إذا عليهم أن يوافقوا عليه وإلا اعتبر انتخابهم طبقاً لأحكامه باطلاً (د. عادل الطبطبائي – المرجع السابق – ص590).
وهو الرأي الذي يؤيده الفقه المقارن الذي يرى أن التعديل في الدوائر الانتخابية في غياب البرلمان يكون الهدف منه تشتيت أصوات المعارضين في هذه الدوائر التي يكون لهم ثقلهم فيها بنقلهم الى الدوائر الأخرى التي للحكومات فيها أغلبية من الموالين لها بما يضمن الحد من نجاح المعارضين لها ومن حصولهم على أغلبية مقاعد البرلمان، وعادة ما يكون ذلك في الدول التي يوجد بها نظام الأحزاب والتكتلات السياسية، وقد سمي هذا التلاعب باسم gerrymamder نسبة الى حاكم ولاية ماساشوبيتش الأميركية Gerry الذي كان يشتهر بهذا الفن في القرن التاسع عشر، وقد انتقل هذا الفن الى فرنسا، فاستخدمته حكومة نابليون الثالث في فرنسا، واستخدمته حكومات فرنسية أخرى لدرجة أنه كان السبب في استبعاد نظام الانتخاب الفردي في فرنسا سنة 1951 (نظم الانتخابات في العالم وفي مصر د. سعاد شرقاوي ود. عبدالله ناصف ط1994 – ص83). وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بمصر انه يجب أن تتوفر للقيود التي يفرضها المشرع على تنظيم العملية الانتخابية أسس ضبطها بما يصون حيدتها ويحققها الفرص المتكافئة بين المتزاحمين فيها، وأن أي نظام ديموقراطي للحكم يفترض أن يكون حق الاقتراع فيه منضبطاً وفق قواعد محددة يكون إعمالها منصفاً وعادلاً فلا يباشره المواطنون مثقلاً بقيود تؤثر في وزن أصواتهم لتضعفها أو تفرقها (المحكمة الدستورية العليا بمصر، الحكم الصادر بجلسة 3 فبراير 96 القضية رقم 2 لسنة 16ق).
والثابت بيقين أن المرسوم بقانون الذي قصر حق الناخب على صوت واحد، إنما يمثل انحرافاً بالسلطة لتغيير ارادات الناخبين، والنيل من التجربة الديموقراطية ومن التعددية السياسية، لغير مصلحة عامة تبرر ذلك، بل لدوافع ذاتية لدى السلطة التنفيذية بأن تنفرد بالحرث والنسل، وأن يتحول نظام الحكم الديموقراطي في الكويت الى نظام شمولي ينطوي على تهميش للسلطة التشريعية، بما يهدد التجربة الديموقراطية لتنكص على عقبيها.
والحكومة مطمئنة الى ان أعضاء المجلس الجدد الذين وصلوا الى مقاعد البرلمان عن طريق قانون الانتخاب المعدل سيوافقون عليه لضمان استمرارية عضويتهم في المجلس، لأن عدم موافقة الأعضاء على قانون الانتخاب المعدل يعني بطلان انتخابهم بأثر رجعي. كما أن الأعضاء سيكونون في موقف صعب في تقريرهم عدم الموافقة على القانون المعدل دون اثر رجعي، لأنهم بذلك يعترفون ببطلان القانون، ولكنهم لا يقررون ذلك بأثر رجعي حماية لموقفهم (النظام الدستوري في الكويت – د. عادل الطبطبائي ط1985 ص591).
ومؤدى ما تقدم من نصوص ومبادئ قانونية والظروف والملابسات التي صدر فيها المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 يكون قد انحرف عن المصلحة العامة التي هي الغاية النهائية لكل سلطة من سلطات الدولة، لتغيير تكوين هيئة الناخبين، وما يترتب عليه من تغيير تكوين مجلس الأمة، لتقليص دور المعارضة في المجلس وبالتالي دوره في الرقابة البرلمانية. لذلك نلتمس الحكم أصلياً – ببطلان الانتخابات التي جرت يوم الأول من ديسمبر سنة 2012 في الدوائر الأولى والثانية والثالثة.
احتياطياً – بإحالة الدفع بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 الى دائرة فحص الطعون بالمحكمة، تمهيداً لإحالته الى المحكمة الدستورية لتقضي بعدم دستوريته فيما تضمنه من تعديل للمادة (1) من القانون رقم 42 لسنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية.
قم بكتابة اول تعليق