نقولها بكل وضوح: أهلا بالاجراءات التي تحدث عنها نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية مصطفى الشمالي في ما يتعلق بفرض رسوم على الخدمات لزيادة إيرادات الدولة غير النفطية, اللهم لا اعتراض, لكن من الانصاف ان تأخذ الدولة حقها المهدور على مدى سنوات نتيجة عدم جدية الحكومة ومجلس الامة في الحفاظ على المال العام, ولا عيب في ان تسعى اليوم الى استرداد تلك الحقوق.
هناك كثير من دول العالم, ومنها دول الخليج وضعت, منذ زمن, حدا لهذا الهدر من خلال تلزيم الخدمات الى شركات مساهمة يتملكها المواطنون, ورفعت عن كاهلها عبء تكاليفها, فيما اقتصر دورها على الاشراف لتحقيق العدالة في العلاقة بين الشركات والمستهلكين, الذين هم ملاك تلك الشركات, أي أنهم سيستهلكون الماء والكهرباء وغيرها من الخدمات بترشيد, حتى الطرق يمكن ان تحال ايضا الى شركات مساهمة, تماما كما اقترحت بعض الشركات في ما يتعلق بجسر جابر, وحاولت إنماء المنطقة التي يمر فيها واستغلاله لسنوات عدة بعدها تعود إدارته للدولة.
نعم, لا مانع من فرض رسوم على الخدمات, ورفع الدعم عن المواد التموينية التي يعرف الجميع أن المواطن لا يستفيد منها, لانها تهرب الى دول مجاورة حيث تباع هناك, حتى المعكرونة التي ضمها الوزير أحمد باقر الى السلع المدعومة تهرب ايضا, فيما الدولة تدفع ثمن مواد تذهب هدرا.
كل هذا لا اعتراض عليه, لكن في الوقت نفسه لا بد من اعادة النظر بجيوش الموظفين الذين فرضهم نواب لمصالح انتخابية ولا يداومون بينما تغض الدولة الطرف عنهم, كما لا بد من معالجة الخطأ الكبير الذي تسبب فيه قانون دعم العمالة الوطنية الفاشل ولم يستفد منه الا القيمون عليه, وكذلك الحال مع الكوادر التي اقرت تحت ضغط نيابي, ليس خافيا على احد اهدافها, وهي للتذكير, كانت هدايا تنفيع للناخبين الذين صوتوا لنواب المجلس السابق, فكل هذا وغيره كثير هو هدر موصوف للمال العام.
أوليس من الانصاف, مثلا, توزيع رواتب جيش الموظفين النائمين في منازلهم على نظرائهم الذين يكدحون في الوزارات, والاستغناء عن اولئك من غير المنتجين? فكيف يساوى بين العامل وغير العامل? أليس في هذا ظلم كبير?
أليس, ايضا, من الاولويات, وقبل إثقال كاهل المواطن بالضرائب والرسوم, التي نكرر أنها حق للدولة, ان ينصف وزير المالية المقترضين الذين يكتوون بنار خطأ الحكومة والبنك المركزي والبنوك?! هؤلاء تورطوا في تلك القضية لأن الدولة تخلت عنهم, أكان في ما يتعلق بمن اقترض ليعالج نفسه او ابنه او أمه او غيرهم في الخارج, لعدم قرابته او تحيزه لنائب او وزير او حتى وكيل وزارة, وليس الذين اقترضوا للسياحة او شراء سيارات, ممن تحجج بهم وزير المالية لرفض اسقاط فوائد القروض!
هذه القضية الملحة تحتاج الى نظرة بعين الحكمة, وليس بعين المساومة كما يجري حاليا, لأن انصاف هؤلاء يعني ادراك الدولة لخطأ ارتكب مع سبق الاصرار, ومعالجته تزيل اي احساس بالغبن يؤدي الى خصومة بين المواطنين ودولتهم وولي امرهم.
أليس من العدل ان تعمل الدولة على حل هذه القضية مثلما رضخت لضغط النواب وأغدقت الهدايا الانتخابية عليهم, أكان توظيفا او كوادر او زيادات او هبات?
لتسلك الحكومة طريق الرأفة والعدل مع المظلومين من المقترضين الذين اصبحت قضيتهم بمستوى الكارثة الوطنية, والدولة معنية دستوريا بحماية ومساعدة مواطنيها لتجاوز تلك الكارثة.
لا تضربوا المواطن على بطنه فيما انتم لا توفرون حماية ظهره, ووحدوا المكاييل عبر التخلص من تبعات الممارسات النيابية السابقة التي اوجدت تمييزا بشعا بين المواطنين ادى الى اختلالات تدفع, يوميا, الكويت ثمنها.
نعم, اهلا بالاجراءات التي اقترحها وزير المالية, لكن قبل ذلك لتعمل الحكومة بمبدأ ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء, علها بذلك توفر على الدولة ما يفوق ستة مليارات دينار تنفقها عبثا على موظفي وطلبات نواب الخيبة المبطلين والخارجين على القانون والمجعجعين بلا طحين, بالاضافة طبعا الى معكرونة أحمد باقر.
أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق