أكدت الحكومة أن مرسوم الضرورة 20/ 2012 الذي قصر حق الناخب بالادلاء بصوته لمرشح واحد في انتخابات مجلس الامة، جاء استخداما لسمو الامير الشيخ صباح الاحمد سلطاته الدستورية حفاظا على كيان الدولة ومقتضيات امنها الداخلي والخارجي، بعدما استشعر سموه تلك الاخطار، وتأثيرها الداهم على الكويت.
وقالت ادارة الفتوى والتشريع بمجلس الوزراء في مذكرة دفاعها عن وزيري الداخلية والعدل، ضد طعن النواب السابقين اعضاء كتلة العمل الوطني عبدالله الرومي وعادل الصرعاوي ومرزوق الغانم واسيل العوضي، في المرسوم، أن تقدير حالة الضرورة يعود للأمير وحده الذي يقدر ملاءمة أو عدم ملاءمة استعمال رخصتها التشريعية الاستثنائية وفق احاطة سموه بالظروف المحيطة والملابسات.
واضافت الادارة في المذكرة التي تنشرها «الراي» أن سمو الأمير تحدث في خطاب الحل الثاني لمجلس الامة (مجلس 2009» عن تلك الاخطار حيث لم يفصح سموه عن الخارجي منها حفاظا على علاقات الكويت وغيرها من الدول فيما عدد كثيرا من الاخطار الداخلية، مشيرة إلى أن ما اورده سموه في الخطاب – الذي ضمنته مذكرتها كاملا – من مخاطر تمس كيان الدولة يعتبر اساسا في دفاعها في هذا النزاع، ولاسيما أن تلاحق الاستجوابات لرئيس الحكومة وما رافقها من تجمعات ومظاهرات واقتحام لمبنى مجلس الامة اكدت استحالة التعاون بين الحكومة والمجلس، فتقدمت الحكومة باستقالتها ووضع الامير بين يدي سمو الامير.
وشددت المذكرة على أن جميع المحاكم، بما فيها المحكمة الدستورية، غير مختصة ولائيا بالفصل في هذا النزاع لتعلقه باعمال السيادة التي لا يجوز للمحاكم التصدي لها، مستشهدة بتعريف المحكمة الدستورية لاعمال السيادة بانها كل ما تصدره الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة ادارة لتنظيم علاقاتها بالسلطة العامة الاخرى داخليا، وخارجيا، وان عدم اختصاص سائر المحاكم ولائيا بتقدير مدى وجود الضرورة باعتبار الامر معقودا دستوريا لسمو الأمير، لافتة إلى أن جميع المراسيم التي صدرت جاءت حزمة متكاملة ومترابطة تتمخض اعمالا سياسية اصدرها سمو الامير حفاظا على المصلحة العامة العليا والاساسية للبلاد.
وفندت المذكرة ما جاء في طعن اعضاء كتلة العمل الشعبي، مؤكدة أنه طعن غير مقبول لانه مرفوع من جهات لا يتوافر فيها شرطا الصفة والمصلحة مجتمعين في الطاعن سواء من حيث الطعن في قانون الانتخاب أو نتائج الفرز والتجميع، ولاسيما أن الطاعنين قدموا مجتمعين طلبا ببطلان الانتخابات في الدوائر الاولى والثانية والثالثة دون بيان أو تحديد كل طاعن ودائرته وفقا للقانون 41/ 1962 الذي يؤكد أن الطعن يكون للناخب في دائرته ما يجعل طعنهم غير مقبول، مشيرة إلى أن مرسوم الضرورة ساوى بين الناخبين والمرشحين ولم يمايز بينهم وفقا لسلطة المشرع في اختيار البدائل الملائمة على اسس موضوعية وغايات مشروعة، فيما ذهبت المذكرة إلى أنه لا دليل ماديا على ادعاء الطاعنين بمخالفة المرسوم للعرف الدستوري أو نكوص النظام الديموقراطي أو الاعتداء على حق الاقتراع العام.
واستطردت المذكرة في ردها على الطعن أن ادعاء الطاعنين بان النائب يمثل الامة بأسرها مردود لان المحكمة الدستورية اكدت أن عضو مجلس الامة مستقل تماما عن ناخبيه وليس اسيرا لمؤيديه في الدائرة.
اما في موضوع عدم اكتمال اهلية الحكومة لاصدار المرسوم كونها لم تؤد اليمين الدستورية امام مجلس الامة، فقد لفتت المذكرة إلى أن حل المجلس تم لتعذر عقد جلساته، مما يجعل من الاستحالة اداء الحكومة اليمين امامه، وبالتالي لا تكليف بمستحيل.
وخلصت المذكرة إلى الطلب من المحكمة اصليا الحكم بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الطعن، واحتياطيا بعدم قبوله ورفض الطعن بعدم دستورية القانون، وفيما يلي تفاصيل الرد الحكومي عبر ادارة الفتوى والتشريع:
وقائع التداعي وملابساته
يتعين- قبل ان نعرض لدفاعنا، ان نبين حقيقة وطبيعة وقائع التداعي والظروف الملابسة لها، التي اوجبت التدخل من سمو امير البلاد رئيس الدولة، مستخدما في ذلك اختصاصاته الدستورية، باصدار العديد من الاعمال السياسية، للحفاظ على كيان الدولة ومقتضيات امنها الخارجي والداخلي، لتحقيق المصالح العامة العليا للدولة والاساسية لجموع الشعب، وذلك تمهيدا لعرض تفصيلات دفاعنا في هذا النزاع.
الوقائع التي اوجبت استخدام سمو الامير لسلطاته الدستورية باصدار عدة اعمال سياسية للحفاظ على كيان الدولة ومقتضيات امنها الخارجي والداخلي لتحقيق المصالح العامة العليا والاساسية:
أولا: في أعقاب مانسب الى بعض اعضاء مجلس الامة لعام 2009 من تضخم حساباتهم لدى البنوك وتحقيقات النيابة العامة في شأنها التي اطلق عليها (الايداعات المليونية)، مع تلاحق الاستجوابات غير المبررة لكل من سمو الشيخ رئيس مجلس الوزراء والوزراء في ذلك الوقت، ما استحال معه قيام التعاون المنشود بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وما صاحب كل ذلك من تجمعات ومظاهرات ومسيرات واقتحام لمبنى مجلس الامة من بعض المواطنين، تقدم سمو رئيس مجلس الوزراء مع وزرائه باستقالتهم الى سمو الامير رئيس الدولة، وبتاريخ 2011/11/28 صدر الامر الاميري بقبولها مع تكليفهم بالاستمرار في تصريف العاجل من شؤون مناصبهم لحين تشكيل الوزارة الجديدة ، واعقب ذلك صدور امر اميري بتاريخ 2011/11/30 بتعيين رئيس آخر لمجلس الوزراء غير المستقيل مع تكليفه بترشيح اعضاء الوزارة الجديدة تمهيدا لاصدار مرسوم تعيينهم، ثم صدر المرسوم رقم 443 لسنة 2011 بحل مجلس الامة للعام 2009 بتاريخ 2011/12/6 للمرة الأولى، وذلك- بناء على ما ورد بديباجته «ازاء ما آلت اليه الامور وادت الى تعثر مسيرة الانجاز وتهديد المصالح العليا للبلاد، ما يستوجب العودة الى الامة لاختيار ممثليها لتجاوز العقبات القائمة وتحقيق المصلحة الوطنية»، ثم صدر المرسوم رقم 447 لسنة 2011 بدعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة، وتمت عملية الانتخاب في 2012/2/2، وتشكل مجلس الامة الاول للعام 2012 بناء عليها.
ثانيا: قام بعض المواطنين بالطعن في المرسوم رقم 443 لسنة 2011 بحل مجلس امة عام 2009 امام المحكمة الدستورية، وبجلسة 2012/6/20 قضت هذه المحكمة في الطلبين المقيدين بسجلاتها برقمي 5 و29 لسنة 2012 (طعون خاصة بانتخابات مجلس الامة عام 2012) والطلبين المقيدين بسجلاتها برقمي 6 و30 لسنة 2012 (طعون خاصة بانتخابات مجلس الامة عام 2012) بالآتي: «حكمت المحكمة: بإبطال عملية الانتخاب برمتها، التي اجريت بتاريخ 2012/2/2 في الدوائر الخمس، وبعدم صحة عضوية من اعلن فوزهم فيها، لبطلان حل مجلس الامة وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة والتي تمت على اساسها هذه الانتخابات، مع ما يترتب على ذلك من آثار، اخصها ان يستعيد المجلس المنحل- بقوة الدستور- سلطته الدستورية كأن الحل لم يكن، وذلك على النحو الموضح بالاسباب».
ثالثا: قام حكما المحكمة الدستورية المشار اليهما على وجود عوار لحق باجراءات استصدار مرسوم حل مجلس أمة 2009، دون ان يمس السلطة التقديرية المطلقة لسمو امير البلاد رئيس الدولة في اصدار هذا المرسوم ولا في مقتضيات اعماله، باعتباره – باجماع الفقه والقضاء الدستوريين- عملا سياسيا من قبيل اعمال السيادة التي تخرج عن نطاق ولاية كافة المحاكم.
رابعا: وفي اعقاب صدور حكمي المحكمة الدستورية المنوه عنهما وحل مجلس الامة الاول لعام 2012 وعودة مجلس أمة 2009، عادت التجمعات والمسيرات والمظاهرات في الشوارع والساحات من بعض المواطنين يقودهم بعض اعضاء مجلس الامة الاول للعام 2012 اعتراضا على الحكمين سالفي الذكر، فضلا عن امور اخرى، وذلك لاسباب ردودها معلومة للكافة ومازالت هذه التجمعات والمسيرات والماظهرات قائمة منذ ذلك الحين وحتى الآن.
خامسا: بعد ان استعاد مجلس الامة الاول لعام 2009 سلطته الدستورية بقوة الدستور وكأن حله لم يكن تنفيذا لحكمي المحكمة الدستورية المشار اليهما، صدر المرسوم رقم 241 لسنة 2012 بحل مجلس الامة المذكور للمرة الثانية، بسبب «تعذر عقد جلسات مجلس الامة لعدم اكتمال النصاب القانوني اللازم لعقدها»، وذلك وفقا لما ورد بديباجة ذلك المرسوم، ومن ثم كان من اللازم على السلطة التنفيذية ان تسارعالى اتخاذ الاجراءات الدستورية اللازمة لدعوة الناخبين الى اختيار اعضاء مجلس أمة جديد في خلال شهرين من تاريخ صدور المرسوم المنوه عنه، طبقا لحكم المادة 107 من الدستور، حتى تنهض السلطة التشريعية بمهامها الدستورية حفاظا على الصالح العام لا سيما وان التجمعات والمسيرات والمظاهرات لم تتوقف بل ازداد الامر سوءا على سوئه.
سادسا: ولمواجهة هذه الاحداث ولضبط الامور في الدولة حفاظا على المصالح العامة العليا والاساسية وجه حضرة صاحب السمو امير البلاد كلمة لاخوانه وابنائه المواطنين بتاريخ 2012/10/19 آثرنا ايرادها بالكامل وحرفيا، لما كشفت عنه من المخاطر الخارجية والداخلية التي تمس كيان الدولة، باعتبارها اساس دفاعنا في هذا النزاع.
كلمة الأمير في الحل الثاني لمجلس 2009
وقد وردت هذه الكلمة على النحو الآتي:
بسم الله الرحمن الرحيم «ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين»
صدق الله العظيم
بسم الله استعين به وأتوكل عليه وأصلي وأسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخواني وأبنائي الأعزاء.
أحبائي أبناء وبنات وطني.
لقد تابعت كما تابعتم ما شهدته ديرتنا الحبيبة في الآونة الأخيرة من أحداث كانت وما زالت مبعث حزن وألم وقلق شديد لي ولكم جميعا بغير شك أقول الحزن: لما أراه من نذر فتنة هوجاء توشك أن تعصف بوطننا وتقضي على وحدتنا وتشوه هويتنا وتمزق مجتمعنا وتحيلنا إلى فئات متناثرة وأحزاب متناحرة وطوائف متعارضة وجماعات متضاربة كل واحدة تتربص بأختها تناصبها الشر والعداوة والبغضاء.. أرى ذلك وأتساءل متعجبا.. هل هذه هي الكويت.. التي كانت مثالا للتلاحم والتراحم والتكافل وكان أهلها إذا أصابت أحدهم محنة تداعى الجميع لنجدته ومساعدته بالجهد والمال حتى يخرج من محنته ويقف على رجليه.
وأقول الألم: لما أراه من إسفاف مقيت في لغة الخطاب وانحدار مشين في أخلاقيات التعامل والعمل العام وخروج صارخ على القيم الموروثة والآداب المعهودة وفجور في الخصومة ورفض لحق الاختلاف وعدم احترام الرأي الآخر وتشنج في المواقف وغلو في التطرف واستمراء لنهج الفوضى والشغب وتجاوز لكل الحدود المألوفة وتماد في التطاول ومجافاة لقوله تعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم) ودعوة رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) حيث قال «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه» وخاصة عندما يصدر ذلك من أناس يفترض أن يكونوا قدوة حسنة لمن سواهم.
أرى كل ذلك وأتساءل متعجبا هل هكذا أهل الكويت المشهود لهم بعفة اليد واللسان بما جبلوا عليه من صدق الانتماء والولاء للوطن وتمسك بثوابتهم الوطنية بما عرف عنهم من السماحة والرقي والاعتدال وحرص على قيم الاحترام ومراعاة مشاعر الآخرين؟
أما القلق: فعلى مصير ديرتنا ومستقبل أحفادنا إذا ظل هذا شأننا واستمر بأسنا بيننا.. لقد عاشت الكويت مئات السنين واحة أمن وأمان واستقرار بلدة طيبة ورب غفور وعاش أهلها في حرية وتعاون وتراحم رغم شظف العيش وقسوة الطبيعة والان وقد أفاء الله علينا بفيض نعمه وأغدق علينا بنعيم فضله هل نترك لأجيالنا القادمة دولة آمنة مستقرة مزدهرة تعيش في أمن ورخاء أم نترك لهم مجتمعا ممزقا متناحرا محروما من الأمن والأمان والرخاء هل نسلم الراية لمن بعدنا عالية خفاقة؟ أم ممزقة مجرحة مهلهلة؟
اخواني وابنائي،
هذه حالنا اليوم نمسي على أزمة ونصبح على أزمة أخرى نخرج من مشكلة لندخل في مشكلة أخرى الشعوب تتحرك والدول تتقدم ونحن جامدون نراوح في مكاننا إن لم نتراجع إلى الوراء نعم هناك قصور وهناك إخفاقات تشوب العمل في العديد من الأجهزة الحكومية كما هو الحال في دول أخرى ولكن كيف السبيل إلى الإصلاح وهذه المشاكل المصطنعة والأزمات المفتعلة لا تبقي للمسؤولين جهدا ولا تذر لهم وقتا لمواجهة الأخطار الخارجية المحيطة بنا أو معالجة الأخطاء التي تعرقل تقدم مسيرتنا إلى اللحاق بالركب الحضاري العالمي وتحقيق التنمية الشاملة والإصلاح الكامل والقضاء على مظاهر الفساد وأسبابه والارتقاء بالخدمات العامة من صحة وتعليم وكهرباء ومياه وإسكان وطرق إلى المستوى الذي يليق ببلدنا وشعبنا وإيجاد آلاف فرص العمل لشبابنا الذين يستقبلهم سوق العمل كل عام.
إخواني وأبنائي،
من المؤسف والمؤلم أن هذه الأزمات التي تشل بلدنا وتهدد أمننا وتعطل أعمالنا هي من صنع نفر من أبنائنا توسمتم فيهم خيرا وعقدتم عليهم الأمل ليشاركوا في مسؤولية مسيرتنا الوطنية متعاونين مع إخوانهم في الحكومة نحو غد أفضل لبلدنا ومجتمعنا ولكن هناك من يتعمد وضع العصي في الدواليب وعرقلة المسيرة يصر على فرض إرادته ورأيه على الجميع محاولا تكريس قيم ومفاهيم غريبة على مجتمعنا ممعنا في التطرف والتهور يرفض الحوار ويلغي الآخرين ويوزع صكوك الوطنية ويطلق وصايته المطلقة على الدستور منتهكا جميع الثوابت والأعراف الوطنية الراسخة لا يريد التفاهم ولا يقبل التوافق يتخذ من الشوارع والساحات منبرا للإثارة والشحن والتحريض ويحاول دفع الشباب نحو منزلقات الضياع والضلال غير عابئ بأمن البلاد وسلامة أهلها.
ليعلم الجميع أن الكويت دولة قانون ومؤسسات نظام الحكم فيها ديمقراطي يسودها القانون قضاؤها مستقل يحكمها الدستور الذي ينص على «فصل السلطات مع تعاونها. السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقا للدستور والسلطة التنفيذية يتولاها الأمير ومجلس الوزراء والوزراء على النحو المبين بالدستور والسلطة القضائية تتولاها المحاكم باسم الأمير وفي حدود الدستور». وقد أثبتت الأيام أن قضاءنا مستقل مشهود له بالأمانة والنزاهة.
ويجب ألا نتوجس خيفة من نعمة الاختلاف في وجهات النظر حول مختلف المسائل الوطنية غير أن صلاح الاختلاف قائم على ايجابية الحوار والالتزام بآدابه والارتقاء بأساليبه والرغبة الصادقة في إيجاد أفضل الحلول بعيدا عن أجواء الشحن والإثارة ومظاهر الإقصاء والتخوين حريصين على تحصين ثوابتنا والنأي بها عن تبعات السجالات السياسية ومزالقها.
هذا هو التعامل الحضاري الراقي وهذه هي قيم وتراث المجتمع الكويتي التي تكفل التوصل إلى الكلمة السواء التي تحفظ أمن الوطن وتحقق مصلحته وتصون ثوابته.
إخواني وأخواتي وأبنائي،
لا حاجة للتأكيد بأن إيماننا بالنهج الديموقراطي ثابت لا حياد عنه وأن التزامنا بالدستور راسخ لا تردد فيه وأن المجتمعات الواعية الحية هي التي تستفيد من أخطائها وتصحح مسيرتها وتتجاوز عثراتها وتتعظ من تجارب غيرها وتختار ما يناسبها ويتفق مع معطياتها وظروفها وإمكاناتها وتطلعاتها.
وقد جاء القانون رقم 42 لسنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية مستهدفا معالجة السلبيات التي شابت النظام الانتخابي السابق عن طريق تقليص عدد الدوائر الانتخابية وزيادة القاعدة الانتخابية بكل دائرة. ولئن تحققت بعض الجوانب الإيجابية لهذا النظام التي لا يمكن إغفالها إلا أن المتابع لآثار ونتائج التطبيق العملي لهذا النظام عبر ثلاثة مجالس نيابية متعاقبة يلحظ جملة من الاختلالات والأمراض التي شابت جميع تلك المجالس وباتت تشكل خطرا جسيما على وحدتنا الوطنية وتهدد أمننا الوطني وتخل بثوابتنا وقيمنا فأدت إلى تفشي العصبيات الفئوية والاصطفاف القبلي والطائفي على حساب الولاء للوطن وبروز التحالفات المصلحية البعيدة عن مصلحة الوطن إلى جانب الإقصاء الدائم للعديد من الشرائح الاجتماعية عن التمثيل البرلماني.
وانطلاقا من المسؤولية التي استشعرها تجاه ما يهدد مصلحة البلاد حاضرا ومستقبلا فقد كان لدي هاجس دائم ورغبة جادة في تحقيق الإصلاح المنشود لنظامنا الانتخابي القائم وتصحيح ما يشوب الممارسة البرلمانية من عيوب ومثالب وقد أكد قناعتي ما لمسته خلال لقاءاتي العديدة مع شرائح واسعة من الأخوة المواطنين من انتقاد للنظام الانتخابي وعلى الأخص ما يتصل بآلية التصويت فيه بما أسفر عنه من نتائج تجافي العدالة والتمثيل الصحيح لأطياف المجتمع الكويتي في البرلمان ومساس مرفوض بوحدتنا الوطنية وانعكاس كل ذلك على أداء المجلس وانحرافه في أداء مهامه ومسؤولياته.
وقد أصبح إصلاح الوضع استحقاقا وطنيا حتميا تستوجب الضرورة مواجهته ومعالجته بالسرعة اللازمة، إلا أن ما أثاره أخيرا العديد من الخبراء الدستوريين والمتخصصين حول عدم دستورية النظام الانتخابي القائم وما اتصل به من شبهات، قد استوقفني عن إجراء التعديل اللازم تجنبا لما قد يؤدي إلى فوضى قانونية وإرهاق سياسي إذا ما حكمت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته.
واليوم وبعد أن أصدرت المحكمة الدستورية حكمها الحاسم الذي يسمح بإجراء التعديل الضروري اللازم للنظام الانتخابي فقد استخرت الله جل وعلا وتحملا لمسؤوليتي أمام الله ثم أمام أهل الكويت الأوفياء.
واستجابة للضرورة الملحة التي استوجبت اللجوء لاتخاذ هذا القرار، بما لا يسمح بأي تسويف أو تأجيل وتفعيلا لسلطاتي الدستورية فقد وجهت الحكومة بحتمية صدور مرسوم بقانون لإجراء تعديل جزئي في النظام الانتخابي القائم يستهدف معالجة آلية التصويت فيه لحماية الوحدة الوطنية وتعزيز الممارسة الديموقراطية ويحقق تكافؤ الفرص والتمثيل المناسب لشرائح المجتمع، مؤكدا ثقتي بأن يتناول مجلس الأمة المقبل مراجعة هذا القانون مراجعة شاملة، بما تستوجبه الضرورة من معالجة الجوانب السلبية الأخرى التي تشوبه تحقيقا للغايات الوطنية المنشودة، فلن يعذرنا التاريخ إن تهاونا أو تراخينا في مواجهة ما يهدد وطننا من مخاطر ومحاذير.
وفي هذا الإطار وحرصا على دفع عجلة الإصلاح فقد وجهت الحكومة أيضا الى اعداد مرسوم بقانون بانشاء اللجنة الوطنية للانتخابات وتنظيم الحملات الانتخابية لضمان نزاهة العملية الانتخابية ومرسوم بقانون في شأن نبذ الكراهية وحماية الوحدة الوطنية ومرسوم بقانون بشأن مكافحة الفساد وهي في طريقها للصدور.
اخواني واخواتي، أبنائي وبناتي.
إن عظم المسؤولية وثقل الأمانة والثقة الغالية لأهل الكويت الكرام تقتضي منا الكثير من الجهد والصبر والحكمة وإنني على يقين ثابت بأنكم تعلمون تماما بأن ما يحكم أعمالنا وتوجهاتنا واجتهاداتنا هو مصلحة الكويت وأهلها أولا وأخيرا، ولذا فإنني أتحدث من موقع المسؤولية، أخاطبكم كأب مسؤول عن أسرته وأبنائه فكل الكويتيين أبنائي وكل كويتي لبنة مهمة في بناء صرحنا الوطني المتماسك ولن أقبل أن يمس أي منهم ضرر أو سوء وقبل ذلك لن أسمح بأي شر يطول كويتنا الغالية وينال من أمنها الوطني واستقرارها وسلامة وأمن أهلها الأوفياء.
إن من أولى واجباتي أن أعمل للحفاظ على أمن الوطن واستقراره وتعزيز وحدتنا الوطنية وهي مسؤوليتي أمام الله ثم أمام أهل الكويت الأوفياء الذين أقدر ثقتهم الغالية وهي مسؤولية وطن وثقة شعب في أن تظل الكويت دائما الحصن الحصين والملاذ الخالد نبذل الروح لحمايتها ونضحي بالغالي والنفيس من أجل سلامتها ووحدتها ورفعتها.
إن هناك خطا فاصلا يتوجب على الجميع إدراك أبعاده واحترام حدوده يفرق بين الخير والشر وبين الحرية والفوضى بين النصيحة الصادقة والبذاءة والتجريح وبين سيادة القانون وشريعة الغاب بين الحراك الايجابي البناء وبين الانقياد وراء معاول الهدم والتخريب ويفصل كذلك بين التسامح والحلم والحكمة وبين التهاون والضعف والتسيب.
ان التهاون ازاء الانحرافات المهلكة والمدمرة تحت أي مبرر إخلال بالمسؤولية وتفريط بالأمانة والثقة الغالية لا مجال لقبوله والسماح باستمراره وسيكون صوت القانون عاليا وحازما في التصدي لأي ممارسات يجرمها القانون وتمس أمن البلاد والمواطنين وثوابتها الوطنية ولن يكون أحد فوق القانون وعلى الجميع تقع مسؤولية تحكيم العقل والحكمة وتغليب المصلحة الوطنية العليا على باقي المصالح لنعبر بوطننا إلى بر الأمان وأعاهدكم بأن تبقى كويتنا الغالية واحة الأمن والأمان دولة القانون والمؤسسات ملتزمة بثوابتها الوطنية وبقيمها الحضارية قادرة على مواجهة أعباء الحاضر وتحديات المستقبل بسواعد أبنائها البررة يعملون متكاتفين متعاونين رائدهم دائما مصلحة الكويت أولا وأخيرا.
هي دعوة خالصة من القلب أقولها بكل صدق وجد اتقوا الله في الكويت أمكم وديرتكم اتقوا الله في أهل الكويت ابائكم وإخوانكم اتقوا الله في أجيال الكويت القادمة أبنائكم وأحفادكم اتقوا الله في أنفسكم لا تأخذكم العزة بالإثم انظروا للمستقبل ودائما وأبدا ضعوا مصلحة الكويت فوق كل اعتبار وهي تستحق منا كل جهد وتضحية.
ولكننا لن نقبل أبدا بتهديد أمن الكويت وإرهاب أهلها وتعطيل مسيرتها.
– لن نقبل بفوضى الشارع وشغب الغوغاء أن تشل حركة الحياة والعمل في البلاد.
– لن نسمح لبذور الفتنة أن تنمو في أرضنا الطيبة.
– لن نقبل بثقافة العنف والفوضى أن تنتشر بين صفوف شعبنا المسالم.
– لن نقبل بتضليل الشباب المخلصين بالأوهام والافتراءات.
– لن نقبل باختطاف إرادة الأمة بالأصوات الجوفاء والبطولات الزائفة.
أسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا سواء السبيل وأن يؤيدنا بتوفيق من عنده وأن يعصم قلوبنا عن الأهواء وأن يحفظ وطننا من كل سوء ومكروه اللهم عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
سابعا: وتنفيذ للتوجيه السامي لحضرة صاحب السمو الامير في خطابه سالف البيان، لمواجهة كل من الاخطار الخارجية المحيطة بدولة الكويت التي اشار سموه الى وجودها صراحة في ذلك الخطاب، وان كان قد احجم عن الافصاح عن تفاصيلها لاسباب قدرها تتعلق بالمصالح العامة العليا والاساسية، وكذلك الاخطار الداخلية التي عدد الكثير منها ولم يحصرها بكاملها في كلمته المشار اليها لذات اسباب عدم افصاحه عن تفصيلات الاخطار الخارجية، وصدر المرسومان بالقانونين والمرسوم التالي ذكرهم:
(مرسوم الصوت الواحد)
الأول: مرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بتعديل القانون رقم 42 لسنة 2006 باعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة، ونص في مادته الاولى على ان «يستبدل بنص المادة الثانية من القانون رقم 42 لسنة 2006 المشار اليه النص التالي: «تنتخب كل دائرة عشرة اعضاء للمجلس، على ان يكون لكل ناخب حق الادلاء بصوته لمرشح واحد في الدائرة المقيد فيها، ويعتبر باطلا التصويت لاكثر من هذا العدد».
وقد أبانت المذكرة الايضاحية للمرسوم المشار اليه الاغراض التي استهدفها المشرع من اصداره بالقول:
صدر القانون رقم 42 لسنة 2006 باعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة، وبمقتضاه قسمت الكويت الى خمس دوائر انتخابية، على ان تنتخب كل دائرة من هذه الدوائر عشرة اعضاء لمجلس الامة، ونص القانون في مادته الثانية على ان «تنتخب كل دائرة عشرة اعضاء للمجلس، على ان يكون لكل ناخب حق الادلاء بصوته لاربعة من المرشحين في الدائرة المقيد فيها، ويعتبر باطلا التصويت لاكثر من هذا العدد»، وقد جرت الانتخابات للفصول التشريعية الاخيرة على اساس هذا التقسيم، غير انه ومن خلال الممارسة الفعلية للانتخابات البرلمانية للفصول التي اجريت فيها الانتخابات وفق القانون رقم 42 لسنة 2006 برز العديد من السلبيات والمثالب المتعلقة بالعملية الانتخابية التي هددت وحدة الوطن ونسيجه الاجتماعي، الامر الذي استوجب اعادة النظر في هذه المادة لمعالجة اوجه القصور والسلبيات التي تشوبها، للحد من اثارها والارتقاء بالممارسة البرلمانية لتحقيق الغايات الوطنية المنشودة واهمها تحقيق المشاركة الفعالة لجميع ابناء الوطن في ادارة شؤون البلاد وبما يحافظ على وحدة الوطن والقضاء على امراض العصبية الفئوية ومظاهر الاستقطاب الطائفي والقبلي التي تضعف مقومات الوحدة الوطنية وتؤدي الى فرقة المجتمع وتفتيته وتخل بتمثيل البرلمان للامة تمثيلا صحيحا.
وبعد الدراسة المتأنية والعميقة وتحقيقا للمصلحة الوطنية استقر الرأي على تعديل نص المادة الثانية من القانون على ان يكون لكل ناخب حق الادلاد بصوته في الدائرة المقيد بها، لمرشح واحد فقط وان يعتبر باطلا التصويت لاكثر من هذا العدد، وذلك بما يضمن التمثيل المتوازن لكافة شرائح المجتمع الكويتي وفئاته ويحد من احتمالات الاحتكار الفئوي والقبلي في الدوائر الانتخابية اذا ترك الامر دون تقييد.
وقد استهدف ذلك التعديل ترسيخ المفاهيم الدستورية والديموقراطية الحقة، وبما يعزز مقومات الوحدة الوطنية ويكرس تلاحم المجتمع الكويتي وتماسكه المعهود لاسيما وانه قد جاء في اطار المبادئ والقواعد الدستورية المستقرة التي تمنح المشرع سلطة تقديرية في مجال تنظيم الحقوق في اختيار النظام الاكثر ملاءمة وتحقيقا للاغراض المتوخاة وذلك في ظل ما انتهت اليه المحكمة الدستورية في حكمها الصادر بجلسة 2012/9/25 بأن تعديل قانون اعادة الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة لتلافي جميع المطاعن التي توجه اليه يكون بالاداة الدستورية المقررة.
وتحقيقا لهذا الغرض فقد اعد المرسوم بقانون المرافق ليصدر على وجه الاستعجال طبقا لحكم المادة 71 من الدستور، وذلك حتى يمكن العمل به خلال الانتخابات العامة المقرر اجراؤها للفصل التشريعي الرابع عشر».
اللجنة العليا للانتخابات
الثاني: مرسوم بقانون رقم 21 لسنة 2012 بانشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات وبتعديل بعض احكام القانون رقم 35 لسنة 1962 في شأن انتخابات اعضاء مجلس الامة، نص في مادته الاولى على ان: «تنشأ لجنة تسمى (اللجنة الوطنية العليا للانتخابات) تتولى الاشراف على الانتخابات وتنظيم الحملات الانتخابية، بالتنسيق مع الجهات الحكومية وغير الحكومية والمعنية بالانتخابات، وتشكل اللجنة من تسعة مستشارين برئاسة اقدمهم يرشحهم المجلس الاعلى للقضاء، وذلك ضمنانا للحيدة والتجرد، كما ابانت المواد التالية منه عن اختصاصات هذه اللجنة التي تبدأ بتلقي الترشيحات مع التحقق من توافر الشروط القانونية في المرشحين حتى تمام اعلان نتائج الانتخابات».
وقد ابانت المذكرة الايضاحية للمرسوم المشار اليه الاغراض التي استهدفها المشرع من اصداره بالقول:
«صدر القانون رقم 35 لسنة 1962 في شأن انتخابات مجلس الامة، وجرى عليه العديد من التعديلات لمواجهة ما كان يتسجد من ظروف واحداث اقتضت اجراء هذه التعديلات.
واذا كانت البلاد في الفترة الحالية بعد حل مجلس الامة دورة 2009 على مشارف انتخابات جديدة في ظروف يتطلع فيها المجتمع الى ضرورة تحقيق المزيد من النزاهة والشفافية في هذه الانتخابات لتكريس الثقة في اجراءاتها وطمأنة المجتمع الى صحة نتائجها وامانة تعبيرها عن الارادة الحقيقية للناخبين.
واذا كان القانون هو اداة الدولة لتحقيق ما يتطلبه المجتمع تحقيقا للصالح العام للبلاد، وحرصا من الدستور على الا يتعطل اصدار القوانين حتى في حالة غياب مجلس الامة فيما بين ادوار الانعقاد او عند حله، فأجاز في المادة 71 منه اصدار مراسيم لها قوة القانون اذا حدث مايوجب الاسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير على الا تكون مخالفة للدستور او للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية.
واذا كانت مصلحة الدولة العليا تستوجب في هذه الفترة الدقيقة التي تمر بها البلاد، الاسراع في اصدار تشريع يلبي الحاجة الملحة لانشاء كيان وطني موحد ومستقل تحت مسمى اللجنة الوطنية العليا للانتخابات يتولى الاعداد والاشراف على العمليات الانتخابية، على نحو يحقق مقاصد المجتمع واهدافه وما يقتضيه ذلك من ضرورة تعديل بعض احكام قانون انتخابات مجلس الامة تحقيقا للاهداف ذاتها.
لذلك اعد مشروع المرسوم بقانون المرافق ناصا في مادته الاولى على انشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات وتشكيلها من كبار رجال القضاء يرشحهم المجلس الاعلى للقضاء وذلك ضمانا للحيدة والتجرد، كما تنص على انشاء امانة عامة للجنة لمعاونتها في اداء مهامها.
وحددت المادة الثانية منه اختصاصات اللجنة التي روعي فيها تحقيق اكبر قدر من النزاهة والشفافية في العملية الانتخابية بجميع مراحلها ومشاركة منظمات المجتمع المدني الكويتية والدولية ذات الصلة بالانتخابات، واعداد تقرير نهائي عن سير العملية الانتخابية تضمنه مقرحاتها لتطويرها، كما اجازت المادة الثالثة تشكيل لجان فرعية لمعانتها في اداء بعض مهامها والاستعانة بالمختصين من مختلف الجهات، بما فيها جمعيات النفع العام الاهلية بالانتخابات وذلك لمتابعة سير العملية الانتخابية.
ونصت الفقرة الثالثة من المادة 35 علي توحيد ميعاد بدء فرز الاصوات في جميع اللجان بحيث يتم بعد اعلان ختام عملية الانتخاب في الدائرة بأكملها.
ورغبة في تحقيق المزيد من الشفافية والعلانية في اجراءات فرز صناديق الانتخاب، فقد نصت المادة 36 علي تمكين جميع الحاضرين في لجنة الانتخاب من رؤية اوراق الانتخاب عند الفرز وعرض نسخة من جدول نتائج الفرز لتمكين جميع الحاضرين من الاطلاع عليها.
وعلى ذات النهج فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 36 مكررا على ان تعرض نسخة من جدول نتائج الفرز التجميعي لتمكين جميع الحاضرين من الاطلاع عليه.
ونصت الفقرات المعدلة من المادة 39 من القانون على ان تقوم اللجنة الرئيسية باعداد صورتين لاصل محضر نتيجة الانتخاب بدلا من صورة واحدة وذلك لتسليم الصورة الاولى الى الامانة العامة لمجلس الامة مع صناديق الانتخاب، بينما تسلم الصورة الثانية الى اللجنة الوطنية العليا للانتخابات حتى يستنى لها نشر النتيجة العامة للانتخابات في جميع الدوائر، كما تضمن هذا التعديل النص على ان يكون لرئيس اللجنة بالتنسيق مع الجنة العليا للانتخابات تعديل اعلان النتيجة اذا كان هذا التعديل مرده الى اخطاء مادية او حسابية فقط في عملية جمع الاصوات مع اتاحة الفرصة للمرشحين او من ينوب عنهم من وكلائهم او مندوبيهم لحضور الاجتماع الذي يخصص لهذا الغرض.
الثالث: مرسوم رقم 258 لسنة 2012 بدعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة يوم السبت 17 من محرم 1434هـ الموافق 1 ديسمبر 2012م، وقد اجريت هذه الانتخابات بالفعل في هذا التاريخ ونشأ مجلس امة جديد اخر لعام 2012، وفقا لاحكام المرسومين بقانونيين رقمي 20 و21 لسنة 2012 سالفي الذكر.
ثامنا: يتضح من سرد الوقائع السابقة مايلي:
أ – وجود اخطار خارجية وداخلية تمس كيان الدولة والامن الاجتماعي والاقتصادي فيها، من واقع خطاب سمو امير البلاد المؤرخ 2012/10/19 وقد اثر سموه عدم الافصاج عن الخارجية منها لامور قدرها حفاظا على علاقات دولة الكويت مع غيرها من الدول، في حين عدد الكثير من الاخطار الداخلية وان كان لم يحصرها بالكامل يقينا لاعتبارات وملاءمات لم يشأ بيانها علانية حرصا منه على العلاقات والروابط بين افراد الشعب في الداخل.ب – استوجبت المخاطر الخارجية والداخلية المشار اليها التدخل الحاسم لسمو الامير رئيس الدولة، عن طريق استخدام حقوقه المنصوص عليها في الدستور، واصدر توجيهاته في خطابه المؤرخ 2012/10/19 لمواجهة تلك المخاطر الخارجية والداخلية للحفاظ على المصالح العامة العليا والاساسية للدولة.
ومن ثم – وبعد ان اصدر سموه المرسوم رقم 241 لسنة 2012 بحل مجلس امة عام 2009 للمرة الثانية، وهو الذي عاد بحكمي المحكمة الدستورية – سالفي الذكر – قام باصدار مرسوم بالقانون رقم 20 لسنة 2012 بتعديل القانون رقم 42 لسنة 2006 باعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة مستهدفا الحفاظ على الامن والسلام الاجتماعي، وحتى تكون عملية انتخاب اعضاء مجلس الامة الجديد اكثر تعبيرا عن واقع ومفردات مكونات الارادة الشعبية.
وتبع ذلك اصداره المرسوم بالقانون رقم 21 لسنة 2012 بانشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات وبتعديل بعض احكام القانون رقم 35 لسنة 1965 في شأن انتخابات اعضاء مجلس الامة حرص فيه على أن يكون تشكيل هذه اللجنة من مستشارين يختارهم المجلس الاعلى للقضاء ضمانا للحيدة والنزاهة، كما ناط بتلك اللجنة الاشراف على العملية الانتخابية برمتها من بدايتها إلى نهايتها، كما راعى تحقيق اكبر قدر من النزاهة والشفافية في العملية الانتخابية بجميع مراحلها بإشراك منظمات المجتمع المدنية الكويتية والدولية ذات الصلة بالانتخابات.
ثم أعقب ذلك اصداره المرسوم 258 لسنة 2012 بدعوة الناخبين لانتخابات اعضاء مجلس الامة اعمالا لاحكام المادة 107 من الدستور التي اوجبت اجراء الانتخابات لاعضاء مجلس الامة الجديد في خلال شهرين من تاريخ حل مجلس الامة السابق (مجلس 2009) حتى تنهض السلطة التشريعية لمباشرة مهامها الدستورية، وتتكامل بذلك سلطات الدولة الثلاث.
ج – ويتضح من كل ما تقدم أن جميع المراسيم بالقوانين والمراسيم السابقة، انما صدرت كحزمة متكاملة ومترابطة تتمخض – بيقين ودون ادنى لبس – اعمالا سياسية اصدرها سمو أمير البلاد رئيس الدولة، للحفاظ على مقتضيات الامن الخارجي والداخلي للدولة بهدف تحقيق المصالح العامة العليا والاساسية للبلاد.
من أعمال السيادة
أولا: عدم اختصاص سائر المحاكم ولائيا، بما فيها المحكمة الدستور، بالفصل في هذا النزاع، لتعلقه باعمال سياسية من قبيل اعمال السيادة التي لا يجوز للمحاكم التصدي لها، وفقا لحكم المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن تنظيم القضاء:
«جرى قضاء المحكمة الدستورية على أنه من المقرر أن «أعمال السيادة – كما عرفها القضاء – هي تلك الاعمال التي تصدر عن الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة ادارة، فتباشرها بمقتضى هذه السلطة العليا لتنظيم علاقتها بالسلطات العامة الأخرى، داخلية كانت ام خارجية، أو تجريها اضطرارا للمحافظ على كيان الدولة في الداخل أو الذود عن سيادتها في الخارج، وهذه الاعمال وان كانت لا تقبل الحصر والتحديد، الا أن المستقر عليه أن المرد في تحديدها يرجع إلى السلطة التقديرية للقضاء وحده، ليقرر ما يعتبره من اعمال السيادة وما لا يعتبر منها بحسب ظروف وطبيعة كل عمل من تلك الاعمال والتي يجمعها اطار هي انها تصدر عن الدولة بما لها من سلطة عليا وسيادة في الداخل والخارج مستهدفة تحقيق مصلحة الجماعة، ويندرج ضمن اعمال السيادة الاعمال المنظمة لعلاقة الحكومة بالسلطة التشريعية ومنها استعمال السلطة التنفيذية لحقوقها المتعلقة بالتشريع، كاقتراح القوانين، كما تدخل فيها المسائل السياسية التي تعد المجال الحيوي والطبيعي لنظرية اعمال السيادة، وهذه الاعمال قد تكون قوانين مباشرة من الهيئة التشريعية، بما ذهب معه القضاء الدستوري المقارن إلى القول ان مجال تطبيق نظرية اعمال السيادة صار ممتدا ليشمل النصوص التشريعية ولم يعد يقتصر على الاعمال الادارية، كما أن هذه النظرية هي نظرية مرنة ومتطورة تستجيب للدواعي والظروف القائمة في الدولة وقت تقدير العمل الذي يدور حوله النزاع، ولارتباط ذلك بسيادة الدولة العليا واحوالها الاجتماعية والاقتصادية المتغيرة، واذ كانت نظرية اعمال السيادة هي في اصلها قضائية النشأة وولدت في ساحة القضاء الاداري المقارن وتطورت به قواعدها إلا انها غدت ذات اساس تشريعي في بعض الدول ومنها الكويت، فقد نصت المادة الثانية من قانون تنظيم القضاء رقم 23/ 90 على أنه (ليس للمحاكم أن تنظر في اعمال السيادة) مما اضحت معه اعمال السيادة مستبعدة من ولاية المحاكم عامة، واذ كانت الرقابة على دستورية القوانين واللوائح تجد اساسا لها – كأصل عام – في مبدأ الشرعية وسيادة القانون.
وخضوع الدولة لاحكامه، الا أنه يستثنى من هذا الاصل – وفقا لما جرى عليه القضاء الدستوري – اعمال السيادة، ومنها الاعمال السياسية، فتخرج من مجال هذه الرقابة، ولو بغير نص يقضي بذلك، إذ ان هذه قاعدة مستقرة في النظم القضائية في الدول المتحضرة، وغدت اصلا من الاصول القضائية الثابتة، تأسيسا على أن طبيعة هذه الاعمال تأبى أن تكون محلا لدعوى قضائية، تحقيقا للاعتبارات السياسية واستجابة لدواعي الحفاظ على كيان الدولة، ما يقتضي منحها سلطة تقديرية – بسلطتها التشريعية والتنفيذية فيما تجريه من اعمال – ابعد مدى وأوسع نطاقا – تحقيقا لصالح الوطن وسلامته دون تخويل القضاء سلطة التعقيب على ما تتخذه الدولة في هذا الصدد، لان النظر في تلك الاعمال يستلزم توافر معلومات وضوابط وموازين يناط بالدولة تقديرها، فضلا عن عدم ملاءمة طرح هذه المسألة للمنازعة امام القضاء العادي، ومن ثم فان المحكمة الدستورية وحدها هي التي تحدد ما إذا كان النص المطعون عليه يعتبر من الاعمال السياسية فيخرج عن ولايتها بالرقابة الدستورية أو لا يعتبر كذلك فتبسط عليه رقابتها».
(الطعن رقم 2 لسنة 1999 دستوري، جلسة 27/ 4/ 1999)
وقد ذهبت احكام القضاء الاداري بان فرض الرقابة على هذه الاعمال مقرر للسلطة التشريعية بناء على اختصاصها بالرقابة على الاعمال السياسية للحكومة ولا يجوز احلال الرقابة القضائية كونها ستتحول إلى رقابة سياسية بالمخالفة لماهية الرقابة القضائية. وان القصد من ذلك اخراج هذه الاعمال من ولاية الرقابة القضائية ذلك أنه لو امتدت رقابة القضاء إلى الاعمال الخاصة بعلاقة الحكومة بالسلطة التشريعية وهي بطبيعتها اعمال سياسية لأصبح القضاء هيئة سياسية عليا تملك حق الرقابة على اعمال السلطة السياسية في الدولة وهي الحكومة بوصفها سلطة حكم، الامر الذي لا يتفق وطبيعة ولاية السلطة القضائية في رقابة اعمال الادارة.
(حكم محكمة القضاء الاداري في الدعوى رقم 5142 لسنة 41 ق جلسة 1/ 10/ 1987)
كما قضت المحكمة الادارية العليا بانه: «تباشر الحكومة اعمال السيادة باعتبارها سلطة حكم وفي نطاق وظيفتها السياسية – رقابة القضاء لا يمتد لهذه الاعمال – قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين للانتخابات يعتبر من اعمال السيادة التي تخرج من نطاق الرقابة القضائية…».
(حكم في الطعن رقم 1939 لسنة 30 ق جلسة 12/ 12/ 1987 منشور بمؤلف المرافعات الادارية للمستشار/ حمدي ياسين عكاشة – ص 324)
وتطبيقا لما تقدم قضى بان قرار رئيس الجمهورية رقم 404 لسنة 1990 بشأن دعوة الناخبين إلى الاستفتاء على حل مجلس الشعب، انما يتعلق باستطلاع رأي هيئة الناخبين التي تمثل القاعدة الشعبية في امر يتصل بأخص المسائل المتعلقة بعلاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية، ويتصل بتكوين هذه السلطة، وهو يعد بهذه المثابة من ابرز الامور التي تتعلق بممارسة سلطة الحكم، ومن ثم يعتبر من الاعمال السيادية التي تتحمل السلطة التنفيذية كامل المسؤولية السياسية بصدد اجرائها بغير معقب من القضاء».
(دستورية عليا في 9 أكتوبر سنة 1990 في القضية رقم 4 لسنة 12 ق «منازعة تنفيذ» مجموعة أحكام الدستورية العليا ج 4 قاعدة رقم 24 ص 52)
ومفاد ما تقدم من احكام قضائية أن نظرية اعمال السيادة صارت شاملة للتشريعات وكذلك القرارات الادارية، طالما اندرجت تحت مظلة الاعمال السياسية التي تصدر عن الحكومة بوصفها سلطة حكم لا سلطة ادارة، وان هذه الاعمال تخرج عن نطاق الرقابة القضائية.
ما دام كذلك – وكان الثابت، وعلى ما اسلفنا في ما تقدم، أن المرسوم رقم 241 لسنة 2012 بحل مجلس امة عام 2009 للمرة الثانية، ثم المرسوم بالقانون رقم 20 لسنة 2012 بتعديل القانون رقم 42 لسنة 2006 باعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة، ثم المرسوم بالقانون رقم 21 لسنة 2012 بانشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات وبتعديل بعض احكام القانون رقم 35 لسنة 1962 في شأن انتخابات اعضاء مجلس الامة، ثم المرسوم رقم 258 لسنة 2012 بدعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة، انما كانت مجموعة متكاملة ومترابطة كأعمال سياسية صدرت عن سمو أمير البلاد رئيس الدولة في نطاق علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية، بهدف الحفاظ على كيان الدولة لمواجهة الاخطار الخارجية والداخلية التي اشار إلى بعضها في خطابه الموجه إلى الشعب يوم 2012/10/19، تحقيقاً لأغراض المصالح العامة العليا والأساسية، فمن ثم تعتبر جميع هذه الأعمال السياسية متصلة بأعمال السيادة التي تخرج عن نطاق الاختصاص الولائي للمحاكم، وفقاً لحكم المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن تنظيم القضاء، ويضحى النزاع الماثل مطروحاً على قضاء غير مختص ولائياً بالفصل فيه.
تقدير الضرورة
ثانياً: عدم اختصاص سائر المحاكم ولائياً بتقدير مدى وجود حالة الضرورة
التي تستدعي إصدار القوانين بمراسيم أميرية، باعتبار ذلك معقودا دستوريا لسمو أمير البلاد رئيس الدولة وحده دون معقب عليه في ذلك من كافة المحاكم، ولكون ذلك التقدير محصورا في السلطة التشريعية دون غيرها.
قضت لجنة فحص الطعون بالمحكمة الدستورية بأن «حالة الضرورة الموجهة للتشريع الاستثنائي هي شرط سياسي لا قانوني، وهي بذلك تدخل في نطاق العمل السياسي الذي ينفرد رئيس الدولة بتقديره، وهذه الرقابة على العمل السياسي متروكة أصلاً للسلطة التشريعية دون القضائية في الأحوال العادية… إلخ».
(الطعن رقم 1982/2 بجلسة 1982/6/28 وراجع في هذا المعنى ايضا حكمي المحكمة الدستورية في كل من الطعن 20 و21 لسنة 2008 طعون انتخابات مجلس الأمة لعام 2008 جلسة 2008/9/17)
وقد قضت المحكمة الإدارية العليا بأن «تقدير حالة الضرورة الملجئة لإصدار قرارات بقوانين عملا بنص هذه المادة مرده إلى السلطة التنفيذية تقدره تحت رقابة السلطة التشريعية بحسب الظروف والملابسات القائمة في كل حالة وليست هناك مقاييس منضبطة للتحقق من قيام تلك الضرورة.
(طعن رقم 1807 لسنة 6 ق سنة 1954)
ويقول العميد الدكتور سليمان الطماوي بأن «يجمع الشراح والقضاء على أن تقدير الضرورة التي تخول السلطة التنفيذية إصدار لوائح الضرورة أمر متروك للسلطة التنفيذية، تباشره تحت رقابة البرلمان وهو ما سار عليه مجلس الدولة المصري باستمرار… كما ان الضرورة مسألة مرنة كما تقول محكمة القضاء الإداري، ومن ثم يجب أن يترك تقدير لرقابة السلطة التشريعية نفسها».
(النظرية العامة للقرارات الإدارية للدكتور سليمان الطماوي ص 514 وبما بعدها)
(حدود رقابة المشروعية والملاءمة في قضاء الدستورية للدكتور ثروت عبدالعال ص 54 وما بعدها)
لذلك عمدت المحكمة الاتحادية العليا الأميركية إلى وضع ضوابط التي يمتنع مع قيامها بحث ملاءمة التشريع أو التغلغل في بواعث إصداره، فاطردت على عدم مناقشة ضرورة التشريع أو عدم ضرورته، فتقدير ذلك الأمر يقتصر الاختصاص بشأنه على سلطة التشريع باعتباره من عناصر السياسة التشريعية، فلا يجوز التنقيب وراء نصوصه للبحث في البواعث المشروعية أو غير المشروعية، ويقول الدكتور أحمد كمال أبوالمجد «لو اشترك القضاء في تقديرها يعد تدخلا في عمل تلك الهيئة التشريعية وخروجا صريحا على مبدأ فصل السلطات».
(الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأميركية والاقليم المصري للدكتور أحمد كمال أبوالمجد ص 461)
وهذا النظر أكدته المحكمة الدستورية الكويتية في حكم حديث لها وهي بصدد بسط رقابتها الدستورية على الاجراءات التي اتخذتها السلطة التنفيذية في حل مجلس الأمة حيث انتهت إلى أن «الواضح من نعي الطاعنة في هذا الشق من طلبها ان نطاقه اقتصر على الاجراءات التي اتخذتها السلطة التنفيذية في حل مجلس الأمة، وكذا في دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة، قولا من الطاعنة بأن هذه الاجراءات والتي مهدت إلى هذه الانتخابات قد خالفت القيود الاجرائية المنصوص عليها في الدستور وفي هذا النطاق وحده ينحصر نعيها في هذا الشق من طلبها، ولا يتعداه إلى البحث في الملاءمات أو التغلغل في بواعث إصدار هذين المرسومين، أو التدخل في الولايات المنفردة للسلطة التنفيذية والتي لا تخول للقضاء الحلول محلها فيما قصره الدستور عليها…
(الطعن رقم 6، 30 لسنة 2012 طعون خاصة بانتخابات مجلس الأمة عام 2012، جلسة 2012/6/20)
ومفاد ما تقدم أن تقدير حالة الضرورة الملجئة لإصدار المراسيم بالقوانين والموجبات التي تقتضيها منوطة بسمو أمير البلاد رئيس الدولة منفرداً دون معقب من سائر المحاكم، باعتبار ذلك شرطا سياسيا لا قانونيا متروك أصلاً ودستوريا لتقدير السلطة التشريعية وفقاً لحكم المادة 71 من الدستور التي ناطت بها دون غيرها سلطة إقرارها لاستمرار العمل بها أو عدم اقرارها ليزول ما كان لها من قوة القانون.
ومن ثم تكون سائر المحاكم، بما فيها المحكمة الدستورية، غير مختصة ولائياً بالفصل في مسألة مدى وجود حالة الضرورة في إصدار المراسيم بالقوانين محل النزاع الماثل، لانعقاده للسلطة التشريعية وحدها ودون غيرها، ويضحى تمسك الطاعن بتخلف حالة الضرورة مطروحا على قضاء غير مختص ولائيا بالفصل فيه.
لا صفة للطاعنين
ثالثاً: عدم قبول الطعن لرفعه من غير ذي صفة أو مصلحة من وجهين:
الوجه الأول:
من المقرر أن الطعون الخاصة بانتخابات أعضاء مجلس الأمة وبصحة عضويتهم تنظمها نصوص خاصة، فهي المرجعية التي تحكم تلك المنازعات، ومن ثم فإنها تدخل في نطاق الدعاوى الحقوقية، وليس من الدعاوى العينية، ولا تستهدف الطعن على قرار إداري مس مركزا قانونيا للطاعن، وإنما غايتها بطلان الانتخابات التي تمت بالمخالفة للقانون أو بنتائج الفرز والتجميع، ما يجب معه أن تتوافر في رافع الطعن شرطيا الصفة والمصلحة مجتمعين، ولا تكفي أو يغني توافر شرط المصلحة، دون شرط الصفة، كما هي حال الدعاوى العينية، وعلى هذا الأساس، نصت المادة (41) من قانون رقم 35 لسنة 1962 وتعديلاته ان «لكل ناخب أن يطلب إبطال الانتخاب الذي حصل في دائرته الانتخابية ولكل مرشح طلب ذلك في الدائرة التي كان مرشحا فيها…» مفاد ذلك أن المشرع قصر حق الطعن في نتائج الانتخاب على الناخب أو المرشح، وحدد نطاق الطعن على الدائرة الانتخابية التي اقترع بها أو ترشح فيها، ومفهوم الناخب في سياق هذا النص هو من قام بعملية الاقتراع بالفعل، مشاركا بها بدور ايجابي، وذلك عن طريق الادلاء بصوته، فهو فقط – في نظر المشرع – من يتوافر به شرط الصفة في الطعن على الانتخابات التي حصلت في دائرته، ضماناً لجدية الطعون الانتخابية، وألا تقبل إلا ممن شارك بالانتخابات فعلا، ناخبا كان أم مرشحا، أما من قعد عن ممارسة هذا الدور، متخذا موقفا سلبيا من الانتخابات ترشيحا أو انتخابا، فلا يحق له الطعن بنتائج الانتخابات، وبالتالي لا تقضي دلالة عبارة الناخب الواردة في نص المادة (41) إلى كل من هو، مقيد بالسجل الانتخابي، بل جاءت العبارة محددة وواضحة بلفظ الناخب أو المرشح، ولو أراد المشرع شمول حق الطعن على كل من هو مقيد بالسجل الانتخابي، لما أعوزه المشرع النص عليه صراحة، كما فعل في نص المادتين (13، 16) من ذات القانون.
وتأكيداً لذلك فقد قضت المحكمة الدستورية بأن «لما كان الثابت من الأوراق أن الطاعن وان كان قد تقدم بطلب ترشيح نفسه في انتخابات مجلس الأمة لعام 2008 في الدائرة الثالثة، وتقرر استبعاد اسمه من كشوف المرشحين إلا أنه قد قام بالإدلاء بصوته في هذه الانتخابات على نحو ما هو واضح من الختم المذيل على شهادة الجنسية الخاصة به والمرفق صورتها الضوئية ضمن حافظة المستندات المقدمة منه في هذا الطعن وهو ما يتوفر له الصفة تبعا لذلك في طلب ابطال الانتخابات التي جرت في دائرته الانتخابية.
(في هذا المعنى طعن رقم 8 لسنة 2008 طعون انتخابية جلسة 16 يوليو 2008)
لما كان ذلك وكان الثابت أن الطاعنين، لم يكونا من ضمن المرشحين للانتخابات التي حصلت في تاريخ 2012/12/1، كما انهما لم يدليان بأصواتهما في هذه الانتخابا، ومن ثم فإن صفاتهما في الطعن بهذه الانتخابات، تكون منتفية، ولا يغني من وجوب توافر هذا الشرط لقبول الطعن، القول بأن حقهما في الترشيح للانتخابات عن الفصل التشريعي الرابع عشر، مسّت به قيود صارخة تنتقص من قدرتهم على الترشيح على النحو والصورة التي يتحقق بها حسن تمثيلهم للامة بعد ان قيدت ارادة الناخب في انتخاب مرشح واحد بدلاً من اربعة مرشحين، طالما لم يكونا مرشحين في الانتخابات التي يطلبون بطلانها او ناخبين مارسوا حقهم الانتخابي، فمصلحتهم في بطلان الانتخابات، لا تكفي للقول بتوافر شرط الصفة المتطلب لاقامة الطعن على نتائج الانتخابات، وهو امر غير متحقق في شأن الطاعنين، ومن ثم تضحى صفة ومصلحة كل منهما في الطعن ببطلان الانتخابات منتفية، بما تعين معه القضاء بعدم قبول الطعن الماثل.
الوجه الثاني: من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية ان «النص في المادة (41) من قانون سنة 1962 في شأن انتخابات اعضاء مجلس الامة المعدل بموجب القانون رقم 14 لسنة 1998 على ان «لكل ناخب ان يطلب ابطال الانتخاب الذي حصل في دائرته الانتخابية…» ومفاد هذا النص ان المشرع وان اتاح لكل ناخب ان يطلب ابطال الانتخاب الا ان المشرع قصر حق الناخب في هذا الصدد على ابطال الانتخاب الذي حصل في دائرته الانتخابية، وبالتالي فإن قيام الطاعن بخلاف ذلك يجعله غير مقبول حتى ولو توافر للطاعن مصلحة معتبرة في طعنه لعدم كفايتها لاقامة طعنه بحسبان ان الشرط المتطلب في الطعن لا يتحقق في شأن الطاعن لمجرد كونه ناخباً، ومتى كان الأمر كذلك، وكان الثابت من الاوراق ان الطاعن قد اقام طعنه الماثل بطلب ابطال الانتخاب الحاصل في جميع الدوائر الانتخابية والذي تم في 17/ 5/ 2008 ومن ثم فإن طعنه يكون غير مقبول…».
(طعن دستوري رقم 40 لسنة 2008 طعون انتخاب مجلس الأمة لعام 2008)
ولما كان ذلك وكان الثابت ان الطاعنين – وفي حدود الطلبات المطروحة – يطلبون مجتمعين الحكم ببطلان انتخابات مجلس الأمة للفصل التشريعي الرابع عشر التي تمت في الدوائر الاولى والثانية والثالثة التي تمت بتاريخ 1/ 12/ 2012، مما بات طعنهم على تلك الدوائر الانتخابية المطلوب بطلان الانتخابات بها، منصباً على ثلاث دوائر مجتمعة، دون بيان او تحديد كل طاعن ودائرته التي يطلب بطلان الانتخابات فيها، ومن ثم الطعن الماثل، يكون غير مقبول، متعين الحكم بعدم قبول الطعن من هذا الوجه ايضاً.
رفض الطعن
رابعاً: رفض الطعن: من المستقر عليه قضاء المحكمة الدستورية – بأنه وان كان سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية وتباشره في اطار وظيفتها الاصلية ويتولاها مجلس الأمة طبقاً لاحكام الدستور، الا انه نظراً لما قد يعرض للأمة من الظروف والطوارئ والاحداث ما يستوجب اتخاذ اجراء سريع، وتشريع عاجل لمواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير فقد اجاز الدستور لسمو الامير في تلك الحالات ان يصدر في شأنها مراسيم لها قوة القانون، وانه لما كان هذا الاستثناء هو حق خارج عن هذا الاصل وحكم الاستثناء لا يقبل التوسع فيه ولا يصح القياس عليه، اذ التوسع او القياس قد يهدم الاصل المستثني منه، لذا فقد حرص الدستور على ان يضع لهذه السلطة الاستثنائية في التشريع من الضوابط والحدود ما يكفل عدم اهدار سلطة الامة او جعل السلطة التنفيذية سلطة تشريعية على غير ما يتضمنه مبدأ فصل السلطات او سلطة طليقة بلا قيد عليها او عاصم، كما اوجب الدستور عرض هذه المراسيم بقوانين على مجلس الامة عند انعقاده، وفقاً لمواعيد معينة لاقرارها، باعتبار ان المراسيم بقوانين الصادرة في غيبة مجلس الأمة تبقي اعمالاً للدستور بارادة المجلس، فله ان يبقي ما يبقي ويذر ما يذر، حيث نص الدستور في المادة (71) منه على انه «اذا حدث فيما بين ادوار انعقاد مجلس الامة او في فترة حله، ما يوجب الاسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير ان يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القوانين، على الا تكون مخالفة للدستور او للتقديرات المالية الواردة بقانون الميزانية، ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الامة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها، اذا كان المجلس قائماً، وفي اول اجتماع له في حالة الحل او انتهاء الفصل التشريعي، فاذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان من قوة القانون بغير حاجة الى اصدار قرار بذلك، اما اذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان من قوة القانون بغير حاجة الى اصدار قرار بذلك، اما اذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، الا اذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة او تسوية ما ترتب من اثارها بوجه آخر».
(طعن رقم 20 لسنة 2008 طعون انتخابات مجلس الأمة لعام 2008 جلسة 17 سبتمبر 2008)
(طعن رقم 20 لسنة 2008 طعون انتخابات مجلس الأمة لعام 2008 جلسة 17 سبتمبر 2008)
ومن المقرر ان «تقدير حالة الضرورة، وكما اسلفنا في ما تقدم، امر يرجع الى السلطة التنفيذية الذي يتولاها الأمير، تحت رقابة البرلمان، فله في حدود هذه الرقابة ان يقدر ملاءمة او عدم ملاءمة استعمال رخصتها التشريعية الاستثنائية، لانه قد يتعذر على غيرها تقدير هذه الملاءمة تقديراً سليماً، لما تحتاجه من احاطة تامة بالظروف والملابسات التي تدعو الى اصدار مرسوم بقانون، وقد يكون فيها ما تقضي مصلحة البلاد العليا بكتمانه لا يمكن ان تبوح به السلطة التنفيذية الا في جلسة سرية، تحت قبة البرلمان التي تسأل امامه، وبذلك فلا وجه لمناقشة الحكومة في ساحة القضاء عن ظروف اصدار المرسوم بقانون ومطالبتها الابانة عن الدليل على كل حالة من حالات الضرورة التي اقتضته، لانها قد تؤثر الكتمان، حرصاً على مصلحة عامة تراها، فلا يقع حكم القاضي على سبب من الحقيقة، فإن ارادت الافضاء بظروف الضرورة فقد يجرها ذلك في بعض الظروف الى الاخلال بواجبها في حفظ الاسرار العامة من ان تطرح في جلسات المحاكم او تنشر في احكام القضاء».
(حكم المحكمة العليا الليبية قضية رقم 2/ 5 بتاريخ 11/ 2/ 1961 ن قضاء المحكمة العليا الاداري الدستوري، ج ص 88 وما بعدها مشار اليه في كتاب النظام الدستوري للدكتور/ عادل الطبطبائي ص 587 هامش)
وقد سبق لنا الاشارة الى حكم المحكمة الدستورية بأن حالة الضرورة الموجهة للتشريع الاستثنائي هي شرط سياسي لا قانوني وهي بذلك تدخل في نطاق العمل السياسي الذي ينفرد رئيس الدولة بتقديره، وهذه الرقابة على العمل السياسي متروكة اصلاً للسلطة التشريعية دون القضائية».
(حكم المحكمة الدستورية، الطعن رقم 2/ 82، لجنة فحص الطعون، جلسة 28/ 6/ 1982)
لما كان المرسوم بالقانون رقم 20 لسنة 2012 بشأن تعديل القانون رقم 42 لسنة 2006 باعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة، والتي نصت مادته الاولى على ان «يستبدل بنص المادة الثانية من القانون رقم 42 لسنة 2006 المشار اليه النص التالي» تنتخب كل دائرة عشرة اعضاء للمجلس، على ان يكون لكل ناخب حق الادلاء بصوته لمرشح واحد في الدائرة المقيد فيها، ويعتبر باطلاً التصويت لاكثر من هذا العدد» صدر من حضرة صاحب السمو امير البلاد – حفظه الله – بصفته سلطة تشريعية، بموجب مرسوم الضرورة استناداً الى المادة (71) من الدستور، الذي يملك سموه السلطة تقديرية المطلقة، في سن التشريعات الاستثنائية، بموجب مراسيم الضرورة، لا رقابة عليه في ذلك الا من قبل مجلس الامة حيث اوجبت المادة (71) من الدستور، وجوب عرض هذه المراسيم بقوانين على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها، اذا كان المجلس قائماً، وفي اول اجتماع له في حالة الحل او انتهاء الفصل التشريعي، فاذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان من قوة القانون بغير حاجة الى اصدار قرار بذلك، اما اذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، الا اذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة او تسوية ما ترتب من اثارها بوجه آخر.
وقد ذهبت المحكمة الدستورية الى ان «هذه المحكمة مقيدة في قضائها بنطاق الطعن المطروح عليها، والمنوط في اعمال رقابتها الدستورية – وحسبما استقر عليه قضاؤها – ان يكون اساس الطعن هو مخالفة النصوص التشريعية المطعون عليها لنص في الدستور، ولا شأن للمحكمة في بحث مدى ملاءمة هذه النصوص، ولا ما ظهر فيها من قصور ومثالب من جراء تطبيقها، ولا بالادعاء بأن تلك النصوص لم تؤت اكلها وتحقق غاياتها، فهذه الامور قد يستدعي معها النظر في تعديلها اذا كانت غير وافية بالمرام وذلك بالاداة القانونية المقررة طبقاً للدستور، بيد انها لا تصلح للطعن عليها بعدم الدستورية لخروج ذلك عن مجال الرقابة القضائية لهذه المحكمة».
(طعن دستوري رقم 26 لسنة 2012 جلسة 25 سبتمبر 2012)
ولما كان ذلك وكان الاسراع بالتدخل التشريعي، بموجب مراسيم الضرورة، تدخل في حدود الملاءمة والسلطة التقديرية التي ينفرد بها رئيس الدولة، تحت رقابة البرلمان، مما تخرج معه حالة الضرورة عن مجال الرقابة القضائية للمحكمة الدستورية، على اعتبار أن حالة الضرورة الموجهة للتشريع الاستثنائي هو شرط سياسي لا قانوني وهي بذلك تدخل في نطاق العمل السياسي الذي ينفرد رئيس الدولة بتقديره وإذا كانت الرقابة على العمل السياسي متروكة اصلا للسلطة التشريعية دون القضائية.
(تفنيد الاسباب)
اما عن النعي ببطلان الانتخابات في الدوائر الثانية، التي تمت وفق مرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012، بسبب نكوص النظام الديموقراطي على عقبيه، ومخالفة احكام الدستور، وهي صدور مرسوم لدعوة الناخبين إلى الانتخابات من حكومة لم تكتمل اهليتها القانونية لعدم حلف اليمين الدستورية امام مجلس الامة، العدوان على حق الاقتراع العام، والعدوان على حق الترشيح لعضوية مجلس الامة، مخالفة احكام المادة 108 من الدستور، العدوان على حرية الرأي وحق التعبير، ومخالفة عرف دستوري مفسر ومستقر. فان هذا النعي برمته غير سديد مردود عليه بما يأتي:
أولا: من المقرر بان الدستور قد تناول تحديد عدد الاعضاء الذي يتألف منهم مجلس الامة، مقتصرا في تحديد نوع الانتخاب الذي يلزم في تأليف هذا المجلس على النص بان يكون انتخابهم بطريقة «الانتخاب العام السري المباشر وفقا للاحكام التي يبينها قانون الانتخاب» لما رؤي من مقتضيات المصلحة في المستقبل، اسوة بما فعلته الكثير من دساتير الدول الديموقراطية، أن يترك للقانون بيان تفصيلات الانتخاب واجراءاته بما لا محل لايرادها في صلب الدستور.
ومن المقرر أن سلطة المشرع في اختيار ما يناسب كل حالة من قواعد لاثبات وممارسة الحقوق يملكها المشرع في اطار سلطته التقديرية المنوطة به دستورية في هذا المجال واختيار البديل الاكثر ملاءمة من غيره تحقيقا للاغراض التي يتوخاها من هذا التنظيم، طالما كان هذا التقدير قائما على اسس موضوعية، مستهدفا تحقيق غايات مشروعة، كافلا وحدة تطبيق القاعدة القانونية في شأن اشخاص تتماثل ظروفهم أو اوضاعهم أو مراكزهم القانونية، وان المساواة المقصودة ليست هي المساواة المطلقة أو الحسابية.
وكان الواضح أن المادة الاولى من المرسوم بالقانون رقم 20 لسنة 2012 بشأن تعديل القانون رقم 42 لسنة 2006 باعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة، والتي جرى نصها على أن «يستبدل بنص المادة الثانية من القانون رقم 42 لسنة 2006 المشار اليه النص التالي «تنتخب كل دائرة عشرة اعضاء للمجلس، على أن يكون لكل ناخب حق الادلاء بصوته لمرشح واحد في الدائرة المقيد فيها، ويعتبر باطلا التصويت لاكثر من هذا العدد» أن الحكم الوارد به انما يتعلق بتنظيم العملية الانتخابية بتعديل عدد الاصوات التي يدلي بها الناخب، باستبداله بصوت واحد، بدلا من اربعة اصوات، بنص عام مجرد، بما لا ينال من حقوق الناخب الدستورية، كافلا وحدة تطبيقها وتجرد موضوعها، لا يقيم تمايزاً بين الناخبين أو المرشحين، بل ساوى بينهم جميعا، وفقا لسلطة المشرع في اختيار البدائل الاكثر ملاءمة من غيره تحقيقا للاغراض التي يتوخاها من هذا التنظيم، طالما كان هذا التقدير قائما على اسس موضوعية، مستهدفا تحقيق غايات مشروعة، كافلا وحدة تطبيق القاعدة القانونية على جميع الناخبين، دون أن تقيم تمايزا بينهم في جميع الدوائر، مما لا وجه للادعاء بنكوص النظام الديموقراطي على عقبيه، أو بمخالفته لاحكام الدستور، أو الاعتداء على حق الاقتراع العام، وعلى حق الترشيح لعضوية مجلس الامة، أو على حرية الرأي وحق التعبير، أو مخالفة عرف دستوري مفسر ومستقر، الذي لم يقم الدليل على وجود هذا العرف المدعي به، لاسيما هذا الامر مخالف لنصوص الدستور الذي جعل امر تعديل الانتخابات بقانون.
ثانيا: اما عن النعي بمخالفة مبدأ أن عضو مجلس الامة يمثل الأمة بأسرها: فان هذا القول مردود عليه، ذلك أن هذا المبدأ، وكما ذهبت اليه المحكمة الدستورية، معناه أن يكون عضو المجلس مستقلا كل الاستقلال عن ناخبيه، وليس اسيرا لمؤيديه من ابناء دائرته، تابعا لهم يرعى مصالحهم الخاصة البحتة، وانما يرعى المصلحة العامة دون تجاوز هذا المعنى.
(طعن دستوري رقم 26 لسنة 2012 جلسة 25 سبتمبر 2012)
ومن ثم فان تعديل قانون الانتخاب بقصر صوت الناخب إلى مرشح واحد، لا يخل بهذا المبدأ، إذ ان تعديل آلية التصويت، لا يمكن تؤثر أو يقوض أو يخالف من مبدأ أن عضو مجلس يمثل الامة بأسرها، ومن ثم فان النعي على المرسوم بالقانون رقم 20 لسنة 2012 بهذا النعي، يكون فاقد الاساس جديرا بالرفض.
(لا تكليف بمستحيل)
ثالثا: عن النعي بصدور مرسوم دعوة الناخبين للناخبين دون اداء الحكومة لليمين الدستورية أمام مجلس الامة:
لما كانت المادة (107) من الدستور نصت على أن «للامير أن يحل مجلس الامة بمرسوم تبين فيه اسباب الحل، على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الاسباب مرة اخرى. وإذا حل المجلس فوجب اجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل، فاذا لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن. ويستمر في اعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد».
وكانت المادة (52) من الدستور بان «السلطة التنفيذية يتولاها الامير ومجلس الوزراء على النحو المبين بالدستور» كما نصت المادة (55) منه على أن «يتولى الامير سلطته بواسطة وزرائه» ونصت المادة (126) منه على أن «قبل أن يتولى رئيس مجلس الوزراء والوزراء صلاحياتهم يؤدون امام الامير اليمين المنصوص عليه في المادة 91 من هذا الدستور»، ومن ثم يكفي لتولي رئيس مجلس الوزراء والوزراء مهام اعمالهم الدستورية، أن يؤدوا اليمين الدستورية امام الامير، اما اليمين المنصوص عليه في المادة (91) من الفصل الثالث السلطة التشريعية، فهو خاص بممارسة اعمالهم باعتبارهم اعضاء في مجلس الامة بحكم وظائفهم عملا بنص المادة (80) من الدستور.
ولما كان ذلك وكانت المادة (107) قد قررت حق الامير المطلق في حل مجلس الامة للاسباب التي يراها هو دون غيره محققة للصالح العام، وجعلت اداة الحل هو مرسوم اميري يصدر من سمو الامير ومجلس الوزراء عن طريق ما يسمى بالتوقيع المجاور، تبين فيه اسباب الحل، فيكفي لصحة مرسوم حل مجلس الامة، وجود مجلس وزراء مشكل تشكيلا صحيحا، مخولا بممارسة صلاحياته، بادائه اليمين الدستورية امام الامير، دون حاجة إلى ادائهم اليمين مرة اخرى امام مجلس الامة، لعدم استلزام نصوص الدستور هذا اليمين الاخير، عند اصدار مرسوم الحل.
لما كان كذلك وكان الثابت بالاطلاع على المرسوم رقم 241 لسنة 2012 بحل مجلس الامة، بسبب تعذر عقد جلسات مجلس الامة لعام 2009 لعدم اكتمال النصاب القانوني اللازم لعقدها، قد صدر من سمو الامير ورئيس مجلس الوزراء، بعد موافقة مجلس الوزراء، وهو ما يكفي لصحته، وصدوره ممن يملك اصداره، بعد أن ادى مجلس الوزراء اليمين الدستورية امام الامير، قبل صدور مرسوم الحل، ودعوة الناخبين بموجب المرسوم رقم 258 لسنة 2012، وفق الاجراءات التي تطلبها الدستور.
اكثر من هذا فان الثابت من ديباجة مرسوم حل مجلس الامة المشار اليه أن سبب الحل هو (تعذر عقد جلسات مجلس الامة لعدم اكتمال النصاب القانوني اللازم لعقدها) بما يكشف عن استحالة قيام مجلس الوزراء باداء القسم الدستوري امام مجلس الامة آنذاك، ومن ثم فلا تكليف بمستحيل، والا ما كان لمجلس الوزراء ممارسة سلطاته الدستورية اصلا، طالما استحال على هذا المجلس اداء القسم المنوه عنه، بما يعني منح مجلس الامة سلطة لم يرد بها نص في الدستور تتمثل في منع مجلس الوزراء من ممارسة اختصاصاته، وهو امر لم يقل به احد.
مما يضحى النعي ببطلان دعوة الناخبين للانتخاب بسبب صدور مرسوم من دون اداء الحكومة اليمين امام مجلس الامة، وبان رفع طلب الحل من حكومة لا تملك الاختصاص باصداره، قائم على غير هدى من صحيح احكام القانون، متعين الإلفات عنه والقضاء برفضه.
هذا وقد التفتت المحكمة الدستورية عند كافة المناحي السابقة حيث رفضت الطعن المقدم من الحكومة بطلب الحكم بعدم دستورية كل من المادة الاولى من القانون رقم 42 لسنة 2006 باعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة التي نصت على ان: تقسم الكويت إلى خمس دوائر انتخابية لعضوية مجلس الامة طبقا للجدول المرافق لهذا القانون، والمادة الثانية من القانون ذاته التي نصت على ان: تنتخب كل دائرة عشرة اعضاء للمجلس، على أن يكون لكل ناخب حق الادلاء بصوته لاربعة من المرشحين في الدائرة المقيد فيها، ويعتبر باطلا التصويت لاكثر من هذا العدد، حيث قضت بالآتي:
وحيث إن الثابت من طعن الحكومة أنه قد انصب نطاقه على نص المادتين سالفتي الذكر، وذلك فيما تضمنتاه من تحديد الدوائر الانتخابية، ونطاق كل دائرة ومكوناتها، وعدد الأعضاء الممثلين لها في مجلس الأمة، وعدد المرشحين الذين يجوز للناخب الادلاء بصوته لهم، وعلى إغفال الجدول المرافق للقانون ادخال بعض المناطق في أي من هذه الدوائر، بمقولة ان هاتين المادتين المطعون عليهما قد أخلتا بمبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وهو ما انعكس أثره سلباً على صحة وسلامة تمثيل الأمة في مجلسها النيابي بالمخالفة للمواد (7) و(8) و(29) و(108) من الدستور مستهدفة الحكومة بطعنها القضاء بعدم دستورية نص المادتين سالفتي الذكر برمتهما.
وحيث إن الطعن الماثل – وقد تحدد نطاقه على هذا النحو – وكان الدستور الكويتي لم يحدد الدوائر الانتخابية التي يقسم إليها اقليم الدولة، ولم يضع قيودا في شأن تحديد عددها، ولا في عدد النواب الممثلين لكل دائرة منها في مجلس الأمة، وإنما ترك ذلك للمشرع يجريه بما له من سلطة تقديرية في هذا الشأن، واكتفى الدستور بالنص في المادة (81) منه على أن «تحدد الدوائر الانتخابية بقانون» أي بتشريع يتناول تحديد هذه الدوائر، وهي إما أن تقوم على أساس عدد السكان، وإما أن تكون على أساس جغرافي، ويساند ذلك ما جاء بمناقشات المجلس التأسيسي في هذا الصدد إبان إعداد الدستور في مراحله الأولى التي تلقي بظلالها على تأكيد هذا المفاد.
لما كان ذلك وكانت هذه المحكمة لا تملك الزام المشرع بتحديد عدد الدوائر الانتخابية أو تقسيمها على نحو معين، وبالتالي فإنه ليس من شأن تحديد القانون في (المادة الأولى) منه الدوائر الانتخابية بخمس دوائر أن يشكل – في حد ذاته – مخالفة لنص الدستور، فضلا عن ان العبارة التي استهل بها النص على أن «تحدد الدوائر» تنصرف إلى تحديد التخوم بين دائرة وأخرى بما يفيد تعددها، وهذه المحكمة مجردة من الوسائل القضائية التي تعيد بها تحديد هذه الدوائر ومكوناتها كل دائرة منها بادخال المناطق المقول بأن الجدول المرافق للقانون قد أغفل ادراجها ضمن أي من الدوائر الانتخابية المشار اليها، هذا وقد لاحظت المحكمة من استعراضها للمراحل التشريعية التي مر بها تحديد الدوائر الانتخابية ان الأسباب والدوافع التي أشارت اليها الحكومة في طلب الطعن الماثل لا تعدو أن تكون هي ذات الأسباب والدوافع التي أشارت اليها المذكرات الايضاحية للقوانين المتعاقبة الصادرة في هذا الشأن، والتي اقتضى معها النظر في تعديل تحديد الدوائر أكثر من مرة، كان آخرها القانون رقم (42) لسنة 2006 المشار اليه الذي صدر بعد أن وافق عليه مجلس الأمة.
أما بالنسبة إلى ما أثارته الحكومة في طلب الطعن متعلقا بنظام التصويت في كل دائرة بما لا يجاوز أربعة مرشحين، والذي ورد النص عليه في (المادة الثانية) من القانون سالف الذكر بمقولة ان هذا النظام قد تم استغلاله في ارتكاب مخالفات انتخابية وانه قد أسفر تطبيقه عن أوجه قصور وظهور سلبيات ونتائج لم تعبر بصدق عن طبيعة المجتمع الكويتي وتمثيله تمثيلا صحيحا، فإن ما ذكرته الحكومة في هذا السياق على النحو الوارد بأسباب الطعن لا يكشف بذاته عن عيب دستوري، ولا يصلح سببا بهذه الحكومة من أن القانون في تحديده لمكونات كل دائرة في الجدول المرافق له لم يكن متوازنا نظرا للتفاوت بين عدد الناخبين في هذه الدوائر، انه كان من شأن هذا التفاوت على النحو الوارد به أن تفاوت الوزن النسبي لصوت الناخب في كل منها، بحيث صار للناخبين في الدوائر الانتخابية الأكثر كثافة أصوات وزنها أقل من وزن اصوات الناخبين في الدوائر الأقل، بما يخل بمبدأ المساواة المقصودة مستندة في ذلك على بيان احصائي جرى عام 2012 إذ انه فضلا عن ان المساواة المقصودة ليست هي المساواة المطلقة أو المساواة الحسابية، فإنه لا يسوغ في مقام الوقوف على مدى دستورية القانون التحدي بواقع متغير لتعييب القانون توصلا إلى القضاء بعدم دستوريته.
وترتيبا على ما تقدم، يكون الطعن على غير أساس حرياً برفضه.
(الطعن الدستوري رقم 2012/26 جلسة 2012/9/25)
خلاصة الرد
ومما تقدم جميعه تتضح: الوقائع التي أوجبت استخدام سمو الأمير رئيس الدولة سلطاته الدستورية بإصدار حزمة أعمال سياسية متكاملة ومترابطة للحفاظ على كيان الدولة ومقتضيات أمنها الخارجي والداخلي لتحقيق المصالح العامة العليا والأساسية، بما استتبع إصدار مرسومي الضرورة رقم 20 و21 لسنة 2012 ومرسوم رقم 358 لسنة 2012 بعد حل مجلس أمة 2009 للمرة الثانية بالمرسوم رقم 241 لسنة 2012، لمواجهة الأخطار الخارجية والداخلية المحيطة بالدولة التي كشف سموه عن بعضها وأحجم عن ذكر بعضها الآخر لأمور قدّرها مراعاة منه للمصلحة العامة، في خطابه الموجه للشعب بتاريخ 2012/10/19، وهو ما يعني عدم اختصاص سائر المحاكم ولائيا بنظر الطعن في هذه الأعمال السياسية المرتبطة بعلاقات السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية، والمتصلة بأعمال السيادة، المحظور على المحاكم الفصل فيها وفقاً لحكم المادة الثانية من المرسوم بالقانون رقم 23 لسنة 1990 بتنظيم القضاء.
فضلا عن ان تقدير حالة الضرورة ومقتضياتها منوط بسمو الأمير رئيس الدولة دون معقب عليه في ذلك من سائر المحاكم، باعتبار ذلك شرطا سياسيا وليس قانونيا تتولاه السلطة التشريعية دون غيرها اقرارا أو رفضا.
كما وان البين أن الطعن غير مقبول لرفعه من غير ذوي صفة أو مصلحة لافتقاد كل منهم صفة الناخب والمرشح لامتناعهم عن التصويت والترشيح في الانتخابات.
بالإضافة إلى عدم قيام الدفع بعدم الدستورية والطعن برمته من الناحية الموضوعية على سند قانوني صحيح، وبناء عليه نطلب الحكم أولاً وأصلياً: عدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الطعن، ثانياً واحتياطياً: بعدم قبول الطعن، ثالثاً واحتياطياً: برفض الطعن بعدم الدستورية، رابعاً وعلى سبيل الاحتياط الكلي: رفض الطعن موضوعا.
قم بكتابة اول تعليق