تطرح بعض المناسبات فرصة ثمينة للتوقف عن الانغماس في التفاصيل اليومية، ومحاولة مقاربة الصورة الأكبر والأشمل، الصورة التي توضح للفرد منا أو المجتمع معالم الطريق وواقع الحال، من دون استهلاك مفرط في تفاصيل صغيرة قد تدفعنا لاستنفاد الوقت والجهد في الـ «نجرة» حولها وتبريرها أو الدفاع عنها!
ومن هذه المناسبات ما هو شخصي، ومنها ما هو جامع، كمناسبتنا الحالية، العيد الوطني لدولتنا الحبيبة، والذي يمر علينا في ظروف استثنائية، تتميز بالانقسام المؤسف سياسيا واجتماعيا، والذي يلقي بظلاله على فرحتنا بهذه المناسبة التي كانت سابقا فرصة للاعتزاز بالانتماء الجامع والانتساب لشيء يسمو فوق الانتماءات الصغيرة اجتماعيا أو سياسيا!
يمر العيد علينا ونحن في خضم حالة من الضياع شبه التام، فما عدنا نعرف إلى أين نسير، ولا بتنا نفقه ملامح مشروع الدولة وهل ما زالت هي ما نشأنا ونحن نخالها نقطة الانصهار التي تستوعب كل خلافاتنا وتنوعاتنا وتوجهاتنا المختلفة أم لا؟ وهل هي الكويت التي سمعنا من أسرنا القصص والـ «حكاوي» عن استثنائية التراحم والتقارب والتكاتف في هذه البقعة من الخليج!
قبل أيام، جمعني مع أحد الشباب الذين قادوا الحراك البرتقالي لقاء تحاورنا فيه طويلا، حاصرني فيه صديقي ذاك بأسئلة مهمة ما زالت تُطرح بقوة من قبل الشباب، تتمحور معظمها حول فشل مشروع الدولة، ومسؤولية السلطة التنفيذية أساسا عما وصلنا له من أوضاع مزرية على مستوى الخدمات العامة واستشراء الفساد، وقس على ذلك الكثير من الانتقادات الموجهة أساسا للحكومة بشكل عام، وكنت، ولدهشة صاحبي، متفقا معه في الكثير مما يطرحه، لدرجة جعلته يتوقف عن المضي في انتقاد الحكومة، ويتوجه لي بسؤال مباشر:
«إذا كنت مؤيدا لكل هذا… ليش ما طلعت معانا في المظاهرات»!
بعد لحظة من الصمت نزلت إجابتي كالصاعقة على صديقي، إذ أخبرته أنني ببساطة أخشى من تأثير الحراك المعارض هذا على واقعنا الاجتماعي أكثر بكثير من خشيتي من الحكومة وسياساتها قصيرة النظر، وقبل أن يبادرني صديقي بالاحتجاج الهادر، سارعت بسرد سيل من الأمثلة على التعامل الكارثي للمعارضة ورموزها وتعامل الحراك الشبابي معها في ما يخص التعايش وتماسك النسيج الاجتماعي في الكويت، وما يلحق بذلك من التوجهات الانتقائية والمعايير المزدوجة عند التعامل مع الكثير من القضايا المتعلقة بالثورات العربية وعلاقتنا ببلدان الجوار، وكيف يحاول بعض رموز المعارضة وبعض شباب الحراك الزج بنا في أتون معارك من الكراهية والبغضاء لا تخدم إلا نفسه المريضة وأجندته المتطرفة!
صرخ في وجهي صديقي: «وأين الوطن من كل هذا؟؟ ألا ترى أنك يجب أن تتعالى على مخاوفك تلك من أجل الوطن الذي يغرق أمامك على كل الأصعدة؟». قلت له، وابتسامة حزينة ترتسم على شفاهي، وما هو الوطن يا عزيزي؟
الوطن هو ذلك الشيء الذي يشعرنا جميعا بالانتماء، هو القيمة التي إن وجدت أحسسنا بتعاليها على معظم ما سواها من القيم، هو الوجود الذي يغمر ما عداه من تفاصيل تتصاغر أمامه وفي حضوره، حتى لا تشعر إلا به، الوطن يا صديقي ليس أنت وآمالك وطموحاتك، بل هو كل آمالنا وطوحاتنا وقلقنا ومخاوفنا و، و، و، و.
الوطن يا عزيزي هو باختصار.. أنا وأنت.. سمعتني؟
أنا وأنت.
ومن دون فهم لهذه الحقيقة البسيطة.. سيظل الوطن شيئا هلاميا كل منا يفسره على هواه، ويرسم أولوياته «بمشتهاه».. وسيظل العيد الوطني عندها فرصة وميقاتا مع التجمع في شارع الخليج.. وفي يد كل منا علبة «فوم».. وسنردد عندها مع الشاعر..
«عيد.. بأي حال عدت يا عيدُ»..!!
Twitter: @alkhadhari
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق