“هنا الكويت” تنشر رد العمل الوطني على مذكرة دفاع الحكومة في مرسوم الصوت

فند أعضاء كتلة العمل الوطني النواب السابقون عبدالله الرومي وعادل الصرعاوي ومرزوق الغانم والدكتورة أسيل العوضي، دفاع الحكومة وردها على طعنهم في دستورية مرسوم الضرورة الذي قصر حق الناخبين على اختيار مرشح واحد في انتخابات مجلس الأمة، مؤكدين ان هذا الدفاع يفتقد الدقة والسند الدستوري.

وقال أعضاء الكتلة في مذكرة ردهم على دفاع الحكومة التي تنشرها «الراي» إن المرسوم 20/ 2012 وقع في حومة مخالفة الدستور بما تضمنه من عدوان على الحقوق والحريات وتجاوزه حدود التفويض الدستوري، ولا سيما أن الفقه ضيّق مجال الضرورة واشترط لقيامها حدوث حرب أو ثورة أو اضراب عام، ومنع اللجوء إليها في الأحوال العادية، كما حدث مع مرسوم الصوت الواحد.

وشرحت المذكرة رد الأعضاء على دفاع الحكومة، مؤكدة ان دفعها بحظر تصدي الحاكم لأعمال السيادة مردود مستشهدين بأدلة منها أن المادة الثانية من قانون تنظيم القضاء استثنت المحكمة الدستورية من هذا الحظر، وأن المحكمة بسطت ولايتها القضائية في الطعون الانتحابية على كافة المراسيم المتعلقة بهذا المجال. وأما طلب الحكومة رفض الطعن لأنه مرفوع من غير ذي صفة فمردود كذلك لأن حق الناخب في طلب ابطال الانتخابات عام ومطلق ويشمل كل مقيد في الجداول الانتخابية، كما أن الطعن في الجداول يتم قبل إجراء أي انتخابات أي قبل عمليات القيد والتعديل.

واستطردت المذكرة بأن استناد الحكومة الى مرسوم الانتخابات اعتراف بعواره الدستوري لأن المرسوم نال من حقوق الناخب فيما أرادت حمله على محمل الصحة بتأكيد غير ذلك، وخاصة أن ذكرها الدليل على العرف الدستوري لتعدد الأصوات مردود لأن القوانين لا تحتاج الى دليل، اضافة الى ان انتفاء ضرورة المرسوم يعزز موقف المحكمة الدستورية في حكم سابق. وأضافت ان المرسوم جاوز حدود التفويض الدستوري في المادتين 80 و82 فانتقص من حق الناخب في التصويت، وانحرف بالسلطة لتغيير إرادات الناخبين والنيل من التجربة الديموقراطية والتعددية السياسية لغير مصلحة عادية.

ولفت الأعضاء في مذكرتهم الى ان العوار الدستوري في الصوت الواحد يتمثل في مصادرة حق الناخب في التعبير عن رأيه في سائر مرشحي دائرته، ولا سيما أن صون حق الاقتراع العام والإيمان به يتعين أن يكون دوماً بتحمل تبعاته وإلا اعتبر شكلاً بغير مضمون. وذكرت المذكرة أن الاقتراع العام محور السيادة الشعبية التي تمارسها الأمة مصدر السلطات فرض الدستور على النص عليه وعدم تقييده، ولا سيما أن تنظيم العملية الانتخابية لا يكون ممكناً إلا إذا كان معقولاً ومحايداً في محتواه ويجب ألا يباشره المواطن مثقلاً بقيود.

وفي ما يتعلق بطعن الطاعنين رغم أنهم لم يشاركوا في العملية الانتخابية، قالت المذكرة ان صفة الناخب تظل قائمة بالشخص ولا تزايله حتى لو لم يصوت في الانتخابات التي يطعن بها. أما بالنسبة للمحكمة الدستورية فأكدت انها تلعب – شاءت أم أبت – دوراً سياسياً مهماً بإعطاء النص الدستوري المعنى الذي أراده واضعو الدستور، وفيما يلي نص رد أعضاء كتلة العمل الوطني على دفاع الحكومة.

الرد على دفاع الحكومة

نحيل في الوقائع إلى ما ورد في الطعن المشار اليه والمقدم من الطاعنين منعا للتكرار ونضيف أن الحكومة والطاعنين دفعا الطعن بصدور المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بقصر حق الناخب على صوت واحد، على سند من القول بان هذا المرسوم بقانون، قد اصدرته السلطة التنفيذية، وفقا للسلطة المخولة لها بموجب المادة 71 من الدستور.

ونتناول الدفاع في ثلاثة أقسام: القسم الاول: الرد على مذكرة الحكومة المقدمة لجلسة 13/ 1/ 2012، القسم الثاني: الدفع بعدم دستورية المادة الثانية من القانون رقم 42 لسنة 2006 بعد تعديلها بالمرسوم بقانون 20 لسنة 2012، القسم الثالث: الدفع بعدم دستورية المرسوم بقانون 20 لسنة 2012 في ذاته.

أولا: في الرد على الدفع بعدم اختصاص المحكمة الولائي: دفعت الحكومة في المذكرة المقدمة لعدالة المحكمة بجلسة 13/ 1/ 2013 في الطعن الماثل بعدم الاختصاص الولائي للمحكمة الدستورية ولسائر المحاكم على سند من القول: بان المادة (2) من قانون تنظيم القضاء تنص على أنه: «ليس للمحاكم أن تنظر في أعمال السيادة».

وان المراسيم بقوانين التي اصدرها صاحب السمو أمير البلاد، سواء المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بتعديل بعض احكام القانون رقم 42 لسنة 2006 بتعديل الدوائر الانتخابية، أو المرسوم رقم 241 لسنة 2012 بحل مجلس الامة (مجلس 2009) للمرة الثانية أو مرسوم دعوة الناخبين رقم 258 لسنة 2012 بدعوة الناخبين، هي من اعمالا السيادة باعتبارها اعمال سياسية في نطاق علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية بهدف الحفاظ على كيان الدولة لمواجهة الاخطار الخارجية والداخلية.

– وهو دفع مردود عليه بما يلي:
• عدم سريان المادة (2) من قانون تنظيم القضاء: في ما نصت عليه من أنه «ليس للمحاكم أن تنظر في اعمال السيادة».

واساس ذلك أن هذا النص ورد في اخر مواد الفصل الاول المعنون بولاية المحاكم، وقد تلت هذه المادة في الفصل الثاني المعنون بترتيب المحاكم وتنظيمها، المادة (3) التي تنص على ان: تتكون المحاكم من: محكمة التمييز، ومحكمة الاستئناف، والمحكمة الكلية، والمحكمة الجزئية.

الامر الذي لا يجوز معه أن يفسر نص المادة (2) سالفة الذكر، وكأنها هائمة في فراغ، وبمعزل عن نصوص القانون الأخرى، وعلى رأسها المادة (3) سالفة الذكر التي حددت بنص صريح وواضح وعلى سبيل الحصر – المحاكم التي تسري عليها هذه المادة (2)، وليس من بينها المحكمة الدستورية.

ومن المقرر فقها وقضاء أنه يتعين أن يفسر القانون باعتباره وحدة واحدة.

ولئن كانت المادة الثامنة من القانون رقم 14 لسنة 1973 بانشاء المحكمة الدستورية، قد نصت فقرتها الثانية على انه: «وتطبق في كل ما لم يرد بشأنه نص خاص في تلك اللائحة الاحكام المقررة لدى دائرة التمييز وذلك فيما لا يتعارض مع احكام هذا القانون أو مع طبيعة العمل في المحكمة الدستورية».

الا أن المقصود هو الاحكام المتعلقة بالاجراءات المقررة امام محكمة التمييز، ولا تنصرف إلى الاحكام المتعلقة بالاختصاص الولائي للمحاكم، على اختلاف انواعها التي حددتها المادة (3) على سبيل الحصر، فهي وحدها المخاطبة بحكم المادة (2) سالفة الذكر، ذلك أن مثل هذا النوع من الاختصاص الولائي للمحاكم، والذي يحدد من حق دستوري هو حق التقاضي، لا يمكن أن يرد في لائحة بل في قانون، ولو اراد المشرع أن يضمن هذا الحكم قانون المحكمة الدستورية لنص عليه صراحة.

ولا يعدو ذلك أن يكون حرصا من المشرع على أن يترك للمحكمة الدستورية تقرير ما تراه ممتنعا عليها نظره من اعمال برلمانية ومن اعمال سياسية، بسبب طبيعة عمل هذه المحكمة، والذي يملي عليها القيام بدور سياسي.

ذلك أن المحكمة الدستورية، شاءت أم أبت، تلعب دورا سياسيا مهما باعطاء النص الدستوري المعني الذي اراده له واضعو الدستور، أو الذي يفرضه عليها الواقع وحاجاته ومقتضياته، فتفرض على هذا الواقع، من ناحيتها ما تعتقده من مثل عليا وغايات ومرام تستلهمها من وجدان المجتمع الذي يعيشه القاضي وهي مبادئ يختلف فيها التقدير من محكمة إلى اخرى ومن قاض الى آخر في المحكمة ذاتها.

وتحمل هذه المبادئ في طياتها تأثيرا على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بما يجعل لها دورا سياسيا وهو ما دفع البعض إلى القول بان نظام الحكم في الولايات المتحدة الاميركية اشبه بعربة تجرها ثلاثة خيول، الرئيس والكونغرس والمحكمة العليا الاتحادية.

وكان لولاية المحكمة الدستورية تفسير النصوص الدستورية الدور الاساسي الاكبر للمحكمة في تحقيق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفي رقابة العمل البرلماني من الانحراف عن نصوص الدستور، سواء كان سؤالا او تحقيقا برلمانيا او استجوابا.

ولهذا فإن الحفاظ على هذا الدور المتعاظم للمحكمة الدستورية في الكويت وعلى استقلالها، يجب ان يكون من اولويات المحكمة الدستورية، فهي رمانة الميزان في تحقيق الاهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي توخاها الدستور، بل ان بعض الدساتير المعاصرة تنص صراحة على اختصاص المحكمة الدستورية بالفصل في المنازعات التي تشجر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
• المرسوم بقانون يمس احدى الحريات العامة: وقد انصفت الحكومة الحقيقة من نفسها عندما اسست الدفع بعدم الاختصاص الولائي، للمحكمة، بأن المراسيم المشار اليها اعمال سياسية صدرت في نطاق علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية، الامر الذي لا ينعقد اختصاص المحكمة الدستورية بنظرها.

إلا ان ذلك ليس صحيحا في مجمله، لأن من الاعمال السياسية، ما يتناول حرية من الحريات العامة، او حقا من حقوق المواطنين واية ذلك ان المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 يمس حرية الرأي وحرية التعبير، وهي احدى الحريات العامة، فلا يعتبر بحال من الأحوال عملا محصورا في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ذلك ان المرسوم بقانون سالف الذكر يمس حق الاقتراع، وان اي انتقاص من هذا الحق يمثل عدوانا على حرية الرأي وحق التعبير عنه، وفقا لقضاء مستقر للمحكمة الدستورية العليا في مصر قررت بأن «حق الاقتراع صورة من صور التعبير عن الرأي من خلال ادلاء الناخبين بأصواتهم التي يبلورون بها ارادة اختيار ممثليهم. (جلسة 7/ 2/ 1998 القضية رقم 77 لسنة 19 قضائية دستورية).

كما قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بأنه لا يجوز التذرع بتنظيم العملية لانتخابية للاخلال بالحقوق التي ربطها بما يعطل جوهرها او لتأمين مصالح جانبية محدودة اهميتها، او التدخل بالقيود التي يفرضها المشرع عليها للحد من حرية التعبير وذلك ان حرية التعبير هي قاعدة التنظيم الانتخابي ومحوره وان تنظيم العملية الانتخابية لا يكون ممكنا إلا اذا كان معقولا، وإلا اذا كان محايدا في محتواه، وهو لا يكون كذلك إلا بما يوفره لهيئة الناخبين من حقائق تعينها على تحديد موقفها من المرشحين الذين يريدون الظفر بثقتها، ومن خلال التعريف بأحقيتها في الدفاع عن مطالبها ولتكون المفاضلة بين المرشحين على اسس موضوعية لها ما يظاهرها وفق قناعتها بموقفهم من قضاياها (ق2 لسنة 16 ق دستورية بجلسة 3/ 2/ 1996).
3 – قضاء المحكمة الدستورية:
الذي قضت فيه بجلستها المعقودة بتاريخ 20 يونيو 2012 في الطلبين المقيدين برقم 5 و29 لسنة 2012 (طعون انتخابية) وفي بطلان عملية الانتخابات برمتها التي اجريت بتاريخ 2/ 2/ 2012 في الدوائر الخمس، وبعدم صحة عضوية من اعلن فوزهم فيها لبطلان حل مجلس الامة وبطلان مرسوم دعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة والتي تمت على اساسها هذه الانتخابات.

اي ان المحكمة الدستورية في الكويت قد بسطت ولايتها القضائية في الطعون الانتخابية على جميع المراسيم بقوانين والمراسيم، النظيرة في الطعن الماثل.
حق الناخب مطلق
ثانيا: الرد على الدفع بعدم قبول الطعن لرفعه من غير ذي صفة: وهو الدفع الذي اسسته الحكومة على ما تنص عليه المادة 41 من القانون رقم 35 لسنة 1962 من ان «لكل ناخب ان يطلب ابطال الانتخاب الذي حصل في دائرته الانتخابية ولكل مرشح طلب ذلك في الدائرة التي كان مرشحا فيها».

بمقولة ان المشرع قصر حق الطعن في نتائج الانتخاب على الناخب او المرشح وحدد نطاق الطعن على الدائرة الانتخابية التي اقترع بها او ترشح فيها، وان مفهوم الناخب في سياق هذا النص هو من قام بعملية الاقتراع بالفعل، مشاركا فيها بدور ايجابي، وذلك عن طريق الادلاء بصوته، فهو فقط – في نظر المشرع – من تتوافر به شرط الصفة في الطعن على الانتخابات التي حصلت في دائرته، ضمانا لجدية الطعون الانتخابية، وانه لا يقبل إلا ممن شارك بالانتخابات فعلا، ناخبا كان أم مرشحا، اما من قعد عن ممارسة هذا الدور، متخذا موقفا سلبيا من الانتخابات ترشيحا او انتخابا، فلا يحق له الطعن بنتائج الانتخابات اي ان دلالة عبارة الناخب الواردة في نص المادة (41) لا تنصرف الى كل من هو، مقيد بالسجل الانتخابي، بل جاءت العبارة محددة وواضحة بلفظ الناخب او المرشح، ولو اراد المشرع شمول حق الطعن على كل من هو مقيد بالسجل الانتخابي، لما اعوزه المشرع النص عليه صراحة، كما فعل في نص المادتين (13، 16) من ذات القانون.

وهو دفع مردود عليه بما يلي:
تنص الفقرة الاولى من المادة 41 من قانون الانتخاب على ان «لكل ناخب ان يطلب ابطال الانتخاب الذي حصل في دائرته الانتخابية، ولكل مرشح طلب ذلك في الدائرة التي كان مرشحا فيها».

وقد ورد النص على حق الناخب بحكم عام ومطلق والاصل في الحكم العام، اي يسري على عمومه، وفي الحكم المطلق أن يجرى على اطلاقه، فيشمل كل من كان مقيدا في جداول الانتخاب.

ومن المقرر أن الاحكام القانونية تدور مع علتها وجودا وعدما وانه متى كان النص عاما مطلقا فلا محل لتخصيصه أو تقييده باستهداء الحكمة منه إذ في ذلك استحداث لحكم مغاير لم يأت به النص (التمييز جلسة 18/ 5/ 1992 – الطعن رقم 292/ 90 تجاري – جلسة 15/ 2/ 1993 – الطعن 148/ 92 تجاري وجلسة 10/ 6/ 2001 – الطعن 416/ 2000 تجاري) وانه لا يجوز الخروج على النص الصريح وتأويله بدعوى الاستهداء بالحكمة التي املته (التمييز جلسة 4/ 7 / 88 – الطعن 10/ 88 تجاري وجلسة 7/ 11/ 1995 – الطعن 107/ 95 تجاري).

لذلك، فان ما ذهبت اليه مذكرة الحكومة من وجوب أن يكون الناخب قد ادلى بصوته في الانتخابات هو تخصيص للحكم العام بغير مخصص من النص التشريعي وهو ما لا يجوز، خاصة وان هذا الالتواء في التفسير يهدر حقا دستوريا، وهو حق التقاضي المنصوص عليه في المادة (166) من الدستور.

وقد انصفت الحكومة الحقيقة من نفسها في المذكرة المقدمة منها عندما استشهدت بالمادتين (13، 16) من ذات القانون.

فالمادة (13) تنص على أن «لكل ذي شأن ولكل ناخب مدرج في جدول انتخاب الدائرة أن يطعن في قرار اللجنة (لجنة القيد في الجداول)…».

وبطبيعة الحال، فان الطعن في جداول الانتخاب، يتم قبل اجراء اي انتخابات، عندما يجري القيد في هذه الجداول أو تعديلها خلال شهر فبراير من كل عام.

وقد استشهدت الحكومة في هذا الدفع بالمادتين 13 و16 من قانون الانتخاب بقولها أن لفظ الناخب أو المرشح لا يفضي إلى كل من هو مقيد بالسجل الانتخابي، لانه – على حد زعمها – لو اراد المشرع شمول حق الطعن على كل من هو مقيد بالسجل الانتخابي، لما اعوز المشرع النص عليه صراحة، كما فعل في نص المادتين 13 و16 من ذات القانون.

وهو قول يفتقر إلى الفهم الصحيح للمادة 13، لان هذه المادة جاء نصها ليخصص من العموم ويقيد من الاطلاق الذي ورد به لفظ الناخب، بان اشترطت المادة 13 في من يطعن في جدول انتخاب الدائرة بان يكون مدرجا في جدولها في ما نصت عليه المادة 13 من أن «لكل ذي شأن ولكل ناخب مدرج في جدول انتخاب الدائرة أن يطعن في قرار اللجنة…» وهو نص يتوافق ويتناغم مع ما نصت عليه المادة 4 من القانون ذاته من أنه «على كل ناخب أن يتولى حقوقه الانتخابية بنفسه في الدائرة الانتخابية التي بها موطنه».

كما اوجبت عليه إذا غير موطنه اخطار وزارة الداخلية لاجراء التعديل اللازم في جدول الانتخاب.

اي أن الحكومة في استشهادها بهذا النص قد انصفت الحقيقة من نفسها، فدللت في المادة (41) بهذا النص على العموم والاطلاق في لفظ الناخب، بالتخصيص والتقييد الوارد في المادة (13) من القانون ذاته ليخصص من هذا العموم ويقيد من هذا الاطلاق، فاشترط في الناخب الذي يطعن في جدول انتخاب دائرة ما بأن يكون مقيدا في ذات الجدول، وهو ما تجسده المادة 4 من القانون التي قصرت حق الناخب في استخدام حقوقه الانتخابية على الدائرة التي بها موطنه، والمقيد في جدولها.

اما الاستشهاد بالمادة 16 التي تنص على اعطاء كل من قيد اسمه في الجدول شهادة بذلك، فيغيب عن ذهننا كما غاب عن ذهن الدفاع عن الحكومة سبب هذا الاستشهاد.

كما استشهدت الحكومة بالحكم الصادر من المحكمة الدستورية بجلستها المعقودة بتاريخ 13/ 1/ 2013 في الطعن الانتخابي رقم 8 لسنة 2008، في ما ورد في اسبابه من أن الطاعن قام بالادلاء بصوته في هذه الانتخابات، فمردود عليه بان الاسباب التي تحوز حجية، هي الاسباب الجوهرية التي ترتبط بمنطوق الحكم دون غيرها من اسباب، استطردت اليها المحكمة.

وحاصل وقائع هذا الحكم في أن ادارة الفتوى والتشريع دفعت بعدم قبول الطعن بمقولة أنه لا تتوافر في الطاعن صفة المرشح التي تسوغ له اقامة طعنه، وان هذه الصفة مازال امرها مرتبطا بنزاع قائم في الدعوى التي رفعها الطاعن امام الدائرة الادارية بالمحكمة الكلية طعنا على قرار استبعاده من الترشيح، وما فتئ هذا النزاع مطروحا عليها لم تفصل فيه بعد، كما أن طعنه المائل يكون والحال كذلك مقاما قبل الاوان، وبالتالي يغدو غير مقبول.

فقضت المحكمة الدستورية بان هذا النعي مردود عليه بان النص في المادة (41) من القانون رقم 35 لسنة 1962 في ما نصت عليه من أن «لكل ناخب أن يطلب ابطال الانتخاب الذي حصل في دائرته الانتخابية ولكل مرشح طلب ذلك في الدائرة التي كان مرشحا فيها».

وانه لما كان الثابت من الاوراق أن الطاعن وان كان قد تقدم بطلب ترشيح نفسه في انتخابات مجلس الامة لعام 2008 في (الدائرة الثالثة)، وتقرر استبعاد اسمه من كشوف المرشحين الا أنه قد قام بالادلاء بصوته في هذه الانتخابات على نحو ما هو واضح من الختم المذيل على شهادة الجنسية الخاصة به والمرفق صورتها الضوئية ضمن حافظة المستندات المقدمة منه في هذا الطعن، وهو ما يوفر له الصفة تبعا لذلك في طلب ابطال الانتخابات التي جرت في دائرته الانتخابية، فمن ثم يضحى الدفع في جملته على غير اساس من القانون متعينا رفضه.

والبادي من هذا الحكم أن ما ورد في اسبابه من أن الطاعن قد قام بالادلاء بصوته في هذه الانتخابات على نحو ما هو واضح من الختم المذيل على شهادة الجنسية، لاعتباره ذا صفة في الطعن، لم يكن تعريفا من المحكمة الدستورية للناخب في تطبيق المادة 41، بل في سياق تحقيق وقائع الدعوى، وما قدم إلى عدالة المحكمة من مستندات تثبت صفة الطاعن وليس معناه انتفاء صفة الطاعن في خصومة اخرى، إذا اكتفى بتقديم شهادة بقيده في جدول انتخابات الدائرة المقيد فيها، فالمحكمة الدستورية كانت في سياق تقييم دليل من الادلة المقدمة في الدعوى، لاثبات الصفة فيها، ولا ينسحب حكمها الى استبعاد اي دليل اخر من الادلة.

والواقع ان صفة الناخب تظل قائمة بالشخص ولا تزايله ولو كان لم يصوت في الانتخابات التي يطعن عليها، فقد يحول دون استخدام حقه في التصويت، غلق اللجنة قبل الموعد المحدد لها، او حدوث اضطرابات قرب اللجنة، حالت بينه وبين التصويت، او موقف ايجابي، قاطع فيه الناخب الانتخابات بسبب انتهاكات لاحكام القانون، او بسبب انتخابات فرعية افرزت مرشحين لا يطمئن الى قدرتهم على تمثيله.

اما اعطاء كل ذي شأن الحق في طعن في قرار اللجنة وعدم الاكتفاء باعطاء هذا الحق للناخب، فذلك مرده ان الطعن في قرار اللجنة قد يقدم من شخص حرم من القيد في جداول الانتخابات دون وجه حق.
أدلة الحكومة

ثالثا: الرد على ما ساقته الحكومة لرفض الطعن: وفي طلب رفض الطعن، اسست الحكومة طلبها على ان الحكم الوارد به انما يتعلق بتنظيم العملية الانتخابية بتعديل عدد الاصوات التي يدلي بها الناخب، باستبداله بصوت واحد، بدلاً من اربعة اصوات، بنص عام مجرد، بما لا ينال من حقوق الناخب الدستورية، كافلاً وحدة تطبيقها وتجرد موضوعها، لا يقيم تمايز بين الناخبين او المرشحين، بل ساوى بينهم جميعاً، وفقاً لسلطة المشرع في اختيار البدائل الاكثر ملاءمة من غيره تحقيقاً للاغراض التي يتوخاها من هذا التنظيم، طالما كان هذا التقدير قائماً على اسس موضوعية، مستهدفاً تحقيق غايات مشروعة، كافلاً وحدة تطبيق القاعدة القانونية على جميع الناخبين، دون ان تقيم تمايزا بينهم في جميع الدوائر، مما لا وجه للادعاء بنكوص النظام الديموقراطي على عقبيه، او بمخالفته لاحكام الدستور، او الاعتداء على حق الاقتراع العام، وعلى حق الترشيح لعضوية مجلس الامة، او على حرية الرأي وحق التعبير، او مخالفة عرف دستوري مفسر ومستقر، الذي لم يقم الدليل على وجود هذا العرف المدعى به، لاسيما مخالف هذا الأمر لنصوص الدستور الذي جعل امر تعديل الانتخابات بقانون.

والبادئ من الاسباب سالفة الذكر ان الحكومة تستند في طلب رفض الطعن الى ان الحكم الوارد في المرسوم بقانون يقصر حق الناخب على صوت واحد هو استخدام لسلطة المشرع في اختيار البدائل الاكثر ملاءمة من غيره، طالما انه لا يقيم تمايزا بين الناخبين، كافلاً وحدة تطبيق القاعدة القانونية، بما لا ينال من حقوق الناخب الدستورية.
اي ان الحكومة من حيث ارادت ان تدفع عن المرسوم بقانون العوار الدستوري الذي اصابه، قد اعترفت بهذا العوار في سياق الشروط التي تطلبتها لحمل هذا المرسوم بقانون محمل الصحة عندما اشترطت:
«ألا ينال التنظيم من حقوق الناخب الدستورية»

وقد نال تقرير الصوت الواحد من حقوق الناخب الدستورية، وهو ما سندلل عليه في القسم الثاني في الدفع بعدم دستورية نص مادة التصويت الواحد.

عبء اثبات العرف المفسر
وفي الرد على ما قلناه من ان هناك عرفاً دستورياً مفسراً ومستقراً، لتعدد اصوات الناخب في كل القوانين التي صدرت بتنظيم العملية الانتخابية منذ تأسيس المجلس التأسيسي، تنسب الحكومة الى الطعن في المذكرة سالفة الذكر المقدمة منها بأن الطعن:

«لم يقم الدليل على وجود هذا العرف المدعى به»
وهو قول مردود عليه بأن العرف المفسر المستقر الذي استندنا اليه هو عرف مفسر المادة (80) من الدستور تجسد من قوانين تنظيم الانتخابات منذ ان جرت اول انتخابات للمجلس التأسيسي.
ومن المقرر ان القوانين الوطنية لا تحتاج الى اقامة دليل عليها لانه يفترض في الدفاع وفي المحكمة العلم بها، فهي ليست وقائع مادية استقر بها عرف، بما يستوجب اقامة الدليل عليها.
وان القوانين الأجنبية هي وحدها التي يجب على الخصم الذي يستند اليها ان يقيم الدليل عليها اذا كانت غير معروفة في البلد المنظور فيه الدعوى (موجز اصول الاثبات – د/ سليمان مرقص – ط 1957 – ص 5).
انتفاء الضرورة:
وبالنسبة الى ما زعمته الحكومة في مذكرتها من ان شرط الضرورة هو شرط يقدره الأمير، واذا اقر مجلس الأمة المرسوم بقانون فقد اقر حالة الضرورة، واستشهدت في ذلك بالحكم الذي اصدرته المحكمة الدستورية بجلستها المعقودة بتاريخ 17/ 9/ 2008 في الطعن رقم 20 او 21 لسنة 2008، وهو قول غير صحيح، ذلك انه يبين من الاطلاع على الحكم الصادر في الطعن رقم 21 لسنة 2008، برفض الدفع بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 2008، ان المحكمة بنته على اسباب محصلها، انها راجعت الاسباب التي ارتكن اليها صدور هذا المرسوم بقانون، وانها لم تجد في ما توخاه المرسوم ما يؤيد الادعاء بصدوره على خلاف ما تقضي به المادة (71) من الدستور بما يجعل الادعاء بذلك على غير اساس.
(عدم دستورية الصوت الواحد)
في القسم الثاني ندفع بعدم دستورية المادة الثانية من القانون رقم 42 لسنة 2006 باعادة تحديد الدوائر الانتخابية معدلة بالمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012، في ما نصت عليه من ان: «ينتخب في كل دائرة عشرة اعضاء على أن يكون لكل ناخب حق الادلاء بصوته لمرشح واحد في الدائرة المقيد فيها ويعتبر باطلا التصويت لاكثر من هذا العدد».
بادئ ذي بدء فقد قضت المحكمة الدستورية بجلستها المعقودة بتاريخ 17/ 9/ 2008 في الطعن المقيد امامها برقم 21 لسنة 2008 (طعون خاصة بانتخابات مجلس الامة لعام 2008).
بانه يجوز أن يدفع امامها بوصفها محكمة موضوع بعدم دستورية اي قانون أو مرسوم بقانون أو لائحة، يكون لازما للفصل في الطعن الانتخابي المعروض عليها، وهي التي تقدر عندئذ جدية الدفع المبدى امامها، فان قبلته فصلت في المساءلة الدستورية كمحكمة دستورية، وان رفضته فلا معقب عليها على هذا الرفض.
وقد وعد صاحب السمو نواب الامة والقيادات الوطنية في لقائه بهم، بانه سيلتزم بما سوف تقرره المحكمة الدستورية.
وقد بينت اسباب الدفع على ست نقاط هي العدوان على حرية الرأي وحق التعبير. ونكوص النظام الديموقراطي على عقبيه. والعدوان على حق الاقتراع العام. والعدوان على حق الترشح لعضوية مجلس الامة. ومخالفة احكام المادة 108 من الدستور. ومخالفة عرف دستوري مفسر ومستقر.
أولا: العدوان على حرية الرأي وحق التعبير عنه:
ان الاصل في النصوص الدستورية، انها تفسر بافتراض تكاملها، فلا ينعزل نص عن غيره، تجمعها الوحدة العضوية التي تستخلص منها مراميها.
وفي هذا السياق تنص المادة 175 من الدستور على أن «الاحكام الخاصة بالنظام الاميري الكويتي وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها، ما لم يكن التنقيح خاصا بلقب الامارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة».
ومؤدى هذا النص أن مبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور، وهي مبادئ تعلو الدساتير ذاتها، قد عصمها الدستور من اي تنقيح، الا لمزيد من ضمانات الحرية والمساواة، درءا لاقتحام تخوم هذه المبادئ في اي تنقيح للدستور، بما يهدرها أو ينتقص منها.
ولما كان حق الاقتراع العام هو تعبير عن حرية الرأي وصورة من صور حرية التعبير.
وهو ما قضت به المحكمة الدستورية العليا في مصر مقررة بان حق الاقتراع صورة من صور التعبير عن الرأي من خلال ادلاء الناخبين باصواتهم التي يبلورون بها ارادة اختيار ممثليهم (جلسة 7/ 2/ 1998 القضية رقم 77 لسنة 19 قضائية دستورية).
وهو ما قضت به كذلك المحكمة الدستورية في الكويت عندما قررت بان اجراءات الانتخاب ليست هي الغرض المقصود بذاته من عملية الانتخاب، بل أن كل الاجراءات التي شملها القانون انما وضعت للوصول إلى نتيجة واحدة وهي تمكين كل ناخب من ابداء رأيه بحرية (جلسة 17/ 9/ 2008، الطعن رقم 21/ 2008 طعون انتخابية).
لذلك فان الانتقاص من حق الاقتراع العام يكون بذلك عصيا حتى على تنقيح الدستور الذي يتطلب اقراره اجراءات طويلة ومعقدة واغلبية خاصة تصل إلى الثلثين بعد تقديم طلب من الامير ومن ثلث اعضاء مجلس الامة وموافقة اغلبية اعضاء مجلس الامة على مبدأ التنقيح وموضوعه، وبعد هذه الموافقة تتم مناقشة المواد مادة مادة، باعتباره فرعا من حرية الرأي وحق التعبير، لان ذلك المساس بحق الاقتراع العام يستعصي حتى على التنقيح الدستوري بالاجراءات والضمانات سالفة الذكر، فلا يجوز لقانون ولو كان صادرا من السلطة التشريعية الاصيلة، أن يمس هذا الحق وهو ما يجعل المساس بحق الاقتراع العام مستعصيا تماما على السلطة الاستثنائية للامير المنصوص عليها في المادة 71 من الدستور.
ذلك أن ضمان الدستور لحق التعبير عن الرأي ونشره بالقول والكتابة وغيرهما من وسائل التعبير، الذي تقرره المادة (36) من الدستور، بوصف أن الحرية هي الاصل التي لا يتم الحوار المفتوح بين الرأي والرأي الاخر الا في نطاقها، ويتفرع عنها حق الاقتراع وحق الاجتماع، إذ بدون هذه الحرية لا يكون هناك مغزى من حق الاقتراع أو جدوى من حق الاجتماع.
ويعتبر حق الاقتراع العام صورة من صور حرية التعبير في الشؤون العامة، عندما يختار المواطنون ممثليهم في مجلس الامة، هو الاكثر اثرا وخطرا في النظام الديموقراطي، فأي انتقاص منه هو عدوان على حرية الرأي وحق المواطن في التعبير عن ارائهم في شؤون الحكم.
وان صون حق الاقتراع العام والايمان به يتعين أن يكون دوما بتحمل تبعاته، والا اعتبر هذا الحق والايمان به شكلا بغير مضمون.
كما قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بأنه لا يجوز التذرع بتنظيم العملية الانتخابية للاخلال بالحقوق التي ربطها بما يعطل جوهرها أو لتأمين مصالح جانبية محدودة اهميتها، أو التدخل بالقيود التي يفرضها المشرع عليها للحد من حرية التعبير وذلك أن حرية التعبير هي
قاعدة التنظيم الانتخابي ومحوره وان تنظيم العملية الانتخابية لا يكون ممكنا الا اذا كان معقولا، والا اذا كان محايدا في محتواه، وهو لا يكون كذلك الا بما يوفره لهيئة الناخبين من حقائق تعينها على تحديد موقفها من المرشحين الذين يريدون الظفر بثقتها، ومن خلال التعريف باحقيتها في الدفاع عن مطالبها ولتكون المفاضلة بين المرشحين على اسس موضوعية لها ما يظهرها وفق قناعتها بموقفهم من قضاياها (ق2 لسنة 16 ق دستورية بجلسة 1996/2/3).
ومن هنا فان المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 الذي قصر حق الناخب في التصويت على صوت واحد يكون مشوبا بعوار دستوري هو مصادرة حق الناخب في التعبير عن رأيه بالنسبة الى سائر المرشحين الذين تضمهم قائمة الفائزين في هذه الانتخابات والذين يمثلونه في الدائرة المقيد على جداولها، بما يدمغ هذا المرسوم بقانون بعدم دستوريته.
ثانيا: نكوص النظام الديموقراطي على عقبيه: يعتبر الاقتراع العام محور السيادة الشعبية تنص المادة 6 من الدستور على ان نظام الحكم في الكويت ديموقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور.
ولهذا اخذ الدستور الكويتي بمبدأ الاقتراع العام الذي يخول كل مواطن حق الانتخاب، ولا يستبعد اي مواطن، ذلك ان استخدام حق الانتخاب هو استخدام للسيادة الشعبية او سيادة الامة مصدر السلطات جميعا.
وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بان حقي الاقتراع والترشيح هما محور السيادة الشعبية وقاعدة بنيانها، فلا يجوز انكار اصل وجودهما او تقييد اثارهما بما يحول دون مباشرتهما على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا بممارستهما او الانتفاع بهما (جلسة 1996/2/3 القضية رقم 2 لسنة 16 قضائية دستورية).
كما نص الدستور في المادة 82 على الشروط التي يتطلبها في عضوية مجلس الامة فتطلب من العضو ما تطلبه من شروط في الناخب وفقا لقانون الانتخاب، مؤكدا في المادة 80 على حق الاقتراع العام.
الامر الذي يجعل من اي قيود على اي من الحقين الاقتراع او الترشح لمجلس الامة نكوصا للنظام الديموقراطي على عقبيه.
فضلا عن ان الطبيعة الحساسة للعملية الانتخابية ووجوب توفير الضمانات الضرورية لطهارة ونزاهة الانتخابات والنأي بالسلطة التنفيذية عن التدخل فيها او التأثير عليها قد فرضت على المشرع ان يحدد شروط الناخب بطريقة آمره وعلى سبيل الالزام والتي تتحدد تبعا لها شروط العضوية في السلطة التشريعية التي تبسط رقابتها على السلطة التنفيذية فلا يجوز ان يكون تشكيلها وتكوينها رهنا بارادة هذه السلطة الأخيرة.
النظام الانتخابي ليس حقلا للتجارب: وأن اي نظام جديد للانتخاب ان لم يكن مقطوعا بدستورية ومدى اتفاقه مع المعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبجدواه من حيث توسيع دائرة المشاركة الشعبية وتعزيز المؤسسات الدستورية، ليس مقبولا ان يؤخذ به على سبيل التجربة، لان تجربة تنظيم جديد يتعلق بتشكيل المؤسسة التشريعية قد تجني الممارسة الديموقراطية ثماره لسنوات طويلة، قد تترسخ فيها مبادئ وتقاليد لا تتفق والاصول البرلمانية السليمة، وتترك ظلالها وبصماتها لفصول تشريعية مقبلة.
ومؤدى ما تقدم من نصوص ومبادئ دستورية، فان الاقتراع العام هو محور السيادة الشعبية، التي تمارسها الامة مصدر السلطات، ولهذا حرص الدستور على النص عليه، وعدم فرض قيود على اي من الحقين، كماان قيام نظام الحكم في الكويت على اساس مبدأ الفصل بين السلطات، يجعل من أي قيود تفرضها السلطة التنفيذية على هذين الحقين في غياب البرلمان، بما يؤثر على تكوين هيئة الناخبين وتشكيل البرلمان.
وترتيبا على ما تقدم فان المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 فيما تضمنه من قصر حق الناخب على صوت واحد، يكون منطويا على نكوص النظام الديموقراطي على عقبية باهدار مبدأ السيادة الشعبية الذي هو جوهر حق الاقتراع العام، وما يرتبه على ذلك الدستور والقانون من بطلان العملية الانتخابية برمتها، التي جرت في الاول من ديسمبر سنة 2012 من انتخاب اعضاء مجلس الامة على اساس المرسوم بقانون المشار اليه، والذي شابه عوار دستوري يدمغه بعدم دستوريته.
ثالثا: العدوان على حق الاقتراع العام: كانت حقوق الانسان هي الشغل الشاغل للاجداد والاباء الذين وضعوا دستور الكويت، قبل ان تصبح هذه الحقوق، قضية كونية، يثير العدوان عليها حفيظة الرأي العام العالمي، فضلاً عن حفيظة الرأي العام الاقليمي والوطني.
ولذلك جاء الدستور حافلاً بهذه الحقوق، حرية العقيدة وحرية الرأي وحق التعبير عن الرأي، والحرية الشخصية والمساواة وافتراض البراءة في الانسان، وكرامة الانسان، وحق الاقتراع العام – الذي يعنينا في هذا المقام – وغيرها من حقوق، يمارسها الفرد مستظلاً بأحكام الدستور.
ومن هذه الحقوق والحريات ما اعتبره الدستور حقاً مطلقاً، لم يفوض الدستور القانون في تنظيمه، ويعتبر حق الاقتراع العام من هذه الحقوق.
ذلك ان واضعي الدستور قد استبعدوا تماماً حق الاقتراع المقيد تماشياً مع التحول الديموقراطي في العالم فقد كان حق الاقتراع المقيد، هو اول ما عرفه النظام الديموقراطي في العالم، حيث كان مقيداً بنصاب مالي او بحصوله على قسط من التعليم ولو في حده الادنى، الالمام بالقراءة والكتابة، كما كان مقصوراً على الذكور دون الاناث.
الا انه عقب الحرب العالمية الاولى بدأ التحول الديموقراطي نحو الاخذ بالاقتراع العام، تحت ضغط وتأثير النقابات، وازدياد الاهتمام بتمثيل كل فئات وطبقات المجتمع، بما يضمن كذلك كفالة مبدأ المساواة بين المواطنين كافة وترسيخ حرية الرأي وحرية التعبير عن هذا الرأي في الشؤون العامة.
حيث تنص المادة (80) من الدستور على ان يتألف مجلس الأمة من خمسين عضوا ينتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر، وفقاً للاحكام التي يبينها قانون الانتخاب.
ويعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة اعضاء في هذا المجلس بحكم وظائفهم.
وتنص المادة (56) في فقرتها الاخيرة على انه «ولا يزيد عدد الوزراء جميعاً على ثلث عدد اعضاء مجلس الأمة».
وتنص المادة (82) على انه يشترط في عضو مجلس الأمة
أ – ان يكون كويتي الجنسية بصفة اصلية وفقاً للقانون.
ب – ان تتوافر فيه شروط الناخب وفقاً لقانون الانتخاب.
ج – الا تقل سنة يوم الانتخاب عن ثلاثين سنة ميلادية.
د – ان يجيد قراءة اللغة العربية وكتابتها.
والبين من استعراض النصوص الدستورية المتقدمة ان الدستور قد حدد تكوين كل من مجلس الامة من ناحية عدد اعضائه وشروط العضوية، كما حدد تكوين هيئة الناخبين، التي يهيمن على تكوينها مبدأ الاقتراع العام في ما تنص عليه المادة (80) من انتخاب اعضاء مجلس الامة بطريق الاقتراع العام السري المباشر.
وهو ما اكده الدستور عندما اشترطت المادة (82) في عضو مجلس الأمة «ان يكون ملماً بالقراءة والكتابة».
فهو شرط يحمل دلالتين، الدلالة الاولى المستفادة من ظاهر النص، وهي وجوب توافر هذا الشرط في من يرشح نفسه لعضوية مجلس الأمة، اما الدلالة الثانية، فهي المستفاد حكمها تبعاً وهي ان هذا الشرط قصر على عضو مجلس الأمة، ولا يشترط في الناخب، الذي فوضت المادة ذاتها القانون في تحديد شروطه.
وهو ما يعني ويؤكد ان مبدأ الاقتراع العام، هو مبدأ رسخ في ضمير واضعي دستور الكويت، فحرصوا على النص عليه في المادة (80) وعلى تأكيده بهذا الشرط في المادة (82)، لاستبعاد الاقتراع المقيد في كل صوره، فلا يتقيد حق الاقتراع حتى بشرط الالمام بالقراءة والكتابة طالما ان الدستور بنص صريح يشترطه في عضو مجلس الامة، بما يجعله قيداً على القانون الذي يحدد شروط الناخب.
وجدير بالذكر، ان حرمان المرأة من حق الانتخاب، والذي استتبعه حرمانها من حق الترشح للانتخاب، حتى صدور القانون 17 لسنة 2006، بمنحها كل حقوقها السياسية، كان انتهاكاً لحق الاقتراع العام، وليس اخلالا بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في هذه الحقوق فحسب.
الصوت الواحد قيد على حق الاقتراع العام: ومن المسلم به في كل الدول الديموقراطية ان حق الاقتراع لكل مواطن بلغ سن الرشد السياسي يعتبر امراً طبيعياً وغير قابل للجدل.
وهو الحق الذي ناضلت الشعوب لتحصل عليه، بعد ان كان الاقتراع مقيداً بطبقة الاحرار دون العبيد، وبطبقة الاشراف دون العامة، وبطبقة الاثرياء دون طبقة الفقراء، وفي ما كان يشترط بعد ذلك في الناخب من نصاب مالي، وبالذكور دون الاناث، او بالحصول على مؤهل علمي، وبتمييز بعض المواطنين على البعض.
ذلك ان الاصل وفقاً لاحكام القضاء الدستوري ان كل تنظيم تشريعي ينال من فرص الناخبين في الادلاء بأصواتهم لا يقل سواء عن حرمان بعضهم اصلا – ودون مسوغ – من حق الاقتراع العام (المحكمة الدستورية العليا في مصر القضية رقم 77 لسنة 19 قضائية دستورية – جلسة 7/ 2/ 1998).
لذلك يكون الصوت الواحد عدواناً على حق الاقتراع العام، في ما تضمنه المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 من قصر حق الناخب على صوت الواحد، وايد ذلك ان العدوان على الاقتراع العام لا يتمثل فقط في حرمان بعض المواطنين من التصويت كاملا بل يتمثل كذلك في منح المواطن حق التصويت منقوصا.
ويعتبر حق التصويت منقوصا، اذا كان قانون الانتخاب لا يمنح الناخب من الاصوات عددا يعادل عدد الاعضاء الذين يمثلونه في الدائرة المقيد على جدولها.
وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بان الحماية التي كفلها الدستور للمواطنين، واحاط بها هذا الحق، لا تقتصر على مجرد تمكينهم من الادلاء سرا بأصواتهم في صناديق الاقتراع اذا كانوا مؤهلين قانونا لمباشرة هذا الحق.
ولا تقتصر هذه الحماية على عدم إنكار حقهم في الاقتراع ابتداء او عدم ابدال اصواتهم وتزييفها او عدم تكديس صناديق الاقتراع باصوات غير تلك التي ابديت.
بل يفترض في اي نظام ديموقراطي للحكم ان يكون حق الاقتراع منضبطا وفق قواعد محددة يكون اعمالا منصفا وعادلا فلا يباشره المواطنون مثقلا بقيود تؤثر في وزن اصواتهم لتضعفها او تفرقها (الحكم الصادر في الطعن رقم 77 لسنة 19 المشار اليه).
ذلك ان الاصل وفقا لاحكام القضاء الدستوري انه لا يجوز التذرع بتنظيم العملية الانتخابية للاخلال بالحقوق التي ربطها بهذا التنظيم بما يعطل جوهرها، او لتأمين مصالح جانبية محدودة اهميتها، او التدخل بالقيود التي يفرضها المشرع عليها للحد من حرية التعبير، لان حرية التعبير هي قاعدة التنظيم الانتخابي ومحددة، لان تنظيم العملية الانتخابية لا يكون ممكنا الا اذا كان معقولا والا اذا كان محايدا في محتواه.
وهو لا يكون كذلك الا بما يوفره لهيئة الناخبين الحقائق التي تعينها على تحديد موقفها من المرشحين الذين يريدون الظفر بثقتها.
ومن خلال تعريفها بأحقيتهم في الدفاع عن مطالبها بمراعاة ملكاتهم وقدراتهم ولتكون المفاضلة بين المرشحين على اسس موضوعية لها ما يظاهرها وفق قناعتهم بموقفهم من قضاياها (ق2 لسنة 16ق دستورية الحكم الصادر بجلسة 1996/2/3 من المحكمة الدستورية العليا في مصر).
وان الانتقاص من حق الاقتراع العام ينعكس سلبا على فرض تعبير الناخبين عن رغباتهم من خلال اصواتهم، فلا يكون لها فعاليتها في شأن اختيار من يطمئنون اليهم. (المحكمة الدستورية العليا بمصر الطعن رقم 77 لسنة 19 ق).
(مخالفات دستورية)
رابعا: العدوان على حق الترشح: تجسد المادة (82) التكامل بين حق الناخب وحق المرشح في ما نصت عليه من انه يشترط في عضو مجلس الامة ان تتوافر فيه شروط الناخب بالاضافة الى الشروط التي اشترطتها، فقد اكد الدستور بذلك الربط لزاما وبطريقة حتمية بين حق الانتخاب وحق الترشيح، فمن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب يحق له اذا استوفى الشروط الاخرى، المنصوص عليها في المادة (82) من الدستور ترشيح نفسه لعضوية مجلس الامة.
وهو ما قضت به المحكمة الدستورية العليا في مصر في قضائها الذي قالت فيه:ان حق المرشحين في الفوز بعضوية البرلمان لا ينفصل عن حق الناخبين في الادلاء بأصواتهم لاختيار من يثقون فيه من بينهم، ذلك ان هذين الحقين مرتبطان، ويتبادلان التأثير في ما بينهما.
كما قضي بان حق الترشيح وحق الانتخاب يجب مباشرتهما على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا لممارستهما.
وان حق الترشيح وحق الانتخاب حقان مترابطان يتبادلان التأثير في ما بينهما، فلا يجوز ان تفرض على مباشرة ايهما قيود يكون من شأنها المساس بمضمونهما ما يعوق ممارستهما بصورة جدية وفعالة، وذلك ضمانا لحق المواطنين في اختيار ممثليهم في المجالس النيابية باعتبار ان السلطة الشرعية لا يفرضها الا الناخبون، وكان هذان الحقان لازمين حتميا لاعمال الديموقراطية في محتواها المقرر دستوريا ولضمان ان تكون المجالس النيابية كاشفة في حقيقتها عن الارادة الشعبية، ومعبرة تعبيرا صادقا عنها (القضية رقم 11 لسنة 13 ق دستورية بجلسة 2000/7/8).
كما قضت المحكمة الدستورية في الكويت بتاريخ 16 من يوليو 2008 حيث انه من المسلم به ان حق الترشيح هو حق اصيل شانه شأن باقي الحقوق السياسية لا يتمتع به الا من هو مستوفي الشروط، اهل لممارسته، قادر على ادائه، وهو من الحقوق التي لا تقبل بطبيعتها من القيود الا ما كان هادفا للمصلحة العامة ومحققا لاغراضها، هذا وقد تكفل الدستور في المادة (82) منه ببيان ما يشترط في عضو مجلس الامة، متطلبا من بين تلك الشروط أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب، كما رددت المادة (2) من اللائحة الداخلية لمجلس الامة الصادرة بالقانون رقم (12) لسنة 1963 ذات ما ورد بالمادة (82) من الدستور.
وقد قضى بأن حقي الاقتراع والترشيح – يجب مباشرتهما على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا لممارستهما أو الانفتاع بهما. (القضية رقم 2 لسنة 16 ق دستورية بجلسة 3/ 2/ 1996 ج دستورية ص 470).
ولئن كان للمشرع سلطة تقديرية في تنظيم العملية الانتخابية، الا أن سلطته في هذا الشأن تجد حدها الطبيعي في عدم الخروج على القيود والضوابط والمبادئ التي نص عليها الدستور وعدم المساس بالحريات والحقوق العامة التي كفلتها نصوصه.
الا أن سلطته هذه كما قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر لا يجوز أن تنال من تلك الحقوق بما يقلص من محتواها، أو يجردها من خصائصها أو يقيد من اثارها، والا كان هذا التنظيم مخالفا للدستور (القضية رقم 2 لسنة 16 ق دستورية بجلسة 3/ 2/ 1996).
ولا يجوز بالتالي أن تفرض على مباشرة ايهما القيود التي لا تتصل بتكامل العملية الانتخابية وضمان مصداقيتها، أو بما يكون كافلا انصافها، وتدفق الحقائق الموضوعية، بل يجب أن تتوفر للقيود التي يفرضها هذا التنظيم، اسس ضبطها بما يصون حيدتها، ويحقق الفرص المتكافئة بين المتزاحمين فيها (الحكم الصادر بجلسة 3/ 2/ 1996 في القضية رقم 2 لسنة 16 ق دستورية).
وترتيبا على ذلك فان العيب الذي شاب المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 فيما تضمنه من قصر حق الناخب على صوت واحد لا يقتصر ما شابه من عوار دستوري هو العدوان على مبدأ الاقتراع العام، بل ينطوي كذلك عدوانا على حق الترشح لان قصر حق الناخب على صوت واحد يعطيه لمرشح دون سواه معناه حرمان مرشحين آخرين من اصوات الناخب والتي كان يمكن أن يحصلوا عليها وتحقق فوزهم في الانتخابات، يدمغ هذا المرسوم بقانون بعدم دستوريته، ويكون قد انعكس على العملية الانتخابية برمتها بما يبطلها ويبطل فوز المرشحين في هذه الانتخابات بالصوت الواحد.
خامسا: مخالفة أحكام المادة 108 من الدستور: ذلك أن الدستور في ما ينص عليه في المادة المذكورة من أن «عضو مجلس الامة يمثل الامة بأسرها، ويرعى المصلحة العامة».
ليس نصا هائما في فراغ، يفسر بمعزل عن نصوص الدستور الاخرى، وبمعزل عن الحقوق الدستورية التي كفلها الدستور للمواطنين وصانها، واخصها حق الاقتراع العام، بل تعتبر نصوص الدستور وحدة واحدة، يكمل كل نص النص الآخر، وان الانتقاص من حق الناخب في التصويت إلى عشر ما يستحقه المواطن من اصوات، يباعد بين هذا النص الدستوري، وبين تطبيقه على ارض الواقع، اي أنه يباعد بين النائب وبين تمثيله للامة باسرها، حيث يقتصر ما يفوز به النائب من اصوات على عدد محدود لا يمثل من الاصوات الصحيحة المعطاة الا عشرها، بعد أن اصبح الناخب لا ينتخب الا نائبا واحدا، وكان يفترض أن ينتخب عشرة اعضاء، هم مجموع من يمثلونه في الدائرة.
ولعل ابلغ مثال عن ذلك، أن احد الفائزين بعضوية مجلس الامة في الانتخابات الاخيرة التي مرت على اساس الصوت الواحد والمطعون عليها لم يحصل الا على اقل من 2 في المئة اصوات الناخبين، اي اقل من 4 في المئة من مجموع الاصوات الصحيحة المعطاة على مستوى الدولة، فكيف يكون النائب ممثلا للامة بأسرها، وهو لا يدين باصواته الا إلى هذه النسبة المحدودة؟
ومن هنا فان المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بقصره حق الناخب في التصويت على صوت واحد، يكون مخالفا للمبدأ الدستوري الذي يقضي بأن النائب يمثل الامة بأسرها، وهو المبدأ الذي جسدته المادة 108 من الدستور.
سادسا: مخالفة عرف دستوري مفسر ومستقر: يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن».
لهذا توسط العرف مكانه في الشريعة الاسلامية حتى قيل ان الثابت بالعرف كالثابت بالنص والمعروف عرفا كالمشروط شرطا.
كما نصت المادة 36 من مجلة الاحكام العدلية على ان العادة محكمة بمعنى ان العادة عامة كانت او خاصة تجعل حكما لإثبات حكم شرعي، والعادة هي ما يستقر في النفوس من الامور المتكررة المعقولة عند الطبائع السليمة.
كما نصت المادة 37 من المجلة على ان استعمال الناس حجة يجب العمل بها.
العرف هو المصدر الشعبي الاصيل الذي يتصل اتصالا مباشرا بالجماعة ويعتبر وسيلتها لتنظيم تفاصيل المعاملات التي يعجز التشريع عن تناولها بسبب تشعبها او استعصائها على النص، ولذلك ظل هذا المصدر وسيظل الى جانب التشريع مصدرا تكميليا خصبا.
لذلك اعترف القانون المدني الصادر بالمرسوم بقانون رقم 67 لسنة 1980 بالعرف، باعتباره مصدرا من مصادر القانون، إلا ان ورود هذا الاعتراف في القانون المدني، لا يعني انه يطبق على المعاملات المدنية وحدها، بل يمتد العرف ليشمل كل فروع القانون العام والخاص، فيوجد الى جانب الدستور المكتوب عرف دستوري، والى جانب اللائحة الداخلية لمجلس الامة عرف برلماني.
وتوجد اعراف دستورية وسياسية مهمة في الحياة الدستورية والسياسية للكثير من الدول، ففي الولايات المتحدة الاميركية لا يعلم الكثيرون ان عدم جواز انتخاب رئيس الجمهورية لفترة ثالثة، لا يستند الى نص دستوري انما الى العرف الدستوري وان عدم جواز اختيار رئيس مجلس الوزراء في بريطانيا من اللوردات يرجع الى عرف دستوري في سابقة في العام 1923 عندما اعترض على اختيار اللورد CURZON رئيسا لمجلس الوزراء، فاستبدل به المستر بلدوين.
والعرف ليس بالضرورة عرفا منشئا في حالة غياب النص التشريعي او مكملا في حالة استكمال ما لم تنظمه النصوص التشريعية، بل يمكن ان يكون عرفا مفسرا.
وغني عن البيان ان العرف المفسر، وهو الذي يلتزم بقواعد التفسير، واولى هذه القواعد بأنه متى كان النص واضحا جلى المعنى قاطعا في الدلالة على المراد منه، فإنه لا اجتهاد مع صراحة النص.
والعرف الدستوري هو ما اضطرت سلطة من السلطات الدستورية على اتباعه من قواعد في تنظيم عملها او في علاقاتها بغيرها من السلطات، مع شيوع الاعتقاد لديها ولدى سائر السلطات بأن هذه القواعد هي جزء لا يتجزأ من النظام الدستوري والقانوني، اي انه يشترط للقول بوجود عرف دستوري، الا تكون هذه القواعد محل اعتراض من السلطات العامة الاخرى، وألا يكون مخالفا للدستور المكتوب.
وهو ما التزمت به السلطتان التشريعية والتنفيذية طيلة ما يقرب من نصف قرن، سواء في تحديده شروط الناخب، (عدا ما كان من قصر حق الانتخابات على الذكور وحدهم حتى صدور القانون رقم 17 لسنة 2006 بتعديل هذا القانون) او في تنظيمه للجداول الانتخابية قيدا وحذفا، وفي تعريفه الموطن الانتخابي، واجراءات القيد في الجداول ومواعيده واجراءات الترشيح ومواعيدها، والطعن في الجداول الانتخابية امام القاضي المختص واجراءات الطعون الانتخابية.
وهو الثابت من استعراض نصوص قانون الانتخاب والتعديلات التشريعية عليه، فقد كان النظام القانوني للانتخاب مضطردا على تعدد تصويت الناخب، بل انه قدمت اقتراحات بقوانين في مجلس الامة تبطل ورقة التصويت التي يصوت فيها الناخب لمرشح واحد مبطلا صوته الآخر عندما كانت الدوائر الانتخابية خمس وعشرين دائرة، وكان لكل ناخب صوتان.
وترتيبا على ذلك فإن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بقصر حق الناخب على صوت واحد يكون موصوما بمخالفة العرف الدستوري المفسر لأحكام المادتين 80 و82 من الدستور.
أسباب عدم الدستورية
القسم الثالث: الدفع بعدم دستورية المرسوم بقانون 20 لسنة 2012 في ذاته.
وحددت أسباب الدفع في اختراق المجال المحجوز للسلطة التشريعية الاصيلة، والمأزق الدستوري للمرسوم بقانون، وانتفاء حالة الضرورة، وتجاوز التفويض الدستوري، والانحراف التشريعي.
تستمد المراسيم بقوانين الصادرة في غيبة البرلمان الاساس الدستوري لها من المادة 71 من دستور الكويت التي تنص على انه «اذا حدث فيما بين ادوار انعقاد مجلس الأمة او في فترة حله، ما يوجب الاسراع في اتخاذ تدابير لا تتحمل التأخير، جاز للأمير ان يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على الا تكون مخالفة للدستور او للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية.
ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها، اذا كان المجلس قائماً وفي اول اجتماع له في حالة الحل او انتهاء الفصل التشريعي، فاذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة الى اصدار قرار بذلك، اما اذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، الا اذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة او تسوية ما ترتب من اثارها بوجه اخر.
ويجسد هذا النص حرص الدستور على الا يترك البلاد، في فراغ تشريعي، عندما تغيب السلطة التشريعية، وتواجه البلاد، ضرورة سن قانون ينظم بعض المسائل، ولا يحتمل التأخير فأجازت المادة (71) للأمير ان يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، شريطة ان تعرض على مجلس الامة لاقرارها، فاذا لم تعرض او لم يقرها المجلس، زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون.
واستحدثت المادة (114) من اللائحة الداخلية اغلبية خاصة فيما يتعلق بالاغلبية المتطلبة لرفض مجلس الامة اقرار هذه المراسيم بقوانين فيما تنص عليه من انه:
«يصوت المجلس على المراسيم بقوانين بالموافقة او الرفض، ولا يكون رفضها الا بأغلبية الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس، وينشر الرفض في الجريدة الرسمية».
الأحكام التي تنظم المراسيم بقوانين:
ويبين من استعراض احكام المادة (71) من الدستور واحكام اللائحة الداخلية لمجلس الأمة وعلى الأخص المادة (114) من الدستور، ان المراسيم بقوانين التي تصدر في غيبة المجلس تنظمها احكام اساسية هي:
• ان هذه القرارات والمراسيم تكون لها قوة القوانين بمجرد صدورها بل وقبل عرضها على مجلس الأمة، وهي نافذة كذلك بعد نشرها في الجريدة الرسمية.
ان هذه المراسيم بقوانين يجب عرضها على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها، اذا كان المجلس قائما، وفي اول اجتماع له في حالة الحل او انتهاء الفصل التشريعي.
ان عدم عرض هذه المراسيم بقوانين على المجلس وفقاً لما تقدم، يترتب عليه ان يزول بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة الى اصدار قرار بذلك.
• انه لا يلزم لاستمرار العمل بهذه المراسيم بقوانين – بعد عرضها على المجلس – صدور قرار من المجلس باقرارها، بل يستمر العمل بها طالما لم يصدر قرار من المجلس بعدم اقرارها، ولو استمر المجلس على موقفه السلبي من هذه المراسيم بقوانين حتى انتهاء الفصل التشريعي بل وفي اي فصل تشريعي تالٍ.
• ان رفض المجلس الموافقة على مرسوم بقانون يترتب عليه زواله بأثر رجعي، واعتباره كأن لم يكن من تاريخ صدوره.
• عدم مخالفة الدستور، لان مخالفة الدستور امر يستعصي حتى على التشريع الذي تصدره السلطة التشريعية، اعمالاً لمبدأ تدرج القواعد القانونية، باعتبار ان الدستور هو اعلى مرتبة من التشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية، وانه يجب على هذه السلطة فيما تصدره من قواعد قانونية ان تتقيد بأحكام الدستور وروحه.
• عدم مخالفة التقديرات المالية بالميزانية.
ومن المقرر أن القواعد الدستورية التي اصدرتها الهيئة التأسيسية أو وافقت عليها الامة مصدر السلطات جميعا هي في القمة من تدرج القواعد القانونية التي هي اساس مبدأ المشروعية، وبذلك يتميز الدستور على غيره من القواعد القانونية في النظام القانوني للدولة بالسيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحياة الدستورية واساس نظامها، وبالتالي حق لقواعده أن تستوي على القمة من البنيان القانوني للدولة وان تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي تلتزم الدولة الخضوع لها في تشريعها وقضائها وفي مجال مباشرتها لسلطتها التقديرية (المحكمة الدستورية العليا بمصر – جلسة 4/ 1/ 1993 – القضية رقم 27 لسنة 8 قضائية دستورية) كما أن القواعد التي تصدرها السلطة التشريعية تكون اعلى مرتبة من اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية.
وقد وقع المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بتعديل القانون رقم 43 لسنة 2006 باعادة تحديد الدوائر الانتخابية في حومة مخالفة الدستور في اجراءات صدوره وفي ما تضمنه من عدوان على الحقوق والحريات التي كفلها الدستور، وتجاوز لحدود التفويض الدستوري لتنظيم العملية الانتخابية.
أولا: اختراق المجال المحجوز للسلطة التشريعية: – مبدأ الفصل بين السلطات: اخذت الكويت بالنظام الديموقراطي فيما تنص عليه المادة (6)، وبمبدأ الفصل بين السلطات من دستور الكويت فيما تنص عليه المادة (50) من أن نظام الحكم يقوم على اساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لاحكام الدستور، وعلى أنه لا يجوز لاي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليها في هذا الدستور.
ذلك أن جوهر الحكم الديموقراطي الذي يقوم عليه نظام الحكم في الكويت هو مبدأ الفصل بين السلطات، إذ لا تقوم قائمة لهذا النظام، الا إذا كان هذا المبدأ لحمته وسداه، لانه في ظل هذا المبدأ تراقب كل سلطة السلطة الاخرى، أو كما يقال في الفقه الفرنسي أن السلطة تحد السلطة LE POUVOIR ARRET LE POUVOIR، وبهذا يتحقق اكبر ضمان للافراد ضد تركيز السلطات جميعا في يد واحدة.
وقد حدد دستور الكويت من يتولى كل سلطة من السلطات الثلاث، فتنص المادة (51) على أن السلطة التشريعية يتولاها الامير ومجلس الامة على النحو المبين بالدستور.
وكنتيجة طبيعية لهذا المبدأ اختص الدستور السلطة التشريعية باقرار القوانين فتنص المادة (79) من الدستور على أنه «لا يصدر قانون الا إذا اقره مجلس الامة وصدق عليه الأمير».
وقد استخدم الدستور «لا» الناهية، ليؤكد بطريق الجزم، أن السبيل الوحيد لاصدار القوانين هو اقرار مجلس الامة لها وتصديق الامير عليها، وكان يمكن للنص الدستوري أن يستخدم صياغة اخرى مثل «يصدر القانون باقرار مجلس الامة له وتصديق الامير عليه» ولكنه حرص على استخدام «لا» الناهية ليؤكد بجزم أنه اختصاص يمتنع على اي سلطة اخرى أن تتولاه.
– لوائح الضرورة سلطة استثنائية: الا أنه استثناء من ذلك فقد اجاز الدستور للسلطة التنفيذية أن تصدر ما يعرف باللوائح المستقلة واللوائح التفويضية، وكذلك المراسيم بقوانين أو ما يسمى بلوائح الضرورة، والتي رخص الدستور للسلطة التنفيذية اصدارها في غياب البرلمان عندما تواجهها ضرورة تبرر الاسراع في اتخاذ تدابير لا تتحمل التأخير، اي أن صلاحية اصدار المراسيم بقوانين، والتي تستمدها السلطة التنفيذية من المادة (71) من الدستور، هي استثناء من الاصل العام وهو الفصل بين السلطات.
ولهذا لم يقابل الفقه في جملته، اسلوب المراسيم بقوانين الارتياح لاعتباره ثغرة بارزة في مبدأ استقلال البرلمان بالسلطة التشريعية، وكذلك في مبدأ تبعية وخضوع اللائحة للقانون (انظر د/ عثمان عبدالملك – النظام الدستوري والسياسي في الكويت ص400 وما بعدها).
– خروج على مبدأ المشروعية: ذلك أن هذا الاسلوب يعتبر خروجا على مبدأ المشروعية، الذي تقوم عليه الدولة القانونية، والتي يكون قيامها واساس بنيانها مبدأ سيادة القانون، بما يوجبه من خضوع الحاكم قبل المحكوم للقانون، واول القوانين التي ينبغي على السلطة التنفيذية الامتثال لاحكامها في غياب البرلمان، القوانين التي تحدد شكل البرلمان وتكوينه وهيئة الناخبين التي تحدد هذا الشكل والتكوين من خلال حق الاقتراع العام الذي يمارسه الناخب، لاختيار من يمثلونه في البرلمان.
حيث يرتبط موضوع المراسيم بقوانين بنظام الدولة القانونية ومبدأ المشروعية، ذلك أن من الاركان الاساسية التي يقوم عليها الدولة القانونية ومبدأ المشروعية هو تدرج الاعمال القانونية، بمعنى أن القواعد القانونية التي يتكون منها النظام القانوني للدولة، ترتبط ببعضها ارتباطا تسلسليا، وانها ليست جميعا في مرتبة واحدة من حيث القيمة والقوة القانونية.
بل تتدرج في ما بينها بما يجعل بعضها اسمى مرتبة من البعض الاخر (تدرج القرارات الادارية ومبدأ الشرعية – د. ثروت بدوي 1970 – ص10).
فتتحدد مرتبة كل قاعدة بالقياس الى مرتبة غيرها في التدرج، ويتم هذا التحديد تبعا لتدرج السلطة او الهيئة التي تصدر القاعدة، فكلما كانت الهيئة اعلى مرتبة كان لقراراتها قوة اكبر (مبادئ القانون الاداري- د. توفيق شحاتة ط54-55- ص40).
وتأثرا بالمعيار الشكلي في تحديد مرتبة القرارات والمراسيم بقوانين بالنسبة الى مرتبة التشريعات التي تصدرها السلطةالتشريعية، اجرى الفقه على الاولى ما يجري على القرارات الادارية بوجه عام في المرحلة السابقة على اقرار المجلس لها (د. عادل الطبطبائي – النظام الدستوري في الكويت- دراسة مقارنة- ص594).
– المراسيم بقوانين اقل مرتبة من القانون: ومؤدى هذا، ان اسباغ قوة القانون على القرارات والمراسيم بقوانين بنص دستوري لم يؤد في نظر بعض الفقه الى افلاتها من المعيار الشكلي الذي يقوم عليه تحديد مرتبة القواعد القانونية، بل تظل هذه القرارات والمراسيم بقوانين في نظرهم ادنى مرتبة من التشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية وفقا لمبدأ تدرج القواعد القانونية، ومبدأ المشروعية.
– اختصاص استثنائي لا توسع فيه: وكذلك القضاء الدستوري الذي رسم لهذا الاختصاص الاستثنائي حدودا ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية- فأوجب لإعمال رخصة التشريع الاستثنائية ان يكون البرلمان غائبا وان تتهيأ خلال هذه الفترة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لرئيس الدولة سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير (المحكمة الدستورية العليا بمصر – جلسة 1986/6/21 ط139 و140 س 5ق).
وهو ما قضت به المحكمة الدستورية في الكويت بجسلتها المعقودة بتاريخ 2008/9/17 في الطعن رقم 21 لسنة 2008، حيث قررت ان حق الامير المنصوص عليه في المادة (71) هو حق خارج عن الاصل، وحكم الاستثناء لا يقبل التوسع فيه ولا يصح القياس عليه، اذ التوسع او القياس قد يهدم الاصل المستثنى منه، لهذا حرص الدستور على ان يضع لهذه السلطة الاستثنائية في التشريع من الضوابط والحدود ما يكفل عدم اهدار سلطة الامة او جعل السلطة التنفيذية لسلطة تشريعية على غير ما يقتضيه مبدأ فصل السلطات، او سلطة طليقة لا قيد عليها او عاصم.
ولهذا يمتنع على السلطة التنفيذية اصدار مراسيم بقوانين في مجالات تعتبر وفقا لطبيعة الاشياء مجالا محجوزا للتشريع الذي تصدره السلطة التشريعية الاصيلة وهي مجلس الامة فلا يجوز- مثلا- تعديل القانون رقم 112 لسنة 1963 باصدار اللائحة الداخلية، بمراسيم بقوانين، لانها تنظيم لعمل المجلس، ولهذا اسند الدستور للمجلس وحده وضعها فيما تنص عليها المادة 117 في أن «يضع مجلس الامة لائحته الداخلية…».
وان صدور اللائحة الداخلية لمجلس الامة بقانون قد فرضه ما تضمنته هذه اللائحة من احكام، مثل الحصانة القضائية التي تعتبر استثناء على احكام القانون العام في الدولة، بما يستلزم صدورها بقانون.
مجال تشريعي اصلي
قانون الانتخاب مجاله التشريع الاصلي: ومن باب اولى، فان قانون انتخابات اعضاء مجلس الامة، وقانون تقسيم الدوائر الانتخابية، وهما من آليات الحكم الديموقراطي في تكوين هيئة الناخبين التي تختار نواب الامة، مصدر السلطات جميعا، ومن ثم تكوين مجلس الامة، وتمثل اطياف المجتمع وفئاته ومختلف توجهاته في هذا المجلس، لا بد ان يكونا مجالا محجوزا للسلطة التشريعية الاصيلة.
ومن هنا يجمع الفقة على ان لوائح الضرورة، ولو ان لها قوة القانون، الا انها لا تستطيع ان تتناول تعديل قوانين الانتخاب، ذلك لان وجوب دعوة البرلمان الى اجتماع غير عادي على وجه الاستعجال لعرض لوائح الضرورة عليه، يفترض ان يكون ذلك بناءعلى قانون الانتخاب المعمول به وقت اجتماع البرلمان (د. عبدالحميد متولي القانون الاداري، 1938، ص59).
لما يثيره صدور هذه اللوائح من شبهة الانحراف التشريعية لتحقق السلطة التشريعية اغلبية لها داخل البرلمان وهو ما سنتناوله في ما شاب المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 من انحراف تشريعي.
وهو ما يراه كذلك الفقه الكويتي حيث يرى د. عادل الطبطبائي استاذ القانون الدستوري ومستشار صاحب السمو الأمير، ان المرسوم بقانون لا يستطيع ان يعدل قانون الانتخاب، سواء كان المجلس منحلا او غير منحل.
فاذا كان مجلس الامة غير منحل، فان الدعوة لاجراء انتخابات جديدة امر لا يمكن قبوله دستوريا والمجلس لا يزال قائما، كما انه يجب دعوة المجلس الى الانعقاد خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدور المرسوم بقانون، ولا يمكن تعطيل حكم الدعوة خلال هذه الفترة.
اما اذا كان مجلس الامة قد صدر مرسوم بحله، فان تعديل قانون الانتخابات يتعارض مع المبادئ الدستورية التي تحكم عملية الحل، ذلك لان حل المجلس التشريعي قد يكون نتيجة خلاف بين السلطتين التشريعية او التنفيذية، وعلى السلطة التنفيذية ان تعود الى الشعب لتحتكم اليه في هذا الامر، فلو عاد الشعب واختار اعضاء المجلس المنحل، او اعضاء يمثلون الاتجاه ذاته، فهذا دليل على ان الشعب يؤيد سلطته التشريعية في الخلاف الدائر بينها وبين الحكومة، اما لو اختار الشعب اعضاء جددا في مفاهيمهم وافكارهم، فانه بذلك يقف موقف المؤيد للسلطة التنفيذية، فيما اتخذته من قرار بحل المجلس التشريعي، ولا شك ان تحكيم الشعب في الخلاف الدائر بين السلطتين يتعارض مع الاعتراف بحق السلطة التنفيذية في تعديل قانون الانتخابات عند حلها للبرلمان، فاذا كانت السلطة التنفيذية قد حلت المجلس، ثم شرعت بتعديل قانون الانتخاب، فكأنها بذلك ترسم الطريق الذي يمكنها من ضمان وصول اعضاء جدد يؤيدونها في موقفها من المجلس المنحل – وبذلك تهدر فكرة تحكيم الشعب في الخلاف الدائر بين السلطتين (النظام الدستوري في الكويت – د. عادل الطبطبائي ط 1985 ص 590 و591).
ويضيف الدكتور عادل الطبطبائي – المرجع السابق ص 595 ان المرسوم بقانون يجب الا يتعدى النطاق المحجوز للمشرع، فهناك موضوعات ذات اهمية خاصة جرى النص الدستوري الصريح او العرف الدستوري على انها من المواد المحجوزة للمشرع، الامر الذي يقتضي ان يكون التشريع فيها بقانون، لذلك لا يجوز تنظيمها بمراسيم بقوانين، حتى لو اقتضت الضرورة ذلك، والا عدت باطلة بطلاناً مطلقاً.
ويستند هذا الرأي الى بعض احكام القضاء المصري، الصادر من المحكمة الادارية العليا ومن محكمة النقض، حيث قضت الاولى في احد احكامها «ان الأمور التي احتجزها الدستور بنص صريح ليكون التشريع فيها بقانون صادر من السلطة التشريعية، لا يجوز تنظيمها اوتعديل احكامها او الغاؤها بأداة تشريعية ادنى من القانون والا كانت مخالفة للدستور وطبقت محكمة النقض المصرية هذا المبدأ على ترتيب جهات القضاء وتحديد اختصاصاتها فقضت بأنه يتعين ان يكون ذلك بتشريع صادر من السلطة التشريعية وليس بأداة ادنى من ذلك (مشار الى هذا الحكم في مؤلف الدكتور عادل الطبطبائي – المرجع السابق – ص 596 هامش2).
وسارت في هذا الاتجاه محكمة النقض المصرية في حكمها الصادر فيما عرف بقضية مذبحة القضاة، فألفت مرسوماً بقانون، باعتباره قراراً ادارياً معدوماً لعدوانه على المجال المحجوز للسلطة التشريعية الاصيلة، تأسيساً على ما قررته من ان «القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 – الذي نص على اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارات اعادة التعيين في وظائفهم او النقل الى وظائف اخرى محالين الى المعاش – يمص حقوق القضاة وضماناتهم ما يتصل باستقلال القضاء، وهو ما لا يجوز تنظيمه الا بقانون صادر من السلطة التشريعية، ذلك ان عزل القضاة من وظائفهم هو من الامور التي لا يجوز تنظيمها بأداة تشريعية ادنى من مرتبة القانون (جلسة 21/ 12/ 1972 – ط 21 لسنة 39 ق/ رجال القضاء).
وترتيباً على ذلك فإن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بقصر حق الناخب في التصويت على صوت واحد في دائرة بمثله فيها عشرة نواب، يكون مشوباً بعدم الدستورية.
ثانياً: المرسوم بقانون يوقعنا في مأزق دستوري: من بين الأمور التي جعلها الدستور حجر الزاوية في كفالة الاستقرار في الحكم – حسبما جاء في المذكرة التفسيرية للدستور – عدم النص على اسقاط الوزارة بكاملها بقرار عدم ثقة يصدره مجلس الأمة، والاستعاضة عن ذلك الاصل البرلماني بنوع من التحكيم يحسمه الامير بما يراه محققاً للمصلحة العامة، وذلك اذا ما رأى مجلس الامة عدم امكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء (مادة 102).
وبشرط الا يصدر قرار بذلك الا بناء على استجواب وبعد الانتهاء من مناقشته، (والاستجواب لا تجوز مناقشته اصلاً الا بعد ثمانية ايام على الاقل من تقديمه ما لم يوافق من وجه اليه الاستجواب على الاستعجال).
ويجب ايضاً ان يكون قرار المجلس بعدم التعاون صادراً بموافقة غالبية الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس (فيما عدا الوزراء – مادة 101).
فإن امكن اجتياز هذه العقبات جميعاً وصدر قرار المجلس بعدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء لم يترتب على ذلك تنحيه (والوزراء بالتالي) عن الوزارة كما هو مقرر بالنسبة للوزير، وانما يكون الامير حكماً في الامر، ان شاء اخذ برأي المجلس واعفى الوزارة، وان شاء احتفظ بالوزارة وحل المجلس، وفي هذه الحالة اذا استمر رئيس الوزراء المذكورة في الحكم وقرر المجلس الجديد – بذات الاغلبية المنوه عنها – عدم التعاون معه اعتبر معتزلاً منصبه من تاريخ قرار المجلس الجديد في هذا الشأن، وتشكل وزارة جديدة.
والاصل في ما تنص عليه المادة (71) من الدستور من تحويل الامير سلطة اصدار مراسيم تكون لها قوة القانون اذا حدث في ما بين ادوار انعقاد مجلس الامة او في فترة حله، ما يوجب الاسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، حرصاً على الا يترك الدستور البلاد في فراغ تشريعي عندما تواجه البلاد ضرورة تقتضي سن قانون يواجه الحدث بتدابير لا تحتمل التأخير، بما يساعد على استقرار الحكم.
ومؤدى هذا، أن التحكيم الذي يحسمه الامير بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بما يحقق المصلحة العامة، إذا رأى مجلس الامة عدم امكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، وفقا للمادة 102 من الدستور، بما يحقق استقرار الحكم، يتلاقى في الهدف والسلطة الاستثنائية المخولة للامير في اصدار مراسيم لها قوة القانون، إعمالا للمادة (71) من الدستور، بما لا يجوز في حال استخدامهما معا وفي وقت واحد أن يقع تناقض أو تهاتر.
وفي هذا السياق يقول الدكتور/ محمود عيد، إن هيئة الناخبين تعتبر من اهم الهيئات الدستورية، إذ تقوم بمراقبة الهيئات الدستورية الاخرى، فبفضل حق الحل تلعب هيئة الناخبين دور الحكم في كل نزاع أو خلاف ينشأ بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، إذا ما ادى هذا النزاع إلى حل المجلس النيابي والرجوع إلى الامة ممثلة في هيئة الناخبين للوقوف على رأيها، ومهما يكن الاختصاص الذي يعترف به الدستور لهيئة الناخبين والدور الذي تلعبه، فانها تمثل الدعامة التي يقوم عليها النظام الدستوري في البلاد التي يسودها النظام الديموقراطي (في رسالة دكتوراه عن نظام الانتخاب في التشريع المصري والمقارن سنة 1941، ص50).
ولا يخفى على احد أنه إذا كان في مقدور الامير استخدام سلطته الاستثنائية المنصوص عليها في المادة (71) من الدستور، في اصدار مرسوم بقانون بتعديل قانون الانتخاب بما يؤثر على تكوين هيئة الناخبين، التي ستكون المرجع الاخير في الاحتكام إلى الامير الذي رأى بعد صدور قرار مجلس الامة بعدم امكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، الابقاء على الحكومة وحل مجلس الامة، والاحكام إلى المجلس الجديد الذي ستفرزه هيئة الناخبين الجديدة، وهي هيئة صنعها المرسوم بقانون بتعديل قانون الانتخاب، لتقرر مجلسا جديدا، لن يكون الاحتكام اليه منصفا أو عادلا للقرار الصادر من المجلس السابق بعدم امكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، أو للمساءلة السياسية التي هي جوهر الحكم الديموقراطي.
وهو ما يعني مبالغة في ضمانات السلطة التنفيذية ضد المساءلة السياسية، وطغيان هذه الضمانات على شعبية الحكم لتضيع في التطبيق جوهر المسؤولية الوزارية التي هي جماع الكلمة في النظام البرلماني وهو ما يعتبر تنقيحا للدستور وللتوازنات التي اقامها.
وهو ما نبه اليه الاستاذ الدكتور عادل الطبطبائي مستشار صاحب السمو الامير:
بان عدم شمول هذه السلطة الاستثنائية قانون الانتخاب لان حل مجلس الامة يعتبر بمثابة احتكام للشعب ليقول كلمته في الخلاف الدائر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فاذا عدلت هذا الاخيرة قانون الانتخاب اثناء فترة الحل فانها تفعل ذلك لضمان وصول اعضاء جدد إلى المجلس يؤيدون موقفها، كما انها تضع النواب المنتخبين بموجب هذا التعديل في موقف صعب عند اقرار هذا التعديل إذا عليهم أن يوافقوا عليه والا اعتبر انتخابهم طبقا لاحكامه باطلا (د. عادل الطبطبائي – المرجع السابق – ص 590).
(لا ضرورة للمرسوم)
ثالثا: انتفاء حالة الضرورة التي تبرر اصدار المرسوم بقانون:
يجسد نص المادة (71) من الدستور حرصه على الا يترك البلاد، في فراغ تشريعي، عندما تغيب السلطة التشريعية، وتواجه البلاد، ضرورة اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير مثل سن قانون ينظم بعض المسائل، ولا يحتمل التأخير فاجازت المادة (71) للامير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، شريطة أن تعرض على مجلس الامة لاقرارها، فاذا لم تعرض أو لم يقرها المجلس، زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون.
والواقع أن فكرة الضرورة لم تبتعد في الدساتير المعاصرة، إذ ترجع جذورها إلى الفقه الاسلامي، حيث عبر عنها علماء اصول الفقه بقاعدة تقضي بان الضرورات تبيح المحظورات، وفي النظام الدستوري تعتبر تطبيقا للمبدأ الروماني القديم «سلامة الامة فوق القانون».
– الفقه المضيّق لاحوال الضرورة: ولقد كان العميد ديجى من اوائل الفقهاء الذي نادى بلوائح الضرورة، الا أنه ضيق من احوال الضرورة حين اشترط لقيامها أن تحدث حرب أو ثورة أو اضراب عام.
(Traite de Drait Contitutionnel, 3 edition tone 3- 1930 p. 752)
والى جانب هذا الاتجاه المضيق للوائح الضرورة، فان الفقه المعاصر في تعريفه للضرورة يتطلب وجود حاجة ملحة تستوجب اصدار المرسوم بقانون لمواجهتها، وان مواجهة هذه الحالة لا يمكن تأجيلها إلى حين اجتماع مجلس الامة ومناقشته للامر، ويترتب على ذلك عدم جواز اللجوء الى اصدار مراسيم الضرورة اذا كانت الاحوال عادية، او كانت الامور التي يراد تنظيمها لا ترتبط بحالة عاجلة، بحيث يمكن تأجيلها الى حين اجتماع مجلس الامة.
– القضاء المضيق لأحوال الضرورة ويبسط القضاء رقابته على احوال الضرورة حيث عرفت المحكمة الادارية العليا في مصر الضرورة التي تواجه الادارة بأن تجد نفسها امام خطر داهم، يقتضي ان تتدخل فوراً للمحافظة على الامن والسكينة او الصحة العامة بحيث لو تريثت الى حين صدور حكم القضاء لترتب على ذلك اخطار جسيمة ومن ثم فقد جرى القضاء الاداري في مصر على انه لا تقوم حالة الضرورة الا بتوافر اركان اربعة: ان يكون هناك خطر جسيم مفاجئ يهدد النظام والأمن، وان يكو عمل الضرورة الصادر من الادارة، هو الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر، وان يكون العمل لازماً حتماً فلا يزيد على ما تقضي به الضرورة، وان يقوم بهذا العمل الموظف المختص في ما يقوم به من اعمال وظيفته.
وهذه الاركان جميعها ترجع الى اصلين معروفين هما ان الضرورات تبيح المحظورات، وان الضرورة تقدر بقدرها (جلسة 26/ 3/ 1966 – طعن رقم 444 لسنة 7 ق و730 لسنة 8 ق).
انزال العقاب بالأمة كلها ومن حيث ان الثابت من تقصي الظروف والملابسات التي سبقت صدور المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012، بقصر حق الناخب في التصويت على صوت واحد، والحراك السياسي والاحتجاجات التي قادتها بعض التكتلات السياسية على حل مجلس الأمة 2012، وان شابها بعض التجاوزات، الا انها لم تكن تشكل خطراً جسيماً يهدد النظام والأمن، خاصة وان كافة اطياف المجتمع وتوجهاته، بما في ذلك التكتلات سالفة الذكر قد اعلنت ولاءها لصاحب السمو امير البلاد.
كما لم يكن المرسوم بقانون المشار اليه، هو الوسيلة الوحيدة لدرء الخطر، وقد انطوى على انزال عقاب الصوت الواحد بالامة كلها على اختلاف اطيافها وتوجهاتها، بما يخالف قول المولى عز وجل «ولا تزر وازرة وزر اخرى» ولم يدر بخلد المشرع طيلة التجربة الديموقراطية التي امتدت ما يقرب من نصف قرن الانتقاص من حق الناخب في التصويت، بتعديل قانون انتخابات مجلس الأمة، اي ان هذا القانون قد طال الأمد بالعمل به منذ صدوره في عام 1962 دون ان تفكر المجالس التشريعية المتعاقبة او الحكومات المتتالية في هذا الأمر الجلل.
تطبيق قضائي لحالة الضرورة وقد قضت المحكمة الدستورية في مصر بأن مجرد الرغبة في تعديل قوانين الاحوال الشخصية بعد ان طال الامد على العمل بها رغم ما استجد من تغيرات في نواحي المجتمع وان جاز ان تندرج في مجال البواعث والاهداف التي تدعو سلطة التشريع الاصيلة الى سن قواعد قانونية جديدة او استكمال ما يشوب التشريعات القائمة من قصور تحقيقاً لاصلاح مرتجى الا انه لا تتحقق بها الضوابط المقررة في الفقرة الاولى من المادة (147) من الدستور (التي تقابلها المادة 71 من دستور الكويت، لاستخدام رخصة التشريع الاستثنائية التي خولها الدستور لرئيس الجمهورية بمقتضى المادة المشار اليها ومن ثم فإن القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 – اذ صدر استناداً الى هذه المادة، وعلى خلاف الاوضاع المقررة فيها، يكون مشوباً بمخالفة الدستور (جلسة 4/ 5/ 1985 – ق 28 س 2 ق دستورية).
وترتيباً على ذلك فإن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 اذ صدر مفتقداً الاساس الذي تقوم عليه السلطة الاستثنائية للسلطة التنفيذية في اصدار مراسيم بقوانين عندما تقوم ضرورة لا تحتمل التأخير، يكون هذا المرسوم فاقداً لحالة الضرورة التي تتطلبها المادة (71) من الدستور.
تجاوز التفويض
رابعا: تجاوز للتفويض الدستوري: وانطلاقا من هذا المفهوم السليم والتفسير الصحيح لحكم المادتين 80 و82، فانه ليس معنى تفويض الدستور للمشرع بتحديد شروط الناخب او تنظيم الانتخاب، اطلاق يده، بما ينتقص من الحق الدستوري في الاقتراع العام او ينال منه، وهو المبدأ الذي استقر عليه القضاء الدستوري، في كل الدول التي تأخذ بهذا النظام.
وهو ما قضت به المحكمة الدستورية في الكويت في حكمها الصادر في اول مايو سنة 2006، من ان المشرع فيما يسنه من قوانين تنظيما للحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، باعتبارها من الدعامات الاساسية التي لا يقوم اي نظام ديموقراطي من دونها، يجب عليه الا يجاوز الحدود والضوابط التي فرضتها هذه النصوص، او ينال من اصل الحق، او يحد من ممارسته او يحيد عن الغاية من تنظيمه على الوجه الذي لا ينقص من الحق او ينتقص منه.
كما قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر، بان الدستور اذ يعهد الى السلطةالتشريعية تنظيم موضوع معين، فان تشريعاتها في هذا الاطار لا يجوز ان تنال من الحق محل الحماية الدستورية، باقتحامها بالنقض او الانتفاض من المنطقة التي اعتبرها الدستور مجالا حيويا لهذا الحق لضمان فاعليته (جلسة 4 يناير سنة 1992 – ق27 لسنة 8 قضائية دستورية).
وأن تنظيم المشرع للحق الدستوري ينبغي الا يعصف به او ينال منه، وان القواعد التي يتولى المشرع وضعها تنظيما لهذه الحقوق، يتعين الا تؤدي الى مصادرتها او الانتقاص منها، كما يتعين الا تخل بالقيود التي يفرضها المشرع في مجال هذا التنظيم (جلسة 1991/4/15 ق23 لسنة 8 ق دستورية عليا) وقد جاوز المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 المشار اليه حدود التفويض الصادر له في المادتين 80 و82 من الدستور لان الدستور قد فوض القانون بموجب هاتين المادتين في أمرين: تحديد شروط الناخب التي نص على وجوب توفرها في عضو مجلس الامة ايضا، اعمالا لاحكام المادة 82 من الدستور، وبيان الاجراءات والمواعيد التي تنتظم عملية القيد في جداول الانتخاب واجراءات الطعن في هذه الجداول، والاجراءات والمواعيد التي تنظم عملية الترشيخ لعضوية مجلس الامة، وهو ما عناه الدستور في المادة 80 عندما نصت على ان يكون اختيار اعضاء مجلس الامة بطريق الانتخاب العام السري المباشر وفقا للاحكام التي يبينها قانون الانتخاب.
وقد التزام قانون انتخابات مجلس الامة بهذه الحدود التي قررتها المادتان (80 و82) من الدستور، على مدار ما يقرب من نصف قرن.
ولم يفوض الدستور المشرع في ان يحدد عدد الاصوات التي يستخدمها الناخب في اختيار اعضاء مجلس الامة الذين يمثلونه في الدائرة المقيد على جدولها، فعدد الاصوات يجب ان يتساوى مع عدد هؤلاء الاعضاء والا اعتبر انتقاصا من حق الاقتراع العام.
ولئن كان للمشرع سلطة تقديرية في تنظيم العملية الانتخابية الا ان سلطته في هذا الشأن تجد حدها الطبيعي في عدم الخروج على القيود والضوابط والمبادئ التي ينص عليها الدستور وعدم المساس بالحريات والحقوق العامة التي كفلتها نصوصه (المحكمة الدستورية العليا بمصر جلسة 1996/2/3 القضية رقم 2 لسنة 16 قضائية دستورية) لذلك فان المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 يكون قد جاوز حدود التفويض الدستوري المنصوص عليه في المادتين 80 و82 من الدستور، عندما لم يلتزم بحدود التفويض الممنوح له بموجب المادتين 80 و82، عندما انتقص من حق الناخب في التصويت، بقصره على صوت واحد يعطه لمرشح واحد من بين عشرة سوف يمثلونه في الدائرة المقيد على جدول الانتخابات فيها.خامسا: الانحراف التشريعي: عرض المرحوم الفقيه الكبير الاستاذ الدكتور عبدالرزاق السنهوري لانحراف السلطة التشريعية في مقال له بعنوان «مخالفة التشريع للدستور والانحراف في استعمال السلطة التشريعية (منشورة بمجلة مجلس الدولة عام 1952 ص1 وما بعدها) فاعتبر سببا لبطلان التشريع غير مخالفته للدستور هو الانحراف في استعمال السلطة التشريعية، فالتشريع الذي يصدر مستوفيا اركان الاختصاص والشكل والمحل يجب – شأنه في ذلك شأن القرار الاداري يجب ان يتوافر فيه ركن الغاية ايضا، والا كان مخالفا للدستور لاتسامه بعيب الانحراف في استعمال السلطة، وهي هنا السلطة التشريعية.
وان كان الفقيه الكبير قد رأى انه يتعين في الدائرة التشريعية ان يكون هذا المعيار موضوعيا محضا لا يدخله اي عنصر ذاتي ويبرر ذلك ان الواجب هو ان نفترض في الهيئة التشريعية انها لا تصدر في تشريعاتها الا عن المصلحة العامة، لا سيما انها هيئة مشكلة من عدد كبير من الاعضاء يصعب تواطؤهم على الباطل، وهي هيئة تنوب عن الامة فيفترض فيها التنكب عن الاغراض الذاتية.
واذا كان الدكتور السنهوري قد نادى بنظريته في طريقها الوعر حين يكون التشريع المشوب بالانحراف قد صدر من هيئة تشريعية هي البرلمان، وهي هيئة مشكلة من عدد كبير من النواب فيفترض فيها التنكب عن الاغراض الذاتية.
الا ان هذه النظرية تنطبق من باب اولى على المراسيم بقوانين التي تصدرها السلطة التنفيذية في غياب البرلمان، ولو تطرق اليها في هذا المجال، لقرر ان منطقة الانحراف هناك تكون اوسع نطاقا لعدم قيام الاعتبار سالف الذكر في السلطة التنفيذية.
وبتطبيق هذه النظرية على المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012، في الظروف التي صدر فيها، بعد صدور مرسوم حل مجلس الامة والدعوة لاجراء انتخابات جديدة، فان الغاية من اصدار هذا المرسوم بقانون، وقد اخترق المجال المحجوز للسلطة التشريعية الاصيلة تنظمه بقوانين يقرها مجلس الأمة، ولم تكن هناك ضرورة تتطلب اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فضلاً عن عدوانه على الاقتراع العام وما يتصل به من حقوق وحريات اخرى وهو ما بيناه عند تاول مخالفة الصوت الواحد لمبدأ الاقتراع العام المنصوص عليه في الدستور.
وهو الرأي الذي يؤيده الفقه المقارن الذي يرى ان التعديل في الدوائر الانتخابية في غياب البرلمان يكون الهدف منه تشتيت اصوات المعارضين في هذه الدوائر التي يكون لهم ثقلهم فيها بنقلهم الى الدوائر الاخرى التي للحكومات فيها اغلبية من الموالين لها بما يضمن الحد من نجاح المعارضين لها ومن حصولهم على اغلبية مقاعد البرلمان، وعادة ما يكون ذلك في الدول التي يوجد بها نظام الاحزاب والتكتلات السياسية، وقد سمي هذا التلاعب باسم gerrumander نسبة الى حاكم ولاية ماساشوبيتش الاميركية Gerry الذي كان يشتهر بهذا الفن في القرن التاسع عشر، وقد انتقل هذا الفن الى فرنسا، فاستخدمته حكومة نابليون الثالث من فرنسا، واستخدمته حكومات فرنسية اخرى لدرجة انه كان السبب في استبعاد نظام الانتخاب الفردي في فرنسا سنة 1951 (نظم الانتخابات في العالم وفي مصر د/ سعاد شرقاوي ود/ عبدالله ناصف ط 1994 – ص 83).
وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بمصر انه يجب أن تتوافر للقيود التي يفرضها المشرع على تنظيم العملية الانتخابية اسس ضبطها بما يصون حيدتها ويحقق الفرص المتكافئة بين المتزاحمين فيها، وان اي نظام ديموقراطي للحكم يفترض ان يكون حق الاقتراع فيه منضبطاً وفق قواعد محددة يكون اعمالها منصفاً وعادلاً فلا يباشره المواطنون مثقلاً بقيود تؤثر في وزن اصواتهم لتضعفها او تفرقها (المحكمة الدستورية العليا بمصر، الحكم الصادر بجلسة 3 فبراير 96 القضية رقم 2 لسنة 16 ق).
والثابت بيقين ان المرسوم بقانون الذي قصر حق الناخب على صوت واحد، انما يمثل انحرافاً بالسلطة لتغيير ارادات الناخبين، والنيل من التجربة الديموقرطية ومن التعددية السياسية، لغير مصلحة عامة تبرر ذلك، بل لدوافع ذاتية لدى السلطة التنفيذية بأن تنفرد بالحرث والنسل، وان يتحول نظم الحكم الديموقراطي في الكويت نظام شمولي ينطوي على تهميش للسلطة التشريعية، بما يهدد التجربة الديموقراطية لتنكص على عقبيها.
والحكومة مطمئنة الى ان اعضاء المجلس الجدد الذين وصلوا الى مقاعد البرلمان عن طريق قانون الانتخاب المعدل سيوافقون عليه لضمان استمرارية عضويته في المجلس، لان عدم موافقة الاعضاء على قانون الانتخاب المعدل يعني بطلان انتخابهم بأثر رجعي، كما ان الاعضاء سيكونون في موقف صعب في تقريرهم عدم الموافقة على القانون المعدل دون اثر رجعي، لانهم بذلك يعترفون ببطلان القانون، ولكنهم لا يقررون ذلك بأثر رجعي حماية لموقفهم (النظام الدستوري في الكويت – د/ عادل الطبطبائي ط 1985 ص 591).
ومؤدى ما تقدم من نصوص ومبادئ قانونية والظروف والملابسات التي صدر فيها المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 يكون قد انحرف عن المصلحة العامة التي هي الغاية النهائية لكل سلطة من سلطات الدولة، لتغيير تكوين هيئة الناخبين، وما يترتب عليه من تغيير تكوين مجلس الأمة، لتقليص دور المعارضة في المجلس وبالتالي دوره في الرقابة البرلمانية.
أهلية الحكومة
سادساً: حكومة لم تكتمل اهليتها القانونية: تستمد المراسيم بقوانين الصادرة في غيبة البرلمان الاساس الدستوري لها من المادة 71 من دستور الكويت التي تنص على انه «اذا حدث فيما بين ادوار انعقاد مجلس الامة او في فترة حله، ما يوجب الاسراع في اتخاذ تدابير لا تتحمل التأخير، جاز للأمير ان يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون اي ان استخدام السلطة التنفيذية لهذه الرخصة الاستثنائية يكون بمراسيم يصدرها صاحب السمو امير البلاد اي ان يكون صدورها بناء على موافقة مجلس الوزراء اعمالاً للمادة (55) من الدستور التي تنص على ان «يتولى الامير سلطاته بواسطة وزرائه».
ويبرر الفقه في الكويت ذلك بأنه امر منطقي تفرضه طبيعة النظام النيابي الذي يتبناه الدستور، ومباشرة الامير سلطاته بواسطة الوزراء يحتم ان يتم ذلك بواسطة مراسيم اميرية، اذ هي الاداة الطبيعية التي تستخدم في هذا النطاق وان لهذا التحديد اهميته الدستورية وفقاً لمفهوم النظام الدستوري الذي يتبناه الدستور الكويتي من حيث المسؤولية السياسية الناجمة عن مباشرة الاختصاص (النظام الدستوري في الكويت – دراسة مقارنة – د. عادل الطبطبائي ص 551).
ويرى الدكتور عثمان عبدالملك ان مبدأ ممارسة الامير سلطاته بواسطة وزرائه يعني ان سلطات الحكم يجب ان تمارس من قبل رئيس الدولة والوزراء، بحيث لا يستطيع احدهما الانفراد بممارستها، ومن ثم فان رئيس الدولة ليس بملزم ان يصدق على المراسيم التي ترفع اليه من الحكومة بل يستطيع ان يرفض ذلك التصديق، كما ان التوقيع المجاور للوزراء يعطي للوزراء حق الاعتراض (ص 361 – 363).
وإذا كان الثابت أن الحكومة المسؤولة سياسيا عن صدور المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 باعتبارها التي رفعته إلى صاحب السمو لم تقم باداء القسم امام مجلس الامة، ولم يتحقق بسبب ذلك الشرط الذي نصت عليه المادة 91 من الدستور لعدم اكتساب الحكومة اهليتها وصلاحياتها لمباشرة اختصاصاتها المتصلة بدورها التشريعي وعلاقتها بمجلس الامة، فضلا عن قيامها برفع قرار بطلب حل مجلس الامة تأسيسا على عدم قدرة المجلس على عقد جلساته، وهي التي تسببت في احجام اعضائه عن حضور هذه الجلسات عندما اعلن متحدث باسم الحكومة بان دعوة مجلس الامة للانعقاد هو امتثال للحكم القضائي الصادر ببطلان انتخاب هذا المجلس في ظله، فضلا عن أن الجلستين التي عقدهما مجلس 2009 بعد عودته لم يحضر قاعة الجلسة فيها الا بعض الوزراء، وكان بقية اعضاء الحكومة كما قيل في استراحة الوزراء، وهو ما ينطوي على التقليل من شأن هذا المجلس الذي انتوت الحكومة حله، وهو ما ضاعف من شعور المرارة والاحباط لدى بقية اعضاء هذا المجلس الذين غابوا عن هاتين الجلستين كما اعلنت الحكومة انها عازمة على حل مجلس 2009 مرة اخرى، لقيام الاسباب ذاتها التي حل المجلس من اجلها، وان ذلك سوف يتم بعد حلف الحكومة اليمين الدستورية امامه، ولو فعلت ذلك لوقعت في حومة مخالفة دستورية اخرى، هي أنه لا يجوز طبقا للمادة 107 من الدستور حل المجلس لذات الاسباب لمرة اخرى، ومن ثم فان تبعة غياب اغلب اعضاء المجلس تقع عليها وحدها هذا الأمر تقع عليها وحدها، حيث أنه من المقرر قانونا انه لا يجوز أن يستفيد احد من خطئه.
ومن المقرر أنه لا يمكن للشخص أن يصنع دليلا لنفسه، فاذا كانت الواقعة من صنع الخصم فلا تقوم دليلا له (الاثبات في المواد المدنية د/عبدالمنعم فرج الصده – ط 1954 – ص 42).
وهو ما قضت به المحكمة الدستورية في حكمها الصادر بجلستها المعقودة بتاريخ 20/ 6/ 2012 في الطعنين رقمي 6 و30 لسنة 2012 عندما حكمت المحكمة: بابطال عملية الانتخاب برمتها، التي اجريت بتاريخ 2/ 2/ 2012 في الدوائر الخمس، وبعدم صحة عضوية من اعلن فوزهم فيها، لبطلان حل مجلس الامة وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الامة والتي تمت على اساسها هذه الانتخابات، مع ما يترتب على ذلك من اثار، اخصها أن يستعيد المجلس المنحل – بقوة الدستور – سلطته الدستورية كأن الحل لم يكن، تأسيسا على ما جاء في اسباب الحكم، من أن المرسوم الصادر بحل مجلس الامة، قد خالف احكام الدستور إذ ان هذا الحل قد جاء استنادا إلى المادة (107) من الدستور، وبناء على طلب وزارة قد زايلتها هذه الصفة بقبول الامير استقالتها بكاملها، وذلك بعد أن تم تعيين رئيس جديد لمجلس الوزراء بامر اميري، وتكليفه بترشيح اعضاء الوزارة الجديدة، حيث استبق رئيس مجلس الوزراء – بصفته هذه – قبل تأليف هذه الوزارة الجديدة وصدور مرسوم بتشكيلها باستعارة اعضاء من الوزارة المستقيلة التي زالت صفتها ونظمهم في اجتماع لمجلس الوزراء لاخذ موافقتهم على هذا الحل، الامر الذي اعتبرت معه المحكمة الدستورية مرسوم حل مجلس الامة غير صحيح من الوجهة الشكلية، ورتبت على ذلك بطلان الانتخابات التي جرت استنادا اليه.
وهو ما يصدق على العوار الشكلي في مرسوم حل مجلس 2009 مرة اخرى، فضلا عن مرسوم دعوة الناخبين لهذه الانتخابات المطعون عليها في الطعن الماثل.
وترتيبا على ذلك يكون المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بتعديل بعض احكام القانون رقم 42 لسنة 2006 قد شابه بطلان يترتب عليه بطلان الانتخابات التي جرت في 1/ 12/ 2012 وبطلان القرار الصادر باعلان الفائزين فيها، لان ما يترتب على باطل فهو باطل.


3 طلبات في نهاية الدفع

أولاً: ببطلان الانتخابات التي جرت يوم الاول من ديسمبر سنة 2012 في الدوائر الاولى والثانية والثالثة
ثانياً: عدم دستورية المادة الثانية من القانون رقم 42 لسنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية معدلة بالمرســــوم بقــــانون رقــــم 20 لسنة 2012
ثالثاً: عدم دستورية المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012

المصدر “الراي”

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.