استجوابات النواب للوزراء تفتح ملف علاقة السلطتين التنفيذية والتشريعية

تدخل قضية تأجيل الاستجوابات فى مجلس الامة الكويتى مرحلة حاسمة الاسبوع القادم مع استحقاق مناقشة الاستجواب المقدم الى وزير النفط هانى حسين ويتضمن 5 محاور , ورغم تداول بعض الانباء عن دعوة من رئيس مجلس الامة على الراشد لتأجيل الاستجوابين المقدمين الى دور الانعقاد القادم كما حدث مع استجوابى وزير الداخلية احمد الحمود والمواصلات سالم الاذينة , الا ان ردود الافعال النيابية لازالت متأرجحة بين القبول بالتأجيل ورفض المبدأ اعمالا لحق النائب فى استخدام اداة دستورية لمحاسبة الوزراء .

وفى سابقة ليست الاولى ولن تكون الاخيرة , صوت مجلس الامة الكويتى الاسبوع قبل الماضى على تأجيل الاستجوابين المقدمين الى وزيرى الداخلية والمواصلات الى الفصل التشريعى القادم واعطاء الحكومة فرصة للإنجاز ثم المحاسبة , الأمر الذي فتح ملف علاقة السلطتين التنفيذية والتشريعية على مصرعيه , ووضع العلاقة النيابية على المحك , وتعالت أصوات شعبية منددة بمواقف نواب تحولوا بحسب رأيها الى ” تابعين ” لإملاءات الموقف الحكومي.

وتصاعدت تلك الاتهامات لتتحول الى حملة غاضبة ضد الضعف والتبعية النيابية , والتي يراها البعض محاولات لإطالة عمر المجلس المهدد بالبطلان , في حال فصلت المحكمة الدستورية بعدم قانونية مرسوم الصوت الواحد , بل يصل البعض الى وجود قواسم مشتركة ما بين مجلس 2012 المبطل والمجلس الحالي , فالأول أرخى حبل المفاوضات لمصلحة الجانب الحكومي في مواقف كان التنازل فيها واسعا في الاستجابة للمطالب الحكومية تكريسا لمبدأ التعاون , والثاني أفلت الحبل الرقابي تماما في مهادنة كاملة للرغبة الحكومية , تاركا الاستجوابات ورقة هشة تتطاير وفقا لما تقتضيه الرياح الحكومية .

ويعقد نواب مجلس الامة الكويتي عقب عطلة الاعياد الوطنية اجتماعا لمناقشة سيل الاستجوابات المقدمة الى الوزراء والمعلن عن تقديمها ومدى تأثيرها على الجانب التشريعي ومساهمة أطراف محسوبة على نواب ووزراء بافتعال الازمات في المجلس , ورغم أن دور الانعقاد الحالي لا تبدو على ملامحه أي مساءلة نيابية قادمة , وهو ما يعني افتراضا فتح طريق التشريع دون الرقابة , فإن العلاقة بين الحكومة والنواب تعرضت لهزة بدأت الساحة تتلمس ارتداداتها من تصريحات النواب المستجوبين , فالنائب حسين القلاف فتح نيران تصريحاته تجاه الحكومة ورئيس مجلس الأمة لتصل به إلى إعلان مبكر لاستجواب رئيس الوزراء في دور الانعقاد المقبل , وعلى طريق موازي , كان للنائب سعدون حماد , الذي قدم استجوابا لوزير النفط هاني حسين موقف لافت بعد أن أدرك أن مصير استجوابه لن يختلف عن سابقيه بالتأجيل , فدعا أمير البلاد إلى حل مجلس الأمة بعد أن أصبح في ” جيب ” الحكومة على حد تعبيره كما أن النائب نواف الفزيع هو الآخر حذر أن يكون مصير استجوابه لوزير المالية التأجيل , مما جعل هذه المواقف تلقي بظلالها على ما تبقى من عمر دور الانعقاد الحالي والذي ينتهي أواخر يونيو المقبل خاصة بعد أن وجهت الاتهامات إلى الحكومة بالتهرب من المساءلة .

ويرى مراقبون أن من المفارقات اللافتة أن الاجتماع الذي عقده رئيس مجلس الأمة الكويتى علي الراشد لدعوة النواب للتهدئة وسحب الاستجوابات المقدمة , يشبه الى حد كبير بتفاصيله وأحداثه وتوقيته اجتماعا سبق ان قاده رئيس مجلس الامة المبطل احمد السعدون بعد مرور اقل من شهرين من انتخاب المجلس السابق , ودعا خلاله الى التهدئة وعدم التلويح بالاستجوابات , والى الالتفات للتشريع وإقرار القوانين التي يريدها الشعب الكويتي.

وعن المناشدة التي أطلقها النائب سعدون حماد بحل المجلس الحالي وإعادة الانتخابات البرلمانية على اساس القانون الانتخابي المعدل بمرسوم الضرورة , والذي اقر من قبل السلطة التشريعية أملا في تحصينه اوضح الخبير الدستوري الدكتور محمد الفيلي أن حل المجلس الحالي لايحصن بالضرورة القانون الانتخابي القائم او يحول دون نظر المحكمة في مسألة ضرورة تعديل القانون الانتخابي اي النظر بالمرسوم “فالقرار في النهاية يعود لتقدير المحكمة الدستورية والاجابة لديها ” , وقال إنه من الممكن حل المجلس الحالي بشرط ان يكون هذا الحل لذات الاسباب التي حلت من اجلها المجالس السابقة وقد يترتب على هذا الحل اثر على الطعون المنظورة امام المحكمة الدستورية , التي قد ترفضها المحكمة لانتفاء المصلحة بعد حل المجلس موضحا أن ذلك لايعني أن القانون الانتخابي الحالي وفق الصوت الواحد ليس عرضة للطعون فبالإمكان الطعن فيه اذ ما اجريت الانتخابات المقبلة .

واشار الى أن هذه المسألة تم التطرق لها في القضاء المقارن , وتحديدا في مصر عندما تناولت المحكمة الدستورية ما عرف بقانون حق الزوجة بالشقة والذى بمرسوم ضرورة فترة غياب مجلس الشعب , ومن ثم صادق عليه المجلس بعد عودته واصبح قانونا نافذا , لكن المحكمة الدستورية هناك عادت للنظر في مسألة صدوره من زاوية الضرورة وابطلته لانتفاء صفة الضرورة , رغم اقرار المجلس للمرسوم واعتباره قانونا .

ويعود التساؤل , هل تعود إلى البرلمان الكويتي حمى الاستجوابات التي لطالما سببت متاعب في أوقات سابقة للحكومات الكويتية , وعطلت أعمالا حكومية وإقرار مشاريع , فى وقت يرى فيه البعض أن الاستجواب الجديد قد تكون له فائدة اعتبارية تتمثل بإكساب البرلمان الحالي المنتخب وفق قانون الصوت الواحد قدرا من المصداقية بدفع تهمة المبالغة في الموالاة إلى حد وصف البعض له بأنه “في جيب الحكومة” , وأن الاستجوابات التي كانت توصف في السابق بالعشوائية والمبالغ فيها واحدة من الأسباب التي دفعت إلى حل برلمان سابق متشكل من غالبية معارضة وإقرار قانون جديد للانتخابات , هو قانون الصوت الواحد الذي انتخب على أساسه المجلس الحالي المشكل من غالبية موالية للحكومة غير أن الأنباء التي تفيد بأن بعض النواب يعتزمون بالفعل استخدام سلطاتهم التشريعية المحدودة لاستدعاء الوزراء واستجوابهم ينذر باحتمال اندلاع المواجهة مجددا بين البرلمان والحكومة نظرا لأن هذا الأسلوب كان متبعا في المواجهات السابقة .

ورغم أن الانتخابات التي أجريت في ديسمبر الماضي وهي الخامسة في ستة أعوام اتت بمجموعة من النواب الجدد توقع كثير من المحللين أن يكونوا أكثر تعاونا مع الحكومة الا أن العلاقة النيابية النيابية دخلت في طور إعادة تشكيل خارطة تحالفات جديدة , سواء داخليا أو خارجيابعد جلسة التأجيل , فضلاعن انقسامات أخرى خاصة بعد تقارب الأصوات المؤيدة والمعارضة للتأجيل , وتأتي بوادر هذه الانقسامات من الاتهامات المتبادلة بين النواب وعودة مصطلحات ” نواب التأزيم ” , ويرى مراقبون أن هذا الصراع لن يكون بعيدا عن محيط الحكومة , إذ إنها ستكون هدفا لنواب لإحراج نواب , وكلما اشتد الصراع النيابي – النيابي اشتد الهجوم على الحكومة ووزرائها .

ولعل تصريح رئيس مجلس الامة على الراشد الاخير أن التأجيل لا يلغي الاستجواب بل هو سيف مسلط على رقبة الحكومة , وحمل المسؤولية الاكبر للحكومة التي لا مبرر لها بعد ذلك للتحجج ولن يجد الوزير المتخاذل أي أحد يقف معه الا ما ندر, واشارته

الى أنه قد يكون هناك فرق بين استجواب واستجواب آخر ولكن هناك جو عام من أجل اعطاء الحكومة فرصة للعمل والحساب بعد ذلك سيكون عسيرا اذا ما قصر أحد الوزراء , وانها الديمقراطية التي ارتضاها المجلس , ولا ضرر في ان نختلف وهذه ظاهرة صحية والتصويت هو الذي يحسم الخلاف وفق الدستور الذي أسس الدولة .

يذكرأن الاستجواب هو أحد أدوات الرقابة التي يقوم بموجبها عضو مجلس الأمة الكويتي بتوجيه اتهام لأحد أعضاء السلطة التشريعية بخصوص معلومة تثير الشكوك في موضوع محدد , والاستجواب حق للعضو لتقصي الحقائق ومراقبة أداء السلطة التنفيذية , وقد كفل الدستور الكويتي هذا الحق في المادة 100 منه , ولا تجري المناقشة في الاستجواب إلا بعد ثمانية أيام على الأقل من يوم تقديمه , وذلك في غير حالة الإستعجال وموافقة الوزير.

وتظل الحياة السياسية في الكويت , وأزماتها المتتالية محط الكثير من الانظار التى اصبحت موجهة إلى أكثر من جهة بعد أن كانت تنتظر حكم المحكمة الدستورية بشأن الطعون في مرسوم الصوت الواحد فهي اليوم , وبالإضافة إلى الدستورية باتت تتابع أيضا تطورات الأزمات بين السلطتين من جهة , وبين النواب أنفسهم من جهة أخرى.
المصدر “وكالة الانباء المصرية” “أ.ش.أ”

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.