الهدر المالي في استهلاك الكهرباء.. وصل أرقاماً فلكية غير مسبوقة في تاريخ الكويت.فكلفة الإنتاج تصل 3.2 مليارات دينار فيما التسعير يكاد لا يساوي 160مليوناً، أي ان الهدر يزيد على %95 بفعل تسعيرة هي الأدنى عالمياً.
وفي مقارنة خليجية نجد ان التسعيرة محلياً هي الأدنى أيضاً، والكويت الدولة الوحيدة في مجلس التعاون التي لا تعتمد السعر التصاعدي مع ازدياد الاستهلاك، فهي نحو فلسين محلياً فيما تصل في السعودية وعمان ودبي الى 20 و22 و30 فلساً على التوالي عند أعلى سعر لشريحة كبار المستهلكين.
وتؤكد تقارير دولية ان الهدر يطال الآن %10 من إنتاج النفط وسيصل الى %20 في عام 2017، إذا لم تستدرك الدولة هذا المنحدر الكارثي الذي سيلتهم 600 ألف برميل لزوم إنتاج الكهرباء مع المدن السكنية الجديدة ودخول محطات جديدة حيز الإنتاج.
وتشير الإحصاءات إلى أن كلفة الكيلواط المباع للمستهلك بفلسين هي الآن 38 فلساً وستصل الى 50 فلساً في الأعوام القادمة، فزيادة الحمل الكهربائي الأقصى محلياً %8 مقابل %2 إلى %3 للمتوسط العالمي.
تكلفة مالية باهظة تتحملها الدولة نتيجة دعمها المرتفع لتوفير الخدمة الكهربائية، هي الأعلى عالمياً بحسب البنك الدولي، فالدولة تدفع حالياً 38 فلساً لتوفير كل كيلو واط من الطاقة الكهربائية، في حين أن رسوم الخدمة ثابتة على المستهلك منذ عام 1966، حيث يتحمل المستهلك فلسين فقط عن كل كيلو واط رغم كل ما شهدته تلك السنوات من زيادة في الاستهلاك، نتيجة تطور عدد السكان والتوسع العمراني.
وزادت بشكل مضطرد أعباء التكلفة المالية على الدولة، لا سيما مع اعتماد في توليد الكهرباء على النفط، وخسارة الدولة لـ %10 من إنتاجها لاستخدامه في هذا الغرض.
الإنتاج والتكلفة
تمتلك الكويت حالياً 7 محطات لتوليد الكهرباء، يبلغ إجمالي طاقتها 13.23 ألف ميغا واط، في حين أن الاستهلاك السنوي للكهرباء يبلغ 11 ألف ميغا واط تقريباً في الوقت الحالي. وهو مرشح بحسب الدراسات المتخصصة إلى الارتفاع تدريجياً ليصل إلى 25 ألف ميغا واط بحلول عام 2030.
وارتفعت تكلفة إنتاج الكهرباء في الكويت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، بحسب مسؤولين، نتيجة لزيادة عدد السكان والتوسع العمراني عبر تسليم مدن إسكانية جديدة، لتصل إلى 3 مليارات دينار تقريباً في العام الماضي 2012، في حين أن ما يُفترض أن تحصّله الدولة من رسوم من المستفيدين من هذه الخدمة لا يتعدى 160 مليون دينار سنوياً، إذ إن تعرفة الكيلو واط على المستهلك هي فلسان فقط، مقابل 38 فلساً التكلفة الفعلية لإنتاجه.
ويبين تقرير للبنك الدولي أن تكلفة انتاج الكهرباء في الكويت هي الأعلى عالمياً، اذ ارتفعت بنسبة %111 خلال 5 سنوات من 18 فلساً للكيلو وات في 2006 الى 38 فلسا في 2011، مع توقعات بارتفاع تكلفة الكيلو وات الى 50 فلسا في الأعوام المقبلة، كما تشير دراسة للبنك الدولي الى أن الزيادة في الحمل الكهربائي الأقصى تبلغ %8 سنوياً في الكويت مقابل %2 الى %3 في باقي دول العالم.
مكونات الكلفة
يعود السبب الرئيسي في ارتفاع الكلفة الى المكونات المستخدمة في توليد الكهرباء في الكويت، اذ يتم توليد الكهرباء عن طريق حرق مزيج الوقود المسال، الذي يتكون أكثر من %70 منه من النفط الخام ومنتجات نفطية أخرى، مقابل %30 للغاز المسال، وهو ما يستنزف 300 ألف برميل يومياً من انتاج الكويت من النفط، أي %10 تقريباً من الانتاج الفعلي لدولة الكويت، اضافة الى اضطرار الدولة لاستيراد ما قيمته 1.5 الى ملياري دولار سنوياً من الغاز الطبيعي المسال لاستخدامه في المزيج المستخدم في توليد الكهرباء.
ومن منظور اقتصادي، فان الكويت كانت ستجني أكثر من 3 مليارات دينار سنوياً، لو صدرت النفط المستخدم في توليد الطاقة الكهربائية وباعته بأسعار الأسواق العالمية الحالية.
فيما يبدو أن الوضع سيزداد سوءاً وأن تكلفة توليد الكهرباء سترتفع على الدولة كثيراً، في ظل ما يتوقعه تقرير للبنك الدولي من نمو كبير في استهلاك سيستنزف 600 ألف برميل يومياً من النفط بحلول عام 2017 أي %20 من انتاج الكويت من النفط تقريباً، في ظل الارتفاع المتوقع لاستهلاك الكهرباء نتيجة التوسع في بناء المدن السكنية واطلاق المشاريع، وارتفاع عدد السكان.
اذ يتوقع صندوق النقد الدولي نمو تعداد السكان في الكويت من 3.68 ملايين نسمة الى 4.34 ملايين نسمة في نهاية عام 2017.
وتتحدث تقارير اخرى عن زيادة مقدارها %5.3 سنوياً في استهلاك الكهرباء بالكويت خلال الأعوام المقبلة.
وفي حين أن من شأن مشروع محطة الزور الذي أرسيت المرحلة الأولى منه، أن يوفر 4800 ميغا وات من الكهرباء متى ما اكتمل تنفيذ مراحله الأربع، اضافة الى 2500 ميغا وات سيوفرها مشروع محطة الخيران المستقبلي، فان من شأن تلك المشاريع أن تزيد من تكلفة توليد الكهرباء على الدولة، اذا كان المزيج المستخدم فيها هو نفسه المعتمد على النفط بالدرجة الأولى.
إهمال في تحصيل إيرادات متدنية
وفي حين تتحدث الحسابات الختامية لوزارة الكهرباء عن السنة المالية المنتهية في 31 مارس 2012 عن تكلفة لانتاج الكهرباء والماء بلغت 3.2 مليارات دينار، مقارنة بـ 2.3 مليار دينار في السنة المالية المنتهية في 31 مارس 2010، أي بارتفاع بلغ %35 خلال عامين فقط، فان الايرادات التي تم تحصيلها نتيجة خدمات الكهرباء والماء لم تتعد 136 مليون دينار.
اي ان الايراد %4.2 فقط من المصروفات! اي ان الهدر يساوي %95.8 من الانفاق.
وينتقد تقرير ديوان المحاسبة الأخير استمرار الوزارة في تطبيق الآليات المتبعة نفسها في السنوات السابقة لتحصيل مستحقاتها، الامر الذي انعكس على تضخمها لدى المنتفعين بخدماتها عن الكهرباء والماء، حيث بلغت الايرادات غير المحصلة من المنتفعين 311 مليون دينار حتى 31 مارس 2012، مما يعني ان ما يساوي ايراد سنتين لم يحصل من المستهلكين رغم تدني الكلفة عليهم.
مقارنة مع دول الخليج
بمقارنة سريعة بين رسوم الكهرباء بين دول الخليج، نجد أن الكويت هي الأقل في الرسوم المحصلة على مستخدمي خدمة الكهرباء، كما أنها الوحيدة التي تتساوى فيها تعرفة الكيلو وات (فلسان فقط)، وبشكل خاص في استخدام الكهرباء للغرض السكني، بين من يُفرط في استهلاك الكهرباء ومن يقتصد.
ولعل ذلك من الأسباب الرئيسية الأخرى التي ترفع من تكلفة توليد الكهرباء على الدولة، في حين نجد أن دول الخليج الأخرى تعتمد التسعير التصاعدي لتعرفة الكهرباء على المستخدمين، عبر تقسيمهم الى شرائح حسب كمية استهلاكهم للكهرباء.
واذا أخذنا تسعيرة استخدام الكهرباء لغرض السكن، فان تعرفة الكهرباء في قطر هي 6 فلوس لمن يستهلك أقل من 4 آلاف كيلو وات، في حين تبلغ 8 فلوس لمن يستهلك أكثر من ذلك، أما في السعودية فالتسعيرة مقسمة الى 8 شرائح حسب كمية الاستهلاك، وتتراوح بين 4 فلوس و20 فلساً للكيلو وات.
وفي عمان فان التسعيرة تنقسم الى 5 شرائح تتراوح بين 7.5 فلوس و22 فلساً للكيلو وات، أما في البحرين فان تعرفة الكهرباء للمواطنين مقسمة الى 3 شرائح بحسب كمية الاستهلاك وتتراوح بين 2.25 فلس و12 فلساً، في حين أنها ثابتة لغير المواطنين وتبلغ 12 فلساً مهما كان حجم الاستهلاك.
وتعتبر دبي الأكثر غلاءً بين دول الخليج بالنسبة لتعرفة الكهرباء، اذ أن الرسوم مقسمة على 4 شرائح حسب الكمية المستهلكة من الكهرباء، وتتراوح بين 18 فلساً و30 فلساً للكيلو وات الواحد.
ترشيد فاشل
رغم تصريحات المسؤولين في وزارة الكهرباء والماء المتكررة خلال السنوات الماضية، وتشديدهم على ضرورة ترشيد استهلاك الكهرباء، منعاً لوصول الأحمال الكهربائية إلى درجة الخطر، فإن كل تلك المحاولات باءت بالفشل.
حتى أن حملة الترشيد التي أطلقتها الوزارة في صيف عام 2007، لم يكتب لها النجاح، رغم الـ 10 ملايين دينار التي كلفتها عبر إعلانات مرئية ومقروءة ومسموعة، فإذا كان لتلك الحملة بعض الأثر في بدايتها، فإنه سرعان ما تلاشى هذا الأثر، لتعود الأحمال الكهربائية إلى الارتفاع مجدداً.
تعلق مصادر مسؤولة: إن أي حملة ترشيد من دون إجراءات فعلية لرفع رسوم الخدمة الكهربائية، لن تحد من الإفراط في استخدامها، ومصيرها الفشل حتماً، فالمستهلك من وجهة نظره سيستخدم كل المتاح له، طالما أنه يدفع الرسوم الواجبة على ذلك، في حين أن الوضع سيختلف عندما ترتفع الرسوم، أما إذا استمر الوضع الحالي، فإن الاستهلاك المفرط سيستمر طالما أن ذلك الإفراط لن يمس جيوب المستهلكين.
حلول مطروحة.. للجديين فقط
عما يمكن فعله لزيادة الطاقة الكهربائية المتوافرة لمقابلة الاستهلاك المتنامي خلال السنوات المقبلة، مع التقليص قدر الإمكان من كلفة توليد الكهرباء على الدولة، تعدد مصادر متخصصة عدداً من الحلول، أهمها ما يلي:
1 – زيادة رسوم الكهرباء على المستفيدين وتقسيمها إلى شرائح حسب الكمية المستهلكة من الكهرباء، أسوة بما هو معمول به في دول الخليج، وهذا من شأنه أن يساهم في ترشيد استخدام الكهرباء واستهلاكها، كما من شأنه أن يزيد من إيرادات الدولة، ويعوض جزءاً من التكلفة الكبيرة التي تتكبدها الدولة نتيجة دعمها لهذه الخدمة.
2 – العمل على تغيير المزيج المستخدم في توليد الطاقة، بأن يشكل الغاز المسال الجزء الأكبر من هذا المزيج، لتقليل تكلفة إنتاج الكهرباء، وتحرير كميات من النفط يمكن تصديرها والاستفادة من بيعها بأسعار الأسواق العالمية.
3 – مشروع معطل مثل المصفاة الرابعة، ترى مصادر أن تنفيذه قد يخفض تكلفة توليد الكهرباء، ذلك أنه سيخفض مصاريف التشغيل من خلال الحد من تكلفة صيانة المعدات، كما أن الوقود المستخرج من المصفاة سيكون أقل في نسبة الشوائب التي تعرض محطات توليد الكهرباء الحالية إلى ارتفاع تكلفة أعمال الصيانة، فضلاً عن تخفيضه لمصاريف الوقود المستخدم، حيث سيوفر الوقود المستخلص من المصفاة من كميات النفط التي يتم حرقها لتوليد الكهرباء حالياً، كما سيؤدي إلى الاستغناء عن استيراد الغاز الطبيعي المسال المستخدم في هذا الغرض.
4 – حديث المسؤولين عن إيجاد مصادر بديلة لتوليد الكهرباء مثل الطاقة النووية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية، يبقى مجرد أحاديث، في حين أن الحاجة تبدو ملحة أكثر من أي وقت مضى للمضي قدماً في مشاريع بهذا الاتجاه من شأنها أن تخفف الضغط على مصدر الدخل الرئيسي للدولة مستقبلاً، وبالتالي تخفض من كلفة توليد الكهرباء عليها بشكل ملحوظ.
«الهون أبرك».. خوفاً
تقول مصادر معنية: بعد صدور قانون في عام 1995 بمنع رفع الرسوم على الخدمات التي تقدمها الدولة، فإن مطالبات من خبراء اقتصاديين ودراسات معنية مقرونة بتوجهات من مسؤولين تكررت في أكثر من مناسبة منذ اكثر من عقد من الزمان بضرورة رفع رسوم الكهرباء على المستهلكين، لكن لم يكتب لها أن تنتقل إلى مرحلة التنفيذ، وكانت غالبا ما تنتهي بنفي مسؤولين هذا التوجه، خوفا من ردة فعل نيابية، وغضب شعبي، مع أن ذلك يجب أن يحدث مهما طال الزمن، لأنه الاجراء الاقتصادي السليم.
لكن الحكومة الحالية كما الحكومات السابقة خائفة، وتفضل «الهون أبرك».
المصدر “القبس”
قم بكتابة اول تعليق