في اعقاب حرب فيتنام ساد المؤسسة العسكرية الأمريكية رأي عام بأنه من الضروري عدم تكرار الاقدام على خوض الحروب البعيدة، الا اذا كانت هناك مصلحة وطنية عليا.
من مثال ما تشير اليه وثيقة كارتر التي من المؤكد لم يقرأها صدام ولا مستشاروه وقبلها وثقية مماثلة لنكسون سنة 1979.
وثيقة كارتر عام 1980 التي تقول: «ان اي محاولة من اي قوى خارجية في الخليج سوف ينظر اليها بأنها هجوم على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، وان مثل هذا الهجوم يجب ان يصد بكل الطرق الضرورية ويشمل ذلك القوة العسكرية».
اعطيت للفرق فرص عديدة للانسحاب من الكويت وسحب الجيش ولكن الرأي لم يكن بيد الشعب العراقي ولا البرلمان ولا اي جهة.. صاحب الرأي هو صدام حسين فقط.. حاول وزير خارجية روسيا السابق ان يثنيه عن احتلال الكويت، ويبين له التجارب الخاطئة وهو راكب معه في السيارة، تجول بهما في طرقات بغداد الجميلة قال له: ان اتت الحرب عليها فسوق تدهب بمعالمها وتستهدف منشآتها وطاقاتها ومبانيها.. جنب بلادك من ويلات الحرب اننا جربنا مآسيها ودمارها وقتل البشر.
اعطى البيت الأبيض فرصة والكونغرس والفرصة الاخيرة كانت في جنيف عند اجتماع بيكروطارق عزيز الذي استمر ست ساعات مع رسالة من الرئيس بوش لصدام التي قرأها طارق عزيز ورماها على الطاولة بكل احتقار وغرور لمعرفته مسبقاً ان صدام لا يقبل الصلح والانسحاب من الكويت بينما الدول العربية التي ايدته لم تطلب منه الانسحاب وجاءت الحرب لاخراج القوات العراقية وملاحقتها ليطولها الدمار والتمزق.. هذا هو الذي كان .. فانسحبت القوات العراقية ذليلة مدمرة.
٭٭٭
قال الأستاذ غازي القصيبي في كتابه «أزمة الخليج محالة للفهم» صفحة 13: «ان اتخاذ القرار وصنعه عملية بالغة التعقيد تتداخل فيها عوامل عديدة، منها ما هو موضوعي ومنها ما هو شخصي».. ولعل اقرب دليل على تعقيد عملية اتخاذ القرار هو ذلك التردد الذي يلمسه كل منا فيمن حوله وفي نفسه قبل العزم على تنفيذ القرار..».
والحقيقة الثابتة ان الرئيس العراقي رغم الاسطورة الاعلامية التي جعلت منه «مؤلفاً» لعشرات الكتب، انسان محدود الثقافة، معلوماته عن العالم خارج حدود العراق غير دقيقة.
وقال القصيبي: «لم تعلن الكويت حالة الطوارئ، ولم تستنفر قواتها واستمرت الحياة فيها على وتيرتها حتى عندما بدأت القوات العراقية تتحرك..» القصيبي صفحة 41. ثم قال القصيبي في كتابه صفحة 49: «من سوء حظ الرئيس العراقي ومن حسن حظ الكويت ان الرجل الذي كان في البيت الأبيض اثناء الغزو هو جورج بوش الأب.. الذي جاء الرئاسة بخبرة واسعة في الشؤون الدولية يندر ان تتوافر لرئيس امريكي، في بداية عهده كان بوش عضواً في الكونغرس وسفيرا للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وسفيرا لها في الصين، ونائباً للرئيس خلال ولايتين متعاقبتين، وقبل اشتغاله بالسياسة كان يعمل في قطاع البترول في تكساس وزار الكويت سنة 1945.
لذا فان الابعاد الاستراتيجية لغزو الكويت كانت واضحة في ذهنه بجيث تجاوز وضوحها عند مجموعة من الرؤساء قبل كندي، جنسون، فورد، كارتر، ريغان، الذين لا خبرة لديهم بالشؤون الدولية.. وصادف مع تزامن وجود بوش الكبير، رئيسة الوزارة البريطانية تاتشر المرأة الحديدية، التي لم تتراجع عن قرارها ولم تؤجل رأيا الى الغد.. ولولاهما معا لاستحال تحرير الكويت وسط المناورات والمصالح الدولية.
وسوف يمر وقت طويل قبل ان يتفهم رجل الشارع الخليجي، الاسباب التي دفعت عدداً من القادة العرب الى تأييد الغزو العراقي، بنظرية التواطؤ مقابل نصيب معلوم من الغنيمة.
وهنا في محيط التواطؤ والخيانات استشهد القصيبي بهذا البيت للمتنبي:
اذا كان بعض الناس سيفاً لدولةٍ
ففي الناس بوقاتُ لها وطُبولُ
في غمار الازمة قبل هبوب عاصفة الصحراء بأسابيع، حين كان العالم كله يتساءل هل ستنتهي الازمة كان هناك عقل راجح عند ملك المغرب الحسن الثاني امام البرلمان المغربي حيث القى حديثاً بليغاً مؤثراً عن الازمة وتطورها.. ختم الملك حديثه برجاء حذر فيه الرئيس العراقي من مغبة المواجهة العسكرية التي لن تنتهي بتدمير الآلة العسكرية العراقية بل بارجاع العراق الى عهد الوصاية والتمزق.. وهكذا حل بها».
(اللهم جنب المملكة المغربية مما سمي شططاً بالربيع العربي).
عبدالله خلف
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق