أحيي صراحة وزير الصحة، د. محمد الهيفي، وشفافيته ومجاهرته في أكبر وأعلى مستوى لمؤتمر يُعقد في الكويت، وأبطاله من يؤمن سمو أمير البلاد بأنهم مشروع المستقبل.. ألا وهم الشباب.. حين جلس الوزير أمام الجميع، وبكل جرأة، وقال: أعترف أمامكم أنني لا أستطيع منع الواسطة في «الصحة»، ولا أملك القدرة على منعها.. فهي تبدأ من حجز الغرف وتصل إلى العلاج بالخارج.
ودلل الوزير الهيفي على ذلك بأنه عندما قرر محاسبة طبيب مخطئ (لاحظوا معي معاقبة طبيب مخطئ.. وليس عدم ترقية أو تعيين دكتور) جاءه 25 نائبا من المجلس للتوسّط إليه.. وأنا هنا، وليسمح لي الوزير الفاضل، الذي أكرر ثنائي عليه لشجاعته وشفافيته، أن أطرح عليه تساؤلات مشروعة، لابد أن يسألها أي إنسان بسيط عندما يقرأ هذا الكلام الخطير.
أولها: من هم هؤلاء النواب الـ25 الذين توسّطوا للدكتور المخطئ، الذي لولا ثبوت الخطأ عليه لما اتخذ بحقه العقاب.. والذي لم يتم عقابه -للأسف- بسبب الواسطة؟ خاصة أنك يا معالي الوزير تقول هذا الكلام في مؤتمر محل اهتمام سمو أمير البلاد، الذي سبق أن دعا -وما زال- إلى محاربة الواسطة والفساد.
ثانيا: من هو هذا الدكتور العظيم، الذي انتفض 25 نائبا للحيلولة دون عقابه.. وما الخطأ الذي ارتكبه.. وإنني أطلب، من خلال هذا المقال، من النواب المؤمنين بضرورة محاربة هذه الآفه أن يوجهوا لك سؤالا حول هذا الموضوع الخطير.. لأن الواسطة ستحطم وتقتل أي محاولة إصلاح.. فحتى الأخطاء الطبية ممنوع معاقبتها بسبب الواسطة؟!
ثم أنت يا معالي الوزير الفاضل، ممن توسمنا فيهم الخير لانتشال الكويت من بؤرة الفساد والفوضى، الى ما نتطلع إليه من مستقبل مشرق.. تجاوبت مع الواسطات ولم تصرّ على معاقبة الدكتور المخطئ.. بل قبلت الواسطة.. بدليل أنك قلت عندما قررت المعاقبة.. ولم تقل إنك عاقبت بالفعل.. الأمر الذي يضعنا أمام مستقبل مظلم ومخيف، تجذّرت فيه الواسطة بشكل مخيف.
الى متى سيظل الوزير وصاحب القرار عندنا أضعف من أن يقاوم واسطة.. خوفا من نائب أو صاحب نفوذ؟ وهل بلغ بنا التردي أن وزيرا يعلن صراحة ضعفه أمام الواسطة.. أمام جيل المستقبل الذي علّقنا في رقبته مسؤولية مستقبل البلاد ونهضتها؟ واسمح لي أن أعلنها صراحة أيضا أن علينا السلام.
فهذا المؤتمر الذي وضع 10 أولويات في وثيقة أعدها مجلس الشباب التحضيري، التابع للمشروع الوطني للشباب، في إطار فعاليات المؤتمر في مجالات مختلفة، وأولها تعزيز المواطنة والأمن الاجتماعي.. تلغيه هذه الحقيقة الخطرة.. لأن الواسطة ستنخر في كل أولوية وضعت.. وتمنع استمرار العمل لتنفيذها بشكل صحي ومن دون أي ملوثات مثل الواسطة، فكما لم يقدر د. الهيفي على معاقبة الدكتور المخطئ -والله أعلم ما هو الخطأ الذي ارتكبه- بسبب واسطات النواب.. فالمهندس المخطئ أو المدير الفاشل أو المسؤول السارق لن يستطيع أحد إيقافه ومحاسبته… بسبب الواسطة.
الأجدى أن تلغى كل هذه الأولويات وتوضع مكانها استراتيجية القضاء على الواسطة وسياسة التخوين، التي انتشرت بالمجتمع الكويتي كما ذكر معالي الوزير الهيفي.. عن طريق تثقيف المجتمع، ومحاسبة المخطئ وسد الأبواب أمام الواسطات، سواء من النواب أو غيرهم.
ولو أن الحكومة فضحت المتوسطين من نواب وأصحاب نفوذ.. قبل غيرهم، مع ذكر أسباب التوسّط منذ فترة طويلة، لما وصلنا الى اليوم الذي يعلن فيه وزير متنفذ وصاحب قرار كما يفترض.. وملتزم بالقسم الذي أقسمه أمام سمو أمير البلاد.. وأمام الشباب الذين اجتمعوا ليسمعوا كلمات الأمل والتفاؤل بمستقبل بلادهم التي لجأت اليهم لينقذوا وطنهم.. ويقول أعترف أنني لا أستطيع منع الواسطة.
كنت أتمنى، ولا زال، أن يسجل أي وزير، وسبق أن قلتها للوزيرة الفاضلة ذكرى الرشيدي أيضا.. دخوله التاريخ بإعلان استقالته لأنه وقف عاجزا أمام الواسطة.. وإلا كيف لنا أن نتفاءل بالمستقبل… والدكتور يخطئ والنائب والمتنفذ يتوسطان… والوزير يعلنها صراحة أنه لا يستطيع معاقبة الطبيب.
كل ما يمكنني قوله في نهاية المقال.. ان هذا التصريح خطير خطير.. وقاتل للتفاؤل وكل الآمال والتحركات.. وهذا يدفع الجميع إلى التركيز على موضوع البحث عن الواسطة، لأنها هي الضمان له.. وليس أي شيء آخر، لأنها فوق الجميع، فلا حساب ولا عقاب.. لأن أحد من هم في موقع القرار أعلن استسلامه أمام الواسطات.. وأنا متأكدة أن كثيرين غيره من النواب عندهم المشكلة نفسها، ولكنهم لم يعلنوها صراحة وبكل شفافية كما قالها الدكتور الهيفي.
لي رجاء، وكل أهل الكويت الشرفاء يشاركونني فيه.. من هم النواب الذين توسّطوا عندك يا د. الهيفي؟ فهم من يستحقون العقاب أكثر من الدكتور المخطئ.. لأنهم هم من يشجعون على تكرار الأخطاء واستمرار الفساد.. وأنت يا معالي الوزير، وبكل احترام وتقدير لك، لست بعيدا عن هذه المسؤولية إذا لم تقف أمام الواسطة وتصرّ على محاربتها بأي طريقة.. وإن استدعى ذلك أن تفقد كرسي الوزارة.. كما سبق أن ذكرت لمعالي وزيرة الشؤون بخصوص تجار الإقامات.
يا جماعة نريد قدوة.. نريد وزيرا نضرب به المثل إذا تحدثنا عن موضوع الإصرار على الموقف الثابت ومحاربة الواسطة.. «واحد فقط».
إقبال الأحمد
iqbalalahmed0@yahoo.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق