بندر الظفيري: لا تعيدونا لجاهلية ما قبل الإسلام !


لم تكد مقالتنا ” ابعدوا الدين عن الدولة ” ترى النور قبل أيام حتى هبت علينا الردود من كل الجهات , وهو ما كنا نتوقعه ولم يفاجئنا ذلك لاننا ندرك طبيعة ما يفكر به المعترضون وجاءت طبقاً لما سنبين في هذا السياق , وهم بذلك يجيبون على أسئلتنا وتخوفنا إذا ما وصل من يدافعون عنهم إلى السلطة التي يلهثون نحوها , وما الدين في ذلك إلا مطية يمتطونها كما جاء على ألسنة قياداتهم في الشهور الماضية من مصر والمغرب العربي إلى بلاد الشام والخليج .
لعل أهم الإساءات للإسلام وأكثرها جاء من الجماعات الإسلامية وما سمي “الاسلام السياسي” , بصرف النظر عن أعدادهم سواء كبرت وانتفخت مثل الأخوان المسلمين أو ما يمسى ” السلفيين الجهاديين ” عن السنة وأيضاً لدى بعض القوى الشيعية وسائر المذاهب . نعم ما أصعب الدين والدنيا إذا اجتمعا … مشكلة هؤلاء جمعياً أنهم شخصانيون وذاتيون بأهدافهم ومصالحهم تحت راية المقدس بدءاً بالذات الإلهية مروراً بكتابه الكريم وصولاً حتى الحديث الشريف , وهو ما يختصر أزمتهم ويلخص لعبتهم ,علماً بأن السياسة والعمل بها كان منذ القدم وزادت مع الزمن وضوحاً أنها لعبة الدنيا والناس , وهي الخطوة الأولى بحركتهم فيما بينهم و لتنظيم وإدارة مجتمعاتهم .
هنا البداية والنهاية لكل هذه الإشكالية , إذ كيف يمكن أن تستقيم الأمور عندما يعملون بالمتداول الوضعي مصلحياُ أي مصلحة مادية مباشرة لهذا الشخص أو المجموعة كأمر دنيوي مادي صرف , وهو موضع انتقاد واختلاف. بل اقتتال خصوصاً إذا كانت السلطة هدفاً , ويرفعون فوقه راية المقدس ! هم يقنعون أنفسهم أنهم يخدمون الدين من وجهة نظرهم الضيقة , طبعاً الضيقة لأنهم مهما كبروا يظلون فرقة بسيطة جدا من سبعين فرقة وكل واحدة تدعي أنها الحق
والخطوة المباشرة لكل هؤلاء على أي اعتراض أو نقد لعملهم من الآخرين يكون التكفير وموئلهم جهنم وبئس المصير , والأخطر أنهم لا يكتفون باستقطاع واختيار النصوص لإثبات هذا الحرم بل ينفذون مباشرة حكم الإعدام أو الإلغاء أو الإقصاء بالحد الأدنى لكل معترض , هذه القلة عندما صادرت الحق والحقيقة لتأخذها بالمطلق تجاوزت الحد , لأن الحق والحقيقة موجودان فقط لديه وحده لا شريك له , وكل من يدعي شراكة له عز وجل في ملكه يكون من حيث يحتسب أو لا يحتسب في مقلب الشرك والعياذ بالله !
لا ضير من الإعادة ففي الإعادة إفادة , ظلت الناس مشغولة بالماضي لفترة طويلة بموضوع التعايش بين إتباع الرسالات السماوية إلى أن جاء الإسلام وسطعت معه الحكمة الإلهية , وانحسم الجدل بأن الحكمة الإلهية التي قضت بنزول الرسالات الثلاث في هذه الأرض الطاهرة تقضي وجوباً بالتعايش بينها وحفظ الأرض … ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم ” .
لم تكد هذه الجدلية تستقر حتى بدأ الاختلاف يتعاظم داخل الصف الإسلامي نفسه وتفرقوا إلى سبعين فرقة , وهم لم يقتنعوا حتى بكلام الرسول (ص) : ” إن اختلاف أمتي رحمة ” وظلوا يكابرون ويتناحرون ,أفظع ما في هذا الملف المزدحم ما يجمع عليه المؤرخون أن التناحر بين الفرق الإسلامية لم يهدأ إلا في ظل المستعمر الأجنبي المتعاقب على هذه المنطقة !
اليوم وبعد تطور أدوات القتل والتدمير وبعد ازدياد الثروات وشهوة السلطات ومع الانهيارات التي تشهدها منطقتنا العربية , التهبت العصبيات المذهبية وبدأت نارها تلتهم كل ما تطاله . وطالما تقرون باستحالة قبول الآخر والاعتراف به ولا تسمحون له تعبيراً أو شراكة , لا بد من الإدراك في المقابل أنه يوجد استحالة مطلقة لإقامة سبعين دولة في ديار العرب !
رحمة بالدين وحفظاً لهذه الأرض وما فيها وعليها لنتفق على شكل تشاركي لإدارة مجتمعاتنا … أبعدوا الدين عن الدولة قبل أن تذهب بنا العصبيات إلى جاهلية ما قبل الإسلام !
كاتب كويتي
al_bander@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.