أصدر مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي الـ 128 الذي انعقد في جمهورية الاكوادور الاسبوع الماضي بيانه الختامي بعد جلسات مطوله خلال الفترة من 22 إلى 27 مارس وشارك فيه مجلس الأمة برئاسة رئيس مجلس الأمة رئيس الشعبة البرلمانية علي فهد الراشد وأعضاء الشعبة .
وجاء في البيان الختامي خلاصة النقاشات التي دارت في الجلسة العامة للمؤتمر والتي طالب الاتحاد نقلها للأمم المتحدة وللدول الأعضاء في الاتحاد وتقديم هذا البيان لبرلماناتهم .
وفيما يلي نص البيان الختامي :
” بمناسبة انعقاد مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي الــ 128 في ” كيتو ” الاكوادور توصل أعضاء الاتحاد في البرلمانات لمناقشة موضوع “من النمو المستمر إلى التنمية الهادفة ” العيش الرغيد ” الأساليب الجديدة والحلول الجديدة ” فقد تم اختيار الموضوع كمساهمة في أهداف التنمية لما بعد 2015 وأهداف التنمية المستدامة والتي سيتم تطبيقها في الدول النامية والمتقدمة .
إن التنمية المستدامة اليوم على مفترق طرق ففي هذا العالم المحدود فإن دوره الاستهلاك والإنتاج المتزايدة ، والتي تعتبر أهم عناصر الحالة الاقتصادية الحالية ، لم تعد ذات استدامة ، فالنمو لم يعد حلاً للتحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئة التي نواجهها بل أصبح جزءاً من المشكلة ، ولعله أصبح من الضروري التركيز على مقارنه جديدة تركز على العيش الرغيد بكل أبعاده إذا ما أردنا أن نتطور كمجتمع عالمي قادر على الالتزام بالقيم الانسانية وهي السلام والتضامن والانسجام مع الطبيعة .
في حين أن النمو هو شرط أساسي للتنمية وساهم في عده أجيال في الخروج من الفقر ، فلابد من التركيز كذلك على طبيعة النمو وتوزيع الفائدة منه ، فالنمو الكبير لا يؤدي بالضرورة إلى مزيد من التنمية والسعادة للبشرية بل وعلى العكس ، فإن السياسات الاجتماعية المتوازنة تمكنها أن تحسن في الحياة الرغيدة كمستويات نمو قليله .
إن خلق الوظائف وتمكين الناس في كسب راتب ملائم لابد أن يكون أمراً أساسياً في السياسات التي تسعى إلى العيش الرغيد في الدول النامية والنمو المادي هام جداً إذا ما أردنا القضاء على الفقر الشديد وتوفير الحاجات الحياتية الضرورية للجميع ، وهنا كذلك فلابد أن تكون الاستدامة البيئية والاجتماعية جزءاً من السياسات الاقتصادية منذ البداية وهذا سيكون مهما في ظل التزايد البشري وما سينجم عنه من انفجار مدني .
إن العيش الرغيد لابد أن يشمل على عوامل إنسانية لا تعتمد بالضرورة على الاستهلاك المادي غير المحدود .
فالتعليم والصحة والثقافة والترفيه وممارسة الدين وضمان حقوق الإنسان والرضا العاطفي والشعور بالانتماء للمجتمع كلها أبعاد للسعادة الإنسانية والتي يمكن من خلالها تحقيق التقدم فيها دون أثر كبير على البيئة ويكون لها فوائد اجتماعية كبيرة .
إن دعم مثل تلك العناصر يجب أن يكون عاملاً مهماً في النموذج الجديد للتنمية ، وفين حين يتوجب على القطاع الخاص خلق مزيد من الوظائف فلابد من خلق وظائف في القطاع الاجتماعي والبنية التحتية ليستعيد منها المجتمع وتقليل الأثر على البيئة ، ولابد أن تعطى البطالة بين الشباب أهمية كبرى .
ولنجاح سياسات العيش الرغيد ، فمن المهم القضاء على عدم المساواة بين الجنسين وذلك لإطلاق الامكانيات الكاملة للنساء كمواطنات وكذلك في القطاع الاقتصادي .
إن النساء اللاتي نصف المجتمع العالمي لا زالن يعانين من عدم العدالة في الكثير من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ، ففي العديد من الدول لازالت القوانين المنحازة والأعراف الاجتماعية تحرم النساء من الفرص الاقتصادية حيث لا تحظى النساء بالقروض والأجور الكافية وفي العديد من الدول ما زالت هناك قيود تمنع النساء من العمل السياسي ومجالس إدارات الشركات ، وما زال العنف ضد النساء يبين أنهن أكثر فئات المجتمع عرضه للأذى .
إن التحول إلى سياسات العيش الرغيد لن يكون سهلاً والطريق لا زال غير مُعبد بالكامل فلابد من التجربة الجريئة ولابد على متخذي القرار العمل على تقليل عدم المساواة في الظروف والفرص بين الدول ولابد من وضع الحوافز والنظم لسوق العمل للعمل تجاه العيش الرغيد .
وكما أثبتت العديد من الدول وعلى عدة مستويات في التنمية أنه يمكن اتخاذ اجراءات للعمل على استهداف مزيد من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الهادفة إلى ازدهار الفرد .
إن قياس العيش الرغيد للأشخاص يجب أن يتجاوز الدخل القومي حيث لابد من اعاده تعريف النمو بحيث لا يقتصر على الانتاج المادي والاستهلاك ولكن التقدم الاجتماعي والبيئي.
إن الاقتصاد الأخضر والذي يعتمد على الفعالية التكنولوجية، والمنتجات الصديقة للبيئة والممارسات الشبيهة ، توجهها على الطريق الصحيح إذا كانت ضمن سياسات أوسع ويتطلب ذلك حوافز وسياسات مالية لتوجيه النمو إلى إنتاج واستهلاك لا يستنزف الموارد ، وكما أن النموذج الجديد للنمو لابد أن يكون قائماً على السياسات التوزيعية وتوزيع الثروة والفرص بشكل أكثر عدالة لجعل الاقتصاد أكثر قوة لتعزيز العيش الرغيد وبالفعل ، لا شيء يمكنه تعويض العيش الرغيد أكثر من الشعور بالإقصاء والحرمان في مقابل الغنى الفاحش للآخرين.
ولابد لسياسات العيش الرغيد أن تسعى للتوازن بين المصالح الخاصة والاستثمار العام لإنتاج بضائع يمكن للجميع الاستمتاع بها ويمكن للكوكب أن يتحملها، وباختصار فإن السعي للعيش الرغيد لهدف أسمى للتنمية وللتقدم البشري سيتطلب عقداً اجتماعياً جديداً مبني على أن الكوكب والبشر هما أصلان يجب رعايتهما .
أن المبدأ الأساسي « للعيش الرغيد » يجب أن يصاحبه المبدأ الأفريقي والمسمى “أدبنتوا ” وهي أن نجاح الفرد يعتمد على نجاح المجتمع ولتحقيق هذه الرؤية للتنمية ، فلابد من تعاون عالمي أكبر.
فعلى الدول المتقدمة مسئولية أكبر للتنمية العالمية المستدامة والقضاء على الفقر الشديد ولابد كذلك في اتخاذ إجراءات لتمويل اقتصادات العالم المتقدم تجاه التنمية المستدامة. كما أنه هناك حاجة إلى تسهيل نقل التكنولوجيا الخضراء إلى الدول النامية بما في ذلك التكنولوجيا التي تقلل الأثر على المناخ .
ولابد من زيادة التعاون التنموي وجعله أكثر مسئولية سواء للدول المانحة أو المتلقية ولابد أن يكون هدفه هو العيش الرغيد .
إن إعادة التفكير في نموذج الاقتصاد المبني على النمو سيتطلب عولمة مختلفة تكون قائمة على التضامن والتعاون عوضاً عن المنافسة إن التوجهات الاقتصادية والمالية العالمية عادة ما تعزز نموذج النمو الخاطئ ولا زالت تدعم الفائدة المحدودة.
فلابد من سياسات تقلل في القوة المبالغ فيها سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي للشركات والاتحادات التجارية كما أن تركز ملكية الأراضي في أيدي قليلة يهدد معيشة الناس في الأرياف.
وحيث أن التوزيع العادل للأراضي يؤدي إلى مزيد من التنمية وتحسين الظروف المعيشية للفرد، فلابد من إيجاد حل تلك المشكلة.
وبشكل أساسي، فإن سياسات العيش الرغيد ، تستوجب على جميع المواطنين وخصوصاً المجموعات الأكثر عرضه كالنساء والشباب والشعوب الأصلية والفقراء للمشاركة في عملية اتخاذ القرار. إن المشاركة في اتخاذ القرار الذي يؤثر على حياتنا والبيئة الاجتماعية والبيئية المحيطة بنا يعتبر بعداً هاماً للعيش الرغيد.
كما يستوجب العيش الرغيد أن يشارك المواطنين بشكل فاعل في إدارة أمورهم العامة. كما أن المشاركة والشفافية والمسئولية هي من أعمدة الديمقراطية وطريقة تطبيقها على جميع المستويات سواء الحكومية المحلية أو الوطنية أو العالمية .
إن المشاركة الشفافة والمسئولية تعتبر أساس الحكم الديمقراطي والذي يعتبر هدفاً بنفسه وأداه تمكين للتنمية المستدامة فلا يوجد ازدهار دون احترام قيم الديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان ، ولذلك فإن الحكم الديمقراطي يجب أن يكون هدفاً من ضمن أهداف التنمية المستدامة ولذلك كأحد أبعاد الأهداف التي يتعين تحقيقها في المستقبل .
ولتوجيه التنمية المستدامة إلى الاتجاه الصحيح فلابد من إعادة التوازن بين دور السوق والحكومة.
فلابد من إيجاد سبل جديدة لخلق توازن بين حاجات السوق والحاجات الاجتماعية تشمل الشراكة بين القطاع العام والخاص والشركات التي تخدم المجتمع وكذلك الطرق الأخرى للتعاون .
كما أنه هناك حاجة لتدخل الحكومات لضمان حماية حقوق الفقراء وحماية الموارد الطبيعية إن التحديات التي تواجه التنمية المستدامة تحتاج إلى أسلوب وجهد مشترك يمكن فقط للحكومات القيام به .
ولهذا الغرض ، فسيكون مهماً تشدد البرلمانات على مكانتها في عملية اتخاذ القرار سواء على المستوى الوطني أو الدولي وأن مؤسسة البرلمان تلعب دوراً أساسياً في هيكل الحكم الديمقراطي ولذلك لابد في تقويتها عبر العالم من خلال منحها سلطات رقابية وتشريعية أكبر.
أن البرلمانات القوية ستلعب دوراً أكبر في المستقبل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة .
وهذا يعني أن تكون سياسات التنمية قائمة على المشاركة الشعبية وأن يتم تقديم تقارير حول التقدم للبرلمان.
لابد أن تستمر هذه النقاشات في البرلمانات الوطنية وذلك لتمكينها من المشاركة في المشاورات العالمية حول وثيقة ( ريو ) التي سيتم إصدارها وسيطلق عليها « المستقبل الذي نريد ».
قم بكتابة اول تعليق