الحراك، وانقسامه، والحوار، والتنسيق، والسلف، والشعبي، والإخوان، عناوين تتصدر أحاديث فئة كبيرة من المعارضين اليوم، وكأن ما يحدث من انقسام وتشتّت لدى بعض المعارضين مفاجأة أو أمر غير متوقع.
بل هو متوقع وطبيعي ومحتوم كذلك، وحذرنا منه بعض المخلصين منذ البداية، ولم ينصتوا بحجة أن الإصلاح يجبّ ما قبله وما بعده، فعندما يسلم البعض “تيار الصدفة” (الأغلبية المبطلة) زمام أمور المعارضة فالانقسام والضعف نتيجتان حتميتان، فتيار الأغلبية المبطلة لا يجمعه شيء سوى أن أعضاءه حصلوا على مقاعد نيابية في مجلس فبراير دون تخطيط مسبق؛ بعضهم طائفي وآخر قبلي وثالث ديني سلفي ورابع ديني من الإخوان وخامس شعبي وسادس ليبرالي وسابع وثامن وتاسع لا يعلمون ما هي طموحاتهم وأولوياتهم بالضبط.
بل إنه حتى في فترة توليهم للتشريع لم يلتزموا بوعودهم للناخبين في تحقيق الإصلاح السياسي، وانصرفوا عن ذلك بقوانين حشمة، وإعدام، وسورية، ورفع الحصانة، وغيرها من أمور لم تكن على طاولة وعودهم أبداً.
كيف لعاقل أن يتوقع من “تيار الصدفة” هذا أن يقود أي عملية لإصلاح ملف واحد كي يصلح وطناً كاملاً، وإن سلمنا جدلا بأنه من الممكن لتيار غير متجانس أن يقود الإصلاحات، فكيف لنا أن نصدق بأن نفس التيار الذي ضرب بأولويات الإصلاح عرض الحائط حينما تسلم زمام السلطة التشريعية هو من يستحق الثقة مجدداً؟
العلة هي أن الكثير من الشباب أراح نفسه من عناء التخطيط وتقديم قضايا معتبرة ومدروسة من شأنها الارتقاء بالوطن، واكتفى بترديد ما يقوله بعض أعضاء “تيار الصدفة” دون تفكير أبدا، والمصيبة أن “تيار الصدفة” يلبي رغبات بعض الشباب غير المدروسة ليحافظ على وجودهم حوله، فعلى سبيل المثال فقط إعلان المقاطعة الدائم لأي انتخابات ما لم تكن بنظام الخمس دوائر بـ”أربعة أصوات” حتى إن حكمت المحكمة الدستورية بدستورية مرسوم الصوت الواحد!! رغم أن الحكم بدستورية مرسوم الصوت الواحد إن صدر يستدعي أن تكون هناك أغلبية نيابية تقنن مراسيم الضرورة كي لا يتكرر ما حدث في انتخابات ديسمبر.
تقديم أولويات مدروسة بعناية تقدم إصلاحاً حقيقياً للبلد، وتعزز من حريات الفرد قبل كل شيء، والتعاطي السياسي المرتكز على “الممكن” مع الأوضاع الحالية، والانصراف عن “تيار الصدفة” إلى أن يتفتّت ويتلاشى هو عبء كبير على المعارضة والإصلاح، تلك هي الحلول الحقيقية لوضع أفضل.
قم بكتابة اول تعليق