تقيم مجموعة 29 في الأسبوع المقبل “المؤتمر الأول لعديمي الجنسية في الكويت… الحالة والحل”، الذي سيشارك فيه العديد من المنظمات الحقوقية الدولية ومؤسسات المجتمع المدني وأصحاب القضية والناشطين الحقوقيين. ونأمل أن يقبل الجهاز المركزي الدعوة ويشارك في هذا المؤتمر، ليسمع ويتحاور مع مؤسسات المجتمع المدني، حتى نتمكن من الخروج بالمؤتمر بحل شامل عادل، إنصافاً لإنساننا، وإعلاء لمصلحة وطننا، الذي أنهكته هذه القضية، وخلفت بجسده جروحاً غائرة مفتوحة لأكثر من خمسة عقود، والخطر كل الخطر ألا تقوم الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني بمسؤوليتها، وتعمل معاً على إغلاقها وعلاجها بشكل يتفق ومفاهيم حقوق الإنسان ودولة القانون.
ستقدم مجموعة 29 في المؤتمر رؤيتها في الحل، وستطرحها على مؤسسات المجتمع المدني للتحاور والوصول إلى حلول عملية تتفق عليها، ومن ثم تعمل على متابعتها والدفع بتنفيذها.
يهدف هذا المقال إلى تبيان رؤية مجموعة 29 لأهمية تعديل مسمى ووضع بدون الكويت من “مقيمين بصورة غير قانونية” إلى “عديمي الجنسية”، لأنه المدخل القانوني لحل القضية وتثبيت ضمانات الحقوق المدنية والإنسانية والمواطنية. فإطلاق مسمى “مقيمين بصورة غير قانونية” على الجميع يشوبه الكثير من المغالطات التاريخية والقانونية. والإبقاء على هذا الوضع يعوق حل القضية، بينما سيعمل تعديل وضعهم كـ”عديمي الجنسية” على تحويلهم من الحالة اللاقانونية إلى الحالة القانونية، بدلاً من تركهم، كما هو حاصل، خارج منظومة الدولة والقانون دون حماية أو حقوق عادلة.
عمل مسمى “مقيمين بصورة غير قانونية” على تكديس أتربة الزمن على الحقيقة الغائبة عن الوعي الجمعي، فأصبحت الجمل المكررة التي نسمعها حين نتحدث عن هذه القضية: “هؤلاء مزورون ومتسللون”، “ليعودوا إلى ديارهم”، “ليخرجوا وثائقهم الأصلية”… دون إدراك للحقيقة التاريخية للقضية التي نشأت مع استقلال الدولة، حين وضعت لجان التجنيس آلية لاستحقاق الجنسية لم تراعِ فيها طبيعة وظروف سكان أهل البادية، لكن سمحت لهم الدولة بعد ذلك بالإقامة القانونية، من خلال استثناء “أبناء العشائر” من إجراءات الإقامة. كما كانت الدولة تعترف بهم وتضيفهم ضمن الإحصاء الرسمي لأعداد الكويتيين، لكن تم إلغاء هذا البند من القانون سنة 1987، دون أن يعالج المشكلة.
وقد تغير مسماهم عدة مرات من “بادية الكويت” و”بدون” و”غير محددي الجنسية”، ليجد بدون الكويت أنفسهم بين ليلة وضحاها “مقيمين بصورة غير قانونية”، وهو تعريف يطلق دولياً على من يدخل البلاد بشكل غير رسمي دون إعلان وجوده، وهو ما لا ينطبق على البدون الذين سمح لهم القانون في السابق بالإقامة والعمل والتعلم، وتم تسجيلهم بالسجلات الرسمية، ويشكلون اليوم أربعة أجيال، ولد وعاش الكثير منهم في الكويت لأكثر من خمسين سنة.
بدون الكويت ليسوا “مقيمين بصورة غير قانونية” حسب المفهوم الدولي، حتى أولئك الذين لا يستحقون الجنسية (حسب معايير الحكومة)، وهم حسب المسمى الدولي المتعارف عليه “عديمو الجنسية”. ومن تعتقد الدولة أنه تسلل أو زور أو عبر المنافذ دون أن يعلن عن نفسه، فلتبادر بكشفه وإحالته إلى القضاء لتأخذ العدالة مجراها، بدلاً من أخذ الجميع بجريرة البعض، وبدلاً من الانتظار ليقوم بعض البدون بتعديل أوضاعهم، وينتظر معهم جميع البدون إلى ما لا نهاية، بينما تعاني تلك الفئة أوضاعاً معيشية وإنسانية قاسية.
إن اعتراف الدولة والمجتمع بوجود “عديمي الجنسية” هو المدخل لضمان حقوقهم المدنية والمواطنية، بما يتوافق مع الاتفاقية الدولية لعديمي الجنسية التي عرفتهم بأنهم “الأشخاص الذين لا تعتبرهم أي دولة مواطنين فيها بمقتضى تشريعها”، لتلتزم الدولة بتجنيس المستحقين، ومنح الشرائح الباقية الحماية والحقوق والإقامة الدائمة، أو العمل على تسوية توطينهم من خلال التشريع لمعايير محددة لاستحقاق الجنسية.
بداية الحل هي تعديل وضع بدون الكويت إلى “عديمي الجنسية”، ليصبحوا مقيمين بصورة قانونية.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق