فوائد القروض الاستهلاكية إلى أحد أدنى مستوياتها التاريخية

احتدمت المنافسة في الفترة الماضية بين البنوك المحلية لاستقطاب العملاء الأفراد، في ظل صعوبة بيئة الأعمال وندرة فرص تمويل الشركات.

ونتيجة لذلك، تراجعت فوائد القروض الاستهلاكية إلى أحد أقل المستويات التاريخية في البلاد، حيث وصلت في بعض البنوك إلى 2.7 % فقط سنويا.

ويعني ذلك أن البنوك المعنية لم تستفد سوى من 0.7 % من هامش الربح المتاح لها عند 3 % فوق سعر الخصم، والذي حدده بنك الكويت المركزي عند 2 % نهاية عام 2012.

ويعدِّد المراقبون جملة أسباب وراء تراجع أسعار الفائدة على الائتمان الاستهلاكي، أبرزها صندوق الأسرة وزيادة الرواتب الحكومية وشح فرص التمويل التجاري والسيولة الوفيرة لدى القطاع المصرفي، بالإضافة إلى الحجم الكبير لودائع القطاع الخاص المجانية أو ذات الفوائد «الرمزية».

يتفاجأ المرء عندما يقصد بنكا محليا كبيراً في هذه الفترة للحصول على قرض استهلاكي، ما ان يتم إبلاغه بأن سعر الفائدة قد يصل إلى 2.7% فقط سنوياً.

نعم، هذه الأسعار المنخفضة تاريخيا تقدمها بعض المصارف وشركات التمويل لزوم المنافسة، بعد أن خفض بنك الكويت المركزي سعر الخصم (الفائدة الأساسية) إلى 2% في نهاية العام الماضي، علما أن التعليمات الرسمية تتيح للمؤسسات المالية الاستفادة من هامش ربح فوق سعر الخصم حده الأعلى 3%.

بمعنى آخر، يستطيع أي بنك أن يربح حتى %5 سنويا من القرض الاستهلاكي، لكن الحاصل اليوم أن وحدات القطاع المصرفي خفضت فوائد القروض الاستهلاكية إلى أدنى مستوياتها منذ عقدين تقريبا، ليتراوح الهامش الذي تفرضه فوق سعر الخصم بين 0.6% و1.5%.

ووراء هذه الظاهرة جملة أسباب، يعددها مراقبون كما يلي:

1- سيولة وفيرة

تتمتع البنوك المحلية بسيولة وفيرة، حيث ارتفعت على سبيل المثال لا الحصر الأموال المصرفية الموظفة لدى «المركزي» 87% آخر 3 أعوام، إلى 4.78 مليارات دينار كما في نهاية فبراير الماضي.

وتعتبر هذه الأموال عقيمة لأنها لم تجد سبيلها للتوظيف في مكان آخر.

2- ودائع رخيصة

قفز حجم الودائع بشكل كبير في الأعوام الخمسة الماضية بسبب الأزمة المالية، ووصل إجماليه إلى 34.2 مليار دينار، وهي ودائع القطاعين العام والخاص. وقد انخفضت تكلفة هذه الودائع إلى أدنى مستوياتها في الفترة الماضية، إذ تشير الأرقام الرسمية إلى أن 23.1% من ودائع القطاع الخاص، أي 6.27 مليارات دينار هي مجانية، اي أن تكلفتها صفر. وهذه الودائع تتراكم عادة في حسابات الرواتب وحسابات الجوائز. كما أن الفائدة على 69.8% من ودائع القطاع الخاص (18.8 مليار دينار) أقل من 2%.

وحسب بيانات «المركزي»، تراجعت فائدة الوديعة بالدينار لأجل 12 شهرا إلى %1.19 كما في فبراير الماضي.

3- فرص شحيحة

خلال أعوام الأزمة، ارتفع «حس» المخاطر عند البنوك المحلية، التي قلصت تمويلاتها إلى الكثير من القطاعات، أهمها قطاع شركات الاستثمار المتعثر، وقطاع العقارات التجارية المتأزم.

ومع صعوبة بيئة الأعمال في البلاد، باتت الفرص الائتمانية شحيحة ونادرة، حيث شهد الإقراض المصرفي نموا ضعيفا جدا على صعيد أغلب القطاعات في الأعوام الثلاثة الماضية.

فمع انهيار أسعار الأصول، انكمش الإقراض المخصص لشراء أوراق مالية خصوصا الأسهم الكويتية. كما أن القطاع الصناعي يعاني مرضا مزمنا، وهو ندرة الأراضي مدموجة بالبيروقراطية الحكومية.

وقد تراجع أداء قطاعي الخدمات والتجارة، مما دفع بالبنوك إلى التركيز على تمويل العقارات الاستثمارية، وعلى قروض الأفراد، الاسكانية والاستهلاكية، حيث بقي الطلب مرتفعا. وكانت قد بُحت الأصوات المنادية بضرورة طرح مشاريع حكومية تنموية بهدف تحفيز التمويل.

4- منافسة شرسة

بسبب ندرة الفرص الائتمانية، تشهد الساحة المصرفية منافسة شرسة على استقطاب العملاء الأفراد. وتعتبر أسعار الفائدة أبرز أسلحة هذه «الحرب الضروس»، إن صحت التسمية. وتحاول البنوك جاهدة تعويض نقص فرص التمويل «النوعي» في قطاع الشركات، عبر زيادة القروض «الكمية» للأفراد. فأحيانا كثيرة مئات القروض الاستهلاكية الصغيرة نسبيا لا تساوي قرضا تجاريا واحدا.

ويفيد المراقبون بأن البنوك الكبيرة عادة تكون في وضع أفضل للمنافسة، فتستطيع تخفيض هامش ربحها أكثر من غيرها بفضل حجم أعمالها وعدد عملائها. غير أن بنوكا صغيرة وشركات تمويل تعمل على تخفيض فوائد القروض الاستهلاكية أيضاً لجذب المزيد من العملاء.

ومن اللافت أن أسعار الفائدة تتفاوت بشكل كبير بين بنك وآخر وبين شركة تمويل وأخرى.

5- رواتب متصاعدة

في الأعوام القليلة الماضية، عمدت الحكومة الى زيادة رواتب موظفي أغلب الجهات الرسمية، وبنسب تصل إلى 50% أحيانا.

وهذه الأجور المتصاعدة من شأنها زيادة المساحة الاقتراضية المتاحة لدى المواطنين.

علما بأن البنك المركزي حدد 15 ألف دينار كحد أعلى للقرض الاستهلاكي، و40% كحد أقصى للاستقطاع من الراتب الشهري.

6- صندوق الأسرة

بعد إقرار قانون صندوق الأسرة الذي يُسقط فوائد القروض الاستهلاكية والمقسطة للمواطنين قبل عام 2008، بدأت البنوك التقليدية في زيادة الضغط على فروعها ووحدات البيع لديها، لتغطية الفجوة التي قد تخلق بعد سداد فوائد قروض قيمتها تتخطى 740 مليون دينار ممنوحة لنحو 47 ألف مواطن.

ومن المتوقع أن تعمل المصارف على طرح المزيد من العروض الترويجية لاستقطاب المستفيدين من الصندوق، للاقتراض مجددا، بعد اتساع المساحة الائتمانية المسموحة لهم.

7- نهم استهلاكي

تتميز الكويت بمجتمع استهلاكي من الدرجة الأولى. فمن شراء السيارات إلى السفر والاجازات، فتأثيث المنازل وشراء الأجهزة الالكترونية والملابس وغيرها، يبدو قطاع الاستهلاك في أفضل حالاته.

وتشير الأرقام إلى استمرار نمو مبيعات التجزئة في الأعوام القليلة الماضية رغم الأزمة المالية.

فقد قفزت القروض الاستهلاكية آخر 3 أعوام 66% لتبلغ 1.04 مليار دينار في نهاية فبراير الماضي.

وتعمل البنوك وشركات التمويل على الاستفادة من هذا النهم الاستهلاكي عبر زيادة القروض المخصصة لهذا القطاع.

جملة الأسباب هذه دفعت إلى تراجع فوائد القروض الاستهلاكية إلى أحد أدنى مستوياتها التاريخية. ومع رخص الاسعار، يتوقع المراقبون زيادة هذا النوع من التسهيلات الائتمانية في الفترة المقبلة للأسباب نفسها المذكورة أعلاه. ويأمل المراقبون تحسن بيئة الأعمال المحلية وتسريع عجلة طرح المشاريع التنموية لئلا يصبح النمو المفرط في القروض الاستهلاكية «فقاعة» تنتظر الانفجار!

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.