عبدالمحسن جمال: سياسة الهروب إلى الأمام

من المصطلحات السياسية المتداولة مصطلح «الهروب إلى الأمام».

من البديهي ان الذي يخاف شيئاً أو يتراجع بسبب الضغوط أو ينهزم، فإن الفعل الطبيعي هو ان يتراجع إلى الخلف ليختبئ أو «متحيزا إلى فئة» تعينه على التصدي لهذا الأمر الضاغط.

ولكن البعض وللتخلص من هذه الضغوط، فإنه يلجأ الى «الهجوم» وهو التصعيد أو الإقدام والتحرك الى وضعية أفضل متقدمة بعمل ما.

والهروب إلى الأمام يكون في أغلب الأحيان سياسة اليائس من وجود حلول لوضعه الحالي فيصعد المواجهة لعل الوضع الجديد، الذي غالباً ما يكون أخطر من الوضع الحالي، سيجبر الطرف الآخر على التنازل أو التواصل والمفاوضة، وهي مغامرة للذي يرى نفسه خاسراً، فلن يخسر شيئاً آخر إذا شن هجوماً كاسحاً بما يملك من قوة، فاما ان يحقق شيئاً وإلا فإنه لن يخسر شيئاً آخر لأنه أصلاً خاسر.

وهذا يستخدم كثيراً في لعبة كرة القدم، فالفريق الخاسر يلجأ في اللحظات الأخيرة الى الهجوم بكل أفراده على مرمى الخصم بغية تسجيل هدف ولا يهمه في هذه الحالة خسارته بهدفين، لأنه كما يقال «خاسر.. خاسر».

والهروب إلى الأمام يستخدمه البعض في ممارسة دور الضحية والمظلوم للحصول على منافع غير مشروعة ولكسب الرأي العام الذي قد يرى في عملهم شجاعة تستحق التقدير.

والخروج على الخطوط الحمراء بالاعتداء على الثوابت الوطنية مثلاً او غيرها أحد أساليب الهروب إلى الأمام، فحين يخطئ أحدهم ويُحاسب فإنه قد يصعد من لهجته ويتمادى في خطئه ويرتكب حماقة أكبر في محاولة لتبيان شجاعته وقدرته على المواجهة، ولكنه قد يقع ويوقع غيره ومجتمعه في صعوبات أكبر.

فالكثير من الأفراد والمجاميع لا هم لهم الا مهاجمة الآخرين أو توجيه النصح لهم، بينما يتناسون ما ارتكبوه من سلبيات وأخطاء.

ما نحتاج اليه اليوم ليس تصعيداً للأحداث وخلطاً للأوراق ومواجهة القوانين بقدر ما نريد العقل والحكمة والمنطق في حوار مجتمعي يعترف كل منا بخطئه ويكون على استعداد للتفاهم والحوار، أما التصعيد والمشاكسة فسيجعلاننا كركاب السفينة التي تواجه العواصف، فبدلاً من التعاون للتغلب عليها، يبدأون بالعراك والمشاحنة في ما بينهم ويتناسون مواجهة المشكلة الأساسية التي تواجههم وتواجه سفينتهم وكأنهم يقولون: اما ان نحقق نحن ما نريده أو سنغرق ونغرقكم معنا.

د. عبدالمحسن يوسف جمال

ajamal2@hotmail.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.