من الافضل، كما يروي عن احد فلاسفة اليونان، ان يكون المرء طبيبا.. من أن يكون فنانا. ذلك ان اخطاء الفنانين مكشوفة للناس، واخطاء الاطباء.. في اعماق القبور!
تحدثت صحيفة القبس، 2013/2/18، عن «ازمة النقد التشكيلي في الكويت». ويلاحظ المشرف على الصفحة الاستاذ محمد حنفي «ان الحركة التشكيلية في الكويت نشطة، ولكن النقد التشكيلي نادر».
ويرى الناقد يحيى سويلم ان غياب هذا النقد «كارثة»، لأن الفن التشكيلي يتقدم «عندما تكون هناك حركة نقدية موازية تساعد الجمهور على الفرز».
ولكن لا اجهزة الاعلام تبدو مهتمة.. ولا يوجد، كما يشتكي الفنانون، نقاد تشكيليون. بل وهناك علاقة حرب وكراهية بين الفنان والناقد، لأن الاول يعتقد بأن الثاني يكتب لغرض ما.. مهما كان نقده موضوعيا. ولكن هل الفن الجيد وليد النقد أم الابداع الذاتي أو ربما الايمان بقضية أو مبدأ ما؟ ألم تنصب اللعنات والشتائم على مؤسسي ورواد الفن الحديث في بداية القرن العشرين وانتشرت عنهم النكات والتعليقات الساخرة والنقد السلبي؟!.
فلماذا استمروا في عطائهم، وقلبوا الفن رأساً على عقب، واصبح «الفن الحديث» هو الشائع المقبول، على يد بيكاسو ورينوار ودالي والتكعيبية والسريالية والانطباعية وغيرها، بينما هجر الفنانون تقريبا الفن الكلاسيكي الذي ساد المعارض والبيوت والقصور واكاديميات الفنون، على امتداد القرون؟ لكن شكوى الفنانين الكويتيين على الرغم من ذلك تظل في محلها. فهم يعملون في بيئة تحارب الرسم والنحت والتمثيل والموسيقى والغناء.. باسم الدين! والحاجة ماسة الى من يشرح المدارس الفنية ومن يفسر اللوحات ومن ينبه الرسامين الى نقاط ضعفهم أو قوتهم، كي يعالجوا الاولى ويركزوا على الاخرى.
«ميزة النقد انه يجعل الفنان يُغيِّر مساره ويطوره»، تقول الفنانة التشكيلية ثريا البقصمي: «هناك عزوف من قبل اهل الفن التشكيلي نفسه عن خوض غمار النقد التشكيلي».
وتضيف: «كنت امارس النقد التشكيلي لفترة، وتسبب الامر في غضب الكثير من الزملاء الفنانين.. فالبعض يعتبر الناقد عدوا له».
ويرى محمد العسعوسي، مدير ادارة الفنون التشكيلية بالمجلس الوطني للثقافة ان هناك ازمة في النقد التشكيلي، رغم وجود بعض النقاد المتخصصين ممن هم على اطلاع واسع بالمدارس التشكيلية في الكويت. ولكن كل من يدخل مجال النقد الفني يتركه، «ربما لأننا في العالم العربي لا نقبل النقد».
الكاتب «محمد السعيد» يرى ان الفن التشكيلي معدوم لا بسبب ارهاب الفنانين للنقاد، حيث تعرض بعضهم للتهديد فعلا، ولكن كذلك لاسباب اخرى. «فالفن التشكيلي في الكويت تطغى عليه سمة التجارة، والفنان يرسم من اجل البيع، والاسعار فلكية، ولا يستطيع الانسان العادي اقتناء لوحة، وهذا التوجه التجاري يجعل الفنان التشكيلي في حالة حرب مع النقد، لأنه يعتقد ان رأي الناقد في اللوحة يؤثر سلبا في تسويق اللوحة».
نحن اليوم على مبعدة اكثر من قرن من وفاة اول فنان تشكيلي كويتي، وهو الشخصية المتعددة المواهب عبدالله الفرج (1836 – 1901)، الذي اشتغل بالرسم وقبل النحت ايضا، كما ورد في كتاب د.خليفة الوقيان عن الثقافة في الكويت، (2010 ص435).
لقد تحولت الفنون التشكيلية عالميا الى احد اهم افرع الثقافة الانسانية، وتطور النقد والتاريخ والدراسات بمختلف مناحيها في هذا المجال اقصى التطور. ولا يحتاج الامر لأن يكون المتابع ناقدا فنيا كي يلاحظ ان معظم الرسامين الكويتيين لا يبحثون ولا يكتبون وربما لا يتابعون كذلك تاريخ الفن وفلسفته، ولا يحاول احد منهم ربط فنه بفلسفة أو اطار فكري مبتكر. الكثير من الرسامين في الكويت، من خلال ما نرى من معروض المعارض، مجرد رسامين لا فنانين. كالناظم الذي ينظم كلاما مقفىّ موزوناً.. دون ان يكون شعراً عذباً. والكثير كذلك لا يرهق نفسه ولا يبحث عن مواضيع مبتكرة، بل يرسم المرسوم، ويقدم المعلوم.
اعداد لا بأس بها هجروا رسم الاشخاص والكائنات الحية تحت ضغط الهاجس الديني، وآخرون انكبوا على الفن التجريدي دون اصالة وعمق وقدرة على تفسير العمل الفني الذي يقدمونه للجمهور.
لا احد تقريبا يهتم بتفاصيل الحياة اليومية مثلا في اسواق الكويت، في المناطق السكنية والجمعيات، في المطار أو الحدود أو المولات التجارية، أو حياة الناس في مناطق مثل حولي وكراجات الري وغيرها.
لقد برز الفنان المبدع ايوب حسين في مجال التراث الشعبي رسما وكتابة، ولكن ألا توجد في الكويت مجالات اخرى يهتم بها رسامون آخرون بدلا من تكرار بعض المواضيع؟
لماذا لا يصل مستوى الفن التشكيلي في الكويت مثلا الى مستواه في سورية ولبنان والعراق ومصر؟ ما المعوقات في هذا المجال ومتى وكيف يمكن تجاوزها؟
اين الناقد الفني التشكيلي الذي يمكن ان يشرح لنا ويفسر الامور.. بعد ان طرده الفنانون والرسامون الكويتيون وطاردوه!؟.
خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق