الديوانية ظاهرة لم تفقد بريقها حتى الآن، وهي بالفعل منتديات أو برلمانات صغيرة، سمها ما شئت، يتداول فيها الشأن العام، وهي تعبير حقيقي عن طبيعة المجتمع تراه بلا رتوش وبلا مشاهد تمثيلية وتصنع، كما يجري في البرلمان، ومن يرصد أجواء الدواوين خاصة في السنوات العشر الأخيرة يستطع إنتاج عشرات الكتب في علم الاجتماع وفي الظواهر الاجتماعية عن طبيعة النفس البشرية وخضوعها أو مقاومتها لسطوة الغرائز.
يحدثني أحد المخضرمين في العمل التنظيمي في إحدى الدواوين أن المغالاة في محاربة ظاهرة لا تعبر عن حقيقة موقف بل يمكن أن تعبر عن نقيضه دون أن يشعر القائمون عليها أو المراقب لها، كأن يتحدث شخص ما أو مجموعة عن أهمية الشفافية بصورة تخرج عن الإطار الموضوعي وهو، أو هم، في نفس الوقت يتصرف أو يتصرفون بشكل مغاير، أو كأن يتحدث شخص أو مجموعة عن الفساد ويشهر
أو يشهرون بالآخرين وهو أو هم في حقيقة أمره أو أمرهم لص أو لصوص.
تلك «تكتيكات» يرى صاحبي المخضرم أنها ضربات استباقية توصل لها بعضهم خلال السنوات الماضية وبدؤوها بالهجوم تحديدا على المؤسسات الرقابية وعلى بعض الشخوص المعروفة بمواقفها المبدئية في قضايا المال العام خاصة دون التكسب من تلك المواقف، فأنت عندما تهاجم نقص الشفافية والاستيلاء على المال العام بمثل تلك الشراسة المفتعلة تحقق أمرين، أولهما تصفي حساباتك مع من وقف ضدك أو ضد مجموعتك وتتهمه بنفس التهم وتبرر للمواطنين ما بدر منك، من خلال القول إن الفساد ظاهرة عامة، وفي نفس الوقت تستبق أي هجوم عندما تضرب ضربتك الجديدة بأن رد الفعل عليك بسبب مواقفك المبدئية.
يقول صاحبي المخضرم ما عليك إلا أن تعود للسجلات لتكتشف أن بعض من يتعرضون للهجوم اليوم على أنهم متجاوزون على المال العام وشركاء في صفقات مشبوهة هم أنفسهم من كشف عن ملفات لهم تحوم حولها الشبهات بملايين الدنانير من المال العام في فترات سابقة، وبعضهم من رفض أن يوقع على تسويات على حساب المال العام، وما دامت الأجواء بمثل تلك الفوضى فهناك فرصة لتصفية الحسابات معهم.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق