جلس احدهم أمامه بكل شموخ يتظلم (يتأفف) يشتكي (ينتخي) طالبا الغاء المخالفات الجسيمة التي تم رصدها ضد مبرته الخيرية من قبل اللجان المختصة بالوزارة، كان غاضبا اشد الغضب يحمل في صدره (حجي وايد وعتب اكثر) على الوزارة يعتقد حينها ان الظلم يلتفه وان القانون لا يعرف سواه والوزارة (حاطه عليه) والعفاسي سيؤدب اولئك الذين خصوه في تسجيل المخالفات ضد مبرته دون غيرها، الشرار يتطاير من عينيه.. ليس لديه استعداد للحديث مع اي كائن كان، الا الوزير نفسه، اشغل طاقم مكتب الوزير وانه لن يخرج من هذا المكان الا بعد اجراء مقابلة مع العفاسي، منح فرصة الدخول من دون البشر (كلهم) دخل عليه.. استقبله برحابة صدر ودماثة خلق سبقته كلمات الترحيب والابتسامة الصادقة كعادته في استقبال ضيوفه رحمه الله، بذكاء وكرم المضيف واستعداده المهني الفذ في امتصاص غضب الغير.. هدأ غضب الشاكي، وبعبارات جياشة من شيم الرجال واطباع اهل الكويت تساقطت عبارات الغضب وانسحب الى الوراء جنون النفس الامارة بالسوء في مواقف التقدير ومواقع فرض الاحترام.. يستمع للشاكي بتمعن وهدوء، سبقته تهيئةً عجيبة للموقف فقد تعمد رحمه الله وبحرفية مهنية نادرة ان يمتص غضب هذا المشتكي او ذاك.. هدأت ثورته بعد هذا الاستقبال والضيافة، اصطحبه من يده الى غرفة (المختصر) بعيدا عن بقية الموظفين وكل من كان في حضرته، أعطاه الوقت الكافي لشرح كل تظلمه وكل ما يريد.. حتى انتهى، جلست انا بجانبه بحكم عملي السابق، ثم اذن لي بالرد على كل ما قاله مع تقديم كل التقارير والوقائع التي تؤكد صحة ردي على شكواه وكذلك صحة اجراءات ضبط المخالفات التي سجلت ضد مبرته، بل وأفسح المجال لي اكثر كي اقدم له الشرح والمبررات التي تؤكد اقتراف مبرته للمخالفات التي جاء طالبا رفعها، وبعد ان قدم لي نموذجا راقيا للقيادة والحكمة في التعامل الراقي في الاستماع لنوع المخالفات وجسامتها وتقديم السند القانوني لتسجيل هذه المخالفة او تلك، وبعد ان كّون لديه قناعة لصحة موقف وزارته، خاصة فيما يتعلق بتكرار مخالفات هذه المبرة واستدعاء ممثلها القانوني لشرح المخالفات ومناقشتها والتصرف بشأنها وان المبرة لم تلتزم بالتعهد الذي قطعه مجلس ادارتها على نفسه وان الامر اصبح في موقف يتطلب اتخاذ القرار المناسب بحقها، سألني سؤالا مهماً جدا: هل هذا الاجراء مطبق على الجميع؟؟ قلت: تطمن معالي الوزير الكل سواسية… التفت حينها رحمه الله الى الشاكي وقال له (الجماعة ماشين في شغلهم عدل ومطبقين القانون بشكل صحيح)، لم يعجب هذا الكلام الشاكي متهما الوزارة بأنها تطبق القانون على ناس وناس وان هناك مخالفات لمبرات كثيرة لم تقم الوزارة بمخالفتها، استدعت حكمته رحمه الله في ان يتعامل مع مثل هذا الموقف بنوع من الذكاء والفطنة الادارية والحنكة نزع الفتيل دون الاخلال بالقوانين، لقد أنهى الموقف رحمة الله معطيا ذلك الشاكي درسا مهما في تطبيق القوانين والانظمة والقرارات المنظمة للعمل الخيري في البلاد، لكن الدرس لم يكن من وزير الى مواطن شاكي، بل من اخ كبير الى اخ صغير أبعدته اهواء الدروب عن جادة الصواب واحتاج حينها الى من يعيده اليها… نعمَ الهادي الدليل والناصح السديد الى دروب الخير والصلاح، انتهى الموقف ولم تنته سيرة هذا الانسان، رحمك الله يا بوسعود واسكنك فسيح جنانه والهم ذويك الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون.
ناصر أحمد العمار
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق