محمد حيات: بلد البُـندُق

نعيش في (بلد) قائم على الهجرات من الدول المجاورة منذُ مئات السنين، تشكل وتوحد من خلال التحديات الاقتصادية لهؤلاء المهاجرين عبر الكدح والعمل في البحر والبر عبر مهنة كل فرد منهم، وما يميز هذا الشعب هو تنوعه الثقافي والعرقي والمذهبي وقدرته التعايش في ظل هذا التنوع المتعدد، فرسم هذا الشعب لوحة اللحمة والوحدة والتعاون من أجل خلق مجتمع عامل وكادح ومنتج من أجل الحياة الكريمة إلى أن شرف العم (بترول) الذي نقلنا إلى الثراء والرخاء الاقتصادي ومن ثم زف لنا الأجداد (الدستور) بمعاونة والد الجميع الشيخ عبدالله السالم الذي أصر على مواكبة الدول المتحضرة من خلال تعظيم الشعوب ومشاركتها بالمال والحكم لخلق دولة مدنية ذات مؤسسات قانونية تنطلق من القيم الإنسانية الأساسية من مساواة وعدالة وحرية! وبعد توافر كل وسائل النجاح الماضية انطلقت الكويت بمؤسساتها نحو النجومية في محيطها في المجالات السياسية الدولية والاقتصادية والثقافية والرياضية كافة إلى ما توصلنا إليه اليوم!
ما أجمل هذا (البلد)، فقد اجتهد الأجداد سُلطات وشعب في بنائه وتشييده ورسمه وتشكيله، ولقب سابقاً من قبل العديد من الدول بأنه (بلد) الأمن والأمان والحريات والمؤسسات والخير والعطاء والمساعدات الإنسانية والإنجازات والتطلعات، ألقاب عديدة لهذا الموطن الجميل إلى أن وصلنا إلى اللقب الجديد لهذا البلد وهو
(بلد البندق) على يد الوزير الشاب صاحب (الأفيهات) اللاذعة والشيقة والممتعة أدامها الله علينا، في بداية الأمر استنكرت هذا الوصف من قبل معاليه (الوزير الشاب) ولكن بعد التمحيص والتدقيق والتفكير بتصريح معاليه الشهير أيقنت بأن معاليه أصاب كبد الحقيقة، وإننا بلد كحبة البندق ونصبت نفسي مدافعاً عن تصريحه التاريخي الصائب والدقيق والثمين الذي هوجم من قبل الجميع في عالم التغريد! ولكم بعض البراهين :
عندما يتم التوزير وفق معيار المحاصصة بأنواعها كافة بعيداً عن الكفاءة العلمية والعملية والرؤية الصائبة ويتم تجاهل الكفاءات الوطنية الوفيرة في تلك المناصب، نصبح بالفعل بلد البندق!
عندما تتم (مكافأة) من يدافع عن سلبيات الحكومة المتراكمة على مر كل تلك السنين في أكبر المناصب في الدولة على طراز (وكيل مساعد) في المؤسسات الحكومية، نصبح بالفعل بلد البندق!
عندما تصبح خطة التنمية تصريحات وأوهاما مرسومة ومخططة على الورق و37 مليارا لا نعلم مصيرها الفعلي بالتفصيل كشعب، نصبح بالفعل بلد البندق!
عندما نتراجع في المجال الثقافي والأدبي والرياضي والمسرحي والأكاديمي في ظل كل الوفرة المالية غير المسبوقة، نصبح بالفعل بلد البندق!
عندما نُحطم الشباب وطموحاتهم في خدمة وطنهم بالإبقاء على الحرس القديم الذين نصبوا في مناصبهم القيادية في وزارات الدولة منذ أكثر من 35 عاماً، نصبح بالفعل بلد البندق!
عندما نرى ركاكة الجهازين الصحي والتعليمي في بلد يُعمر أوطاناً وبلدانا أخرى من قبل المساعدات الخارجية، نصبح بالفعل بلد البندق!
عندما تزداد البطالة ويبحث الشاب الكويتي عن العمل والوظيفة بالانتظار لأشهر في طابور ديوان الخدمة المدنية ومن ثم يتم توظيفه في وظيفة مناقضة لتخصصه الدراسي بحجة أنه ليس بشيخ أو قريب وزير أو نائب، نصبح بالفعل بلد البندق!
عندما تعجز الدولة بمؤسساتها كافة عن حل معاناة 120 ألف إنسان من دون هوية وعمل وتطبيب وتعليم وزواج وأحياناً من دون (قبر)! نصبح بالفعل بلد البندق!
عندما يُضرب من يعبر عن رأيه بكل سلمية في بلد الحُريات بالقنابل الدخانية وغاز مسيل الدموع والهروات، نصبح بالفعل بلد البندق!
عندما تهان كرامات الناس وتنتشر العنصرية والطائفية والتعصب والتمييز بين مكونات الشعب من قبل كم مريض يخون فئات المجتمع والسلطات تظل عاجزة عن تطبيق القانون وردع هؤلاء المرضى عبر القانون بكل شفافية وحزم قانوني، نصبح بالفعل بلد البندق!
عندما يخالف الشيخ القوانين الرياضية التي شُرعت من قبل سلطة الشعب، ودولة المؤسسات تعجز عن تطبيق القانون عليه وعلى أصدقائه، نصبح بالفعل بلد البندق!
عندما تدفع الدولة قيمة الشرط الجزائي لإلغاء صفقة (الداو) بالمليارات بسبب عدم قدرة الحكومة السابقة على مواجهة الاستجواب من قبل معارضي الصفقة رغم امتلاكها الغالبية البرلمانية الساحقة آنذاك، نصبح بالفعل بلد البندق!
عندما يختار الشعب ممثلي الأمة على أسس طائفية وعرقية وقبلية بعيداً عن القدرات التشريعية والرقابية، نصبح بالفعل بلد البندق!
عندما تفسر القوى السياسية حرية الرأي حسب مصالحها ووفق قياس اللباس الطائفي والعِرقي، نصبح بالفعل بلد البندق!
عندما نمتلك حكومة تسير بلا دراية وخطة ومنهج واضح وعندما نمتلك معارضة متخبطة كلامية لا تملك استراتيجية ومطالب ونهج مبين ومدروس، نصبح بالفعل بلد البندق!
عندما يصبح (الفقير) بأبسط قواعد اللباقة الإعلامية وحُسن التشبيه والتدبير هو يُدير مصالح البلاد والعباد! نصبح بالفعل بلد البندق!
عندما وعندما وعندما،،، إلى آخره، لم أتفق يوماً مع معاليه، الوزير الشاب الشيخ محمد العبدالله من قبل في أي قضية إلا في تصريحه التاريخي بلد البندق! أصبت معاليك وآخر دعوانا اللهم نسألك الصبر وحسن العلم والعمل ولاحول ولاقوة إلا بالله!
عفواً أخيراً عندما يتم توزير فرد يتدرب في مصالحنا ومستقبلنا ومصيرنا لمجرد أنه ابن فلان الفلان، هنا بالفعل نصبح بلد البندق!

Mjh_kuwait@hotmail.com
@m_joharhayat
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.