ثمة نوعية معينة من بني البشر تبدو كالفراش لا تتوب من الاقتراب من النار حتى تحترق بها. فمن أدمن الفتنة يبدو كالفراش الذي يقترب من الضوء حتى يحترق بالنار. فيندفع ويتهور ولا يحسب عواقب الأمور ما دام طيشه وتهوره سيجعلانه دائماً في أعين الناس وفي أسماعهم. فالفتنة والدعوة لها والعياذ بالله تشبه إدمان الوقوف تحت دائرة الضوء والاقتراب تدريجياً ناحية النار الحارقة. فثمة أشخاص لا يتحملون الغياب عن كاميرات وعدسات الصحافة والتلفزيون, فتراهم يسعون بكل ما يستطيعون من عناد وتعنت وتطرف الى الوقوف أطول وقت ممكن تحت دائرة الضوء حتى لو كانت أضواء الفتنة التي يتداعون إليها لها مزيفة وتجلب الشر والدمار. فمن يبدو يتواثب على الفتنة ويروجها ويدعو لها ويحض الآخرين على الانخراط بها هو كالفراشة الغبية تلك التي تطير وتتهافت لاحقاً حول النار التي تحرقها وتنهيها.
إضافة إلى ذلك, يتصف المدمنون على إثارة الفتن باستحواذ هذا الشر (الفتنة) على قلوبهم وعقولهم أربعاً وعشرين ساعة في اليوم, وسبعة أيام في الاسبوع. فثمة أيضاً جانب مرضي يرتبط بالتواثب على الفتن Fixation وهو شبيه القرب بالهوس المرضي بسلوكيات وتصرفات عصابية لا تنفك قبضتها الحديدية مطبقة على حياة من أدمنوا الفتن والقلاقل والاضطرابات. فالتعلق بالفتن والانبهار بنارها يبدو انه يرجع سببه لمرحلة نضج مضطربة سابقة. أي أنَّ من لم يتجاوز مرحلة طيش وتهور وتقلب أهواء مرحلة الطفولة لا بد له أن يعلق أهواءه بشيء مثير لاحقاً. فالفتنة مثل هدهدة طفولية تُغري صاحبها نحو مزيد من الطيش والتهور والاقدام على تصرفات نشاز وانفعالات تدل على عدم قدرة هذا النوع من الأشخاص على ضبط النفس.
وبالطبع, من سيخسر لاحقاً بسبب الفتنة هم دعاة الفتنة والمروجون لها. فكلما زاد حنق دعاة الفتنة ضد النعم والأمن والأمان التي يتمتعون بها كلما اقتربوا أكثر من نار الفتنة, بل وكلما تعنت دعاة الفتنة وازبدوا وهذروا وحاولوا تبرير دعواتهم المدمرة كلما زاد احتراقهم بنار الفتن. فالفتنة والعياذ بالله ستحرق وقت اشتعالها تلك الحناجر الوقحة, والتي دعت لنشرها في المجتمع. فهؤلاء الأشخاص هم كالفراش الطائش, مندفع ومتهور لا يتحرى عواقب الاقتراب من لهيب النار, حتى ينتهي به الأمر فراشاً مبثوثاً على أرض خراب يموجون بعضهم في بعض من شدة حيرتهم وحسرتهم. والله المستعان.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق