هديل الحويل: احترمني حتى لا أحترمك

تعود الناس في مجتمعاتنا العربية على صورة طبقية لتصنيف البشر, تلك الصورة تعمل معهم عمل الخريطة التي توضح لهم مواقع الناس والمسافات الضرورية التي عليهم أن يقطعوها ليقتربوا منهم, ووسيلة المواصلات الأفضل للوصول إليهم, ولو كانت تلك الخريطة على ورق حقيقي, ولو كانت لتلك الخريطة مفاتيح دلالية لكانت كالآتي:
اللون البرتقالي: يشير إلى الناس صعبة الوصول, الذين جعلت مراكزهم منهم أناسا أقرب إلى الأسود في شراستها, وأبعد عن الأسود في عفتها, وهؤلاء يجب عليك أن تستقل قطار التذلل وتحديدا عربة الرأس الخانع, والتي تليها عربة الرقبة المكسورة, فلو عجزت عن ايجاد مقعد في الأولى وأسرع لحجز مقعدك في الثانية, فمن دون قطار الذل أنت عاجز تماما عن الاتصال بهم أو محاولة التواصل معهم شئت ذلك أو أبيت, لأنهم ببساطة يعتبرون أنفسهم مقدسين حرام عليك المساس بهم, ويرون أنفسهم شرعا لا يجوز لك اعتناق غيره.
اللون البنفسجي: يشير إلى المواصلات العامة والتي تمكنك من الوصول إلى وجهة المسؤولين الأصغر مكانة, لكنهم لا زالوا يتحكمون بمصائر الناس ومستقبلهم, وهؤلاء طرق الوصول إليهم أرخص, فسيارة الأجرة العامة, التاكسي, لا تكلفك أكثر من رشوة مادية, وان عجزت عن ان تستقل “التاكسي” فعليك بالباص والذي تكلفته عبارة عن اتصال من شيخ قبيلة أو عمود من أعمدة الطائفة فتتحقق غايتك, أما أن تحاول الوصول إلى وجهتك البنفسجية وحدك فهذا سيكلفك مرة أخرى كرامتك.
اللون الأصفر: يشير إلى خطوط المشي أو الطرق التي تستطيع أن تسلكها مشيا للوصول إلى أولئك المبتسمين من المسؤولين والقريبين بطبيعتهم إليك رغم السلطة التي كلفوا بها ولم تكلف عليهم, فركبوا فرس السلطة ولم تركبهم, وأمسكوا بلجامها وروضوها وأنفسهم معها, فلا قفزوا على ظهر أحد, ولا تعالوا على أحد, فكانوا ينزلون من على ظهر سلطتهم كلما هموا بطلب إنساني بسيط ككوب من الشاي من عامل منهك, أو ورق تصوير من سكرتيرة مشغولة.
وهؤلاء تحديدا كما أشرت يلونون على الخريطة بلون المشاة الأصفر, لذلك فهم لشدة لطفهم على الهامش عند غالبية الناس رغم سلطتهم و قدرتهم, إلا أن الناس تأمن شرهم فلا تظن بهم السوء ولذا فالناس أقدر على انتهاك حق إخواننا الموسومين بالأصفر من دون خوف من تهديد, وذلك ببساطة لأننا نعيش في مجتمع لم يعتد أن يحترم الذي يحترمه, ولكن أن يحترم ويهاب من يهدده بقول أو فعل أو نظرة.
وعليه فإننا أول ما نبادر بالسؤال عنه إذا ما حالفنا الحظ في أوساط عملنا المهني أو حياتنا الشخصية, عن أحد أولئك الموسومين باللون الأصفر, فإننا نسأل السؤال الشهير إياه “هل هي عربية? هل هو عربي?” فكأننا نعترف على أنفسنا, وعلى المجتمع بأسره, بسمة الغرور ولعنة العنجهية وشطط التكبر, ومن هذا نستشف أن الغالب على العرب أنهم يطمحون للسلطة ويسعون إليها بهدف التحكم بمصائر الناس والتعالي عليهم وعلى حاجتهم, وبالتالي بهدف التحكم باستقامة ظهورهم وارتفاع رقابهم وعلو أنوفهم.
ولذا فإنه يجب علينا أن نعيد صياغة الخريطة من جديد وأن نغير ألوانها التي أقل ما يقال عنها انها ألوان بشعة وغير متناغمة لا تخلق سوى البشاعة في المجتمع ولا تتسبب بغير الفساد, فتكون كل خرائطنا باللون الأصفر ويكون كل مسؤولينا على مكان ما من الخريطة يسهل الوصول إليه, على أن يبقى لون يحكم علاقتنا بالخريطة و من عليها وهو اللون الأحمر, والذي يشير إلى “الاحترام”.

h_alhuwail@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.