لا يندرج ضمن التوقعات أن يكتب المرء يوما ما عن تجاوزات إدارية ومالية في مجلس الأمة، باعتباره صرحا يلجأ له الآخرون إذا ما وجدوا تجاوزا إداريا أو ماليا في زاوية من زوايا القطاع العام، لكن يبدو أن ذلك أصبح حقيقة، وأنه يمكننا استحضار المثل الدارج «طبيب يداوي الناس وهو عليل»، وسينضم ذلك الصرح إلى قائمة المتجاوزين على المال العام وعلى حقوق الموظفين.
التقيت مجموعة من الموظفين في مجلس الأمة وتحدثوا عن موظف كبير من موظفي المجلس وكأنه شخصية أسطورية، فعلى يديه تجري أنهار من المال العام، تارة يضعها عند هذا الطرف وتارة أخرى عند آخر، حسبما يكون خيار الرضا متوفرا، ورغم أنني جادلتهم بأن ما يقولونه لا يمكن أن يحدث في بيت الأمة، خاصة في هذه الأيام، حيث يدير أنشطته قاض سابق، لكنهم أحرجوني بالوثائق والمستندات.
قرأت تلك المستندات وأعترف أنني أصبت بالذهول، لكنني ملكت نفسي، كيف يمكن أن نظل كل تلك السنوات نلهث خلف تجاوزات السلطة التنفيذية وقطاعاتها الممتدة من البحر إلى البحر، ولم يدر في خلدنا أبدا أن لصوص المال العام أحدثوا ثغرة في أهم متراس من متاريس الدفاع عن المال العام وهو مجلس الأمة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أضفوا على عملهم نوعا من أنواع القدسية، على اعتبار أن البرلمان لا يمكن أن تحدث فيه مثل تلك التجاوزات.
الوثائق موجودة وقد أنشرها لاحقا، وأتوقع أن يشكل رئيس مجلس الأمة علي الراشد لجنة تحقيق في كل إجراءات الإدارة المختصة بالمناقصات والممارسات وأوامر التشغيل، وليعلن على الملأ نتائج تحقيق تلك اللجنة، فالأمر خطير ولا يمكن أن تتحول المؤسسة، التي تنبش على المتجاوزين أوراقهم في القطاعات الحكومية المختلفة، بسطوة شخص أو أشخاص، إلى مرتع للتجاوز على المال العام، مهما بلغت أسطورية ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص، فالقانون يجب أن يطبق – كما قال سمو الأمير – على الكبير قبل الصغير.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق