أ.د.محمد المقاطع: بين الاستجوابات والتحقيقات


لم يكن وضع نص المادة 114 من الدستور، الخاصة بتشكيل لجان التحقيق البرلمانية، مسألة صعبة أمام المجلس التأسيسي الذي تبناها، وصارت جزءاً من الدستور الكويتي، فالتحقيق البرلماني هو تحقيق سياسي وهدفه الوصول إلى إدانة سياسية في مواجهة الوزير أو رئيس الوزراء، أو إدانة سياسية للمسؤولين في الأجهزة الحكومية تنبثق عنها توصيات باتخاذ إجراءات إدارية في مواجهتهم، إن ثبت لها إدانتهم بالمعطيات السياسية التي تحصنت تحت أيدي اللجنة. لذا، فإن هذا التحقيق، كما قررته المادة 114، يكون في مواجهة الوزراء والموظفين الحكوميين فقط، ولا يجوز أن يمتد الى غيرهم، لما في ذلك خروج صارخ على مقتضيات التحقيق السياسي من جهة، وصراحة النص من جهة أخرى، والوصول به إلى التحقيق الجنائي الذي يخالف مبدأ فصل السلطات واختصاصها الدستوري من جهة ثالثة.

وبالمتابعة لمجريات لجان التحقيق البرلمانية وجدنا محاولة لتجاوز هذا الفهم وصولاً إلى تحقيق جنائي وإدانة جنائية، خروجاً على أحكام الدستور، ولا أدل على ذلك من المقترح الذي تقدم به بعض أعضاء مجلس الأمة لمعاقبة من يمتنع من المواطنين العاديين عن الحضور أمامها بالسجن لمدة ستة شهور، وهو اقتراح من بدايته مخالفة صارخة للدستور لا يجوز قبوله ولا الموافقة عليه.

وتفريعاً على ما سبق، فإنني لا أتفق في الرأي مع التوجه الذي سلكته لجنة التحقيق في التحويلات بطلب التمديد لها في مهمتها، وكذلك أي تمديد للجنة الإيداعات، فلو تم الالتزام بحدود التحقيق السياسي والأشخاص الذين يجوز لهم استدعاؤهم لسماع شهاداتهم، لما احتاجوا إلى مثل هذا التمديد، ولنا أن نطرح تساؤلاً بأنه هل لم يتوافر لهذه اللجان ما يكفي للإدانة السياسية حتى تطلب التمديد، سعياً للوصول إلى الإدانة الجنائية، والتي هي خارج اختصاصها وصلاحياتها الدستورية؟ مجرد سؤال.

أما على صعيد الاستجوابات، فإن الاستجوابين المقدمين لوزير المالية، ورداً على سؤال بشأن إمكانية دمجهما في استجواب واحد، نقول إن ذلك غير ممكن لانتفاء عناصر الارتباط المقررة في المادة 137 لإمكانية دمجهما، نظراً لوجود سبعة موضوعات في أحد الاستجوابات تختلف عن موضوعات الاستجواب الآخر، ولوجود موضوعين مختلفين في الاستجواب المقابل، ومجموع ما هو متوافق بينهما محور واحد، والمختلفة هي تسعة محاور. لذا، فمبررات الدمج غير موجودة، حتى مع آلية التنازل التي قد توجد عضواً مشتركاً في الاستجوابين، لكنها لا تكفي لأن تشكل أساساً لهذا الدمج بينهما، ولا يمكن أن يتم ذلك حتى بقرار من المجلس، لأن ذلك مرهون بتحقق عنصر الارتباط الوثيق، وهو في رأينا غير موجود.

اللهم إني بلغت.

أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

dralmoqatei@almoqatei.net
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.