مشروع الداو كيميكال ليس الأول في قائمة التجاوزات الإدارية والمالية، ولن يكون الأخير، والتراشق بين الأطراف السياسية والإعلامية لن يغير من واقع الحال شيئا، فأول سرقة مليارية (سرقة ناقلات النفط) في تاريخ البلاد عام 1990 والكويت تنزف دما، خرج أصحابها بكل هدوء ليس بسبب تواطؤ من السلطة القضائية كما يروج البعض، بل بتواطؤ من السلطتين التشريعية والتنفيذية، حتى البطل الذي كشف تلك السرقة لا أحد يتذكره الآن.
السرقة الثانية كانت سرقة الاستثمارات التي عمل عليها «شو» نائب إسلامي سابق في مجلس الأمة، وتجول على حساب المال العام في إسبانيا، حتى تردد أنه كان يزود اللصوص بتقارير لجنة التحقيق، ليدخلوا عليها التعديلات التي يريدون، وذلك أيضا بتواطؤ من بعض أعضاء مجلس الأمة، وبعض أعضاء الحكومة، وليس من السلطة القضائية، ويمكن أن نتذكر في هذا الصدد دور الوزيرين السابقين مشاري العنجري وأحمد باقر في استعادة بعض تلك الأموال.
مجلس الأمة منذ عام 1990 كان بعض أعضائه شهود زور على ما يجري، بل إن بعضهم كان مدافعا عن سراق المال العام، ومن يرد التوسع والتحقق فليرجع إلى مضابط آخر استجواب للنائب عبدالله النيباري لأحد وزراء الحكومة المعنيين، وسيعرف حجم المأساة التي حاول بعضهم تغطيتها، والبحث عن مسؤول يحملونه مأساة الداو، ولم يفهموا أن مشروع الداو كان نتيجة وليس سببا لوضع مأساوي أطلق عليه زورا عملا برلمانيا.
مجالس الأمة يفترض بها أن تكون ممثلة للمواطنين، أي أن خمسين نائبا يمثلون الشعب الكويتي، لكن الحقيقة غير ذلك، فبعض أولئك ليسوا ممثلين للشعب بل هم ممثلون لمتنفذين أغدقوا عليهم الأموال الحرام، بدءا من الانتخابات الفرعية التي تجريها القبائل، التي سهلت عملية سرقة البلاد، حتى الانتخابات الرئيسية التي تفتح فيها الخزائن من أجل إيصال اللصوص الصغار، وبعضهم أزعجنا بصراخه عن المال العام ليل نهار.
الداو كيميكال هي الجزء الظاهر من جبل الجليد، وهي إحدى ظلال سرقة ناقلات النفط، فلولا سكوت بعض أعضاء مجلس الأمة وبعض أعضاء الحكومة عندما نهبت البلد، وهي في أمس الحاجة لمن يقف معها، لما رأينا تلك السرقات المليارية فيما بعد، ولولا وقوف بعض من يدعون الإسلام يدافعون عن اللصوص لما تطورت قضية سرقة الناقلات إلى سرقة أكبر تحت مسمى جديد هو الداو كيميكال.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق