كلام بسيط ومباشر أتمنى أن نشترك به جميعا يتعلق بما يحدث من توتر في العلاقة بين السلطتين من دون الدخول في التفاصيل، فالخوض أحيانا في بعض التفاصيل وأشخاص مسببيها و«الوظيفة» التي كلفوا بها يمثل إهانة للعقول واستخفافاً بالقراء وهدراً لوقتهم ووقتنا.
أهم ما يمكن استخلاصه مما يحدث الآن وحدث سابقا أن الربط بين مجالس الأمة وبين الأزمات يجب أن ينتهي لأنه ربط خاطئ.
شهدنا مجلساً كانت فيه غالبية من الشخصيات المحترمة الملمة فعلا بالرقابة والتشريع مع حس وطني عالٍ يمكّنها من تقدير الظروف واتخاذ القرارات الصحيحة، ومع ذلك لم تكن العلاقة بين هذا المجلس والحكومة مستقرة.
وشهدنا مجلساً صنف بأنه حكومي أو أن الحكومة تملك غالبية فيه ومع ذلك استمر التوتر.
وشهدنا مجلساً معارضاً، الحكومة تملك أقلية فيه بدأ بتفاهمات معها وانتهى بصدامات.
وشهدنا مجلساً قوياً لم يتعايش مع الحكومة ومجلساً ضعيفاً لم يتعايش مع الحكومة. اختبرنا الدوائر المتعددة بحثاً عن النظام الانتخابي الأمثل ومع ذلك بقيت الأمور على حالها.
والشيء بالشيء يذكر، فالربط بين الحكومات وبين الأزمات يجب ان ينتهي ايضا لأنه ربط خاطئ.
شهدنا حكومة فيها غالبية من اصحاب الكفاءات والتجربة والخبرة مع محلل نيابي واحد ومع ذلك لم تنته الصدامات والأزمات.
وشهدنا حكومات فيها عدد كبير من النواب إضافة إلى شخصيات مستقلة وشيوخ أداؤهم جيد ومع ذلك لم يتغير شيء.
وشهدنا حكومات وزراؤها موظفون عند رئيس الحكومة مع شيوخ أداؤهم سيئ ومحللون اداؤهم أسوأ… مكانك راوح.
وشهدنا حكومات فيها اختيارات على قاعدة المحاصصات الأسرية والقبائلية والطائفية وأخرى غابت عنها إلى حد ما هذه المعايير والنتيجة واحدة مع المجالس النيابية… وئام وغرام فانتقام.
مرة نسمع من رؤساء حكومات ان المجلس منتج ومتعاون ثم نسمع منهم انفسهم ان المجلس لديه اجندات خاصة لتعطيل التنمية والمشاريع. ونسمع من اقطاب نيابيين ومعارضين عن بعض رؤساء الحكومات أنهم إصلاحيون ثم نسمع منهم انفسهم عكس ما قالوه عنهم بل يصل الأمر الى التجريح الشخصي وليس السياسي فحسب.
مجلس قوي. مجلس ضعيف. مجلس يشرع ويراقب. مجلس يعطل التنمية. مجلس متعاون. مجلس إنجاز. مجلس بقالة. مجلس يخمش. مجلس الصوت العالي. مجلس الصوت الواطي… كله سيان لأن المشكلة في مكان آخر.
حكومة قوية. ضعيفة. تنفيذية. تنموية. إصلاحية. متعاونة. ترعى الفساد. تغطي السرقات. عاجزة. تطبق القانون. مسطرتها واحدة… كله سيان لأن المشكلة في مكان آخر.
المشكلة هي عدم تطوير النظام السياسي الكويتي. في عدم تفعيلنا لمضمون هذا الدستور العريق الذي سبقنا الآخرون في جعله حكماً وضابطاً للمؤسسات وناظماً للعلاقة بين السلطات. والمشكلة الأكبر تكمن في أن تطوير النظام السياسي يحتاج الى استقرار عام في البلد ومناخ توافقي وارتفاع الحس الوطني الى ما فوق العصبيات الطائفية والقبلية والمناطقية… وهذه العناصر الثلاثة غائبة للأسف الشديد، فلا الاستقرار السياسي أعطانا فترة عامين متواليين للبحث والتفكير الهادئ، ولا المناخ التوافقي حط في الحياة العامة بل العكس حصل، ولا الحس الوطني ارتفع فوق العصبيات بل لنكن صريحين فإن العصبيات هي التي ارتفعت فوق الحس الوطني. الطائفة المدخل الأقصر للتوزير والتوظيف واحتلال مقعد سياسي أو اجتماعي أو النقل أو الندب أو حتى «للعلاج في الخارج»، وكذلك الأمر بالنسبة للقبيلة أو المنطقة. وما علينا إلا العودة إلى الشعارات التي رأيناها في مختلف مراحل التأزيم كي نكتشف كم غابت الكويت وحضرت الطائفة والقبيلة والمنطقة.
لا شك في أن أداء السلطتين له دور أساسي في تطوير البلد لكن الاستعراض السريع لطبيعتهما على مدى سنوات يظهر لنا ان المشكلة في مكان آخر، وان تطوير النظام السياسي هو المشكلة التي يجب على الجميع التعامل معها بكل جدية من السلطة قبل المعارضة، والحق يقال إن هناك عجزاً كبيراً لدى ألوان الطيف السياسي الموالي والمعارض في فهم مثلث «الاستقرار والتوافق ونبذ العصبيات» كمدخل لابد منه للعبور الى المستقبل.
هل الحل في مؤتمر وطني عام لتجديد الثوابت وتحديد المتغيرات ووضع الحلول؟ ربما. ولكن تحت خيمة الصراخ والتهديدات والتحدي وسيادة ثقافة الإلغاء والإقصاء وتراجع الحس الوطني، سيبقى في الكويت حزبان فقط هما المجلس والحكومة، وداخل الحزبين أحزاب كثيرة صغيرة لا تختلف في شيء عن أحزاب الدول النامية التي تشهد اضطرابات وجهالات وظلاميات، وعدم تطوير نظامنا السياسي يفرض على الكويت أن تبقى تحت مظلة هذه الأحزاب غير المشهرة… رغم وجود ألف ثقب في المظلة.
مرة أخرى، هو تفكير بصوت عالٍ أتمنى أن يشترك الآخرون معي في بلورته، فقد أكون مخطئاً أو مصيباً، تماما أو جزئيا… حسبي أنني اجتهدت.
جاسم بودي
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق